الفصل السادس والعشرون
قبل حوالي ساعتين ..
كانت تقف أمام المرآة تضع لمساتها الأخيرة قبل الخروج متجهة الى حفل الخطبة ...
كل شيء كان جاهزا حيث فستانها الأحمر الذي بالرغم من بساطته كان أنيقا للغاية ..
وشعرها مرفوع بطريقة بسيطة وأنيقة في نفس الوقت ..
مكياجها هادئ للغاية كجمالها بالضبط ...
تطلعت الى الأقراط الماسية وهي تتذكر يوم أهداها تلك الأقراط في عيدميلادها الثامن عشر وهو نفس اليوم الذي اعترف لها به بحبها ...
حملت أحد القرطين ترتديه في أذنها ثم جذبت بعدها الآخر وهي تعد نفسها إنها ستبيع تلك الأقراط غدا وتتبرع بثمنها لأحد المحتاجين ...
هي فقط ترتديها لغاية ما داخلها كما اختارت اللون الاحمر تحديدا لفستانها .. لونه المفضل عليها ...
توقفت أخيرا تأخذ نفسا عميقا عندما لمحت مريم تتقدم داخل الغرفة دون أن تطرق على الباب حتى ترتدي فستانا أنيقا وترفع شعرها بتسريحة بسيطة ..
" ماذا تفعلين ..؟!"
سألتها ليلى بدهشة لترد مريم ببساطة :-
" سآتي معك .. طالما انت مصرة على الذهاب فسأكون معك .."
" لا حاجة لهذا يا مريم .."
قالتها ليلى وهي تجذب حقيبتها السوداء الصغيرة والتي تتلائم مع لون حذائها لكن مريم ردت بجدية :-
" سأذهب معك الى الخطبة يا ليلى .. لا أفهم سبب عدم رغبتك بمجيئي .."
حملت ليلى حقيبتها وقالت وهي تنظر الى مريم بهدوء :-
" كما تشائين يا مريم .. انا أساسا لن أبقى حتى نهاية الحفلة .. سأبارك للعروسين وأبقى قليلا ثم أرحل .."
لمست مريم ذراعها تخبرها مهادنة :-
" برأيي أن تعيدي التفكير بأمر ذهابك الى الخطبة .."
لكن ليلى أبعدت كفها عن ذراعها تهتف بجدية وإصرار :-
" سأذهب يا مريم .. انا احتاج أن أذهب الى هنا وأراه بنفسي مع أخرى غيري .. سيؤلمني هذا كثيرا نعم ولكنه سيساعدني كثيرا أيضا .."
احترمت مريم رغبة ليلى في الحضور ولم تحاول تكرار حديثها مفكرة إنها على الأقل ستكون معها متأهبة لأي موقف مزعج او غير ملائم قد يحدث ...
.......................................................................
وقفت غالية في منتصف الحديقة تتأمل تفاصيل الحفل الذي بدأ منذ حوالي نصف ساعة بإهتمام رغم إن عينيها كانتا تتجهان نحو مدخل المكان بين الحين والآخر تترقبان وصوله ..
شعرت بشخص ما يقترب منها فوجدته صلاح ابن عمها الذي تغزل بها كعادته :-
" كم تبدين رائعة يا غالية .. تشعين كماسة غالية حقا .. محظوظ هو من سينال تلك الماسة يا ابنة عمي .."
قال جملته الأخيره وهو يغمز لها لتضحك لا إراديا وهي تحتضنه بخفة وأخوية دائما ما كانت بينهما ثم ابتعدت عنه تهتف :-
" لا تتوقف عن كلامك المعسول أبدا يا صلاح .."
ابتسم صلاح مرددا بثقة :-
" الكلام المعسول هو أحد أسباب انجذاب الفتيات إلي .. أنتن دائما ما ترغبون بسماع كلام الغزل والأشعار .."
أضاف وهو يغمر لها بعينيه مجددا :-
" لكن انت تدركين إنني صادق في وصفي لك .. فأنت بالفعل تبدين كجوهرة غالية محظوظ جدا من ستكون نصيبه .."
ابتسمت وهي تردد بذقن مرفوع :-
" انا دائما ما أدرك قدري جيدا يا صلاح .."
أضافت وهي تسأله بمكر :-
" ولكن أخبرني .. ما أخبار صديقتك التي عرفتني عليها منذ فترة ..؟!"
هتف بعدم تصديق محاولا تذكر تلك الفتاة :-
" عن أي واحدة تتحدثين .. ؟! آه تلك الشقراء .. لقد تركتها منذ فترة طويلة وصاحبت إثنتين غيرها .."
ضحكت مرددة بعدم تصديق :-
" وانا التي ظننت إنك جدي في علاقتك هذه المرة .."
هتف بتعجب :-
" بالله عليك لا تقوليها .. انا لا ادخل في علاقات جدية وهذا سبب انفصالي عنها وعن الكثير غيرها .. "
قالت بجدية :-
" لو كان لديك اخت لنصحتك أن تتوقف عن افعالك هذه لأجلها على الأقل .. لكن لا بأس .. لديك ثلاث بنات عم بمثابة أخواتك لذا راجع تصرفاتك وكف عن العبث يا صلاح فهذا لا يجوز حقا وبنات الناس لسن لعبة في يديك .."
زفر نفسه بقوة ثم رسم ابتسامة بسيطة على ثغره وهو يردد :-
" بنات عمي لا خوف عليهن .. انت ماشاءالله ذكية ولا يستهان بك .. اروى أساسا داهية في حد ذاتها .. ربما نرمين من يجب ان نقلق عليها قليلا لصغر سنها وشخصيتها التي تبدو رقيقة وناعمة زيادة عن اللزوم .."
ابتسمت وهي تردد :-
" رقتها ونعومتها مميزة .."
توقفت عن حديثها وهي تتأمل شريف الذي تقدم نحويهما يتأملها بإعجاب واضح فحاولت ان تحافظ على إبتسامتها الرسمية وهي ترد تحيته بينما هتف صلاح بمرح :-
" ها قد جاء أخي الأكبر والذي دائما ما يلقي عليه نفس نصائحك يا غالية .."
" آية نصائح ..؟!"
سأله شريف متعجبا ليرد صلاح بمرح :-
" نصائح من اجل الإبتعاد عن الفتيات وعدم كسر قلوبهن مع إنهن من يتقربن مني ويحاولن لفت انتباهي .."
نظر اليه شريف بتأنيب قائلا :-
" كف عن عبثك يا صلاح .. ربما علينا تزويجك في اقرب وقت علك تتوقف عن عبثك هذا .."
" طالما ذكرت سيرة الزواج فسأهرب أنا .."
قالها وهو يرفع كفيه مبتعدا بينما ابتسم شريف لها يسألها بإهتمام :-
" كيف حالك يا غالية..؟؟"
ردت بهدوء :-
" بخير الحمد لله .."
ابتسم مضيفا :-
" مبارك خطبة نديم والعقبى لك ..."
" شكرا والعقبى لك انت ايضا .."
" قريبا جدا ان شاءالله .."
قالها وهو يمنحها نظرات صريحة فإرتبكت ملامحها عندما همت بالرد لكن بادرها بقوله :-
" بالطبع أخبرتك والدتك عن طلبي يا غالية ..؟!"
ردت بسرعة وشعرت بحلقها يجف تماما:-
" عم تتحدث بالضبط يا شريف ..؟!"
ثم سرعان ما انتبهت الى دخول احدى صديقاتها الحفل فقالت وهي تستأذنه :-
" اسمح لي أن أذهب وأستقبل صديقتي .. "
ثم سارعت تجري بعيدا عنه متجهة نحو صديقتها ترحب بها وتشكرها داخلها في نفس الوقت على إنقاذها من هذا الموقف المحرج ..
................................................................
كانت صباح تجلس على احدى الطاولات بملامح تدل على عدم شعورها بالراحة وهذا بسبب قلقها الغريب منذ بداية الحفل بحدوث شيء ما...
على جانبها تجلس رحاب زوجة عم أولادها الراحل بجانبها مع ابنتيها اروى ونرمين بينما يرقص ابنها نادر مع احدى قريباته ..
وعلى الجانب الاخر من الطاولة تجلس زوجة اخ عم أولادها الأخرى نجاة والدة كلا من شريف وصلاح وهي تتأمل الموجودين بصمت كعادتها لا تتفاعل لا معها ولا مع رحاب ابدا ..
شعرت صباح برحاب تسألها بإهتمام :-
" ما بالك يا صباح ..؟! لا تبدين سعيدة .. هل انت غير موافقة على الفتاة ..؟!"
استدارت صباح نحوها تهتف بدهشة :-
" من قال هذا ..بل أكثر من موافقة .."
قالت رحاب بجدية :-
" بصراحة انا لا أفهمك .. كيف توافقين على ابنة عامل لديكم بينما كان أمامك اخرى تناسبكم في كل شيء ..؟!"
قاطعتها صباح بضجر :-
" هل عدنا الى نفس الموضوع يا رحاب ..؟! نديم يريد هذه الفتاة وهو مقتنع بها وعمل والدها بالطبع لا يعيبها ... انا نفسي سعيدة وانت عندما تتعرفين عليها سوف تدركين كم هي لطيفة ومميزة .."
قالت رحاب وهي تلوي فمها معترضة :-
" هذا لن يغير من أصلها المتواضع .. لا أعلم لماذا أشعر الماضي يتكرر أمامي .."
" ماذا تقصدين ..؟!"
سألتها صباح بوجه محتقن لترد رحاب بحذر :-
" اتحدث عن ديانا .. هي ايضا دخلت العائلة رغم أصلها المتواضع .."
أضافت بنظرات ماكرة :-
" لكنها في النهاية لم تستطع الإستمرار .."
أضافت وهي تلوي فمها بعدم رضا :-
" لكنها محظوظة .. تزوجت ابراهيم الهاشمي ... تركت حسين وتزوجت آخرا لا يختلف عنه بل يفوقه مالا وجاه ..."
" المرأة توفيت وما زلت تتحدثين عنها بتلك الطريقة .. "
قالتها صباح بنبرة ممتعضة لترد رحاب بجدية :-
" انا لا أتحدث عنها بالسوء .. لكنها بالفعل محظوظة ... ابراهيم الهاشمي أغرم بها منذ أول مرة رآها بها وتمسك بها رغما عن أنف عائلته رغم كونه عازبا بينما هي مطلقة ولديها صبي .."
شعرت صباح بالإختناق من هذا الحديث الذي أتى في وقت غير مناسب لتنهض مستأذنة منها بينما التفتت رحاب نحو ابنتيها تتأمل اروى التي تجلس تتابع الحفل بشرود ونرمين التي تبتسم برقة ترد تحية من يمر جانبها ويحييها ...
أشارت لأروى متسائلة وهي ترى ابنها يراقص احدى الفتيات منذ بدء الحفل :-
" من تلك الفتاة التي يراقصها نادر يا اروى ..؟!"
ردت اروى :-
" لا أعلم .. لا أعرفها .. ربما من عائلة العروس .."
لكن نرمين تدخلت قائلة :-
" أظن إنها احدى صديقات غالية ..."
زمت رحاب شفتيها بعبوس وهي تراقب الفتاة التي تتفاعل برقصتها مع ابنها بعفوية مطلقة وكأنها خطيبته او زوجته ..
هزت رأسها بعدم رضى بينما همست نرمين لأختها تتسائل :-
" ما بالك يا أروى .. ؟! انت شاردة منذ بداية الحفل ..؟!"
ردت أروى ببرود :-
" لا يوجد شيء يا نرمين .. فقط أشعر بالملل .."
هزت نرمين رأسها بتفهم ونظرت رغما عنها نحو شريف والتي تدرك جيدا إنه سبب حنق أختها فهو لا يبالي بها بينما يضع كافة اهتمامه نحو غالية ابنة عمها ...
وجدت صلاح يقترب منهن يهتف بمرح :-
" لماذا تجلسان هكذا ولا تشاركان الموجودين بالرقص ..؟!"
قالت اروى ببرود :-
" انا لا احب الرقص .."
هتفت نرمين بسرعة :-
" انا احب الرقص كثيرا .."
هتف صلاح بسرعة :-
" اذا دعيني أراقصك يا ابنة عمي .."
قفزت نرمين من مكانها وسارت الى منتصف الحديقة تشاركة الرقص بينما كانت رحاب مستمرة في النظر نحو. ابنها بإمتعاض قبل ان تشير الى ابنتها :-
" اذهبي عند أخيك وإبعديه عن تلك الفتاة .. ألا يخجل من طريقته الحميمية في الرقص معها ..؟!"
زفرت اروى أنفاسها بضيق ثم قالت بتجهم :-
" هل هو طفل صغير لأسحبه في يدي .. دعيه يراقصها .. لماذا تتصرفين وكأنه سيتزوجها مثلا ..؟!"
ثم نهضت من مكانها تتجه الى داخل الفيلا حيث تشعر برغبة في الابتعاد عن اصوات الضوضاء المحيطة بها والإختلاء بنفسها قليلا ..
.....................................................................
كان يجلس بجانب والده وزوجته بينما أخته تجلس على الجانب الآخر تلتقط بعض صور السيلفي لها ..
ملامحه جامدة للغاية وعيناه بها حنق واضح لم يخفَ على والده الذي لاحظ تصرفه ايضا اثناء مباركته لحياة ونديم وتلك النظرات المشحونة المتبادلة بين الشابين ..
انحنى والده نحوه يهمس بضراوة :-
" لماذا أتيت يا نضال ..؟! طالما إنك ستظل جالسا بهذا الوجه الجامد فلترحل افضل .."
التفت نضال نحوه يسأله بحنق :-
" هل يزعجك وجودي الى هذه الدرجة ..؟!"
اجاب والده بجدية :-
" بل يزعجني إصرارك على التمسك بوهم خلقته انت بنفسك .."
" هذا ليس وهما .. الوهم الذي تتحدث عنه سيصبح حقيقة لا محالة ... "
" هل جننت ..؟! لن يحدث شيء مما تفكر به ..!!"
قالها والده بعصبية ليرد نضال بثقة :-
" انا نضال مختار .. لا أتنازل عن شيء أريده وكل ما أريده يكون لي حتى لو بالقوة .."
هم والده بالرد عليه وهو يشعر بأعصابه تتشنج لكن قاطعه حديث حنين وهي تقول له ولوالدتها :-
" سأذهب لأتفقد حياة .."
" اذهبي حبيبتي .."
قالها والدها وهو يبتسم لها رغم تشنجه فنهضت من مكانها بينما استغل نضال الموقف ونهض هو بدوره متجها بعيدا قليلا عن الحفل ..
اخذت حنين تسير متهادية بخطواتها وفستانها المنفوش قليلا يحيط جسدها بنعومة عندما انتبهت الى نديم وحياة اللذان يتجهان خارج مكان الحفل فإبتسمت بخفة مقررة التوجه نحو البوفيه حيث وقفت تحمل قدحا من العصير عندما استدارت ففوجئت بشخص يقف وراءها فتمسكت بالقدح بقوة خوفا من أن ينقلب فوق فستانها او فوق ملابس الشاب الذي قال معتذرا :-
" اعتذر ، كدت أن أصطدم بك .."
ابتسمت بسرعة ترد :-
" لا عليك ..."
اضافت بمرح :-
" لقد أنقذت الموقف في الوقت المناسب .."
ابتسم متأملا إياها قبل ان يعرفها عن نفسه مادا يده نحوها :-
" بالمناسبة انا نادر ... ابن عم العريس .."
ابتسمت وهي تلمس كفه بكفها :-
" وانا حنين .. اخت العروس .."
" حقا ..؟!"
قالها وهو يبتسم بخفة قبل أن يهتف وهو يتأملها رغما عنه بإعجاب :-
" تشرفت بمعرفتك انسة حنين .."
ردت وهي تبتسم بعذوبة :-
" الشرف لي .."
همت بالتحرك مبتعدة عنه يتابعها بأنظاره حتى وجدها تعود الى احد الطاولات تجلس بجانب اثنين من المؤكد إنهما والديها ..
ابتسم بخفة وهو يحمل بدوره قدحا من العصير يرتشف القليل منه عندما وجد تلك الفتاة التي كان يراقصها تقترب منه وهي تطلب منه أن يراقصها مجددا ..
هم بالرفض لكنه تراجع عن رفضه وهو يضع القدح جانبا ويراقصها مجددا متجاهلا نظرات والده الحانقة والتي لاحظها توجها له بين الحين والآخر ..
................................................................
دلفت ليلى الى الحفل بجانب مريم تتأمل الموجودين والتي لاحظ قدومها البعض فإحتلت الصدمة وجوه أغلبهم ..
بدأت همسات الجميع كالعادة وكانت غالية اول من لاحظت قدومها فتقدمت نحوها بملامح شاحبة عندما هتفت بصوت متوتر :-
" اهلا ليلى .. اهلا مريم .."
ردت ليلى وهي تبتسم بهدوء :-
" اهلا غالية .. مبارك خطبة أخيك .."
بينما ردت مريم ببرود وملامح يسيطر عليها الكره :-
" اهلا ...!!"
" تفضلا الى الداخل .."
قالتها غالية ولأول مرة تشعر بتوتر كهذا .. توتر لم تشعر به مسبقا .. توتر يصاحبه تأنيب ضمير وخجل ظهر في نظراتها المصوبة ناحية ليلى لكن ليلى رفعت وجهها بشموخ وهي تتقدمها مرددة بثقة :-
" بالطبع سندخل .."
تبعتها مريم بملامح محتقنة عندما وجدتا صباح تتقدم نحويهما بملامح مصدومة لترتسم ابتسامة ساخرة على وجه ليلى وهي تبارك لخالتها :-
" مبارك خطبة نديم يا خالتي .."
هزت صباح رأسها مرددة بعدم تصديق من وجود ليلى في يوم كهذا ؛-
" شكرا حبيبتي .."
ابتسمت ليلى لها برسمية ثم تقدمت متجهة نحو احدى الطاولات تتبعها مريم التي لم تلتفت الى صباح حتى ..
وقفت غالية بجانب صباح تسأل بعدم تصديق :-
" ليلى هنا .. ماذا سيحدث الآن ..؟!"
أجابت صباح بعدم استيعاب :-
" هذه الخطبة لن تمر على خير .. أشعر بهذا منذ الصباح .."
تأملت غالية ليلى التي اتجهت الى طاولة عائلتي عم نديم تحييهما متجاهلة نظراتهم المندهشة من وجودها ...
لحظات قليلة وهتفت غالية بصوت عالي قليلا :-
" عمار ..!!"
" ما به ذلك الحقير ..؟!"
قالتها صباح وهي تستدير نحو ابنتها بحنق عندما تجمدت مكانها وهي تراه يتقدم نحويهما بإبتسامة عريضة يحمل بيده باقة من الزهور الجميلة ..
" مساء الخير .."
قالها وهو يقف أمامهما محييا إياهما بنفس الابتسامة لتهدر صباح بإنفعال :-
" انا لم أرَ في حياتي وقاحة كهذه ..."
هتفت غالية بتنبيه :-
" ماما ..!!"
سأل عمار متجاهلا حديث زوجة والده :-
" أين العروسين ..؟! أريد تقديم المباركة لهما ...؟!"
نقلت غالية بصرها بينه وبين والدتها قبل ان تهتف وهي تحاول الحفاظ على رباطة جأشها :-
" سيعودان الى الحفل بعد قليل .."
اومأ برأسه متفهما ثم التفت بوجهه يرفع يده بتحية لأحد الحضور قبل ان يتقدم نحو عائلتي عمه لأجل القاء التحية ..
هتفت صباح بإبنتها تتسائل :-
" أين أخوكِ و خطيبته ..؟!"
ردت بسرعة :-
" لا أعلم ولكنني سأذهب وأراهما .. يجب أن يعلما بما يحدث .."
ثم سارعت تتجه للبحث عنهما بينما تقدم عمار نحو ليلى التي تجلس بجانب اختها على احدى الطاولات لوحديهما مرددا وهو يفتح ذراعيه لهما :-
" انا لا أصدق ما أراه .. بنات احمد سليمان هنا .."
ثم انحنى نحو ليلى يهمس لها :-
" لو كنت أعلم بمجيئك لمررت عليكِ وجئنا سويا .."
رمقته ليلى بنظراتها وهي تسأله بحذر :-
" ماذا تفعل هنا ..؟!"
رد ببساطة وهو يجلس جانبها واضعا باقة الورد على الطاولة أمامه :-
"سؤال كهذا يعتبر غبيا قليلا يا زوجتي الجميلة .. إنها خطبة أخي .. لماذا سآتي مثلا ..؟!"
التفت نحو مريم مرددا بتعجب مصطنع :-
" أووه مريم هنا ايضا ... اسف لم انتبه لك .. كيف حالك عزيزتي ..؟؟"
ردت وهي تمنحه إبتسامة محتقرة :-
" بأفضل حال كما ترى .."
منحها نظرات لا مبالية وعاد بتركيزه نحو ليلى مرددا بمكر :-
" فستان احمر وطلة رائعة .. ما هي مخططاتك الجديدة يا ليلى ..؟!"
التفتت نحوه تجيب وهي تكز على أسنانها :-
" أتيت للمباركة يا عمار كما تفعل انت .. واذا كان العريس اخيك فهو ابن خالتي أيضا .."
انتبهت الى نديم الذي عاد الى المكان ممسكا بيد حياة فنهضت من مكانها تهتف بترفع :-
" ها قد ظهر العروسان أخيرا .. سأبارك لهما ..."
نهضت مريم بدورها عندما وقف عمار بوجه ليلى يخبرها بقوة :-
" انتظري .. سنبارك لهما سويا .."
منحته نظرات حادة لتجده يحمل الباقة ويمد لها ذراعه لتتأبطها فإضطرت الى فعل ما يريد وهي تسير بجانبه بينما أشار عمار لمريم :-
" وانت إتبعينا هيا ... "
رفعت مريم حاجبها بعدم تصديق قبل ان تضغط على فمها وهي تتبعهما مرددة بحقد :-
" سخيف ..."
تقدم كلا من عمار وليلى التي تتأبط ذراعه نحو نديم الذي توقف على بعد مسافة منهما ممسكا بكف حياة يشد عليها بقوة ..
وقف الإثنان أمامهما حيث بادر عمار بالتهنئة هاتفا وهو يبتسم يمد باقة الورد نحو حياة :-
" مبارك الخطبة ... عقبال الزواج ان شاءالله .."
ثم مد يده نحو نديم الذي ظل ثابتا مكانه للحظات يتأمل يد عمار الممدودة عندما همست حياة بخفوت وتنبيه :-
" نديم ..."
التقط نديم كفه رغما عنه عندما منحه عمار ابتسامة مخيفة لاحظتها حتى حياة التي شعرت بكم الكراهية والحقد خلف ابتسامته فدب الخوف في أعماقها للحظة حتى انها تناست وجود ليلى غريمتها الاولى كما يفترض ..
صدح صوت ليلى أخيرا يقطع اللحظة التي بدت طويلة للغاية تبارك لنديم بصوتها الرقيق :-
" مبارك الخطبة يا نديم .."
ثم التفتت نحو حياة ورغما عنها وقعت عيناها على الخاتم الماسي الذي يزين بنصرها ..
لحظة واحدة رأت فيها الخاتم كانت كافية لتحطيم قلبها مجددا لكنها سيطرت على مشاعرها وهي ترفع وجهها نحو حياة تبتسم برسمية وتبارك لها :-
" مبارك يا حياة ..."
ردت حياة مباركتها بخفوت ولا تعلم لماذا في تلك اللحظة شعرت بشيء غريب داخلها ناحية ليلى ..
مشاعرها لم تكن غيره او ضيقا بقدر ما كانت تحمل نوعا من تأنيب الضمير او ربما الحرج ..
صدح صوت مريم مرددا بنبرة باردة مقتضبة :-
" مبارك لكما الخطبة .."
رد نديم تحيتها بينما عيناه ما زالتا مسلطتان على عمار وفعلت حياة التي بدورها كانت تنظر الى ليلى فتلاقت عيناها بعيني ليلى لتتبادلا النظرات فشعرت ليلى إن حياة تعتذر لها من خلال نظراتها مما جعلها تمنحها نظرات أبية شامخة وابتسامة مترفعة تخفي بها ما تشعر به من وجع عظيم في تلك اللحظة ..
أشار عمار لهما كي ينسحبا فمنحتهما ابتسامة رسمية أخيرة وسارت معه مجددا نحو طاولتهما تتبعهما مريم بينما وقفت حياة تتأمل إبتعادهما حتى نظرت الى نديم بملامحه الجامدة فلمست ذراعه تعيده الى ارض الواقع ليلتفت لها مبتسما بتصنع قبل ان تقع عيناه على باقة الورد فحملها وهو يتطلع لها بكره قبل ان يشير الى احد العاملين الذي تقدم منه مسرعا فأخبره بضراوة :-
" إرميها في سلة المهملات حيث المكان الذي يناسب صاحبها .."
أخذ العامل الباقة منه منفذا ما يقوله بينما تقدمت غالية منهما تنقل بصرها بينهما وهي تسألهما :-
" هل كل شيء على ما يرام ..؟!"
رد نديم ببرود :-
" كل شيء رائع .."
اضاف وهو يشير إليها :-
" قوموا بتشغيل اغنية هادئة فأنا أريد أن أراقص خطيبتي .."
أومأت غالية برأسها متجهة نحو صاحب الدي جي منفذة ما يريده عندما صدح صوت احدى الاغاني الرومانسية الهادئة ليقبض نديم على يد حياة مجددا يسألها :-
" هل تسمحين لي برقصة ..؟!"
ابتسمت بتصنع وشعور الخوف والقلق كانا يسيطران عليها لتومأ برأسها دون رد فجذبها داخل احضانه يراقصها تحت أنظار الموجودين ..
....................................................................
كانت ليلى تتأمل رقصة حياة ونديم بملامح جامدة ...
كانت تصطنع الجمود واللامبالاة رغم كونها تحترق من الداخل ..
في تلك اللحظة تأكدت مجددا إنها خسرته وكانت تعلم داخلها إنها شاركت في هذه الخسارة ..
كان بإمكانها أن تخبر نديم الحقيقة كاملة وسبب زواجها من عمار وتهديداته بل كانت تستطيع أن تسمعه بعض التسجيلات التي تحمل اعترافا صريحا من عمار بذلك التهديد لكنها لم تفعل ..
كبريائها منعها من أن تفعل ذلك بعد مواجهتهما الأخيرة رغم إنها كانت تنوي إخباره بكل شيء لكن حديثه وما قاله ونظرته نحوها وكأنها ليست المرأة المناسبة له حطمت كل شيء وجعلتها تتراجع عن نيتها تلك مقررة تأجيل الحقيقة الى الوقت المناسب ..
الوقت الذي يستحق ان تخبر نديم به الحقيقة كاملة رغم إدراكها إنها بما تفعله ستخسره نهائيا وأمل رجوعه إليها أصبح مستحيلا ..
خسارة نديم أصعب مما يتخيل اي أحد وجرح فقدانه سيظل محفورا داخل قلبها لكن كرامتها وكبريائها فوق كل شيء وهو أهانهما برفضه لها أكثر من مرة بل والأسوء عندما أخبرها إن هناك أخرى تناسبه اكثر وهو لا يعلم بما فعلته لأجله ولا بمقدار تضحيتها وخسارتها سنوات طويلة من عمرها من أجل حمايته ..
احتقنت ملامحها تماما وشعرت بثقل مؤلم يجثم على صدرها وهي تراه مع أخرى .. أخرى أصبحت مكانها وهي التي لم تتخيل نفسها يوما مع رجل سواه ..
لا تعلم اذا ما عليها أن تبكي على حبها الضائع أم على تضحيتها الكبيرة لمن لا يستحق ...
تبكي على فقدانها حبيب عمرها ام تبكي سنوات ضاعت هباءا وغباء سيطر عليها عندما تمسكت بعشق إهتز كليا من اول مواجهة ...
كان عمار هو الآخر يتابع الرقصة بنظرات لا مبالية عندما التفت نحو مريم التي وجدها تتأمل أختها بملامح حزينة وكأنها تشعر بما تمر به ..
تأمل فستانها القصير للغاية كالعادة فلم يستطع منع نفسه من الهمس لها :-
" هل هناك مشكلة لديكِ مع الفساتين المحترمة الطويلة قليلا ..؟! أم إنه مرض نفسي يدفعك لإرتداء كل ماهو عاري ومفتوح كثيرا ..؟!"
منحته نظرات مشتعلة ليردف بنفس الهمس :-
" انظري الى اختك .. إنها مثال حي للإناقة لكنني لم أرها يوما تردي شيئا عاريا او مفتوح بشكل مبالغ فيه .. أناقتها تشبه الاميرات حتى طريقة انتقاء ملابسها تذكرني بهن .."
همت بالرد عندما وجدت ليلى توقفت فجأة ويبدو إنها لم تعد تستطيع التحمل اكثر فأشارت بعينيها الى مريم بوجه محتقن وعينين حمراوين :-
" انا سأغادر .."
نهضت مريم بسرعة تحمل حقيبتها وهي تقول :-
" هيا بنا .."
لينهض عمار يهتف بهما :-
" وانا سأغادر ايضا .."
خرج الثلاثة من الحفل عندما توقفت ليلى جانبا تضع كف يدها على موضع قلبها وهي تشعر بألم لا يوصف ورغبة عارمة في البكاء فتقدمت مريم نحوها تسألها بذعر :-
" ليلى ، هل انت بخير ..؟!"
رفعت ليلى وجهها المحتقن كليا نحو أختها بينما الدموع تملأ مقلتيها ..
أخذ جسدها يرتجف كليا حتى لاحظت مريم ذلك فحاولت لمسها وهي تردد بخوف :-
" ليلى .."
لكنها ليلى همست بخفوت مليء بالوجع :-
" انا أموت يا مريم .. انا أحترق من الداخل .."
قبضت على كف أختها تضيف ودموعها بدأت تتسابق للهطول على وجنتيها :-
" قلبي يحترق .. روحي تتألم .. انا أموت يا مريم .."
شهقت باكية بعنف لتجذب مريم جسدها المرتجف تعانقها بقوة فتنهار ليلى تبكي بعنف بين أحضانها وشهقاتها ترتفع بقوة ..
تابع عمار الموقف بصمت ورغم لا مبالاته لكنه لم يرغب أن يرى احدا هذا الموقف الذي سوف يسيء له هو ايضا ..
تقدم نحويهما يهتف بمريم :-
" دعيها تنهض .. ليس من الجيد ان يراها أحدا بهذا الوضع المزري ..."
شددت مريم من عناق أخرى التي بدأت تشهق عدة مرات متتالية ببكاء مؤلم ومريم تحرك يدها على ظهرها محاولة تهدئتها بينما عمار يتأفف بضيق مما يحدث ..
بدأت ليلى تهدأ تدريجيا أخيرا عندما توقفت مبتعدة عن مريم التي ما زالت تقبض بيديها على يدي اختها تشدد من أزرها وتدعمها ..
"هل أصبحت أفضل ..؟!"
هزت ليلى برأسها وهي تجيب بصوتها الذي ما زال يحمل آثار بكائها :-
" قليلا .."
" لو كان هناك ماء .."
قالتها مريم بخيبة ليهتف عمار سريعا :-
" بإمكانكما أن تشتريا في طريق العودة .. فقط دعونا نغادر .."
رمقته مريم بنظرات حادة بينما لاحظت ليلى وجوده أخيرا لتتحفز نظراتها وهي تتقدم نحوه ..
وفي لمح البصر كان تصفعه على وجهه بقوة جعلت مريم الواقفة خلفها تشهق بصوت مرتفع لا إراديا بينما عينا عمار الخضراوان أصبحتا حمراوان من شدة الغضب ..
هدرت بصوت مليء بالحقد والكراهية بعدما توقفت عن بكائها ولم يتبقَ سوى دموعها المختلطة بلون كحلتها السوداء يلطخ وجهها :-
" كنت تستحقها منذ زمن .. منذ ذلك اليوم الذي دمرت به حياتي ..."
أضافت وعادت دموعها تملأ عينيها :-
" انت سرقت فرحتي مني .. فرحتي لم تكتمل بسببك .. دمرت حياتي .. تسببت بتعاسة أبدية لي .. انت سرقت اهم سنوات عمري .. سنوات عديدة من عمري ضاعت معك وبسببك ..."
أضافت بصوت مرتجف باكي :-
" انت حتى لم تمنحني ولو فرصة لكي أحظى بالقليل من السعادة معه .. لم تستمر فرحتي ليوم واحد حتى بسببك .. انت دمرت كل شيء .. كل شيء انتهى بسببك .."
هم عمار بالتقدم نحوها وقد أعماه غضبه في تلك اللحظة لكن مريم دفعت ليلى بكل قوتها بعيدا ووقفت هي في وجهه تنظر اليه بتحدي ..
" ابتعدي يا مريم .."
همست مريم وعيناها تحاصران عينيه بقوة :-
" فكر فقط أن تلمسها وسوف أقتلك دون تردد .."
" مريم .."
بدا صوته كزئير الأسد المخيف وهو ينطق اسمها لكنها لم تبالي ولم تخف فكل ما يهمها أختها حيث أشارت الى الطريق جانبها تأمره بقوة :-
" غادر من هنا فورا فلا انا ولا أختي نرغب بوجودك في هذه اللحظة تحديدا .."
نظر عمار الى ليلى التي تقف تتابع الموقف بسكون غريب وقد بدأت ملامحها تعود الى هدوئها السابق فرفع إصبعه في وجهها يردد :-
" ستندمين على تصرفك هذا يا ليلى .. ليس عمار من ترفعين يدك عليه .. سأذهب الآن فقط كي لا أتسبب بأي فضيحة لنفسي قبلكما لكن أعدك إنني سأرد تلك الصفعة لك في اقرب فرصة .."
اندفع بعدها مغادرا لتستدير مريم نحو اختها تخبرها بجدية :-
" لنغادر نحن ايضا .. لا أريد أن يراكِ أحد بهذه الحالة .."
هزت ليلى رأسها موافقة وسارت خلف أختها التي اتصلت بالسائق الخاص بهما تطلب منه أن يأتي أمام الفيلا حيث تقفان في انتظاره ..
.....................................................................
أنت تقرأ
حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح )
Любовные романыهو رجل يشبه الظلام .. رجل طعنه القدر بقسوة ولم يتبقَ منه سوى بقايا روح ترفض الحياة .. أما هي فأتت وإخترقت حياته المظلمة بالصدفة البحته .. بقلب نقي بريء وروح لا ترغب بشيء سوى الأمان وجدت نفسها عالقة بين ظلماته المخيفة .. وأخرى لم تدرك شيئا سوى إنها ت...