الفصل الرابع عشر
( الجزء الثاني )
كان يركض داخل رواق المشفى متجها حيث الغرفة التي أخبرته عنها موظفة الإستقبال ..
منذ أن علم بوجودها هنا من أحد رجاله وهو يكاد يموت رعبا عليها ..
عقله يصور له أبشع التخيلات وقلبه يرفض أيا منهم ..
إلا جيلان .. هكذا فكر وهكذا قلبه يتمنى ..
جيلان هي كل ما تبقى له .. هي الذكرى الوحيدة المتبقية من والدته ..
هي أمانتها عنده .. هي أخته ..!!
وصل الى الغرفة ودلف الى الداخل بإندفاع ليجد الطبيب واحدى الممرضات عندها وهي غائبة عن الوعي تماما ..
أشار له الطبيب ألا يصدر صوتا قبل أن يطلب منه التحدث في الخارج ...
خرج عمار بملامح ثابتة رغم لهفة قلبه ليجد الطبيب يخرج وراءه حتى وقف أمامه يسأله :-
" أنت أخوها ..؟!"
اومأ عمار برأسه وهو يسأله بسرعة وترقب :-
" نعم اخوها .. ماذا حدث معها ..؟!"
أجاب الطبيب بملامح متأسفة :-
" لقد جلبها هنا رجل وجدها فاقدة للوعي في احد الشوارع العامة .. قمنا بفحصها ولاحظنا وجود بعض الخدوش على جسدها و ..."
صمت قليلا ثم قال بشفقة:-
" لقد تعرضت للإغتصاب ..."
الصدمة التي حلت عليه لا يوجد لها مثيل ...
صدمة لم يتوقع أن يمر بها يوما ..
إغتصاب .. جيلان ..!!
جيلان المراهقة الصغيرة تعرضت للإغتصاب ...
جيلان أخته البريئة أُغتصبت ...
" كيف ..؟!"
همس بها بصوت مرتجف ضعيف ليجد الطبيب يربت على كتفه يؤازره :-
" تماسك يا أخي ... الفتاة في وضع أصعب ما يكون .. لقد أعطيناها العديد من المهدئات ومنوم ذو مفعول قوي .. ستحتاج الى وقت طويل كي تتقبل ما حدث ..."
أغمض عمار عينيه بقهر بينما تأمله الطبيب بملامح متأسفة قبل أن يتحرك منسحبا من المكان تاركا عمار واقفا مكانه وقد شعر في تلك اللحظة إن هموم الأرض كلها صبت فوق رأسه ..
...................................................................................
تجلس على الكنبة في صالة الجلوس تقلب في احدى المجلات عندما وجدت مريم تقترب منها وهي تسأل بتحفز :-
" هل ستبقي هكذا ..؟!"
سألتها ليلى ببرود متعمد :-
" ماذا حدث يا مريم ..؟!"
شعرت مريم بالغيظ من تصرف أختها المستفز فسارعت تجذب المجلة من يدها وترميها جانبا قبل أن تحيط خصرها بيديها وهي تهتف :-
" أخبريني ماذا يحدث بالضبط .. ؟! في الوقت الذي كنت تتجهزين به لطلاقك من ذلك المعتوه قررتِ أن تستمري في زيجتك منه وعندما نحاول فهم السبب منك تتجاهلينا تماما وكأننا لسنا أهلك ويحق لنا معرفة ما يحدث معك ..."
تأففت ليلى بضيق وقالت :-
" أخبرتك مسبقا بل أخبرتكم جميعا ، انا حرة في قراري .. لا أريد الطلاق .. لم أعد أريده .. مالذي يزعجكم في هذا ..؟! ألا يحق لي تقرير حياتي كما أريد ..؟!"
قالت مريم بتأكيد :-
" بلى يحق لك بالطبع .. لكن ليس بهذه الطريقة .. هل أصبح عمار هو حياتك الآن ..؟! أنا أكثر من يعرفك يا ليلى وأكثر من يفهمك .. أخبريني ماذا يحدث معك فربما أساعدك قليلا .. "
نظرت لها ليلى بصمت فتابعتها مريم بنظراتها متأملة أن تقول شيئا لكن آمالها خابت وهي تسمع أختها تقول بثبات :-
" هذا قراري يا مريم وعليكِ أن تحترميه كما إنني لا أسمح لأي أحد أن يتدخل في أي قراري أتخذه في حياتي ... أرجو أن تتفهمي هذا .."
كزت مريم على أسنانها بغيظ قبل أن تنفجر قائلة :-
" كما تشائين يا ليلى ولكن أرجو ألا تبكي وتنهاري مجددا وتعيشي دور الفتاة المضحية المنكوبة كما فعلتِ مسبقا فحينها لن تجدي من يحتويكِ .. "
أدمعت عينا ليلى لا إراديا من قسوة كلمات أختها فهتفت بصوت مبحوح قليلا :-
" لا تقلقي يا مريم .. لا أنوي أن أعيش هذا الدور مجددا ..."
أضافت وهي تنهض من مكانها و تشمخ برأسها بثقة :-
" من الآن فصاعدا سترين ليلى جديدة .. ليلى أخرى غير تلك التي تعرفينها ... ستكون هذه التضحية الأخيرة ولكن بعدها سأخذ ثمن تضحيتي من كل شخص ضحيت لأجله يوما .."
" إذا أنتِ تضحين مجددا ..؟!"
قالتها مريم بسرعة قبل أن تتقدم نحوها أكثر تسألها بترجي :-
" بماذا تضحين هذه المرة ..؟! ما الشيء الذي إستغله عمار ضدك يا ليلى ..؟! أخبريني بالله عليكِ ..."
أشاحت ليلى وجهها مرددة بنفي كاذب :-
" انا لا أضحي بشيء يا مريم .. اتركيني من فضلك ولا تتدخلي فيما لا يعنيك .."
عاندتها مريم :-
" ولكنكِ قلتِ هذا منذ لحظات .."
قاطعتها ليلى تصيح بها بغضب :-
" ألا تفهمين ما أقوله ..؟! دعيني وشأني .. "
ثم أضافت وهي تتحرك خارج المكان :-
" سأذهب أنا طالما ترفضين تركي وشأني .. سأترك المكان بالكامل لك .."
نظرت مريم الى آثرها بدهشة غير مستوعبة إن كل هذا الغضب يصدر من ليلى الهادئة المتزنة...
هزت رأسها محاولة نفض هذه الأفكار عنها مفكرة إنها يجب أن تذهب الآن لرؤية أكرم والتحدث معه ...
حملت حقيبتها وخرجت من المنزل وركبت سيارتها متجهة الى المشفى حيث يرقد أكرم ..
وصلت الى هناك واتجهت مباشرة الى غرفته ..
دلفت إلى الداخل فوجدته مستيقظا ...
ألقت التحية عليه وجلست جانبه بملامح متوترة قليلا ...
تأمل أكرم توترها الواضح بإستغراب قبل أن يسأل :-
" هل هناك شيء يا مريم ..؟! تبدين متوترة قليلا ..."
إبتلعت مريم ريقها ثم أومأت برأسها قبل أن تجيب :-
" في الحقيقة نعم .. هناك شيء ما أريد أن أخبرك إياه أكرم .."
نظر إليها أكرم بإهتمام بينما شبكت هي كفيها أمامها وقالت بتردد :-
" انا أفكر بالتراجع عن الخطبة .."
رفعت بصرها تتأمل ملامحه المصدومة قبل أن يهمس بنبرة مرتجفة :-
" ماذا تقصدين ..؟! تريدين التراجع عن خطبتنا ..؟!"
هزت رأسها مؤكدة ما قاله دون رد ليسألها مبتلعا دهشته :-
" لماذا ..؟!"
أجابته بصوت جاهدت ليخرج ثابتا رزينا :-
" أظن إننا تسرعنا قليلا .. يعني لمَ لا نأخذ وقتا أكبر قبل التأكد من صحة قرارنا .. ؟!"
ردد ساخرا :-
" تسرعنا ونأخذ وقتا أكبر .."
أومأت برأسها وأضافت تبرر :-
" انا ما زلت صغيرة للغاية وأمامي سنة دراسية أخرى .. مالذي يجعلني أستعجل في إرتباطي منك .. ؟! يعني لنأخذ وقتا إضافيا .."
قاطعها بعصبية :-
" ما هذا الهراء الذي تتفوهين به ..؟! نحن نعرف بعضنا منذ الطفولة .. تربينا سويا إن كنتِ نسيتِ .. أي وقتِ تحتاجين بالضبط ..؟! تحدثي بوضوح يا مريم وكفي عن اللف والدوران .. جميع ما تقولينه حجج واهية .. حجج لا أساس لها .. "
" أكرم إسمعني .."
قالتها مريم بتوسل لتتفاجئ به يصيح بغضب :-
" لن أسمع شيئا من هذه السخافات .. أريد سماع شيء واحد فقط لا غير .. بعد خروجي من هنا ، هل ستتم خطبتنا كما إتفقنا أم لا ..؟!"
نظرت إليه بعينين زائغتين للحظات قبل أن تجيب بصوت مقهور :-
" لا .. لا يوجد خطبة بعد الآن .."
أنت تقرأ
حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح )
Romanceهو رجل يشبه الظلام .. رجل طعنه القدر بقسوة ولم يتبقَ منه سوى بقايا روح ترفض الحياة .. أما هي فأتت وإخترقت حياته المظلمة بالصدفة البحته .. بقلب نقي بريء وروح لا ترغب بشيء سوى الأمان وجدت نفسها عالقة بين ظلماته المخيفة .. وأخرى لم تدرك شيئا سوى إنها ت...