الفصل الحادي والثلاثون ( الجزء الاول )

3.4K 184 18
                                    

الفصل الحادي والثلاثون ( الجزء الاول )
في احد المطاعم الشهيرة ..
كانت تجلس أمامه تبتسم برقة وشعرها الغامق بخصلاته الشقراء ينسدل بنعومة على جانبي وجهها بينما ترتدي فستانا حريريا بنفسجي اللون طويل ذو فتحة صدر واسعة تبرز منطقة نحرها بجاذبية خطيرة وذو اكمام طويلة شفافة ..
كانت إطلالتها بسيطة لكنها فائقة الجاذبية مثلها تماما ومكياجها الناعم ولون أحمر شفاهها المميز يجذبه نحوها برغبة مخيفة ..
ابتسمت وهي تقول بعدما ارتشفت القليل من عصيرها المفضل :-
" إذا ما سبب هذه الدعوة وفي يوم كهذا ..؟!"
هتف يتصنع عدم المعرفة :-
" ما به هذا اليوم ..؟!"
ردت ضاحكة :-
" دعوتني الى العشاء في يوم زفاف أخيك .."
قاطعها بجدية :-
" لا تبدئين الآن .. انتِ تعرفين كل شيء فلا داعي لكل هذه المراوغات ..."
اكتفت بإبتسامة هادئة عندما حمل عصيره يتناوله بدوره ثم  قال بعدما أعاد وضعه على الطاولة :-
" إذا سأتحدث الآن .."
" كلي آذان صاغية لك .."
قالتها بجدية ليبتسم بهدوء قبل ان يقول :-
" اليوم ليس يوما عاديا يا شيرين .. اليوم نفذت أهم قرارين في حياتي لهذه الفترة .. بالأحرى نفذت إحداهم وسأنفذ التالي الآن .."
" ما هذان القراران..؟!"
سألته بإهتمام ليجيب بنفس الجدية:-
" اول قرار نفذته .. طلقت ليلى .."
لم تبدُ عليها الدهشة حيث اكتفت برد مقتضب :-
" جيد .."
سألها متمعنا النظر في ملامحها التي سيطر عليها البرود :-
" ألن تقولي شيئا عن هذا ..؟!"
ردت ببرود :-
" ماذا سأقول ..؟! بالطبع لن أواسيك لإن هذا آخر ما تحتاجه وبالطبع لن أبارك لك لإنك طلقت ليلى بعدما دمرت حياتها كليا وسرقت سنوات عمرها .."
" يكفي .."
قالها بحنق قبل أن يضيف بضيق :-
" من الأفضل ألا تقولي شيئا .."
سألته بدورها :-
" لماذا تزعجك الحقيقة الى هذه الدرجة ..؟! لماذا لا تعترف بذنوبك ..؟!"
رد بهدوء :-
" من قال هذا ..؟! على العكس تماما .. انا أعترف بجميع ذنوبي .. وهذا الفرق بيني وبين البقية .. انا أعترف بذنوبي وجرائمي بحق الجميع لكنني راضيا عنها للغاية أما الإنكار فليس طبعي والدليل إنني لم أنكر يوما أي شيء فعلته حتى الآن .."
" أنت تخيفني ..."
قالتها مرغمة ليبتسم وهو يردد :-
" لا يجب أن تخافي مني .. طلبي لا يناسبه الخوف أبدا .. "
" أي طلب ..؟!"
سألته بإستغراب ليرد بإبتسامة :-
" أخبرتك إن هناك قرار ثاني اتخذته منذ مدة وسأنفذه حالا .."
تطلعت إليه بإهتمام ليضيف بقوة وجدية :-
" أنا أريد الزواج منك يا شيرين ... "
تجمدت ملامحها للحظات قبل ان يخف جمودها وهي تردد بعدم إستيعاب :-
" تريد الزواج مني ..؟!"
اومأ برأسه وهو يجيب بجدية وثقة :-
" نعم ، انا أعرض الزواج رسميا عليك وأريد موافقتك بشدة .."
سألته وهي لم تستوعب بعد ما سمعته :-
" لماذا ..؟! "
" هذا سؤال غير منطقي أبدا .. "
" بل إنه السؤال الأكثر منطقية .. لماذا تعرض علي الزواج الآن يا عمار ..؟! ولماذا تريد الزواج مني أنا تحديدا ..؟!"
سألته بقوة ليرد بهدوء :-
" إخترت هذا التوقيت لإنني كنت أنتظر إتمام إجرائات الطلاق رسميا قبل أن أعرض الزواج عليكِ .. يعني أكون حرا من أي إرتباط قبل تقديم هذا العرض ... ولماذا أريدك أنتِ تحديدا ..؟! لإنكِ المرأة الوحيدة التي وجدت بها الزوجة التي أريدها وأتمناها .. المرأة الوحيدة التي تصلح أن تكون زوجتي ..."
" هذا هراء .. انا وانت مختلفين تماما .. وانت بالطبع لا تتوقع أن أقبل بك بعد كل أفعالك الحقيرة ..."
توقفت عن المزيد من الكلام عندما لاحظت جمود ملامحه ولا تعلم لماذا شعرت بألم في قلبها وهي تتحدث بهذه القسوة ..؟!
هل طبيعتها ولطفها الزائد عادة جعلها تستاء من نفسها لإنها تفوهت بكلام قاسي كهذا أم إنها تألمت لأجله ..؟!
نفضت هذه الأفكار عن رأسها وهي تنهض من مكانها تردد بجدية:-
" انا وانت لا نناسب بعضنا ابدا .. انا لا يمكنني العيش معك بكل ما تحمله داخلك من ظلام وقسوة .. بكل ما تفعله من جرائم وآلام في حق الجميع .."
همت بالتحرك لكنه قبض على ذراعها يجذبها نحوه لتتلاقى عيناها بعينيه بنظرة طويلة فرأت بعينيه شيئا غريبا صادما .. شيئا يشبه الرجاء ... هل يرجوها بنظراته حقا أم تتوهم ..؟!
شعرت بقلبها يهوى أسفل قدميها من نظراته تلك فهمست بتوسل :-
" عمار .. اتركني من فضلك .."
رد بقوة وإباء ؛-
" لن أتركك قبل أن تعترفي أمامي وانت تنظرين داخل عيني إنك لا تشعرين بأي شيء نحوي ولا تحملين داخلك شيئا لي .."
" ماذا تفعل انت ..؟! ما هذا الطلب السخيف ..؟!"
همست بضعف وهي تحاول التحرر من قبضته بينما عيناها تنظران الى الناس حولها تخشى أن ينتبه أحدهم لوضعهما قبل أن تعاود النظر إليه فتضيف برجاء :-
" اتركني يا عمار .. الجميع سينظر إلينا .. ارجوك .."
حرر ذراعها لتندفع بسرعة خارج المكان فيجري مندفعا خلفها عندما تبعها خارج المطعم ينادي عليها بأعلى صوته فتتوقف مكانها تلتقط أنفاسها بصعوبة فتشعر به يقترب منها قبل أن يقبض على ذراعها يديرها نحوه يأمرها بقوة :-
" أخبريني هيا .. قولي إنك لا تشعرين نحوي بشيء .. "
" عمار ..."
قالتها بتوسل ليهتف وهو ينحني نحوها اكثر مقربا وجهه من وجهها :-
" لن تستطيعي التأثير علي بما تفعلينه .. لن أتركك ولن أتراجع عن طلبي إلا عندما تخبريني بصدق إنني لا أعني لك شيئا .."
" ابتعد من فضلك .."
همستها بتوسل وهي تشعر بنبضات قلبها ترتفع بقوة فيقرب وجهه من وجهها أكثر يهمس بخفوت مغري :-
" هيا قوليها .. ماذا تننتظرين ..؟! قوليها يا شيرين ..."
صاحت بحرقة وهي تدفعه بقوة بعيدا عنها :-
" نعم انا أشعر بالكثير نحوك .. ما زلت تهمني وما زالت مشاعري القديمة موجودة .. لم يتغير شيء .. رغم كل شيء مشاعري ما زالت كما هي .. ربما خفت بمرور السنوات لكنها ما زالت موجودة ... اللعنة عليك ... هل إرتحت الآن ..؟!"
" كثيرا .."
قالها مبتسما قبل أن يجذبها نحوه بقبلة صادمة عنيفة فتدفعه بعد لحظات بعيدا عنها وهي تصفعه على وجهه بقوة قبل أن ترفع إصبعها في وجهه وهي تردد بتهديد :-
" إياك أن تكررها .. انا لست واحدة من عاهراتك .. هل تفهم ..؟!"
تحركت مبتعدة عندما سيطر هو على غضبه بصعوبة وصاح بصوت عالي وصل إليها وهي التي كانت على وشك ركوب سيارتها :-
" انت لستِ كذلك ولن تكوني يوما ... انت ستصبحين زوجتي .. المرأة التي تحمل إسمي .. حلالي وإمرأتي .... فلا داعي لكل هذا .. انا لم أنظر يوما إليك بهذه الطريقة .. فكري بعرضي جيدا فأنا أنتظر قرارك النهائي بأسرع وقت ..."
................................................................
دلفت الى داخل الشقة التي إختارت أن تقضي ليلتهما الأولى فيها بدلا من الذهاب الى فندق راقي كما اقترح عليها هو ..
أرادت أن تقضي ليلتهما الأولى في هذه الشقة لسبب غير محدد .. ربما لإنها شعرت بالدفء يسيطر عليها في المرات القليلة التي جائت بها الى هنا وربما لإنها تشعر إن هذا المكان كان يحمل بداية جديدة له او ربما لإنه عاش الفترة السابقة وحيدا هنا فقررت أن تقضي معه الاربعة أيام المتبقية لهما هنا تمحي أي ذكريات له تملؤها الوحدة وتمنحه ذكريات خاصة بهما ..
أشياء كثيرة أرادتها وحلمت بها وخططت لها لكن كل شيء ذهب هباءا ...
سمعت صوت إغلاق الباب فلم تشعر بالخوف الذي من المفترض أن تشعر به أي عروس لإنها تدرك جيدا إنه لن يحدث أي شيء الليلة ..
هي لن تسمح أن يحدث أي شيء وهو لن يرغمها بالطبع فلا وجود للخوف ..
الشيء الوحيد الذي تشعر به حاليا هو الألم والحسرة وربما الضياع وهذا ما يجعلها ترغب بالإنفراد مع نفسها قليلا ...
شعرت به يقترب منها فظلت واقفة مكانها عندما وضع كفيه فوق كتفيها فإتتفضت مبتعده بسرعة عنه مستديرة نحوه بملامح عصبية ..
هتفت تسبقه الحديث :-
" أين الغرفة الأخرى التي لا تمكث بها انت ..؟! أريد تغيير ملابسي والنوم حالا لإنني متعبة .."
هتف بجدية:-
" حياة .. نحن يجب أن نتحدث .."
قالت بقوة :-
" بماذا سنتحدث ..؟! ماذا تريد أن تقول ..؟!"
رد بجدية :-
" تفسير .. أريد أن أمنحك تفسيرا لما رأيته .. اسمحي لي بذلك على الأقل .."
ردت بجفاء :-
" صدقني مهما فسرت فلن يغير حقيقة ما رأيت وانت لن تستطيع أن تغير من حقيقة ما رأيته وشعرت به يا نديم .. لذا من الأفضل لك ولي أن نترك أي أحاديث لا معنى لها ولن تضيف لنا شيئا .. دلني على مكان الغرفة الثانية من فضلك فطاقتي نفذت ولا يمكنني البقاء هكذا .. أحتاج الى النوم حالا أكثر من أي شيء .."
نعم هي تحتاج الى النوم بل بالأحرى الى الهروب..
حاول ان يتحدث محددا لكنه تراجع وهو يرى الإصرار بعينيها فقال بجدية :-
" تفضلي .."
سارت خلفه الى الغرفة المجاورة لغرفته لتدلف الى الداخل تتأمل الغرفة الأنيقة بصمت قبل أن تلتفت نحوه تجده يتأملها بهدوء دون وجود تعبير محدد على ملامحه ..
" أحتاج حقيبتي .."
قالتها وهي تحاول الخروج من الغرفة لكنه أوقفها قائلا :-
" سأجلبها أنا .."
خرج وعاد بعد لحظات يحمل حقيبتها التي تحمل قليلا من ملابسها وأغراضها ..
وضع الحقيبة على الأرضية وسألها بإهتمام :-
" ألا تحتاجين شيئا آخر ..؟!"
ردت بجمود :-
" كلا ، شكرا لك .."
عاد يسألها :-
" ألن تتناولي  العشاء قبل النوم على الأقل ..؟!"
ردت بإقتضاب :-
" كلا ، لا شهية لدي .."
هز رأسه متفهما ثم منحها نظرة طويلة وجدت بها شيئا غريبا لم تفهمه قبل أن يتحرك خارج الغرفة فتندفع بسرعة نحو الباب وتغلقها بقوة قبل ان تتجه نحو السرير تجلس عليه تسمح لدموعها لأول مرة أن تتساقط على وجهها بحرية...
مر بعض الوقت قضته تبكي بصمت .. تبكي دون أن تفعل شيئا آخرا ..
توقفت عن بكائها بعد مدة ليست قصيرة لتنهض من مكانها تجر قدميها نحو الحمام الملحق بالغرفة بتعب بعدما خلعت حذائها ...
وقفت أمام المغسلة حيث فتحت صنبور المياه وبدأت تغسل وجهها بالماء البارد عدة مرات قبل أن تجففه بقوة ..
اتجهت خارجا وفتحت الحقيبة تسحب منها بيجامة حريرية لها قبل أن تقع عينيها على قميص النوم الكريمي الذي اشترته لأجل الليلة فكتمت دموعها بصعوبة وهي تحمله من مكانه تتأمله للحظات قبل ان ترميه بإهمال في الحقيبة مجددا وتتجه لخلع فستانها وارتداء البيجامة ..
ارتدت بيجامتها ثم فكت تسريحتها البسيطة محررة شعرها القصير لتتجه بسرعة نحو السرير بعدما فتحت جهاز التكييف وأغلقت الضوء حيث اندست بجسدها أسفل غطاء السرير تغمض عينيها بقوة تحاول ألا تفكر بشيء كي تنام بأسرع وقت لكن رغما عنها عادت ذكريات الليلة تغزو عقلها فبدأت دموعها تتساقط مجددا وشهقاتها تظهر هذه المرة ..
استمرت في بكائها أسفل  الغطاء لوقت ليس بقليل قبل أن تذهب في نوم عميق أثناء ذلك ..
اما في الخارج فوقف نديم في الشرفة يستنشق الهواء بقوة محاولا السيطرة على أعصابه الثائرة بعد كل ما حدث ...
لقد تدمرت هذه الليلة تماما وانتهت فرحته قبل أن تبدأ ..
لا يعلم بمَ عليه أن يفكر ..؟!
من جهة ليلى وما علمه منها وترك داخله آثرا عميقا ومن جهة حياة وما سببه لها من آلم والنتيجة إن مشاعره اختلطت تماما لكن شعور واحد واضحا داخله نحو الاثنتين .. هو يشعر بتأنيب ضمير شديدة اتجاه كلا من حياة وليلى مثلما يشعر إنه خذل الإثنتين وهذا يجعله يرغب بالإختفاء من على وجه الأرض ..
كان يتمنى حقا ان يتخطى حديثه مع ليلى بوجود حياة وقد استعاد ثباته واصراره وظن إن وجود حياة سيساعده كثيرا فهي تستطيع أن تؤثر عليه بقوة وتبعد كل الأفكار المؤلمة من قلبه وروحه .. وجودها كالبلسم لجراحه ..
لكن ما حدث قلب كل الموازين فحياة هي الأخرى تخلت عنه بعدما تألمت منه .. هجرته في اول ليلة لهما كزوجين ... سرقت منه كل شيء أراده وخطط له وهاهو يقف وحيدا في شرفة شقته يدخن سيجارته بصمت وعقله يكاد ينفجر من التفكير وقلبه يتألم لأسباب كثيرة...
ظل مستيقظا حتى الصباح وقد فشل في الحصول ولو على ساعات قليلة من النوم ..
اتجه نحو غرفته حيث خلع ملابسه وأخذ حماما سريعا قبل أن يخرج وهو يجفف شعره بالمنشفة مرتديا ملابس بيتية مريحة ..
وقف يتأمل نفسه بالمرآة للحظات قبل ان يعقد العزم على الدخول الى المطبخ وتجهيز الفطور لهما ..
بالغعل بدأ يجهز الفطور حيث أعد البيض وأخرج انواع مختلفة من الأجبان والقشطة والعسل وغيرها من الأشياء ...
وبعدما أعد الشاي الذي تفضله هي على الفطور اتجه لإيقاظها عندما فتحت له الباب بعد لحظات بملامح ناعسة فتأمل بيحامتها الرقيقة وملامحها المحببة وشعرها المبعثر قليلا ..
ابتسم رغما عنه مرددا :-
" صباح الخير .."
ردت ببرود :-
" صباح النور .. ماذا هناك ..؟!"
تجاهل برودها يجيب بإبتسامة متحفظة :-
" الفطور جاهز .. "
همت بالرفض لكنه سبقها وقد شعر برفضها :-
" لقد أعددت الفطور بنفسي وانتِ لم تتناولي شيئا منذ صباح البارحة وبالتأكيد جائعة للغاية وانا مثلك تماما لذا ضعي خلافاتنا جانبا وتفضلي معي لتناول الفطور .."
شعرت بالجوع يسيطر عليها بالفعل فهزت رأسها تهمس:-
" دقائق وأتبعك .."
اتجهت بعدها نحو الحمام تغسل وجهها جيدا قبل أن تقف أمام المرآة ترفع شعرها بكعكة بسيطة قبل أن تخرج له ..
تأملها بطلتها البسيطة وهي ما زالت ترتدي بيجامتها الحريرية ورغما عنه شعر بالإنجذاب نحوها وشعور إنه أصبحت زوجته منحه شعورا قويا يجمع بين الطاقة الإيجابية والسعادة ..
جلست أمامه وبدأت تتناول طعامها بصمت دون أن ترفع عينيها لحظة واحدة وتنظر في وجهه بينما كان هو يتأملها بإهتمام دون أن يرفع نظراته لحظة واحدة عنها ..
شعرت بنظراته مسلطة عليها فتعمدت عدم النظر له والإنشغال بتناول طعامها قبل أن تنهي فطورها بسرعة وتنهض من مكانها متجهة الى غرفتها مجددا حيث أغلقت الباب خلقها بقوة ثم اتجهت تتسطح فوق سريرها بتعب شديد وتغمض عينيها لتذهب في النوم مجددا بعد دقائق ..
.................................................................
تعمدت الخروج من المنزل باكرا قبل أن تلتقي بوالدتها وأختها ...
لقد قضت الليلة كاملة تنازع أرقها حتى غلبها النعاس أخيرا في ساعات الفجر الاولى فلم تنم سوى اقل من ثلاث ساعات كانت مليئة بالكوابيس المرعبة ..
ركبت سيارتها وقادتها بمزاج سيء جدا ..
مهما تظاهرت بالقوة فهناك شيء داخلها إنكسر ..
حب حياتها تزوج ورغما عنها تتألم ...
هذا هو الحب وهذا واقعه ..
في النهاية هي إنسانة لديها طاقة تحمل ... لديها مشاعر وأحاسيس ولا يمكنها أن تسيطر على شعورها المؤلم بإستمرار ..
يشهد الله عليها إنها تقاوم مشاعرها .. تحاربها بشراسة وتحاول أن تخفيها عن نفسها قبل الجميع لكن المشاعر داخلها ما زالت موجوده تظهر بين الحين والآخر رغما عنها وهذا ما يحدث معها اليوم تحديدا ..
اوقفت سيارتها في كراج الشركة ثم خرجت منها ودلفت الى الشركة بملامح جامدة تحاول من خلالها اخفاء آلمها ..
ركبت المصعد واتجهت الى مكتبها حيث وجدت السكرتيرة تستقبلها بترحيب فهمست لها بخفوت :-
" لا أريد أي مقابلات او أي شيء يخص العمل حتى أخبرك بذلك .. "
ثم دلفت الى المكتب تغلق بابه خلفها وتتجه على الكرسي المجاور للمكتب تجلس عليه تتراجع برأسها الى الخلف مغمضة عينيها محاولة طرد تلك الأفكار عنها ..
مرت حوالي نصف ساعة وهي على هذه الحال عندما سمعت صوت الباب يفتح فقالت وهي تفتح عينيها بسرعة :-
" ألم أخبرك ألا تدخلي مكتبي قبل أن أطلب منك ذلك .."
توقفت عن حديثها وهي تراه أمامها ...
الرجل الذي دمر حياتها بالكامل وسرق سعادتها ....
تابعته وهو يغلق الباب بقوة ثم يتقدم نحوها مرددا ببرود :-
" صباح الخير يا ليلى .. أم أقول صباح الخير يا زوجتي السابقة او طليقتي .. لا فرق بينهما ..."
سألته بحدة متجاهلة حديثه :-
" ماذا تفعل هنا منذ الصباح ..؟!"
رد ببرود وهو يتجه ويجلس على الكرسي الرئيسي للمكتب :-
" جئت لكي نتحدث بشأن العمل .. لا تنسي إن هناك الكثير من الإتفاقيات بيننا اضافة الى الشيكات .."
قاطعته بضيق :-
" لا يمكنني العمل الآن .. انا مرهقة و .."
قاطعها ببرود :-
" انتِ المديرة العامة للشركة .. ألم تستوعبي مكانتك بعد وأهمية منصبك الجديدة ..؟! كونك مديرة فلا يوجد شيء اسمه مرهقة او متعبة او مزاجي ليس جيدا .. توقفي عن البكاء على أطلال من باعك وفكري بما ينتظرك .. توقفي عن الجري وراء مشاعرك الغبية لإن هناك اشياء اهم تنتظرك .."
نظرت اليه بحقد فشلت في إخفاؤه ليقول بجدية متجاهلا حقدها الظاهر عليها ناحيته :-
" قاعدة أساسية يجب أن تعملي بها كي تكوني سيدة اعمال ناجحة .. العمل والعواطف لا يجتمعان سويا يا ليلى .. عندما تدخلين الى الشركة عليك أن تضعي كل مشاكلك الشخصية والعاطفية ومشاعرك جانبا ..  انت هنا ليلى سليمان ... مديرة الشركة .. هنا في هذا المكان لا تستعملي سوى عقلك اما أي شيء آخر اتركيه خارج هذا المكان ...هناك منزل يمكنك أن تنهاري به كما تشائين .."
نهضت من مكانها وهي ما زالت ترميه بنظرات نارية قبل أن تهتف بقوة :-
" شكرا على نصائحك لكنني لا أحتاجها ... أنا أعرف كيف أدير شركتي بنفسي .. اسمح لي فأنا سأغادر الآن لإن الجو بوجودك أصبح لا يطاق .."
ثم اندفعت خارج المكان متجهة خارج الشركة بأكملها ..
اتجهت الى الكراج وركبت سيارتها قبل أن تنهار باكية وقد فقدت كافة محاولاتها للسيطرة على نفسها ..
استمرت في بكائها قبل ان تمسح دموعها وتقود سيارتها وهي تحاول ألا تبكي حيث قررت التوجه الى احد المقاهي الهادئة للإنفراد بنفسها قليلا ..
توقفت امام احد المقاهي الهادئة المعزولة ..
جلست على احدى الطاولات المعزولة قليلا وطلبت مشروبا دافئا ..
بعد مدة قصيرة جاء النادل يحمل لها طلبها ..
اخذت ترتشف القليل من مشروبها الدافئ بشرود .. رغم إن الصيف ما زال في منتصفه ورغم حرارة الجو في الخارج لكنها شعرت بالحاجة لمشروب دافئ جدا في هذه اللحظة .. مشروب يمنحها الدفئ الذي تفتقده منذ مدة طويلة ..
نوبة البكاء التي أتتها قبل قليل ليست الأولى ولن تكون الأخيرة لكنها ستتجاوزها بالتأكيد ..
ستتخطاها كما تخطت الكثير قبلها ..
ارتشفت قليلا من مشروبها قبل ان ترفع عينيها الحمراوين وآثر البكاء ما زال يحتلها تماما لتتأمل ذلك الذي دلف الى المقهى بخطوات واثقة ونظرات حازمة وقد تذكرته فورا ..
اللعنة إنه ذلك الشاب الذي صدمت سيارته قبل أيام ..
مالذي أتى به هنا ..؟!
إنتبهت لا إراديا الى النادل الذي تقدم يحييه بإهتمام لا يحظى به سواه قبل أن تتفاجئ بنظراته تتجه نحوها فتخفض وجهها بسرعة مفكرة إنه بالتأكيد لم ينتبه لوجودها وإن نظرته كانت عفوية ..
لحظات قليلة شعرت بظل يتشكل فوقها فرفعت وجهها لتنصدم بعينيه الباردتين تنظر مباشرة الى عينيها قبل أن يهتف بصوت هادئ لكنه بارد :-
" هل يمكنكِ تغيير طاولتك إذا سمحتِ..؟!"
" عفوا ..؟!"
رددتها بعدم فهم ليضيف موضحا :-
" انا معتاد على ارتياد هذا المقهى بصورة مستمرة وهذه طاولتي الدائمة هنا .. من فضلك اختاري أي طاولة أخرى .."
قاطعته بحدة وصوت ارتفع قليلا :-
" انا أتيت قبلك وجلست عليها قبلك وبالتالي لا يحق أن تطلب مني شيئا كهذا .."
" حسنا اهدئي ، لا داعي لكل هذه العصبية .."
قالها بقليل من التهكم لتنظر له بنظرات مشتعلة فيضيف ببرود ساخر :-
" ليس ذنبي أن ألتقيك صدفة للمرة الثانية وأنتِ تعانين من أزمة ما .. المرة السابقة فرغت حزنك وغضبك في سيارتي والآن تريدين تفريغ ألامك بي أنا .."
انتفضت من مكانها تهتف وهي ترفع إصبعها في وجهه بقوة :-
" أنت من تظن نفسك كي تتحدث معي هكذا ..؟!"
رد بنفس البرود المغيظ وهو يعقد ذراعيه أمام صدره :-
" لا تنسي إنني تنازلت عن البلاغ ذلك اليوم وإلا كنتِ ستخسرين رخصة قيادتك لمدة غير معلومة .."
" وانا لم أطلب منك ذلك ...انت من تبرعت وتنازلت .."
قاطعها بجدية :-
" لإنك فتاة .. ومن الواضع إنكِ كنتِ تعانين وتبكين ففعلت هذا مراعاة لظروفك النفسية .."
ردت بتهكم :-
" يا لك من كائن حساس ورقيق .."
هتف ببرود :-
" على العكس تماما .. انا كائن بارد لا أطاق والآن من فضلك تفضلي من هنا .."
هتفت بعناد وهي تعاود الجلوس على كرسيها :-
" لن أغير طاولتي .. وانت إفعل ما بوسعك اذا كان بوسعك شيء من الأساس .."
تأملها وهي ترتشف من كوبها بلا مبالاة فشعر بغيظ يملأه منها ..
لحظات ووضع تلك الحقيبة العملية السوداء على الطاولة وسحب الكرسي المقابل لها لتتسائل بدهشة :-
" ماذا تفعل ..؟!"
أجاب بغلظة وهو يفتح حقيبته ويخرج حاسوبه :-
" بما إنك لا تريدين تغيير الطاولة سأشاركك بها .."
هتفت بحنق :-
" ومن قال إنني أقبل بذلك .. ؟! هناك عشرات الطاولات الفارغة .."
ادعى عدم سماع حديثها وهو يشير الى النادل بكفه ليهز النادل رأسه بطاعة ..
تأملته وهو يفتح حاسوبه ويبدأ في التعامل معه عندما بدت نظراتها شديدة الحنق في تلك اللحظة ..
لحظات وجاء النادل يحنل فنجانا من القهوة مع قدح من الماء وبعض البسكويت ليسأله بإهتمام شديد اذا ما كان يريد شيئا آخر فيهز رأسه بنفي ..
هم النادل بالتحرك لكنها أوقفته وهي تتحدث معه وتشير بكفها نحو أثير الذي ما زال يضع أنظاره على الحاسوب بدا غير مهتما بما تقوله بل لم يرفع نظره حتى من فوق حاسوبه :-
" من فضلك ..  حضرته جلس على طاولتي دون موافقتي .. أخبره أن ينهض من طاولتي ويتجه الى طاولة اخرى .."
تنحنح النادل مرددا بتردد :-
" في الحقيقة هذا الطاولة خاصة بأثير بك .. هو زبون دائم لدينا وهذه طاولته .."
قاطعته تتسائل بغضب :-
" هل سجلتم الطاولة بإسمه ..؟!"
رد النادل بحرج :-
" يا هانم .. انا لا أرى مشكلة أن تشاركي أثير بك طاولتك .. يعني هو مشغول بعمله وانت ترتشفين مشروبك ... "
أضاف بلطف مفتعل :-
" كوني أكثر هدوئا يا هانم ولا داعي لإثارة مشاكل من اللا شيء .."
تأملته وهو يبتعد عنها بعدم تصديق لتعاود النظر الى أثير بحقد فترى فمه يلتوي بإبتسامة خبيثة وهو ما زال مسلطا عينيه فوق حاسوبه لتتراجع الى الخلف بأعصاب مشدودة بعدما عقدت ذراعيها أمام صوتها بقوة فيهمس بينه وبين نفسه :-
" ويلومونني لإنني لا أحب الشقراوات ..."
" ماذا قلت ..؟!"
سألته بحزم وقد شعرت إنه يتحدث مع نفسه عنها فرد ببرود دون أن يرفع وجهه عن حاسوبه ويضع عينيه في عينيها :-
" أتحدث مع نفسي بأمر خاص بي تماما .. لا تتدخلي أنتِ "
أكمل بعدما رفع عينيه نحوها أخيرا :-
" برأيي إن مكياجك بحاجة الى التعديل .. آثار البكاء خربته قليلا خاصة كحل عينيكِ .."
اتسعت عيناها بعدم تصديق مما تسمعه فهو تجاهل كل شيء وغضبها الحارق منه وتحدث عن كحل عينيها ومكياجها ..!!
همست بإنفعال مكتوم :-
" انت حقا مستفز .."
رد بإبتسامة متكفلة :-
" وانت جميلة .. "
تجمدت ملامحها ليضيف شارحا :-
" لا تفهميني بشكل خاطئ ولا تشكي بنواياي من فضلك .. انا أساسا لا أحب الشقراوات ولكنني أعترف بالجمال وأقدره .. انت رغم كون وجهك الكئيب ورغم شخصيتك النكدية جميلة حقا .. حتى إن جمالك يذكرني بأميرات ديزني .. سندريلا مثلا .."
" وجهي الكئيب وشخصيتي النكدية ..."
رددتتها بعدم استيعاب  ليهتف بجدية :-
" الآن تركتِ كل ما ذكرته عن جمالك وتشبيهك بسندريلا وركزتِ مع هاتين الكلمتين ..."
" هل أخبرك أحدهم من قبل إنك شخص فظ لا تجيد التحدث بلياقة ..؟!"
سألته من بين أسنانها ليرد  بتكلف :-
" اذا كنت تعتبرين صراحتي فظاظة فأنت حرة .."
هتفت بحنق :-
" هذه وقاحة وليست صراحة .."
ابتسم لها بخفة وهو يحمل كوبه يرتشف منه مجددا لتشعر برغبة شديدة بتفريغ كل آلامها وغضبها اليوم فوق رأسه ..
تأملت رنين هاتفها فحملته وهي تجد رقما غريبا يتصل بها ..
ردت تتسائل :-
" تفضل .. من معي ..؟!"
جاءها صوته الرجولي الرخيم :-
" انا زاهر يا ليلى .. "
قالت بإرتباك غريب :-
" آه زاهر ... اهلا وسهلا .."
جاءها صوته الهادئ يرد تحيتها ثم يتسائل :-
" في الحقيقة وددت أن أسألك .. هل يمكنني رؤيتك اليوم ..؟!"
ردت رغم ترددها :-
" نعم يمكن .."
قال بسرعة :-
" إذا ما رأيك أن نلتقي على العشاء في احد المطاعم .."
أرادت أن ترفض فلا مزاج لديها حقا للخروج لكنها شعرت بالخجل خاصة وهو يضيف :-
" سنقضي وقتا ممتعا وأيضا هناك الكثير مما أريد التحدث معك بشأنه .."
قالت مرغمة :-
" حسنا كما تريد ..."
قال بسرعة :-
" سأمر عليكِ في الفيلا في تمام الساعة التاسعة مساءا .."
" سأنتظرك .."
قالتها بجدية قبل أن تغلق الهاتف تتأمل ذلك الذي يجلس أمامها يعمل على حاسوبه بتركيز شديد فعادت تشعر بالغيظ منه لكنها تجاهلت ذلك مرغمة..
يتبع
اعتذر جدا لكني خرجت مع العائلة ورجعت منهكة ويادوب كتبت هذي المشاهد ..
حرفيا انا بكتب وانا نايمة على نفسي لاني مستيقظة من الساعة ٦ صباحا بسبب الدراسة ..
وعد باذن الله غدا فصل طويل جدا وضخم تعويضا عن الغياب 🥰
الاسبوع القادم راح نرجع ننزل فصلين طوال باذن الله ونستمر هكذا ..
تفاعلوا فضلا وليس آمرا وشكرا على تفهمكم ..🥰🥰

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن