الفصل الخامس عشر
الجزء الثاني
كان يجلس على احدى الطاولات ينتظر قدومها وهي التي اتصلت به مساء البارحة ترجو لقائه لسبب هام رفضت ذكره في الهاتف ..
ورغم ضيقه من هذا اللقاء الذي لم يرغب به فهو لا يريد أي تواصل معها في هذه الفترة على الأقل إلا إن نبرتها المتوسلة أجبرته على الموافقة وهاهو ينتظرها في المقهى الذي اتفقا على اللقاء به ..
دلفت ليلى الى المقهى تحرك بصرها في ارجاء المكان تبحث عنه قبل أن تجده يجلس على احدى الطاولات الموضوعة في أحد أركان المكان ..
أحاطته بنظرات مليئة بالحنين والشوق قبل أن تسيطر على مشاعرها المتدفقة نحوه وهي تسير اتجاهه بخطواتها الأنيقة ...
رفع نديم عيناه نحوها عندما شعر بقدومها فتأملها لا إراديا بخصلاتها الشقراء التي تلتف حول وجهها وملامحها الذي شعر بالشوق لها رغما عنه ...
فستانها الزهري الرقيق بتصميمه الأنيق المعتاد والذي يغطي جسدها النحيل بأناقة غير متكلفة ...
حاول السيطرة على مشاعره التي ثارت رغما عنه وحنينه الذي سيطر عليه للحظات بينما سحبت هي كرسيا وجلست أمامه تبتسم برقتها المعهودة ..
" كيف حالك ..؟!"
سألته بنبرتها الأنثوية الرقيقة ليجيبها بصوته الجاد الثابت :-
" بخير .. وانتِ كيف حالك ..؟!"
ردت وهي تتنهد بصوت منخفض :-
" أحاول أن أكون بخير ..."
صمت ولم يرد بينما شملته هي بنظراتها الناعمة قبل أن تتنهد بصوت مسموع مجددا وتشبك أناملها على الطاولة ثم تتحدث بجدية :-
" نديم انا أحتاجك .. أنت أكثر من يستطيع الوقوف بجانبي وإنقاذي من عمار ..."
حدق بها مستغربا قبل أن يسأل :-
" ما به عمار ..؟! ماذا فعل مجددا ..؟!"
أجابته بملامح مضطربة :-
" لقد تراجعت عن دعوة الطلاق بسببه .. بسبب تهديداته .."
لوى فمه يسألها ساخرا :-
" بم هددكِ مجددا ..؟!"
أجابته بضيق تتجاهل سخرياته :-
" يملك شيكات تحمل مبالغ طائلة ضد والدي ويهددني بحبسه إذا لم أتراجع عن دعوة الطلاق ..."
توقفت عن حديثها لتجده صامتا فأضافت بلهجتها الناعمة الحزينة :-
" انا لم أعد أستطع التحمل يا نديم .. لا أطيق البقاء على ذمته لحظة واحدة بعد الآن .. أريد الإنفصال عنه بأي ثمن .."
سألها أخيرا متوقفا عن صمته :-
" وماذا تريدين مني أن أفعل ..؟! كيف يمكنني مساعدتك مثلا ..؟!"
هتفت بعينين مترجتين :-
" انا بحاجتك يا نديم .. أرجوك ساعدني ... كل ما حدث معنا وعانيناه بسببه .. بسبب عمار .. يجب أن نضع حدا له يا نديم .. يجب أن نتحرر من قيوده التي فرضها علينا .. نحن سويا بإمكاننا الإيقاع به .. إذا تخلصنا منه ستنتهي جميع مشاكلنا وحينها من الممكن أن نعود سويا .. سوف تساعدني يا نديم .. سوف نواجه عمار سويا .. "
قاطعها بتمهل يخبرها بما جعلها تتجمد مكانها لفترة طويلة :-
" انا خطبت حياة يا ليلى .."
جمودها اللحظي انتهى أخيرا فأخذت ملامح وجهها ترتجف كليا وشعرت بجفاف شديد في حلقها ..
همست ببحة تنذر ببكاء شديد :-
" نديم .."
كان نداؤها له توسلا منها وكأنها تريده أن ينفي ما قاله .. أن ينكر ..
رؤيته لها بهذا الوضع المزري ألمه بشدة..
لم يرغب يوما أن يتسبب بألمها رغم تسببها بألمه لمرات ...
لم يرغب يوما أن يراها بهذا الوضع الموجع فمها حدث تظل هي ليلى .. ليلاه ...
همس بصوت متهدج يعكس مشاعره المثارة في هذه اللحظة :-
" ليلى .. انا اسف حقا .."
لكنها بدت وكأنها لم تسمع ما قاله .. إعتذاره لم يصل الى مسامعها حتى .. بدت وكأنها في عالم ثاني ..
نهضت من مكانها تجذب حقيبتها بيدين مرتجفتين .. تسير بخطوات سريعة رغم تعثرها خارج المكان ...
أراد أن ينهض من مكانه ويتبعها لكن شيئا ما منعه ..
خوفه من إنكشاف مشاعره نحوها مجددا يخيفه ..
ليس بعدما جاهد كي يخفي مشاعره تلك داخل قلبه بعيدا عن مرأى الجميع ..
ليس بعدما استطاع تجاهل ما يحمله نحوها ..
ضغط على أعصابه المتعبة وبقي مكانه يطالع خروجها من المقهى منهارة بثبات ظاهري بينما قلبه يخفق بعنف مؤلم ..
اما هي فلا تعرف كيف ركبت سيارتها وكيف قادتها رغم إنهيارها المفزع ..
لا تعرف كيف وصلت الى منزلها وركضت الى غرفتها منهارة قبل أن تسقط بين ذراعي والدتها التي لحقتها بفزع تشكو لها ألامها ومدى خذلانها ممن ضحت بكل شيء لأجله ..
.........................................................................
أنت تقرأ
حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح )
Romanceهو رجل يشبه الظلام .. رجل طعنه القدر بقسوة ولم يتبقَ منه سوى بقايا روح ترفض الحياة .. أما هي فأتت وإخترقت حياته المظلمة بالصدفة البحته .. بقلب نقي بريء وروح لا ترغب بشيء سوى الأمان وجدت نفسها عالقة بين ظلماته المخيفة .. وأخرى لم تدرك شيئا سوى إنها ت...