الفصل الثالث عشر
دلفت الى غرفتها وهي تحمل صينية تحتوي على بعض الأطعمة التي تفضلها هي عادة ..
تقدمت نحوها ووضعت الصينية أمامها على السرير وهي تتأمل وجهها الشاحب تماما ..
" تناولي طعامك حبيبتي .."
قالتها وهي تربت على كتفها برقة لتهز جيلان رأسها وهي تأخذ الملعقة تحمل بها القليل من الطعام وتضعه داخل فمها بحركة آلية فقط كي تظهر أمام خديجة بصورة طبيعية ...
ابتسمت خديجة بعطف وهي تتأملها وفي داخلها تدرك إن هناك شيء ما يحدث معها فطوال اليومين السابقين كانت تبدو في أسوأ حالاتها ورغم إن وضعها النفسي كان سيئا منذ وفاة والدها لكن اليومين السابقين كانا الأسوء على الاطلاق ..
قررت أن تتواصل مع أخيها فعليه أن يعلم بما يحدث مع أخته ..
كم تشعر بالشفقة على تلك الصغيرة وما تعانيه في سنها هذا بينما أخيها يتجاهلها تماما مكتفيا بإرسال الأموال لها وكأن الأموال ستغني عن وحدتها المؤلمة ..
اتجهت خارج غرفتها وقد عقدت العزم على الإتصال به حالا بينما وضعت جيلان الملعقة جانبا ما إن خرجت خديجة وعاد الألم يرتسم على ملامح وجهها الرقيقة ..
سمعت صوت رنين هاتفها فجفلت مكانها وهي تتخيل إنه المتصل ..
جذبت الهاتف من فوق الطاولة بيد مرتجفة لتجد إسم إحدى صديقاتها يهتز على الشاشة ..
رفضت المكالمة ورمت الهاتف على الطاولة مجددا وأنكمشت على نفسها تماما بخوف حقيقي وهي تحتضن ساقيها أمام صدرها بذراعيها ...
لقد أخبرها إنه سيتصل بها في أقرب وقت كي تتجهز للقاء الباشا خاصته وإذا إمتنعت عن ذلك فصورها سوف تنشر في كل مكان ...
عادت دموعها تتساقط على وجنتيها بغزارة وهي تتخيل ما سيحدث معها وما سيفعله ذلك الرجل بها ..
رغم برائتها وعدم إدراكها لطبيعة ما سيفعله ذلك الرجل لكنها تدرك إنه يريد إستغلال جسدها ..
تحول بكائها الى شهقات فسارعت تضع كف يدها على فمها تكتم شهقاتها بصعوبة ...
إنتفضت من مكانها مجددا على صوت رنين هاتفها فسارعت تجذبه لتجد رقما غير مسجلا يضيء الشاشة ..
أرادت ألا تجيب لكنها تذكرت تهديداته فضغطت على زر الإجابة بأنامل مرتجفة ليأتيها صوته الكريه يخبرها :-
" عزيزتي جيجي .. من الجيد إنك أجبت على إتصالي بسرعة .. هذا يدل إنك إستوعب إنه لا يوجد مفر لكِ مني .. موعدك مع الباشا سيكون بعد الغد .. سأنتظرك أمام نفس المقهى في تمام الساعة الخامسة عصرا .. لا تتأخري ولا تفكري بعدم المجيء لإن النتيجة لن تعجبك .."
سقط الهاتف جانبها بينما عادت هي تضع كفها على فمها تكتم شهقاتها والدموع الحارقة تغطي وجهها تماما ..
اما في الخارج سمعت خديجة صوته وهو يقول بعد تنهيدة بدت لها متعبة :-
" حسنا يا خديجة .. سأمر عندها يوم الجمعة وأفهم ما يحدث مع حضرة المدللة .. "
" أشكرك حقا يا بك .. إعذرني على إزعاجك لكنني مضطرة لذلك فوضعها يقلقني للغاية .."
" انتبهي عليها حتى آتي وأراها بنفسي .. "
أغلقت الهاتف بعدها لتتنهد خديجة بقلق وهي تدعو ربها أن تحسن زيارة أخيها لها قليلا من نفسيتها ..
.......................................................................
أغلق عمار هاتفه بعدما أنهى محادثته مع خديجة ورماه بإهمال على المكتب أمامه ..
أغمض عينيه بإرهاق وهو يعود برأسه الى الخلف قليلا ..
عادت أفكاره تتجه نحوها لا إراديا يتسائل إذا ما أخبرت ليلى بحديثه ..
خمسة أيام تبقت على موعد الجلسة وهو لا يريد أن يطلقها الآن ..
هو سيطلقها عاجلا أم آجلا لكن ليس الآن ...
يحتاج الى بعض الوقت يتأكد من خلاله من بعض الاشياء قبل أن يمنحا حريتها مع كافة حقوقه وهو بدوره سيتفرغ لمريم .. مريم الذي سيفعل أي شيء لينالها ..
فتح عينيه وعاد متقدما بجسده أماما ما إن سمع طرقات على باب مكتبه يتبعه دخول سكرتيرته تخبره :-
" راغب الهاشمي في الخارج يريد مقابلتك .."
دهشته كانت كبيرة فقدوم راغب الهاشمي بنفسه الى مكتبه أمرا صادما ..
" أدخليه فورا .."
قالها وهو يستعد لرؤيته عندما دخل راغب بملامحه الجامدة قليلا ملقيا التحية عليه لينهض عمار من مكانه مرددا بهدوء لا يخلو من التهكم :-
" كبير عائلة الهاشمي بنفسه هنا .. كان عليك أن تخبرنا قبلها بقدومك كي نجهز إستقبالا يليق بك .."
تجاهل راغب كلماته وهو يجلس على الكرسي أمامه بعدما حياه بإقتضاب بينما عمار يحاول إكتشاف سبب قدومه فشخص مثل راغب الهاشمي لا يسعى لزيارة
كهذه إلا إذا كان هناك أمرا هاما جدا خلف زيارته ..
ربما إشتكت جيلان له وأخبرته بإهماله لها ..؟!
فكر بهذا لكن سرعان ما أزاح أفكاره جانبا فراغب لن يأتي بنفسه إليه فقط لإن إبنه عمه إشتكت له من أخيها بل في داخله يعلم إنه لن يهتم حتى لو فعلت ذلك وجيلان نفسها لن تشكو وضعها لراغب أو أيا من أفراد عائلتها فعلاقتها بهم محدودة للغاية ..
" ماذا تحب أن تشرب ..؟!"
سأله عمار بجدية مزيحا أفكاره جانبا ليهتف راغب برسمية :-
" قهوة سادة إذا أمكن .."
هتف عمار بإبتسامة رسمية هو الآخر :-
"بالطبع .. "
ثم طلب من السكرتيرة أن تجلب لهما القهوة ..
" إذا ما سبب تشريفك لنا راغب بك ..؟!"
سأله عمار بهدوء رغم فضوله المتفاقم لمعرفة سبب الزيارة ..
هتف راغب مجيبا على تساؤله :-
" لدي عرض لك ..."
قاطعه عمار :-
" بخصوص أي شيء ..؟!"
أجاب راغب بجدية :-
" بخصوص شركة عمي الذي أصبحت أنت مسؤولا عنها بعد وفاته ..."
ابتسم عمار بخفة وقال بنبرة ذات مغزى :-
" رحمة الله عليه .. في الحقيقة فاجئني تصرفه .. آخر ما توقعته أن يمنحني أنا مسؤولية ميراث جيلان حتى تتم عامها الحادي والعشرين .. توقعت أن يختار أحدا من إخوانه او أبنائه .. بل توقعت أن يختارك أنت يا راغب بك كونك كبير العائلة و.."
قاطعه راغب بهدوء مصطنع :-
" بالتإكيد كان لديه وجهة نظر معينة في إختياره .."
رد عمار مؤكدا :-
" عمك يدرك جيدا إن لا أحد سيحافظ على مال ابنته كأخيها .. فضل مصلحة ابنته على أي إعتبارات أخرى .. "
هز راغب رأسه مرددا :-
" هذا ليس مهما .. المهم هو العرض الذي أتيت لأجله .."
اومأ عمار برأسه يطلب منه الحديث ليضيف راغب بهدوء المعتاد :-
" أنا أريد شراء الشركة منك بمبلغ قدره .."
كان المبلغ خياليا بحق لكن عمار يدرك إن الشركة هذه بالذات أرباحها قادرة على تعويض هذا المبلغ تماما ..
راغب الهاشمي يدرك جيدا أهمية هذه الشركة وهو يسعى جديا لإستردادها منه ..
أنهى راغب حديثه ليتأمل عمار بملامحه الساكنة تماما قبل أن يقول الأخير :-
" لو كنت مكاني ، هل ستبيعها ...؟!"
انفتحت الباب ودلفت السكرتيرة وهي تحمل فنجاني القهوة حيث وضعت أمام راغب فنجانه ثم عمار قبل أن تنسحب خارجة من المكان ليجيب راغب بجديته المعهودة :-
" دعنا نتحدث بصراحة يا عمار ... الشركة كانت لنا من الأساس .. عمي ورثها من جدي رحمة الله عليه .. بكل الأحوال نحن أحق بها من أي أحد .. "
" وجيلان ورثتها من والدها .."
قالها عمار بقوة ليومأ راغب برأسه مرددا :-
" نعم هو كذلك ولكن شركة كهذه لا يجب أن تخرج من العائلة .. نحن الأحق بهذه الشركة وبإدارتها .. "
هتف عمار بتحفز :-
" جيلان من العائلة راغب بك .. يعني الشركة لن تخرج من عائلتكم واذا كنت تقصدني أنا بحديثك فإدارتي لهذه الشركة وضع مؤقت حتى تكبر جيلان وتدير هي شركتها بل أملاكها بنفسها .."
قال راغب بصراحة :-
" كلا ستخرج .. جيلان ابنتنا هذا أمر لا خلاف عليه ولكنها ما زالت صغيرة على تحمل مسؤولية شركة كهذه .. انا أفكر بعيدا يا عمار .. سيأتي يوم وتتزوج جيلان وحينما ستصبح هذه الشركة ملكا لزوجها ومع مرور الوقت ستصبح خارج إطار شركات الهاشمي .. نحن الأحق بملكية هذه الشركة .."
هتف عمار هازئا :-
" كان عليك أن تخبر جدك رحمه الله بهذا الكلام قبل أن يمنح ملكية هذه الشركة لعمك والذي منحه بدوره لجيلان .."
هتف راغب بقليل من الحدة رغم ضبطه الشديد لأعصابه :-
" انتبه على إسلوبك وأنت تتحدث معي يا عمار .."
صاح عمار ساخطا :-
" وأنت إنتبه على ما تقوله .. تتحدث وكأن جيلان هذه ليست واحدة منكم .. تريد أن تأخذ منها شركة والدها والتي هي أحق الناس بها .."
نهض راغب من مكانه مرددا بقوة :-
" انا سآخذها مقابل مبلغ خيالي يا عمار .. مبلغ يفوق قيمة الشركة حتى .. أنت تعلم جيدا إن راغب الهاشمي لا يظلم أحدا ولا يأكل حق أحد ..."
رد عمار ببرود مقصود :-
" مختصر الكلام .. طلبك مرفوض .. انا لن أبيع شركة أختي ولو عرضت علي أضعاف هذا المبلغ .."
منحه راغب إبتسامة باردة قبل أن يقول بنبرة جافة :-
" كما تريد .. لكن تذكر دائما إنني سأنال هذه الشركة .. بإرادتك أو إجبارا عنكِ .."
ثم تحرك بهدوء خارج مكتبه تتابعه أنظار عمار الحانقة وهو يردد بجفاء:-
" هذا ما كان ينقصني .. خلاف مع راغب الهاشمي كي تكتمل السعادة ..!"
........:.............................................................
جلست غالية أمامه تهتف بضيق :-
" إذا أنت مصر على قرارك ..؟!"
اومأ برأسه وهو يجيبها بجدية :-
" نعم يا غالية ولن أتراجع عنه .."
تأففت غالية وقالت :-
" ولكنه حقك .. أنت يحق لك في شركة والدي ما يحق لي وله .. بدلا من أن تفتح مشروعا خاصا بك وتبدأ من الصفر بإمكانك أن تأخذ الشركة الثانية .. الوضع سيكون أسهل وهذا حقك .."
قاطعها بتمهل :-
" انا أريد أن أبدأ من الصفر .. أفضل هذا .."
أضاف بغموض لم تنتبه له :-
" وحقي في أملاك والدي لن يمسه أحد .. انا فقط أنتظر الوقت المناسب وحينها كل ذي حق سينال حقه .."
أردف بجدية :-
" انا ووسام اتفقنا على كل شيء وسنبدأ التنفيذ خلال أيام .."
أومأت برأسها على مضض ثم ابتسمت وهي تهتف بصدق :-
" وفقك الله يا نديم .."
" آمين حبيبتي .."
هتفت بعدها وقد تذكرت أمرا ما :-
"صحيح ..هل ذهبت الى حياة أم بعد ..؟!"
أجاب وقد تذكر أمر زيارته الى حياة وذلك الحديث الذي جمعهما :-
" بلى ذهبت وتحدثت معها أيضا .."
سألته بفضول :-
" عن أي شيء تحدثتما ..؟!"
صمت قليلا ثم قال وهو يبتسم بخفة :-
" عرضت الزواج عليها .."
اتسعت عيناها بدهشة حقيقية جعلته يبتسم على تلك الصدمة المرتسمة على وجهها بوضوح قبل أن تهتف بقليل من البلاهة :-
" ماذا فعلت ..؟!"
رد وهو ما زال مبتسما :-
" عرضت الزواج عليها يا غالية .."
" هكذا .. بهذه السرعة .."
قالتها بعدم تصديق قبل أن تضحك وهي تهتف بتهكم :-
" منذ إسبوع كنت تود قطع علاقتك بها وبعد أيام قليلة تعرض الزواج عليها .. "
أضافت وهي تبتسم بسعادة :-
" لكنه قرار مناسب .. انا سعيدة لأجلك .."
" لا تفرحي كثيرا فهي لم توافق على عرض بعد .."
قالها بقليل من الإحباط لتبتسم وهي تقول بثقة :-
" ستوافق .. هي فقط تحتاج الى بعض الوقت .. "
أطلق تنهيدة صامتة ثم قال بصدق :-
" أتفهم ذلك .. أتفهمه كثيرا .. "
أردف بملامح مهمومة :-
" رغم رغبتي الشديدة بالحصول على موافقتها لكنني لا أستطيع أن أمنع نفسي من الخوف مما هو قادم .. الخوف من أن يضرها وجودها معي .."
قالت غالية بسرعة تحاول إزالة هذا الشعور عنه :-
" بالله عليك لا تفكر هكذا .. أنت لن تضرها يا نديم .. أنت لا يمكن أن تضر أحدا .."
ابتسم بمرارة وقال :-
" نديم لم يعد كالسابق يا غالية.. تغيرت الكثير من الأشياء داخلي .. الفترة التي قضيتها في السجن تركت آثارها داخلي .. آثار ربما لم تنتبهي أنتِ عليها ولكنني أدركها جيدا .. أشياء كثيرة داخلي ما زلت عاجزا عن تجاوزها .. "
تطلعت إليه بشفقة بينما تنهد هو بصوت مسموع قبل أن يسألها :-
" صحيح ، هل عمار ما زال مقيما في الفيلا ..؟! أقصد يعني هل يتردد دائما في الفيلا ويبات فيها ..؟!"
أجابته رغم دهشتها من سؤاله :-
" كلا ، منذ ما حدث مع ليلى وهو لا يأتي الى الفيلا أبدا .. أتذكر إنه أتى مرة واحدة فقط حيث صعد الى غرفته مباشره وخرج بعد اقل من ساعة .. "
سألته بعدها :-
" لماذا تسأل عنه يا نديم ..؟!"
منحها إبتسامة باهتة وهو يجبيها :-
" مجرد سؤال عادي لا أكثر ..."
نظرت إليه بعدم إقتناع لكنها آثرت الصمت بينما سرد هو بأفكاره بعيدا مفكرا إن عليه البدء بإولى خطواته المنتظرة ..
...................................................................
" من يراكِ اليوم لا يصدق إنك ليلى التي كانت يائسة محطمة منذ أيام .."
قالتها مريم وهي تتأمل أختها التي تقف أمام المرآة تضع الحمرة على شفتيها مرتدية فستانا أرجوانيا رائعا وشعرها الأشقر الحريري منسدل بشكل جذاب على ظهرها ..
كانت تبدو مشعة حقا وكأن ليلى القديمة عادت بل خرجت من سباتها الذي طال لأعوام ..
" من الآن فصاعدا ستريني هكذا دائما ..."
قالتها وهي تلتفت نحوها وتقف أمامها بإبتسامة رائعة وفتنتها الطاغية سيطرت على المكان ..
تأملتها مريم بجمالها الإرستقراطي الجذاب قبل أن تهتف بصدق :-
"أنتِ تدركين بالتأكيد مدى جمالك بل فتنتك يا ليلى .. دوما ما كنتِ الأجمل بيننا جميعا .. "
" لماذا تقولين هذا الآن ..؟!"
سألتها ليلى مستغربة لتبتسم مريم وهي تقول بجدية :-
" ربما كي تعلمي إنك تستحقين الأفضل بكل شيء .. ربما كي تدركي قيمة نفسك يا ليلى .."
سألتها ليلى مستنكرة حديثها :-
" ألا أفعل ذلك يا مريم ..؟!"
لم تجبها مريم بل تجاهلت سؤالها وهي تبتسم وتربت على وجهها مرددة بحب :-
" لكن اليوم أنت بالفعل تبدين في أروع حالاتك .. مشعة كالشمس .. ما رأيك أن نخرج ونسهر في أحد الأماكن .."
" لم لا ..؟! انا أريد الخروج حقا.."
قالتها ليلى بحماس قبل أن تسمع صوت طرقات على الباب ثم تدخل الخادمة تخبرها :-
" عمار بك ينتظر في الأسفل يا هانم .."
هتفت مريم بقرف :-
" هادم اللذات ومفرق الجماعات .."
لكن ليلى لم تهتم ولم تنزعج بل ابتسمت وهي تخبر الخادمة :-
" أخبريه إني قادمة حالا .."
ثم نظرت الى مريم تخبرها بثقة فاجئت الأخيرة :-
" تجهزي كي نخرج سويا بعد ذهابه .."
ثم سارت بخطواتها المترفعة خارج غرفتها ..
دلفت ليلى الى صالة الجلوس لتجد عمار هناك والذي نهض من مكانه يتأملها من رأسها حتى أخمص قدميها بملامح لا تحمل أي تعبيرا قبل أن يلتوي فمه بإبتسامة صغيرة وهو يهتف بتهكم واضح :-
" يبدو إن الإنفصال عني منحك جمالا وحيوية بل وسعادة ايضا .."
سألته وهي تجلس أمامه واضعة قدما فوق الأخرى :-
" ألديك شكا في هذا ..؟!"
جلس أمامها هاتفا بإبتسامة مستفزة :-
" أدرك جيدا كم عانيتِ معي لكن حبيب قلبك يستحق هذه المعاناة ..؟!"
سألته بجدية دون أن تظهر ضيقها من حديثه :-
" ماذا تريد يا عمار ..؟!"
أجابها بهدوء :-
" جئت لأخبرك إنني سأطلقك يا ليلى .. بل وسأمنحك كافة حقوقك .."
هتفت بسرعة :-
" لا أريد أي شيء منك سوى حريتي.."
ثم سألته بإستغراب :-
" ولكن ما سبب تغيير رأيك فجأة ..؟!"
لم تظهر على ملامحه شيء وهو يجيب :-
" عدة أسباب أهمها .."
قاطعته بضيق :-
" لا يهمني معرفتها .. آية كانت أسبابك فهي لا تهمني .. المهم إنني سأتطلق .."
" اسمعيني اولا يا لولا فهناك شيء ما يجب أن تعلمينه .."
هتفت بنفاذ صبر :-
" تفضل وقل ما لديك .."
ابتسم وهو ينهض من مكانه مقتربا منها قبل أن يضع أمامها ظرفا أبيضا متوسط الحجم ويهمس لها :-
" افتحيه .."
نظرت إليه بقلق قبل أن تجذب الظرف وتفتحه بأنامل متوترة لتخرج مجموعة من الشيكات والتي تحمل أرقاما خيالية جميعها تحميل توقيع والدها ..
" ما هذه ..؟! هذه مزورة بالتأكيد .."
قالتها وهي تنتفض من مكانها بعنف ليهتف بها محذرا :-
" اخفضي صوتك .. لا يجب أن يسمع أحدا فهناك شيئا آخر مهما من الأفضل ألا يسمعه سواك .."
" ما هذه الشيكات ..؟! هل كان والدي يتدين منك وأنا لا أعلم ..؟!"
سألته لاهثة ليهتف بجدية :
" كلا ليس مني .. كان يتدين من غيري .. من بعض أصدقائه من رجال الاعمال وانا إشتريت هذه الشيكات منهم بعدما دفعت لهم المبلغ المطلوب وبالتالي أصبح دينه عندي .. "
هزت رأسها بعدم تصديق وهي تهتف :-
" ولكن تاريخ هذه الشيكات من أعوام .. ثلاثة أعوام وأكثر .. لماذا ظهرت الآن ..؟! "
ابتسم مرددا بمكر :-
" لقد خبأتها لوقت الحاجة ..كنت أنتظر الوقت المناسب كي أظهرها أمامك ..وها قد جاء الوقت المنتظر .. "
" وماذا عن أبي ..؟! كيف لم يسدد ديونه ..؟! كيف سمح لنفسه أن يبقى تحت رحمتك .."
ضحك مرددا :-
" أبوكِ لا يعلم إن الشيكات أصبحت عندي .. المسكين صدق كلام أصحاب الشيكات الأصليه بإنهم سينتظرونه حتى يستطيع إيفاء ديونه فتمادى بدوره وتجاهل كافة الديون خاصة وإن شركته لا تربح سوى القليل جدا والذي بالكاد يكفي مصاريفه .."
هزت رأسها تردد بعدم تصديق :-
" لا أصدق .. كيف وصل به الحال الى هنا ..؟! كيف ..؟!"
هتف بنبرة ماكرة وإبتسامة خفية :-
" مسكين .. لديه بدل المنزل إثنان .. وزوجته الثانية متطلبة كثيرا .."
تجمدت ملامحها وهي تستمع الى حديثه لتهتف بعدم تصدق :-
" ماذا تقول أنت ..؟! آية زوجة ..؟!"
قال بجدية :-
" والدك متزوج بأخرى منذ أعوام ولديه طفلا منها أيضا .. طفلا جميلا لديه شعر أشقر لا مثلك وعينين زرقاوين حادتين فاتنتين كعيني أختك .. لو ترينه يا ليلى .. يشبهكما كثيرا .. "
أضاف وهو يتأمل ملامحها المحتقنة كليا :-
" لا تلوميه يا عزيزتي .. الرجل كان يريد صبيا يحمل اسمه ووالدتك عجزت عن منحه الصبي الذي يتمناه .."
أخذت تهز رأسها بعدم تصديق والألم يسيطر على كل خلجاتها لتجلس على الكنبة خلفها بوهن وعقلها لا يستوعب ما حدث بيننا هتف هو أخيرا مخبرا إياها ما تبقى في جبعته :-
" اسمعيني يا ليلى .. هما شرطان لا ثالث لهما .. إن لم تنفذيهما سأقدم الشيكات كلها الى الشرطة وحينها الله وحده يعلم كم سيسجن والدك كما إن خبر زواج والدك الثاني سيكون وقعه صعبا على والدتك المسكينة والتي بالتأكيد لن تتحمل صدمة كهذه في زوجها الحبيب .."
تأمل نظراتها المليئة بالوجع وقال مضيفا :-
" ما أريده منك ليس صعبا على الإطلاق .. تؤجلين الطلاق لفترة .. فترة قصيرة وسأطلقك أنا بنفسي بعدها .. هذا اول شيء أما الشيء الآخر فهو إنك لن تفعليها وتخبري نديم بالسبب الحقيقي وراء زواجك مني .. لن تخبريه بتهديداتي لك ولا بأي شيء خاص بيننا .. التزمي بشروطي وانا أعدك إنني لن أفعل ما يؤذي والدك وعائلتك مهما حدث .."
يتبع
أعتذر عن قصر الفصل وباذن الله احاول غدا انزل الفصل الرابع عشر ❤️❤️
أنت تقرأ
حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح )
Romanceهو رجل يشبه الظلام .. رجل طعنه القدر بقسوة ولم يتبقَ منه سوى بقايا روح ترفض الحياة .. أما هي فأتت وإخترقت حياته المظلمة بالصدفة البحته .. بقلب نقي بريء وروح لا ترغب بشيء سوى الأمان وجدت نفسها عالقة بين ظلماته المخيفة .. وأخرى لم تدرك شيئا سوى إنها ت...