الفصل العاشر
تأملته حياة بقلق وهي تلاحظ تغضن ملامحه ما إن رد على المتصل ...
أغلق الهاتف معتصرا إياه داخل كفه وعيناه بدتا كجمرتين مشتعلتين ...
سألته بخوف جلي :-
" ماذا حدث نديم بك ...؟!"
بالكاد أستطاع التظاهر بالثبات أمامها رغم النيران المتأججة داخل صدره ليجيب بهدوء يحسد عليه :-
" لا شيء مهم .. فقط يجب أن أذهب الآن ..."
ثم سارع بالتحرك خارج المكان دون أن ينتظر منها ردا ...
اندفع خارج المشفى وأنامله تعبث في هاتفه بحثا عن إسم غالية .. رن عليها وهو يركب سيارته لتتجاهل إتصالاته تماما ...
أغلق الهاتف ورماه على المقعد جانبه ثم إستمر في قيادة سيارته متجها الى الفيلا ...
بعد مدة قصيرة وصل الى هناك فهبط من السيارة ودلف الى الداخل وهو يرد على تحية الحراس بإيماءة مختصرة ..
فتحت له الخادمة الباب ليندفع الى الداخل وهو يسأل :-
" أين أمي ...؟!"
وقبل أن تجيب الخادمة كان يتجه نحو الطابق العلوي نحو غرفة والدته التي يعلم جيدا إنها تستريح في غرفتها في هذا الوقت تحديدا ...
فتح الباب ودخل الى الغرفة دون إستئذان لتنهض والدته من مكانها بسرعة تتقدم نحوه تسأله بقلق بديهي :-
" نديم بني ، ماذا تفعل هنا ..؟! هل حدث شيء معك يا بني ..؟!"
" ليلى حاولت الإنتحار ، أليس كذلك ..؟!"
سألها بسكون مريب لتسأله بصدمة :-
" من أخبرك بهذا ...؟! "
رد وهو يكز على أسنانه :-
" ليس مهما .. المهم إنها حاولت الإنتحار ولا أحد أخبرني بذلك .."
قالت بصباح بصوت تقصدت أن تسيطر على هدوء نبرته مع إستنكار واضح لما يتفوه به :-
" ولمَ سأخبرك ..؟! "
في تلك اللحظة جاءت غالية التي علمت بقدومه من الخادمة فإتخذت موقعها بجانب الباب تسمعه يهتف بصوت بدء يفقد ثباته :-
" لإنني يجب أن أعلم بذلك .. يجب أن أعلم بما حدث معها وكيف إنها حاولت قتل نفسها ... "
لم تتحمل صباح ما يقوله وهي التي تجاهد لإبعاد ليلى عن حياته وتفكيره كليا فهدرت بقوة قاصدة أن تجعله يتذكر حقيقة وضعهما الجديد :-
" كلا لا يجب ... ليس من الضروري أن تعلم بما يحدث معها لإنها لا تعني لك شيئا ... لإنها لم تعد خطيبتك ... لم تعد ملكا لك بل هي ملكا لآخر .. آخر هو وحده من له الحق بكل شيء يخصها ... يكفي يا نديم ... استوعب حقيقة الوضع الجديد وإخرج ليلى من حياتك تماما ..."
تشنجت ملامح غالية بأسى على حال أخيها وعلى قسوة الكلمات التي يسمعها من والدتها رغم إدراكها جيدا إن ما تقوله والدها هو الشيء الذي يجب أن يسمعه نديم ويلتزم به ...
" ليلى كانت ستموت يا أمي ... حاولت قتل نفسها ... هل تدركين معنى هذا ..؟!"
سألتها بصوت بدأ يضعف قليلا فردت بنبرة صادقة :-
"أنا حزينة جدا لأجلها وكنت سأموت من قهري لو كان حدث لها شيئا لا سامح لها وسعدت كثيرا بعودتها للحياة سالمة ولكن هذا لن يغير حقيقة كلامي ... إنسى ليلى يا نديم .. إنساها كي تستقيم حياتك ..."
" هي فعلت ذلك بسببي ... أنا حطمتها ..."
خرجت منه بائسة وعذاب الضمير بدا واضحا عليه فتحدثت صباح بسرعة معترضة على ما يقوله بشدة :-
" ما هذا الهراء ..؟! ما تقوله ليس صحيحا ... لا تفكر هكذا من فضلك ولا تحمل نفسك ما يفوق طاقتها .. ليلى فعلت هذا لإنها لا تطيق حياتها مع عمار ... لإنها لا ترغب بالإستمرار معه فهي تزوجته مجبرة وفشلت في تقبل زيجتها منه والتعايش معه..."
إلتقت نظراتها بنظرات غالية التي أشاحت بوجهها بعيدا فعادت تنظر الى ملامح ولدها التي يسيطر عليها الوجع لتضيف بلهجة جادة :-
" يكفي يا نديم .. يكفي تعذيبا لنفسك .. لا تفعل بنفسك هذا يا بني ... ارجوك ..."
تأملها بعينين تائهتين وكلماتها زادت من تشويشه فلا يعرف إذا ما كان يصدق كلماتها ويسير على نهجها أم يلجأ لتفكيره المختلف والذي يخبره إنه المتسبب بمحاولة إنتحارها وإنه قسى عليها كثيرا في آخر مقابلة بينهما ..!!
هز رأسه بتعب يحاول نفض كافة الأفكار عنه ليجد والدته ترجوه :-
" اسمع كلامي يا بني .. أنا أريد مصلحتك يا حبيبي ..."
منحها نظرة يائسة معذبة وهو يشعر إن لا خلاص له من كل هذه الأشياء المحيطة به ثم ترجل بخطواته خارجا من الغرفة مارا بجوار غالية دون أن يحييها حتى ...
تقدمت غالية نحو والدته تهمس بصوت حزين :-
" ماذا سيحدث الآن ..؟! أنا خائفة حقا .."
جلست صباح على كرسيها تهتف بوهن :-
" لا أعلم يا غالية ... لا أعلم حقا ماذا سيحدث ..."
" نحن يجب أن نفعل شيئا ..؟! انا خائفة على نديم وخائفة على ليلى أيضا ... "
رفعت صباح نظراتها القلقة هي الأخرى نحوها لتخبرها بعد لحظات :-
" اذهبي الى المشفى يا غالية وابقي بجانب ليلى فإذا حاول نديم زيارتها سوف تمنعينه أنتِ ... لا أريد أن تحدث أي مشكلة بينه وبين ذلك النذل ولا أريد أي تواصل يجمعه بليلى ... هل فهمت ...؟!"
أومأت غالية برأسها ونهضت من مكانها بسرعة مقررة الذهاب الى المشفى والحرص على مراقبة الوضع خوفا من تهور نديم وقدومه لزيارة ليلى بينما رفعت صباح وجهها نحو الأعلى تدعو ربها أن يمر هذا الوضع على خير وتنتهي هذه الفترة الصعبة بأقرب وقت ..
أنت تقرأ
حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح )
Romanceهو رجل يشبه الظلام .. رجل طعنه القدر بقسوة ولم يتبقَ منه سوى بقايا روح ترفض الحياة .. أما هي فأتت وإخترقت حياته المظلمة بالصدفة البحته .. بقلب نقي بريء وروح لا ترغب بشيء سوى الأمان وجدت نفسها عالقة بين ظلماته المخيفة .. وأخرى لم تدرك شيئا سوى إنها ت...