الفصل الحادي والأربعون

3.7K 175 16
                                    

صاحت سهام بحدة :-
" ماذا تقول انت ..؟! انت تهذي بالتأكيد ..."
عادت ليلى تجلس مكانها تتأملها بشماتة بينما أكملت سهام بنظرات حارقة :-
" انت تضعني أمام الأمر الواقع .. تمنحني ورقة سخيفة من المفترض إنها تضمن حق ولدي بينما كل شيء في الواقع يبقى تحت سيطرتك ..."
هتف بهدوء مصطنع :-
" هذه الورقة ستضمن لك حقوقهما مستقبلا بعد عمر طويل .. وطوال حياتي أنا سأتولى مسؤوليتهما كاملة .. يعني سأقوم بكل واجباتي في حياتي وبعد مماتي سينالان حقوقهما كاملة .. ماذا تريدين أكثر من هذا ..؟!"
هتفت بنبرة طامعة :-
" أريد حقوقهما كاملة على أن تكون تحت تصرفي ..."
" تحلمين ..!!"
قالها بصوت حازم قبل أن يضيف :
" انا لم أمت لعد لتطالبي بهذا .."
رددت سهام هازئة :-
" وحتى لو مت .. لن تمنحني حق التحكم بأي شيء حتى يبلغان سن الشرد .."
هتف مذهولا :-
" إذا أنت ما يهمك في الحقيقة هي الأملاك وليس ولديكِ .."
نظرت ليلى الى والدها بشفقة بينما قالت سهام بإباء :-
" توقف يا أحمد .. انا أطالب بما هو حقي ..."
نهض أحمد من مكانه فوقفت ليلى لا إراديا تنظر إليه بحذر وقلق من أن يحدث معه شيء سيء وهو الذي خرج لتوه من المشفى عندما سمعت والدها يقول :-
" لا حقوق لكِ عندي .. "
أكمل بقوة وهيمنة :-
" الشيء الوحيد الذي ستنالينه مني مؤخر طلاقك ونفقتك .. "
أضاف متحكما بكل شيء هذه المرة :-
" حتى ولدك لن تأخذينه بعد الآن والطفل القادم سآخذه منك حالما تلديه فمن مثلك لا تؤتمن على ولديَّ ... "
نظرت له ليلى بألم لا إرادي مفكرة في وضع الطفلين بينما قالت سهام ببرود :-
" جيد إنك ستمنحني حقوقي كاملة لكن ضع في بالك إنني لن أرضى بهذا .. سأحارب لأنال حقوق ولديَّ ومعهما حضانتهما ..."
ضحك أحمد بخفة قبل أن يردد :-
" لا تكوني واثقة الى هذا الحد فأنت لا تعرفيني جيدا يا سهام .. انت لم ترِ حتى الآن سوى جانب معين مني .. يمكنني أن أُريكِ جوانب أخرى كثيرة أثق جيدا إنها ستصدمك .."
صاحت ليلى فجأة بلا وعي :-
" توقفا أنتما الإثنان .. انا لا أصدق ما تفعلانه .. تتحدثان بهذه الطريقة وتتحديان بعضيكما متناسيين وجود طفل وحده من يتحمل نتائج هذه التصرفات وطفل أخر قادم في الطريق .."
أكملت تشير إليها بنبرة حزينة مؤنبة :-
" يوجد طفلان بينكما ... يجب أن تفكران بهما في كل خطوة تخطيانها وفي أي تصرف تقومان به ..."
هدرت سهام بحدة :-
" والدك من فعل هذا .. لو كان يهتم لأمر طفليه لمنحني ما أريد وأنهى هذه المهزلة ..."
أخذ أحمد نفسا عميقا يحاول السيطرة على غضبه بينما همست ليلى بنفور :-
" انت لا يمكن أن تكونِ أم ... الأم لا تفعل هكذا .. لا تستغل أطفالها ... لا تزيد عليهما ..."
" وما أدراكِ أنتِ بالأمومة يا حلوتي ..؟! هل جربتها مسبقا وأنا لا أعلم..؟!"
قالتها سهام بتهكم لتهمس ليلى وهي ترمقها بإحتقار :
" لم أجربها بعد ولكنني رأيتها أمامي وأعرف قيمتها وأهميتها ... أعرف إن الأم بحق هي من تفعل أي شيء كي تبقى بجانب أطفالها .. تحميهم وتفديهم بروحها إذا إقتضى الأمر .. أعرف جيدا إن الأم بحق هي من تفضل راحة وسعادة أطفالها على كل شيء وأولهم نفسها ..!!"
همت سهام بالرد لكن أحمد قال بجدية :-
" إنتهينا يا ليلى .. واحدة مثلها لن تفهم هذا .. هي لا تستحق أن تكون أم .."
نظرت له سهام بحدة عندما قال مضيفا :-
" إنظري إلي .. سأعقد إتفاقا معك .. "
تأملته ليلى بقلق بينما أكمل هو بهدوء :
" سأمنحك مبلغا ماليا ضخما يضمن لكِ حياة مرفهة حتى آخر عمرك ومعه عقد الفيلا بشرط أن تتنازلي عن حضانة الطفلين لي فأنا لا أريد لهما أن ينشئان مع أم مثلك ..."
هزت ليلى رأسها برفض مفكرة بوضع الطفلين اللذين سوف ينشئان بدون أمهما بينما تأملته سهام بملامح جامدة عندما همست أخيرا تتسائل ببرود وقد أدركت إن جميع الطرق باتت مغلقة تماما في وجهها مثلما أدركت إنها خسرت طليقها الى الأبد فهو بات يعرفها جيدا وتمثيل البراءة ومحاولة كسب عطفه لن تجدي شيئا :-
" كم المبلغ ...؟!"
جحظت عينا ليلى بعدم تصديق رغم إدراكها مدى حقارة تلك المرأة بوضوح عندما أخبرها أحمد بالمبلغ لتصمت سهام للحظات تدعي التفكير قبل أن تجيب أخيرا بحسم :-
" موافقة .."
لم تتحمل ليلى الموقف أكثر فإندفعت خارج المكان بعصبية تاركة والدها يكمل أتفاقه مع زوجته ..!
اندفعت الى غرفة والدتها حيث كانت فاتن تجلس هناك منعزلة منذ وصول سهام لتنتفض من مكانها وهي تجد ليلى تتقدم نحوها ترتمي داخل أحضانها عندما إحتضنتها فاتن بقوة لتشهق ليلى باكية داخل أحضانها ..
ربتت فاتن على ظهرها وهي تشدد من إحتضانها تتسائل بقلق :-
" ماذا حدث يا ليلى ..؟! ماذا حدث يا إبنتي ..؟!"
كانت ليلى مستمرة في بكائها تفرغ من خلاله آلامها التي لا تنتهي .. المشاكل التي تحيطها من جميع الجوانب دون توقف ..
كانت تبكي الماضي ومعاناتها .. تبكي ما حدث بين والديها .. تبكي خوفها على شقيقتها من عمار وآلمها على ما حل بأخيها المسكين الذي لا يعي لشيء والآخر الذي لم يبصر النور بعد ...
ظلت على هذه الوضعية بينما أخذت والدتها تهدهدها  بحنان كطفلة صغيرة حيث أخذت تخفف عنها بالكلام الذي تبعته بقراءة آيات من القرآن الكريم حتى هدأت ليلى أخيرا بين أحضانها ..
بعد لحظات إبتعدت ليلى وهي تمسح وجهها بكفيها ثم تأخذ أنفاسها عدة مرات عندما إسترخت ملامحا أخيرا وقد ساعدتها نوبة البكاء العنيفة التي سيطرت عليها في التخفيف من ثقل روحها ..
سألتها والدتها وهي تربت على ذراعها بحنو وإهتمام :-
" ماذا حدث يا روحي..؟! ماذا يحدث معك يا ليلى ..؟!"
ردت ليلى بصوت مبحوح :-
" لا شيء ..."
أكملت وهي تنظر الى والدتها بمقلتيها الحمراوين وهي تضيف بتروي :-
" انا فقط متعبة قليلا هذه الأيام .."
قالت فاتن بجدية رغم قلقها :-
" أنتِ تضغطين على نفسك كثيرا يا ليلى والأسوء إنك لا تشاركين همومك وضغوطاتك أحد ... تحدثي يا إبنتي .. أخبريني عما يحدث معك .. شاركينا همومك يا ليلى .."
ربتت ليلى على كف والدتها تردد بإبتسامة مصطنعة :-
" انا بخير .. مشاكل بسيطة معتادة ليس إلا .."
أضافت بعينين شاردتين :-
" ضغوطات الفترة السابقة ومع تبعها من مواجهة بابا مع طليقته قبل قليل فجرت الألم داخلي .."
أضافت بعينين عادت الدموع تغزوهما :-
" سهام هذه بلا قلب يا ماما .. تخلت عن طفليها لأجل المال .."
شحبت ملامح فاتن وهي تتسائل بعدم إستيعاب :
" ماذا تقولين يا ليلى ..؟! كيف يعني تخلت عن طفليها لأجل المال ..؟!"
شرحت لها ليلى :-
" لقد عرض بابا عليها مبلغا ماليا مقابل التنازل عن حضانة عبد الرحمن والطفل القادم وهي وافقت .."
صاحت فاتن بعدم تصديق :-
" وكيف يفعل والدك شيء كهذا ..؟! ألم يفكر بطفليه ..؟! كيف يمكنهما العيش بدون والدتهما ..؟!"
قالت ليلى بسرعة:-
" لا تلوميه يا ماما .. هو مضطر لذلك وإذا وضعنا العواطف جانبا سنجد إن تصرفه هو الصحيح ..!"
همت فاتن بالتحدث عندما قاطعتها ليلى بجدية :-
" سأخبرك ما حدث قبل قليل وستتأكدين إن الحق مع بابا ..!"
ثم سردت لها ما حدث بين والدها وسهام حتى وصل الأمر الى هنا عندما زفرت والدتها أنفاسها بضيق وهي تردد :-
" لا أصدق ما يحدث .."
أكملت بشفقة :-
" واقعيا كلاهما لا يهماني ولا يستحقان الشفقة .. فقط الطفل المسكين وأخيه القادم هم من يجعلاني أشفق عليهما وأتمنى لو لم ينتهي الوضع بين والدك وسهام بهذه الطريقة لأجل الصغيرين ليس إلا .."
تمتمت ليلى بخفوت :-
" وانا مثلك يا ماما .. أشفق عليهما من مصيرهما القادم ...!!"
أضافت وهي تهمس لوالدتها بحب :-
" شكرا لك يا ماما .."
سألتها فاتن بإستغراب :-
" علام تشكرينني يا صغيرتي ..؟!"
ردت ليلى بإبتسامة شاحبة :-
" على كل شيء .. على أمومتك الرائعة وعطائك الذي لا ينتهي .. على حنانك الدائم ورعايتك المذهلة .. شكرا لك يا ماما .. شكرا لوجودك في حياتنا .. شكرا كثيرا .."
ابتسمت فاتن بعينين دامعتين قبل أن تجذبها داخل أحضانها مجددا تضمها بحنو أمومي بالغ ..!
........................................................................

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن