الفصل الثالث والعشرون
" لماذا كذبت علينا ..؟! لماذا أوهمتنا بالعكس ..؟! لماذا عشنا سنوات نظن إن والدي ترك زوجته الأولى من أجل حبك ..؟! لماذا ..؟!"
" كنت مضطرة .. لم يكن بوسعي فعل شيء مختلف .. أردت أن أصنع لكما انتِ وأخيكِ حياة مثالية حتى لو كذبا .. ما الخطأ الذي إرتكبته ..؟! علام تحاسبيني ..؟! على حياتي التي عشتها دائما على الهامش ..؟! على وضعي كزوجة بالإسم بينما وجودي في هذا المنزل الكبير هو فقط لأجلكِ انتِ وأخيك ...؟! "
هتفت غالية بقوة :-
" كان بإمكانك أن تفعلي مثلها .. كان بإمكانك أن تتطلقي دون الإستمرار في زيجة كهذه .."
ردت صباح بغصة محكمة داخل حلقها :-
" انا لست مثلها ... ديانا كانت مختلفة .. نحن لا نتشابه من هذه الناحية .. ديانا كبريائها أهم من أي شيء ... هي كانت مستعدة للتخلي عن كل شيء في سبيل إستعادة كرامتها المهدورة بزيجة والدك مني .."
" هي إستعادت كرامتها وانتِ أهدرتِ كرامتكِ بدلا عنها .."
كانت كلمات غالية قاسية للغاية لكنها لم تستطع أن تكتمها داخلها ولم تستطع أن تمنع نفسها من القول :-
" أنتِ دمرتي حياة المرأة يا ماما .. ألا تلاحظين إنك تسببتي في دمارها بل دمار عائلة كاملة .. ؟!"
شهقت والدتها رغما عنها وكلمات غالية تصفعها بقوة بينما أكملت ابنتها بنفس القسوة والتحدي :-
" الآن فقط بدأت أستوعب سبب تصرفات عمار .. هو بالتأكيد لديه علم بكل هذا.."
قاطعتها والدتها بسرعة :-
" عمار لا يعلم شيئا .."
صاحت غالية :-
" بل يعلم وانا واثقة من هذا .. وهو ينتقم منك من خلال نديم .. يدمرك كما دمرتي حياته وسرقتي عائلته منه .. "
" هل ترينني بهذه البشاعة حقا يا غالية ..؟!"
سألتها والدتها بمرارة لتجيب غالية وهي تكتم دموعها بقوة :-
" كونكِ والدتي وأقرب شخص لقلبي لا يغير حقيقة إنك سرقتي الرجل من زوجته بل سرقت حياة أخي .. أخي الذي نشأ دون أم بينما عشنا نحنا طوال عمرك معك بين أحضانك .. مدللين سعيدين بأبوينا بينما كان هو وحيدا .. حتى والدي لم يكن قريبا منه .."
" هو من ابتعد عن والدك ... "
قالتها صباح محاولة الدفاع عن زوجها لتصيح غالية بنفاذ صبر :-
" ما زلت تدافعين عنه .. تدافعين عنه وقد حرم ابنه من والدته لسنوات .. ماذا كنت تتوقعين من طفل نشأ محروما من والدته طوال عمره ..؟! "
" أنت تبررين له ما فعله بأخيكِ ..؟!"
سألتها صباح بملامح عصبية لتجيب غالية بسرعة :-
" انا لا أبرر .. ما فعله لا يغتفر .. لكن علينا أن ندرك إن ما وصل إليه وذلك السواد الذي ملأ روحه وقلبه هو من صنع يدي والدي ويديك .. والدي أراد أن ينتقم من هجران زوجته له عن طريق ولدها وانت دمرتي عائلة كانت ستكون مثالية بحق .. "
" إن جئنا للواقع فجدتك هي السبب الأساسي لكل هذا .."
رمقتها غالية بنبرة هازئة لتضيف صباح بصوت متحشرج :—
" لكن لا تقلقي .. هي أيضا أخذت عقوبتها كاملة .."
نظرت إليها غالية بصمت لتهتف صباح بنبرة معذبة :-
" لقد أصابها المرض الخبيث حتى إستهلكها كليا وقبلها فقدت ابنتها الوحيدة في عز شبابها .. أحيانا أشعر إن لعنة ديانا أصابتنا جميعا ... فجدتك عانت لسنوات من مرضها وقبلها من ألم فقدان ابنتها حتى انتصر المرض في النهاية عليها ورحلت .. وانا عشت حياة بائسة لا روح فيها .. كنت ميتة وأدعي الحياة لأجلكما ... ورغم كل شيء كنت راضية بكل هذا ولكن ما حدث نديم كانت الضربة القاضية بالنسبة لي .. "
أغمضت غالية عينيها بتعب شعرت به يغزو جسدها بالكامل من هذه المواجهة عندما جلست على الكرسي جانبها محاولة السيطرة على أعصابها النافرة تماما في هذه اللحظة ..
رفعت وجهها تنظر الى والدتها مجددا فترى لأول مرة ذلك الحزن العميق في عينيها لتهمس رغما عنها :-
" وحياة ..؟! ألا تشعرين إنك تكررين نفس المأساة معها ..؟!"
هتفت صباح بدهشة :-
" ما علاقة حياة بالأمر ..؟! "
ردت غالية بجدية :-
" ألا ترين إن وضعها مع نديم يشبه وضعك مع والدي ..؟! انت كان لديكِ ديانا وهي لديها ليلى .."
قاطعتها صباح معترضة :-
" كلا بالطبع .. لا يوجد مقارنة بين الوضعين .."
لكن غالية عادت تنهض من مكانها تعارضها بقوة :-
" بل يتشابهان للغاية .. أنت تشجعين زيجة نديم وحياة رغم إدراكك مدى قوة حب نديم لليلى .. تريدين تكرار نفس مأساتك مع حياة .."
عاندتها والدتها :-
" أخبرتك إن الوضع مختلف .. "
هتفت غالية بنفاذ صبر :-
" ما المختلف بالضبط ..؟! نديم يعشق ليلى .. يعشقها منذ اعوام وانت تريدين من حياة أن تتزوجه رغم كونه ما زال يحب ليلى .. القصة نفسها تتكرر لكن بأشخاص وظروف مختلفين .. هل تمنين نفسك إنه سيحب حياة يوما ..؟!"
ردت صباح بهدوء :-
" ولم لا ..؟! لم لا يحبها ..؟!"
" نعم من الممكن أن يحبها ومن الممكن ألا يفعل .. عندما لا يفعل ذلك ستعيش الفتاة بتعاسة وربما ستعاني مثلك تماما .."
أضافت وهي تضحك بمرارة :-
" وانا بكل غباء كنت أشجع نديم على التقرب منها .. كنت أراها مناسبة له وأشجع علاقتهما .."
هتفت بصرامة :-
" نحن نستغل الفتاة يا ماما .. ربما تأخرت في إدراك هذا لكن ما سمعته اليوم منك جعلني أشعر بالجريمة التي كنت سنرتكبها في حقها .."
صاحت صباح بعدم تصديق :-
" جريمة ..؟! أية جريمة يا غالية ..؟!"
ردت غالية بجدية :-
" كنا نفعل ما بوسعنا لنجمع بينها وبين نديم وكنا نفعل هذا فقط لأجل نديم .. لإننا رأينا إن وجود الفتاة معه سيساعده كثيرا ولإننا شعرنا بحاجته لوجود فتاة مثلها جواره ... فكرنا به وبوضعه فقط وتناسينا الفتاة نفسها .. تناسينا ما يخصها ... كل ما فكرنا به ونديم وكيفية مساعدته على تجاوز ما عايشه .."
" يكفي يا غالية .. لا تتحدثي بحماقة .. الفتاة تعرف الماضي بأكمله وهي راضية به تماما .. لا داعي للفلسفة الزائدة .."
" الآن أصبح حديثي فلسفة زائدة .. ماما أنت بالتأكيد تدركين إن حياة تعيش موقفا يشابه الموقف الذي عشته .."
همت والدتها بالرد مقاطعة إياها لكن طرقات على باب المكتب جعلت الصمت يستقر بينهما للحظات قبل أن تسمح صباح الطارق بالدخول ..
دلفت لطيفة رئيسة الخدم بملامح غير مرتاحة عندما هتفت بهما :-
" صباح هانم .. غالية هانم .. السيد عمار جاء منذ لحظات .."
صمتت قليلا ثم أضافت :-
" وليلى هانم معه .."
نظرت غالية الى والدتها بعينين متسعتين قبل أن تسير بسرعة خارج المكان تتبعها صباح وهي تدعو الله داخلها ألا يفتعل ذلك المجنون أي مشكلة ..
.................................................................
أنت تقرأ
حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح )
Romantizmهو رجل يشبه الظلام .. رجل طعنه القدر بقسوة ولم يتبقَ منه سوى بقايا روح ترفض الحياة .. أما هي فأتت وإخترقت حياته المظلمة بالصدفة البحته .. بقلب نقي بريء وروح لا ترغب بشيء سوى الأمان وجدت نفسها عالقة بين ظلماته المخيفة .. وأخرى لم تدرك شيئا سوى إنها ت...