الفصل الرابع والأربعون ( الجزء الثاني)

2.9K 192 28
                                    

فتح عينيه الزرقاوين أخيرا بعد نوم إستمر لساعات طويلة ..
تأمل سقف المكان للحظات قبل أن ينظر لها وهي التي تتوسد صدره فيبتسم لا إراديا وهو يتأمل ملامح وجهها الهادئة تماما وهي غارقة في نومها بين ذراعيه ..
مد كفه يلمس خصلات شعرها البنية القصيرة يتسائل كيف سيكون شكلها لو طالت خصلاته فيتذكر صورتها السابقة في سنتها الجامعية الأولى بشعر طويل وكم بدا لائقا بها كما يليق بها الشعر القصير تماما ...
أراد أن يوقظها من نومتها لكنه تراجع وهو يراها تنام بعمق وسلام بعد ليلة طويلة مميزة لا تنسى ....
نهض من مكانه بتمهل متجها الى الحمام ليأخذ حماما سريعا فيخرج بعد مدة وهو مرتدي ملابس مكونة من بنطال أسود كلاسيكي فوقه تيشرت ذو لون مماثل ....
وقف أمام المرآة يسرح شعره قبل أن يتجه خارج الغرفة ليفتح الثلاجة الموجودة في المكان ويخرج منها القهوة المثلجة ثم يتجه مجددا نحو الغرفة ومنها الى شرفتها المطلة على الحدائق الخارجية للفندق وحوض السباحة الواسع فأخذ يرتشف قهوته وهو يتأمل المكان بصمت وهدوء منتظرا إستيقاظ حياة ليبدأ يومه معها ...
اما هي فإستيقظت أخيرا وهي تبتسم بعفوية وذكريات ليلة البارحة غزت عقلها فإحمرت وجنتيها بقوة وإرتفعت نبضات قلبها بقوة وكل شيء بدا ليلة البارحة مثاليا بشكل يجعلها عاجزة عن وصفه ...
إعتدلت في جلستها تتأمل مكانه الخالي جوارها قبل أن تنتبه إليه وهو واقفا في الشرفة المقابلة لها فتنهض من مكانه وتهم بالتوجه نحوه بعفوية عندما إنتبهت لقميص نومها المفتوح فزمت شفتيها بعبوس وهي تتجه بخطوات بطيئة نحو الخزانة متوسط الحجم لتفتحها فوجدت بها روبا محتشما فسارعت تجذبه وترتديه ...
إتجهت نحوه بخطواتها الحذرة وما إن وصلت قربه حتى فوجئت به يستدير نحوها ويجذبها إليه بحركة مفاجئة لتشهق بفزع فيضحك على مظهرها عندما مطت شفتيها ترد :-
" كنت أريد إفزاعك فأزعتني أنت ...! "
أضافت تسأله :-
" كيف عرفت إنني خلفك ..؟!"
رد وهو يهز كتفيه :-
" شعرت بك ... "
إبتسمت بخفة عندما بادلها إبتسامتها وهو يردد :-
" صباح الخير ..."
ردت تحيته بخفوت فسألها :-
" كيف كانت ليلة البارحة ..؟!"
ردت بسعادة ظهرت في لمعة عينيها :-
" رائعة ... كل شيء كان رائعا وخاصة الرحلة البحرية .. "
قاطعها بخبث :-
" أنا لا أتحدث عن هذا .. أنا أتحدث عما يلي الليلة البحرية ..."
إحتقنت ملامحها وهي تنهره بخفوت :-
" توقف عن وقاحتك يا نديم ..."
إنحنى نحو شفتيها يطبع قبلة خفيفة فوقيهما ثم يردد بمكر :-
" ما زلت تخجلين مني بعد هذه المدة ..!!"
ردت كاذبة :-
" كلا لا أخجل .."
ابتسم مرددا :-
" كاذبة .. إنظري الى لون وجنتيك وستدركين إنك كاذبة .."
غمغمت بعبوس :-
" حسنا أخجل .."
أضافت بسرعة :-
" قليلا ..."
قال بجدية :-
" انت زوجتي .. لا مجال للخجل بيننا ..."
ردت تبتسم بخفة :-
" لم يمر على زواجنا سوى أشهر قليلة .. ما بالك تتحدث وكأننا متزوجين منذ أعوام ..؟!"
هتف بإستنكار مصطنع :-
" أنتِ لن تستمري في خجلك هذا بعد أعوام يا حياة ، أليس كذلك ..؟!"
رمقته بنظرات حانقة ليجذبها نحوه يعانقها بسعادة طغت عليه وعليها عندما همهمت تسأله وهي داخل أحضانه :-
" هل تعتقد إن زواجنا سيستمر لأعوام حقا ...؟!"
رد وهو يغمض عينيه مستمتعا بوجودها بين ذراعيه والذي يمنحه شعورا من السلام والأمان لا ينتهي :-
" لم ينتهي هذا الزواج طالما أنا على قيد الحياة إلا إذا ..."
ابتعدت عنه تسأله وهي تنظر له بفزع :-
" إلا إذا ماذا ..؟!"
رد بصدق :-
" إذا إذا أردت الإنفصال ولكن لأسباب مقنعة وليس لأسبابك السابقة .."
عقدت حاجبيها تسأله بفضول لا إرادي :-
" أسباب مثل ماذا ..؟!"
رد وهو يسير بإبهامه فوق وجنتها :-
" كأن تتوقفي عن حبي .. في الحقيقة هذا السبب الوحيد الذي يجعلني أطلقك أما غير ذلك فلا طلاق ..."
لوت شفتيها تردد :-
" هذا يعني إننا لن نتطلق أبدا ..."
ابتسم مرغما وهو يقول :-
" هذا هو المطلوب .."
أردف بخبث ؛-
" وطبعا هذا إعتراف مباشر منك إنك لن تتوقفي عن حبي .."
هزت كتفيها تدعي البؤس :-
" للأسف الشديد لن أفعل ..."
جذبها نحو مجددا يردد بتملك ظهر في عينيه :-
" ومن سيسمح لك أساسا أن تفعلي ..؟!"
أضاف وهو يتأمل ملامحها الناعمة :-
" أنا لا يمكنني تخيل حياتي بدونك يا حياة ... لا يمكنني العيش بدونك .. حياتي باتت مرتبطة بك لذا لا فكاك لك مني إلا في حالة واحدة وهي ..."
أوقفته بسرعة :-
" لا تنطقها ..."
أضافت بتوسل :-
" لا تنطق هذه الكلمة من فضلك وإذا كنت تريدني سعيدة حقا فعليك أن تحافظ على نفسك لأجلي فأنت كل حياتي يا نديم ..."
جذبها نحوه مجددا يطبع قبلة دافئة فوق جبينها يهمس لها :-
" أعدك إنني سأفعل كل ما بوسعي لحماية نفسي لإجلكِ أنتِ قبل كل شيء ..."
...........................................................
بعد مدة قصيرة ..
كان يجلس في بهو المطعم الخاص في الفندق يتناولان طعام الإفطار عندما هتف نديم بجدية:-
" نحن اليوم مدعوان على العشاء من قبل والدتي .."
ابتسمت تردد :-
" حسنا ... هل سنعود الى الشقة مباشرة بعد الفطور ..؟!"
هز رأسه نفيا وهو يقول :-
" سنقضي القليل من الوقت الممتع أولا ..."
إبتسمت وهي تتأمل الحديقة الخارجية بذلك المسبح الواسع الذي يتوسطها :-
" المكان جميل هنا .. سوف نستمتع كثيرا ..."
تأمل حوض السباحة فقال مبتسما :-
" الجو يساعد على السباحة ..."
ابتسمت وهي تهز رأسها موافقة :-
" كثيرا ..."
سألها وهو يرتشف من الشاي خاصته :-
" هل تجيدين السباحة ..؟!"
ردت بجدية :-
" نوعا ما ..."
سألها مهتما :-
" كيف يعني نوعا ما ..؟! هل هناك من علمكِ السباحة ..؟!"
ردت بعدما إبتلعت لقمتها :-
" لقد سبق وتعلمت السباحة في أحد المراكز الخاصة لذلك قبل حوالي ثلاث سنوات .. كانت المدربة ممتازة وتعلمت السباحة جيدا وقتها ولكنني لم أمارسها بعدها ..."
غمز لها وهو يردد بخفة :-
" ما رأيك أن تمارسيها اليوم إذا ..؟!"
سألته بدهشة :-
" أنت تتحدث حقا ..؟!"
هز رأسه وهو يردد :-
" بالطبع ... "
عقدت حاحبيها وهي تتأمل المسبح الخارجي الذي يسبح به بعض الرجال والنساء :-
" انا لا يمكنني السباحة هنا .. يعني في مكان مختلط .."
هتف بحنق :-
" ومن سيسمح لك بذلك أصلا ..؟!"
ابتسمت تردد بخجل :-
" إذا كيف ...؟!"
رد بثقة :-
" سأتدبر الأمر ..."
شاغبته تقول :-
" هل ستحجز حوض سباحة خاصا بنا ..؟!"
هتف بجدية :-
" شيء كهذا ..."
أضاف بجدية :-
" لكن ليس هنا .. في مكان آخر ... "
أضاف وهو يسحب هاتفه بحماس :-
" سأتحدث مع صاحب المكان فربما لا يوجد حجز اليوم ..."
تأملت حماسه فإبتسمت لا إراديا قبل أن تتذكر إنها ستضطر أن تظهر أمامه بثوب سباحة فإحتقنت ملامحها مجددا وهي تخفض رأسها نحو طبقها تتناول طعامها وهي تدعو الله ألا يجد حجزا اليوم لكن حدث عكس ما أرادت وقد وجد نديم حجزا بسهولة ...
تأملته بوجه محتقن وهو يشكر صاحب المكان ويخبره عن قدومه مع زوجته بعد حوالي ساعة قبل أن يغلق هاتفه وهو يردد بمرح :-
" كل شيء تم بسهولة .."
سألته بتردد :-
" كيف وجدت حجزا بهذه السهولة ..؟!"
رد بجدية :-
" هناك العديد من الشاليهات المتاحة خاصة في هذه الفترة .. تعلمين إن الدراسة بدأت والجميع مشغول بذلك لذا فالحجز قليل خاصة إن اليوم ليس أحد يومي العطلة .."
هزت رأسها بتفهم عندما قال وهو يرتشف مجددا من الشاي :-
" إنهي طعامك بسرعة كي نعود الى الجناح نأخذ ملابسنا وأغراضنا ونغادر .."
أضاف :-
" أفكر أن أؤجل دعوة اليوم الى الغد ونقضي بقية اليوم في الشاليه .."
قالت بتردد :-
" ربما تحزن والدتك ..."
هز كتفيه يردد :-
" لا أعتقد ذلك .. سأخبر غالية إننا سنزورهم غدا على الغداء ..."
هزت رأسها بتفهم وعادت تتناول طعامها بينما حمل نديم هاتفه مجددا يتصل هذه المرة بغالية يخبرها بإختصار عن تأجيل عشاء اليوم الى غداء ليوم غد ..
...................................................
بعد حوالي ساعتين ...
كانت تتأمل الطريق بسعادة حيث هما في طريقهما الآن نحو الشاليه الذي حجزه نديم لهما ليقضيا به الليلة ...
كانت تشعر بسعادة لا نهاية لها .. كل شيء يبدو مثاليا بشكل رائع ...
استدارت نحوه تتأمله بحب تشكره في أعماقها على تلك اللحظات السعيدة التي تعيشها بسببه وبوجوده الذي يشكل مصدرا أساسيا لسعادتها ...
كانا قد غادرا الفندق بعدما جمعا أغراضهما ليذهبا الى الشقة حيث طلب منها نديم أن تجهز ما يحتاجانه من ملابس لقضاء اليوم لهما بينما غادر هو لأجل قضاء بعض الأشياء السريعة قبل أن يعود بعد أقل من ساعة فيجدها قد إنتهت من تحضير ما يحتاجانه ليغادران سويا وها هما في طريقهما الى هناك ..
أوقف نديم سيارته فتأملت حياة المكان المكون من شاليهات متعددة ذات حجم متوسط بدت أشبه بمنزل صغير تقع مباشرة أمام البحر ....
هبطت من السيارة بعدما فتح نديم لها الباب وهو يشير لها :-
" هيا ندخل ..."
ثم جذبها الى داخل الشاليه لتتأمل الحديقة الجميلة بحوض السباحة الذي يتوسط حيث تحيط الحديقة جدران ليست عالية بينما توجد مظلة تغطي الحوض تحجبه عن الخارج فلا يستطيع أحد رؤيتهما وهما داخله ...
سألها وهو يتأمل المكان :-
" هل أعجبك المكان ..؟!"
ردت بصدق :-
" جميل جدا .."
" تعالي لنرى الداخل .."
قالها وهو يجذبها الى داخل الجناح الذي كان مكون من صالة جلوس ذات أثاث بسيط لكنه أنيق بألوانه الهادئة والى الداخل توجد غرفتان للنوم إحداهما تحتوي على سرير مزدوج بينما الأخرى ذات سرير منفصل ...
ويوجد مطبخ ملحق بصالة الجلوس يحتوي جميع ما تحتاجه من معدات مع حمام ملحق بكل غرفة ...
اتجهت نحو الغرفة ذات السرير المزدوج يتبعها هو حيث حمل الحقيبة التي تحتوي على ملابس لهما وأغراض خاصة عندما فتحت الحقيبة وبدأت ترتب الملابس عندما غادر هو يجلب بقية الأشياء التي إشتراها من أطمعة وغيره حيث أخذ يضع الأطعمة في الثلاجة ..
بعدما إنتهيا مما يفعلانه أشار لها نديم :-
" هل نسبح الآن أم مساءا أفضل ..؟!"
ردت بجدية :-
" مساءا افضل .."
تقدم نحوها يجذبها إليه يسألها بعينين شغوفتين :-
" إذا ماذا سنفعل الآن ...؟!"
سألته وهي تبتسم له بحب :-
" نفعل ما تريده ..؟!"
قبل ثغرها بخفة يردد :-
" هذا ما أريده .."
ضحكت برقة وهي تقول :-
" لنؤجلها مساءا ..."
قال وهو يقبل طرف أنفها هذه المرة :-
" ومساءا أيضا .. الآن ومساءا .."
هتفت بخجل وهي تحاول إبعاده عنها :-
" ألا تمل مني ..؟!"
أحكم قبضته عليها يردد :-
" هل يوجد شخص عاقل يمل منك يا حياة ..؟!"
أضاف وعيناه ترمقانه بنظرة لعوبة نادرا ما تظهر عليه :-
" ثانيا تذكري إنه منذ بداية زواجنا وأنت تحرمينني منك أم نسيت أغلب الأيام التي قضيناها متخاصمين يا هانم ..؟!"
زمت شفتيها تردد :-
" مالذي ذكرك بتلك الأيام الآن ..؟!"
رد بمكر :-
"يجب أن تتذكري كي تقومي بتعويضي عنها ..."
رفعت حاجبها تردد :-
" هكذا الأمر إذا .."
هز رأسه مرددا وهو يخلل أنامله داخل خصلاتها القصيرة :-
" نعم يا حياة .. أنتِ مديونة لي وعليكِ أن تبدئي بتسديد ديونك .. سوف تعوضيني عن تلك الأيام جميعها وسنبدأ من اليوم ومن هذه اللحظة تحديدا .."
ضحكت بعدم تصديق عندما أنحنى نحوها يعانقها فتستسلم هي لعناقه بصدر رحب ..
....................................................

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن