كان يجلس بجانب والده يفحصه بعناية بينما والدته تجلس بجانب زوجها على الجانب الآخر ...
مهند وتوليب وفيصل يقفون أمام السرير بينما أخيهم الأكبر مع زوجته في جناحهما بعدما تعرضت لآلام في بطنها يبدو إن سببها كان الضغط النفسي الذي تعرضت له بسبب الشجار الذي حدث أمامها بين زوجها وأخيه ..
هتف راجي بجدية بعدما إنتهى من فحص والده :-
" الحمد لله .. وضعك مستقر حاليا يا أبي .. لكن ارجوك لا تنفعل بهذه الطريقة مجددا ..."
هتفت والدته وهي ترمق مهند بعينيها :-
" كيف تطلب منه ذلك ودائما هناك من يجعله ينفعل بإستمرار ..؟!"
انسحب مهند من المكان بملامح جامدة بينما اتجهت توليب نحو أبيها تحتضنه باكية :-
" خفت عليك كثيرا ..."
ربت عابد على ظهرها وهو يحتضنها مرددا :-
" لا تبكي يا صغيرتي .. ها أنا بخير أمامك ..."
سألت زهرة ولدها :-
" ألن تعطيه دواءا يا بني ..؟!"
رد راجي بسرعة وهو يحمل سماعته :-
" لا داعي لذلك .. هو بخير تماما الآن ..."
أكمل وهو يشير الى فيصل :-
" سأعطيه فقط دواء خفيف لحالات كهذه .. هات الماء يا فيصل .."
اومأ فيصل برأسه وهو يتجه ويسحب قنينة المياه الزجاجية عندما انحنى راجي نحوه والده وهو يخرح دواء من جيبه مرددا بعدما انشغلت توليب في الحديث مع والدتها :-
" هذا دواء للصداع .. تناوله .. لن يؤثر بشيء .. لكن أحسنت حقا يا أبي .. لم أكن أعلم إنك ممثل من الطراز الرفيع لهذه الدرجة .."
رمقه عابد بنظرات محذرة فيكتم راجي ضحكاته بصعوبة قبل ان يأخذ قدح الماء من فيصل ويعطيه لوالده ..
بعدما انتهى عابد من تناول الحبة ثم الماء قال راجي :-
" حسنا ، سأذهب واطئمن على همسة .. "
أضاف يشير الى اخيه واخته :-
" وأنتما اتركا أبي يرتاح في جناحه .."
قبلت توليب والدها من وجنتيه بينما سأله فيصل اذا ما كان يحتاج شيئا قبل أن ينسحبا من المكان ..
هم راجي بالإنسحاب عندما سمع والده يخبره :-
" تحدث مع أخيك يا راجي .. انت اهدأ بكثير من راغب وتجيد احتواءه أكثر منه .."
هز راجي رأسه يخبره وهو يبتسم له مطمئنا :-
" سأفعل ذلك بالطبع .. لا تقلق ..."
انسحب بعدها من المكان ليأخذ نفسا عميقا ثم يتجه الى جناح أخيه الاكبر ليطرق على باب الجناح فيجد راغب يفتح له الباب بملامح متشنجة ليهتف راجي وهو يدلف الى الداخل بعدما إستأذنه :-
" كيف حال همسة الآن ..؟!"
رد راغب بضيق خفي :-
" بخير .. لكنها ترفض الذهاب الى طبيبتها او الإتصال بها حتى .."
قال راجي وهو يبتسم مطمئنا :-
" طالما لم يحدث أي نزيف او عارض آخر سوى تلك الآلام التي من الواضح لم تكن سوى تقلصات عصبية إعتيادية فلا داعي للقلق .."
تنهدت همسة بتعب وقالت :-
" وانا قلت هذا ايضا .."
" ما رأيك أن أقيس ضغطك يا همسة للإطمئنان مجددا ..؟!"
سألها راجي بإهتمام لتهز همسة رأسها موافقة فيشير راجي الى أخيه :-
" أخبر احدى الخادمات أن تجهز الحليب وبعض الأطعمة الخفيفة لها ..!"
هز راغب رأسه متفهما وخرج من الجناح ليخبر احدى الخادمات بذلك بينما هتفت همسة بجدية :-
" أخبره يا راجي إنني بخير ولا أحتاج لرؤية طبيبة نسائية ... "
ابتسم راجي وهو يفتح جهاز الضغط مرددا :-
" عليك أن تتحملي مسؤولية تلك التمثيلية التي قمتِ بها يا عزيزتي .."
نظرت له همسة بدهشة ليلوي راجي فمه بإبتسامة خبيثة مرددا :-
" أنا أذكى من أن تمر علي كذبة كهذه .."
زفرت انفاسها بتعب بينما بدأ راجي يقيس ضغطها وهو يلتزم الصمت حتى انتهى من ذلك ليحرر ذراعها وهو يردد :-
" رائع .. ضغطك مثالي في الوقت الحالي .."
همست همسة بخفوت :-
" كانا يتقاتلان يا راجي .. لم يكن أمامي حل سوى هذا .."
ابتسم راجي قائلا :-
" جيد ما فعلتيه .. لم يكن هناك طريقة لإيقافهما غير هذه .."
توقف عن حديثه وهو يرى راغب يدخل تتبعه الخادمة لينهض من مكانه يخبره :-
" كل شيء بخير .. اطمئن ولا تقلق أبدا ..."
اشار راغب الى الخادمة ان تتقدم وتضع صينية الطعام امام همسة بينما أشار راجي له أن يتحدثان خارجا ..
خرج الإثنان من الجناح لينظر راجي الى اخيه مرددا بجدية :-
" اتمنى ألا يتكرر ما حدث يا راغب .. لا انت ولا نحن مستغنين عن والدنا وبالطبع لا تنسى زوجتك الحامل ايضا واي تصرف من هذه التصرفات قد يؤثر على صحتها هي وجنينها .."
" لقد استفزني يا راجي .. ألا تعرف أخيك ..؟!"
قالها راغب بجدية ليرد راجي :-
" أعرفه مثلما اعرفك .. لكن انت بالذات تعرف مهند وشخصيته ومدى عصبيته وكيف يتحول الى شخص اخر عندما يغضب .. كان عليك ان تحتوي الموقف بدلا من العراك معه .."
" لقد استفزني يا راجي .. استفزني ..."
قالها راغب بنرفزة ليتنهد راجي قائلا :-
" حسنا يا راغب .. اتركه حاليا .. لا تتحدث معه نهائيا .. "
أضاف بجدية :-
" اتركني انا اتحدث معه هذه المرة .. ربما أصل معه الى حل ما ..."
ضحك راغب مرددا بسخرية :-
" لن تصل لأي شيء معه ..!! "
" سأحاول يا راغب .. وانت من فضلك لا تتعامل معه حتى يهدأ كلاكما ..."
قالها راجي بتوسل ليهز راغب رأسه موافقا على مضض فيربت راجي على كتفه مرددا :-
" اذهب عند زوجتك وابق معها .."
سأله راغب بجدية :-
" والدي بخير ، أليس كذلك ..؟!"
رد راجي بتأكيد :-
" لا تقلق .. إنه بخير .. حاليا تركته يرتاح في جناحه ومعه والدتي .."
" حسنا ، سأراه غدا .."
قالها راغب بجدية قبل ان يتجه مجددا الى جناحه حيث زوجته تاركا راجي يتابع آثره حتى اغلق باب الجناح ليزفر أنفاسه بتعب وهو يتجه الى جناجه ليحصل على قسط من الراحة بعد يومين طويلين وشاقين ..!!
.......................................................
كانت ليلى تقف في صالة الجلوس امام النافذة المطلة على الحديقة شاردة في أفكارها بعدما غادرت عائلة خالها المنزل منذ اكثر من ثلاث ساعات ودخل والدها الى غرفته ليرتاح بعد رحيلهم ..
احذت تتأمل الظلام الخافت متذكرة قدوم زاهر الذي صدمها وتصرفه معها ..
هل يعقل أن يوجد إنسان يمكنه أن يحب أحدا لهذه الدرجة ...؟!
هل يعقل أن يوجد إنسان يضحي لأجل حبيبته التي لا تبادله مشاعره هكذا ...؟!
تنهدت بتعب وهي تتذكر كلمات زوجة خالها التي انفردت بها قبل ذهابها مع خالها وزاهر عندما هتفت بقوة :-
" ابتعدي عن ابني يا ليلى .."
شعرت بالضيق من لهجتها فردت ليلى بقوة مماثلة :-
" مالذي تقولينه يا زوجة خالي ..؟ انا لا اسمح لك أن تتحدثي معي بهذه الطريقة .."
ردت زوجة خالها بقوة :-
" انت تفهمين ما أعنيه يا ليلى .. زاهر ابني الوحيد وانا لا أريد أن أراه تعيسا .."
سألت ليلى بعدم استيعاب :-
" وهل أنا سأكون سببا في تعاسته ..؟!"
ردت زوجة خالها بجدية :-
" نعم ... مع إنني أعلم جيدا إن الأمر خارج عن إرادتك .."
تنهدت ثم اكملت :-
" انت تعرفينني جيدا يا ليلى .. انا صريحة للغاية ولا أعرف المجاملة مثلما تعرفين جيدا إنه لا توجدي لدي مشكلة خاصة معك .. على العكس تماما انا احبك انت واختك كثيرا كما أحب فاتن ..."
أضافت بجدية :-
" ابني يحبك منذ سنوات وانت لم تشعري به وانا تفهمت هذا لإن الحب ليس بالإجبار .. لكن اسمحي لي .. زاهر ابني الوحيد وانا لن أسمح لك بجرحه .. تقاربكما يزعجني لإنني اعرف جيدا إنك لا تشعرين بشيء نحوه وانا لست مستعدة لأن يتسبب قربه منك بأي أذى له في مشاعره التي لطالما كانت موجهة نحوك .."
" تأكدي إنني لا أريد هذا مثلك تماما ..."
قالتها ليلى بعد صمت امتد للحظات لتهتف زوجة خالها بجدية :-
" إذا إبتعدي عنه من فضلك ... اعتبريه رجاء خاص مني .. ابتعدي عن زاهر يا ليلى ..."
انهت كلماته وتركتها وغادرت ...
كلماتها ظلت تدور داخل عقلها فسيطر عليه شعور يجمع بين الضيق وتأنيب الضمير ...
أفاقت من شرودها على صوت والدتها تتقدم نحوها وهي تسألها :-
" حبيبتي .. هل انت بخير .."
التفتت ليلى نحوها تصطنع الإبتسامة مرددة :-
" انا بخير .. فقط مرهقة قليلا ..."
جذبتها والدتها من كفها تقول :-
" تعالي واجلسي جانبي .. اريد التحدث معك بأمر مهم .."
سألتها ليلى بإهتمام وهي تربت على كفها :-
" ماذا هناك يا ماما ...؟! أقلقتني.."
ردت فاتن بهدوء :-
" بشأن شركات والدك التي إنتقلت ملكيتها لك ولأختك ... اريد أن تعيدي كل شيء كما كان .. من فضلك يا ليلى .."
قاطعتها ليلى بجدية :-
" لا تقلقي .. سأفعل ذلك بالطبع .. سأتحدث مع والدي غدا ثم مع المحامي .."
توقفت عن حديثها وهي ترى والدها يتقدم ومعه مريم التي قالت :-
" لقد أصر على النهوض من فراشه والجلوس معنا ..."
هتفت ليلى وهي تنهض من مكانها تتقدم نحوه مؤنبه :-
" لماذا يا أبي .. ؟! عليك ان ترتاح في فراشك .."
رد احمد بجدية :-
" سأرتاح اكثر بينكن ..."
جلس على الكرسي القريب منه بينما تبادلت مريم النظرات مع ليلى التي ابتسمت وهي تسأله متجاهلة نظرات اختها :-
" ماذا تتناول اذا ..؟! أي نوع عصير تفضل ..؟!"
رد احمد بجدية :-
" لا أريد شيئا الآن .. اجلسي وارتاحي ..."
ابتسمت ليلى وجلست مقابله بينما جلست مريم بجانب والدتها عندما سألها والدها :-
" متى ستبدأ دراستك يا مريم ...؟!"
ردت مريم بجدية :-
" الأسبوع القادم ان شاءالله .."
" بالتوفيق .."
قالها مبتسما قبل ان يلتفت نحو ليلى ويسألها هي الأخرى :-
" وانت يا ليلى .. ما أخبار العمل معك ...؟!"
ردت بسرعة :-
" بخير ..."
أضافت بجدية :-
" ولكنني اريد أن أعيد ملكية كل شيء لك يا أبي ... كنا نتحدث انا وماما بشأن هذا .."
قاطعها بجدية :-
" اتركينا من هذا الآن يا ليلى .. هناك ما أريد قوله ..."
" تفضل يا أبي ..."
قالتها ليلى بجدية ليهتف بملامح ظهر عليها التشنج ونبرة خرجت صادقة :-
" انا أعتذر منكن كثيرا .. أعتذر على ما فعلته .. أعتذر عما تسببت به لكن ... لقد أخطأت بحقكن كثيرا .. أعلم إن إعتذاري ليس كافيا ولن يغير شيئا مما حدث لكنني إحتجت لقوله كثيرا ..."
حل الصمت المطبق تماما والجمود كسا ملامح فاتن تماما بينما اضطربت ملامح مريم وتجمعت الدموع داخل عيني ليلى التي سيطرت على نفسها وهي تقول :-
" لا تعتذر يا أبي ... لقد حدث ما حدث .. ارجوك دعنا ننسى الماضي ... من فضلك ..."
تنهد وهو يقول :-
" اتمنى أن أنساه حقا يا ابنتي ... أود ذلك كثيرا .. لكن ما حدث معي والذي كنت أنا سببه يؤلمني حقا ويجعلني أشعر كم كنت شخصا أنانيا بتصرفاتي ..."
تحدثت فاتن أخيرا بلهجة حازمة :-
" انت مجبر ان تنسى يا احمد مثلما مجبر أن تنهض بنفسك مجددا .. لأجل ابنتيك .. ولأجل ابنك الذي ما زال طفلا صغيرا يحتاجك جانبه ..انت تدرك إن في رقبتك يوجد طفل لم يتجاوز السابعة من عمره يحتاج لأبيه وطفل آخر سيولد بعد أشهر لهذا انت مجبر على التماسك لأجل ولديك وابنتيك بالطبع واللتين مهما كبرتا ستظلان تحتاجان لوجود أبيهما جانبهما ..."
انهت كلامها ونهضت من مكانها بصمت خارجة من غرفة الجلوس تاركة الثلاثة يتطلعون إلى آثرها بحزن من كلماتها التي أثرت بهم رغم صدقها وصحتها ..!
....................................................................
هبطت من سيارتها تتأمل المقبرة بخوف .. لا تعلم كيف جازفت وأتت الى هنا لكنها فعلتها .. بعدما قاله تركها معقلة بين خوفها الشديد عليه من جهة ورغبتها في رؤيته وبين قلقها من تصرفها هذا وما سيترتب عليه لكنها حسمت قرارها في نهاية الأمر وقررت أن تجارف وتأتي ..
ارتجف قلبها وهي تدلف الى المقبرة تبحث عن قبر والدته التي سبق لها زيارته معه مسبقا ....
اخذت تبحث في الظلام وهي تتذكر مكان القبر عندما وجدته اخيرا فتجمدت مكانها وهي تراه جالسا بجانب القبر ورأسه منحني عليه ومغمض العين ويبدو غارقا في النوم ..
كتمت شهقة باكية كادت أن تخرج منها فسارت بعينين تملؤهما العبرات نحوه ..
وقفت امامه تتأمله وهو نائم بعمق فتساقطت العبرات فوق وجنتيها بغزارة فوضعت كفها فوق فمها تكتم شهقاتها ..
ظلت على هذه الحال لفترة حتى استطاعت ان تسيطر على بكائها فأخذت تمسح دموعها قبل ان تنحني نحوه تهزه من كتفه وهي تحاول ايقاظه :-
" عمار .. استيقظ .. لقد أتيت يا عمار ..."
وجدته يرمش بعينيه حتى فتحهما ليندهش من وجودها فينهض من مكانه وهو يجذبها من كفها مرددا بعدم استيعاب :-
" ماذا تفعلين هنا يا شيرين ..؟!"
ردت بسرعة :-
" أتيت لأجلك ... لم أستطع تركك هنا لوحدك ..."
" لم يكن عليك فعل ذلك .. ما كان عليك أن تأتي هنا يا شيرين ..."
قالها مؤنبا ليتفاجئ بها تقترب منه وتحتضن وجهه بين كفيها تردد بحنو شديد :-
" كيف تطلب مني عدم المجيء بعدما علمت بوجودك هنا وبعدما سمعت نبرتك تلك يا عمار ..؟! لم أستطع أن أمنع نفسي المجيء اساسا ..."
اغمض عينيه يأخذ نفسه عدة مرات قبل ان يفتحهما مرددا بضعف احتل كامل كيانه :-
" جيلان ليست بخير يا شيرين .. سأفقدها هي الأخرى ..."
قالت بسرعة :-
" لا تقل هذا ... انت لن تفقدها ابدا .. جيلان ستصبح بخير ..."
" عندما ترينها ستغيري كلامك هذا ..."
قالها بملامح بائسة لترد بجدية :-
" سأراها بالطبع وستصبح بخير ..."
هتفت بملامح محتقنة :-
" إنها تتألم .. تذبل تدريجيا ... تموت بشكل بطيء .. "
اضاف بصوت مبحوح مختنق :-
" لن أسامح نفسي ابدا اذا حدث بها شيء ... لن أغفر لنفسي ذلك .."
قالت شيرين بسرعة وألم مكتوم :-
" لن يحدث بها شيء .. ستتحسن أحوالها وتصبح بخير ..."
هتف بعينين دامعتين :-
" انت لم ترها يا شيرين .. عندما ترينها ستفهمين ما أعنيه .. انا أفقدها يا شيرين .. انا على وشك خسارتها .."
أضاف والدموع تتساقط من عينيه لأول مرة امام شخص :-
" انا لا يمكتني تحمل خسارتها يا شيرين .. جيلان بالذات لا يمكنني تحمل فقدانها ..، لا أريد ذلك يا شيرين ..."
جذبته شيرين نحوها تعانقه بعفوية ليغمض عينيه والدموع تغطي وجنتيه فتهتف بدموع حارقة :-
" والله لن تفقدها .. ستصبح بخير .. لن تخسرها يا عمار .. لن تخسرها بإذن الله ... كن واثقا بذلك ..."
ظلت تحتضنه بقوة تحاول منحه القليل من السكينة والسلام داخل أحضانها عندما ابتعد عنها بعد لحظات يردد وهو ينظر نحو قبر والدته :-
" كلما أنظر إلى قبرها أتسائل داخلي ماذا لو كانت ما زالت حية ولم تمت ...؟!"
أضاف وهو ينظر الى شيرين :-
" لقد ماتت وتركت خلفها شخصين محطمين يحتاجان لوجودها في كل لحظة .."
" يكفي يا عمار ... هذا الكلام لم يعد يفيدك بشيء .. ادعِ لها بالرحمة وحاول ان تقف بجانب اختك وتساعدها ..."
اكملت بجدية :-
" جيلان تحتاجك الآن أكثر من اي وقت لذا عليك أن تكون قويا .. جيلان تحتاج قوتك وثباتك وتحتاج حبك وإهتمامك بنفس الوقت .. إمنحها كل هذا وهي سوف تستعيد عافيتها و سلامها النفسي بإذن الله .."
" هل تظنين ذلك حقا ..؟!"
سألها بخفوت لترد بسرعة :-
" بالطبع .. انا واثقة من هذا ..."
اكملت وهي تقبض على كفه :-
" والآن دعنا نغادر المقبرة ونذهب إليها .. هي بحاجتنا الآن .."
اومأ برأسه بصمت لتضيف :-
" لنقرأ الفاتحة على روح والدتك اولا ثم نغادر .."
وقفا بجانب بعضيهما يقرئان سورة الفاتحة على قبر ديانا قبل ان يتحركان بعدها مغادرين المكان عندما ألقى عمار نظرة اخيرة على قبر والدته ليأخذ نفسا عميقا قبل ان يدير وجهه متجها خارج المكان ..!!
........................................................
في صباح اليوم التالي ..
اوقفت سيارتها قرب مركز الشرطة الذي يعمل به ... هبطت من سيارتها تعدل هندامها حيث كانت ترتدي بنطالا من القماش الأسود فوقه قميص رمادي اللون تغطيه سترة سوداء اللون ايضا قماشها يماثل قماش بنطالها .. شعرها الطويل مرفوع من الجانبين ينسدل فوق ظهرها من الخلف ...
ترتدي حذاءا ذو كعب عالي كعادتها وتضع مكياجا متناسقا يبرز جمالها ...
سارت بخطواتها الأنيقة الى داخل المكان عندما سألت عن مكانه فأخبرها احد الضباط عن مكان مكتبه ...
تقدمت حيث المكان الذي أخبرها عنه الضابط لتجد الباب مفتوح فتقدمت بحذر حيث دلفت خطوتين داخل المكان عندما وجدته بالفعل يلقي بعض الأوامر على احد الضباط عندما انتبه لوجودها فتجمدت ملامحه للحظات يردد بعدم استيعاب :-
" غالية .."
ابتسمت مرددة بحرج :-
" مرحبا فادي ..."
أشار فادي الى الضابط بسرعة والذي أخذ يتأملها متمعنا :-
" اخرج انت الان ..."
خرج الضابط ليتقدم فادي نحوها يتسائل بضيق :-
" ماذا تفعلين هنا ..؟!"
نظرت له بعدم فهم قبل ان يكسو الجمود ملامحها وهي تجيب :-
" جئت لأسألك عن شيء ما .. شيء أحتاج لضابط شرطة مثلك كي يجيبني عليه .."
هتف من بين أسنانه :-
" كان يمكنك أن تأتي الى المنزل وتتحدثي معي او تتصلي ونلتقي في مكان ما .."
سألت بضيق :-
" انا لا أفهم أين المشكلة في مجيئي ..؟!"
رد بقوة :-
" مجيئك هو المشكلة .. فتاة مثلك ماذا تفعل هنا في مركز الشرطة ..؟!"
سألته بحدة:-
" ماذا تقصد بفتاة مثلي ..؟!"
رد متأففا :-
" افهمي مقصدي قبل أن تغضبي .. الفتيات عادة لا يدخلن الى هنا الا لسبب قوي ... "
" ما هذا المبرر ..؟! هل مكتوب على بوابة المكان ممنوع دخول النساء ..؟!"
قالتها بإستخفاف ليتسائل بتهكم متعمد :-
" لم أكن أعلم إنك معتادة على زيارة مراكز الشرطة .. اعذريني لجهلي .."
ردت بقوة :-
" لست معتادة على ذلك .. لكن إذا ما إحتاجت لزيارة مركز الشرطة فسأفعل ذلك دون تردد .."
اكملت وهي تشمخ برأسها :-
" على العموم انا المخطئة لإني أتيت إليك .. بإمكاني الذهاب لأي ضابط آخر وسوف يخبرني بما أريد معرفته .."
همت بالمغادرة ليوقفها :-
" انتظري .."
اكمل بجدية :-
" تفضلي هيا ..."
قالت بحنق :-
" بعد كل ما قلته وتطلب مني الجلوس والتحدث معك .."
رد بجدية :-
" كلامي كان لأجلك ليس إلا وهذا كان واضحا ..."
زفرت أنفاسها بضيق بينما قال فادي :-
" هيا تفضلي .. "
سارت على مضض نحو الكرسي المقابل لمكتبه وجلست عليه ليتجه نحو مكتبه هو الآخر وجلس عليه يتسائل :-
" إذا ما سبب مجيئك يا غالية ...؟!"
ردت بجدية :-
" أتيت لسؤالك عن موضوع يخص أخي ..."
اكملت :-
" اخي نديم .. تلك القضية وسجنه لسنوات .."
قال متذكرا :-
" نعم تذكرت ... كانت قضية بيع ممنوعات حسب ما أتذكر ، أليس كذلك ..؟!"
اومأت برأسها موافقة وهي تقول :-
" نعم وعلى أساسها سجن لخمسة اعوام تقريبا ... وبالطبع تم سحب رخصة مزاولة المهنة ..."
سألها :-
" هو سافر خارجا ، اليس كذلك ..؟!"
ردت وهي تهز رأسها :-
" نعم الى امريكا .."
" عظيم ... أظن إن هناك يمكنه ممارسة مهنته بعدما يحصل على موافقة النقابة ..."
قاطعته بسرعة :-
" مجيئي الى هنا ليس لأجل الإستفسار عن هذا .. انا أتيت لسؤالك عن شيء آخر .."
" شيء ماذا ..؟! تفضلي .."
تنهدت ثم قالت :-
" تلك القضية .. اخي بريئا منها .. أعلم إنك من الصعب أن تصدق ذلك خاصة كونك ضابط و .."
قاطعها بجدية :-
" على العكس تماما ... انظري انا لا اعرف تفاصيل القضية في الحقيقة .. لكن بناء على معرفتي بمركز عائلتك ومستواكم المادي والإجتماعي ومستوى أخيك العلمي فلا أظن إنه بحاجة للقيام بشيء كهذا خاصة إنه كان حديث التخرج .. يعني عندما انظر الى الأمور من الخارج دون تعمق أرى إن الأمر فيه خطأ ما لكن بالطبع انا لا أدرك التفاصيل كاملة لذا لا يمكنني الجزم بشيء .."
" ولكنه بريء ... هو بالفعل لم يفعل ذلك .."
قالتها بجدية ليهتف فادي بدوره :-
" ولكن جميع الأدلة كانت ضده وإلا ما كان ليصدر حكم كهذا في حقه ..؟!"
ردت بأسف :-
" هذا صحيح ... رغم إننا حاولنا كثيرا البحث عن أي دليل يثبت براءته لكن كل شيء كان مرتب بطريقة لا يمكن التشكيك بها ..."
" ما تقولينه يدل على إن هناك من تعمد الإيقاع بأخيك ..."
قالها بإهتمام لتهز رأسها وهي تقول :-
" انا متأكدة من هذا .. "
سألها مجددا :-
" هل تعرفينه ..؟!"
صمتت ولم تردد ليزفر أنفاسه وهو يتسائل :-
" هل تملكين دليلا ولو بسيطا ضده .."
قالت بسرعة :-
" بالطبع لا ..."
اضافت تتسائل :-
" ولكن اريد أن أعلم .. برأيك هل يمكن أن نجد دليلا يبرئ أخي ...؟!"
رد بعملية :-
" لا يوجد شيء مستحيل ولكنه سيكون صعبا والأهم من أين سنجد دليلا فشلتم في الحصول عليه قبل سنوات .."
همست :-
" لا أخد يعلم ما ستفعله الأيام القادمة .. ربما يحدث شيء ما يقلب الأمر تماما ... حياة نديم تدمرت تماما .. الامر لا يتعلق فقط بسنواته التي ضاعت هدرا في السجن ولا بخسارته لمهنته فقط بل يتعلق بسمعته التي انتهت تماما ..."
نظر إليها بتمعن ثم قال :-
" اذا كان هناك دليلا يمكنه المطالبة بفتح القضية مجددا .. "
أضاف مكملا :-
" وإذا كنت تعملين من وراء هذا يمكننا أن نبحث خلفه عسى ولعل نجد شيئا ما يخصه يبرئ أخيك ويثبت تورطه بقضيته ...!!"
" شيء مثل ماذا ...؟؟"
سألته بحيرة ليرد :
" عندما يكون هناك شخص محدد تبحثين خلفه سيكون الأمر أسهل .. سوف تبحثين خلفه وتدورين حوله ... "
" بكل الأحوال يجب أن يكون هناك دليل ..؟!"
هتفت بها بخيبة ليرد بجدية :-
" بالطبع ودليل قوي ايضا او اعتراف الشخص نفسه بما فعله وهذا من سابع المستحيلات ..."
" اعتراف مرة واحدة .. هذا بالذات لن يحدث سوى في الأحلام .."
هتفت بها ساخرة قبل أن تتسائل مجددا بتردد:-
" لدي سؤال آخر .. في حالة حدوث معجزة واثبات براءة اخي من تلك التهمة .. الشخص الذي تسبب في ذلك .. ماذا سيكون عقابه ..؟!
أجاب بجدية :
" اذا ثبت تورطه في تلفيق التهمة لأخيك فسينال ضعف المدة التي قضاها أخيك داخل السجن .. هذا غالبا ما سيحدث .."
" عشرة اعوام يعني .."
هتفت بها بشرود ليهز رأسه مؤكدا فتنظر اليه بصمت وعقلها شارد تماما فيما سمعته ..!!
....................................................................
دلف الى مكتبه وسكرتيرته تتبعه حيث تخبره بما حدث خلال اليومين ليصرفها بعدما طلب منها فنجانا من القهوة السادة وهو يشعر بالإرهاق الشديد ...
اغمض عينيه عائدا برأسه الى الخلف عندما سمع صوت الباب يفتح ففتح عينيه وهو ما زال على نفس وضعيته ليراها تتقدم نحوه وهي تهتف :-
" صباح الخير .."
اضافت وهي تجلس على الكرسي المقابل له :-
" لم تأت الى الشركة منذ يومين ..."
رد متسائلا :-
" هل حدث شيء مهم في غيابي يا غالية ..؟!"
ردت بجدية :-
" كلا ، انا اتسائل لإنه ليس من عادتك التغيب عن العمل .."
رد بجدية :
" كان لدي أسباب تمنعني عن المجيء .."
دلفت السكرتيرة تحمل القهوة له حيث وضعتها اماما قبل ان تسأل غالية اذا ما تريد تناول شيئا ما فهزت غالية رأسها نفيا عندما غادرت السكرتيرة فوجدت غالية عمار يتناول قهوته بسرعة ثم يتبعها بدواء للصداع حيث أخذ منه حبتين دفعة واحدة ..
سألته :-
" هل انت بخير ..؟!"
" نعم ، لماذا تسألين ..؟!"
سألها محاولا عدم اظهار مدى تعبه بل وآلمه لترد :-
" تبدو مرهقا .. "
هتف بخفوت :-
" ربما لأنني لم أنم منذ يومين .."
" لماذا ..؟! ماذا حدث ..؟!"
سألته بإهتمام ليرد :-
" اختي كانت في المشفى .. وانا كنت جوارها ..."
هزت رأسها بتفهم قبل ان تسأله بتردد :-
" وهل أصبحت افضل الآن ..؟!"
رد بجدية :-
" نعم .."
قالت بصدق :-
" الحمد لله على سلامتها .."
شكرها بإختصار لتتأمله بملامحه الذابلة المنهكة فتهتف بعد صمت قصير :-
" إنها المرة الأولى التي أراك بها على هذا النحو ..."
عقد حاجبيه يتسائل :-
" كيف يعني ..؟! ماذا تعنين ..؟!"
قالت موضحة :-
" لم أعهدك هكذا .. متعبا وحزينا .. الحزن يملأ عينيك والإنهاك يسيطر ملامحك ..."
هتف بجمود :-
" ربما لإن أختي تمكث في المشفى يا غالية .. أليس من الطبيعي أن يحدث بي ذلك ...؟!"
" بالطبع .. نحن نتحدث عن اختك .."
قالها بجدية قبل ان تضيف :-
" كان الله بعونك .. شعور صعب للغاية أن يصيب أي مكروه شخص غالي عليك فكيف إذا كان هذا الشخص أختك ..؟!"
اكملت وهي تبتسم بألم :-
" يمكنك أن تسألني أنا .. انا اكثر من يعلم بمقدار صعوبة هذا الشعور ..."
تأملها بجمود قبل ان يردد :-
" أتمنى ألا نفتح مواضيع لا داعي لها ..."
" سأسألك سؤالا واحدا فقط ..."
قالتها بملامح تشنجت كليا لتضيف وهي تحارب دموع عينيها :-
" عندما رميته في السجن .. عندما تركته يعاني لسنوات هناك وحده ... ألم تتألم ولو قليلا ...؟! ألم تشعر ولو بالقليل من الوجع على أخيك .. إبن أبيك ... "
اكملت وهي تأخذ نفسها تحاول منع دموعها من التساقط :-
" ألم تشعر ولو بجزء ضئيل مما تشعر به الآن ..؟!"
ضرب على مكتبه بقوة مرددا :-
" أخبرتك ألا تفتحي مواضيع لا داعي لها .."
انتفضت من مكانها تردد :-
" اتركنا منه .. ماذا عني ...؟! انظر الى حالتك.. انت تتألم وتعاني لإن أختك مريضة في المشفى .. ماذا لو كنت مكانها ...؟! هل كنت ستتألم لأجلي ...؟! هل كنت ستخاف علي ..؟! هل كنت ستترك عملك وتبقى جانبي ...؟!"
تأملها بجمود للحظات قبل ان يجيب :-
" كلا ، لم أكن لأفعل ذلك ولم أكن لأشعر هكذا لإنك لست هي .."
"'ولكنني أختك ايضا .."
سألته بدموع تساقطت على وجنتيها رغما عنها ليرد بقسوة :-
" اعلم .. اختي من ابي .. نحمل اسما واحدا ودماءا واحدا ولكن رغم هذا لا أشعر بأي مشاعر أخوك نحوك .."
تنهد بقوة ثم قال :-
" في الحقيقة حاولت .. مع نديم لم أحاول لكن معك انت حاولت .. حاولت أن أشعر نحوك كأخت خاصة عندما كنت تظهرين مدى حبي وسعادتك بوجودي لكنني لم أستطع .. كلما حاولت لأجل ذلك تذكرت ابنة من انتِ فيقتحم الكره والحقد قلبي وعقلي فلا يترك مجالا لأي مشاعر أخوة تنشأ داخلي نحوك ..."
ابتسمت بألم فنظر اليها بصمت دون رد لتمسح وجنتها بأناملها قبل ان تهتف بجدية :-
" لقد مررت بالكثير ... اعلم ذلك جيدا ... لكن انت ايضا عليك ان تعلم ... عليك أن تعلم يا عمار إن الحقد يدمر صاحبه والإنتقام هو خط نهايتك الذي رسمته بنفسك دون أن تدري ..."
...................................................................
كانت تحاول الإتصال به دون فائدة ...
هاتفه يرن لكنه لا يجيبها ..
ضربت الهاتف على الكنبة وهي تسبه وتلعنه بكل ما تملكه من غضب ..
حاولت الإتصال به مجددا لكنه لم يجبها .. يتجاهلها بشكل حارق للإعصاب ..
نهضت من مكانها على الفور وقررت الذهاب الى شقته علها تجده هناك ..
كلا لن تتركه وشأنه بعدما ورطها .. ليس بعدما فعلته ..!!
غيرت ملابسها وسارعت تخرج من شقتها وتركب سيارتها متجهة حيث شقته التي سبق وذهبت إليها ..
هناك وقفت امام باب الشقة تضغط على الجرس عدة مرات دون أن يرد حتى فتح بنفسه الباب لها ويبدو إنه إستيقظ من النوم بسببها ..
هتفت بغضب :-
" ونائم ايضا .. تتجاهل اتصالاتي طوال الثلاثة أيام السابقة لأجدك نائما في شقتك بعمق تاركا إياي أحترق مع نفسي .."
" ماذا حدث ومالذي أتى بك هنا ..؟!"
سألها بغضب مخيف لترد بقوة :-
" هذا السؤال لا يمكنك أن تسأله لإنك تعرف جيدا ما بيننا ..."
دفعته بقوة ودلفت الى الداخل تردد :-
" تعرف جيدا ما حدث ... انت تتجاهل اتصالاتي رغم إن هناك اتفاق بيننا .. مالذي يفترض بي أن أفعله ..؟! بالطبع سآتي الى هنا دون تردد .."
اغلق باب الشقة وتقدم نحوها مرددا بعصبية مخيفة :-
" ألا تفهمين انت ..؟! كونني لا أجيب على مكالماتك فهذا يعني إنني مشغول ولا أريد التحدث معك .."
" نعم ، واضح جدا مدى إنشغالك ..."
قالتها وهي تتأمله بتهكم قبل ان تضيف :-
" اسمعني جيدا .. هناك اتفاق بيننا .. لقد فعلت كل شيء أردته .. لا يمكنك أن تتخلى عني بعدما حدث .. لن أسمح لك بهذا من الأساس ..."
صاح بحنق :-
" ألا تفهمين انت ..؟! أنا بوضع لا يسمح لي بالتحدث مع اي شخص .. أختي في المشفى منذ ثلاثة ايام وانت تريدين مني التواصل معك .. "
سألته بتهكم :-
" حقا ..؟! وما بها ست الحسن والدلال ...؟!"
هنف بتحذير :-
" انتبهي على طريقتك وانت تتحدثين عن اختي يا تقى .."
" فلتذهب اختك الى الجحيم .. ما يهم هو وضعي انا وما سيحل بي .."
اندفع نحوها يقبض على شعرها يصب جم غضبه عليها :-
" من تلك التي تذهب نحو الجحيم ..؟! كرري ما قلته هيا كي أقطع رأسك .. انت وعائلتك وعائلة الهاشمي جميعت تذهبون الى الجحيم بإذن الله ... "
دفعته وهي تصرخ ألما :-
" ماذا جرى لك ..؟! هل جننت ..؟!"
رد بملامح شرسة :-
" عندما يتعلق الأمر بأختي فأتحول الى مجنون لن يتوانى لحظة واحدة في قتلك وقطع عنقك .. واختي تلك التي تتحدثين عنها بهذه الطريقة هي سبب مساعدتي لك من الأساس .. لأجلها افعل كل هذا .."
" حقا ..؟! جيد إذا ... ليكن بعلمك كل شيء ملغي بيننا ومن الآن فصاعدا سأتصرف لوحدي .. سأذهب وأخبر مهند بكل شيء وسأدمر الجميع وأولهم اختك .."
قالتها بعصبية لتجده يقبض على ذراعها ويسحبها خلفه :-
" اخرجي من هنا ... هيا اخرجي .."
" تطردني ايها الحقير .. سترى ماذا سأفعل ..؟!"
قالتها بغضب ليدفعها خارج الشقة وهو يهتف :-
" إفعلي ما تشائين .. أختي أعرف جيدا كيف أحميها منك اما عائلة الهاشمي فتصرفي معهم كما تحبين .. فلتذهبي انت وهم الى الجحيم وخاصة حبيب قلبك مهند .. أساسا كلاكما حثالة وتناسبان بعضكما.. "
اغلق الباب في وجهها لتشتعل غضبا وهي تضرب الأرض بقدميهت قبل ان تندفع خارج العمارة بتوعد ..
بعد اكثر من نصف ساعة وقفت امام الباب الداخلية لقصر الهاشمي بعدما رنت جرس الباب ووجهها مليء بالتوعد ..
فتحت الخادمة لها الباب فدفعتها وهي تسألها :-
" اين مهند ...؟!"
ردت الخادمة بخوف :-
" في جناحه ..."
اندفعت الى الطابق العلوي حيث جناحه الذي تعرف مكانه جيدا حيث سبق وأتت الى القصر هنا عدة مرات أثناء فترة صداقتها بتوليب ..!!
اندفعت داخل جناحه لينتفض مهند من مكانه غير مصدقا قدومها الى جناحه بهذه الجرأة ليصيح بها :-
" هل جننت ..؟! ماذا تفعلين هنا ..؟!"
تقدمت نحوه تصيح بدورها :-
" اين انت يا بك ..؟! لم أرك منذ عدة ايام .. هل تظن إنه بإمكانك أن تزورني متى ما أردت وتتركني كالحيوانة عندما تمل مني ...؟!"
" انت جننت تماما .. اخرجي من هنا فورا قبل أن يراك احد .."
قالها بغضب شديد لتصيح بتحدي :-
" لن اخرج .. لماذا سأخرج أساسا وما المشكلة إذا رآني أحدهم ..؟! ألست زوجتك ...؟! "
" ماذا جرى لك يا تقى ..؟! هل انت بكامل وعيك ..؟! هل شربتِ شيئا ما قبل أن تأتي الى هنا ..؟؟"
ردت بقوة :-
" انا بكامل وعيي يا مهند .. ومن الآن فصاعدا لن أصمت ولن أتنازل عن حقي فيك .. انا زوجتك وانت عليك ان تحترم ذلك .."
قال بصوت غاضب محذر :-
" لا تثيري غضبي وجنوني يا تقى ..."
ضحكت بسخرية تردد :-
" بل سأثيره اكثر .. ما سأقوله حاليا سيكون قنبلة حقيقية .. مبارك لك حبيبي .. انا حامل ..."
تجمدت ملامحه للحظات قبل ان يهتف غير مصدقا :-
" مالذي تقولينه انت ..؟! "
ردت بحدية :-
" قلت إنني حامل .. انا حامل يا مهند ... أحمل طفلك ... "
" كيف يعني حامل ..؟! ألم نتفق على .."
قاطعته ببرود:-
" على ألا ننجب ..؟! أليس كذلك ..؟! نعم اتفقنا على هذا وأنا تراجعت عن هذا الإتفاق وحاليا انا حامل منك .. ماذا ستفعل .. ؟!"
كانت تسأله بإستخفاف ليقبض على عنقها يخنقها وهو يردد :-
" أيتها الحقيرة .. انت بالتأكيد تكذبين .. لا يمكن ان تكوني حامل ...."
حاولت ان تدفعه بينما هو يستمر في خنقها مرددا :-
" انت لا يمكنك ان تفعل ذلك .. لا يمكنك ان تدمري حياتي بهذه الكذبة .. انت كاذبة لعينه .."
لحظات وشعر بشيء ما يرتطم برأسه ليسقط ارضا وهو يصرخ بألم بينما وقفت هي تتأمل تلك الفازة التي ضربت بها رأسه بعدما فشلت في إبعاده عنها ..
وضع مهند يده فوق رأسه الذي اندفعت الدماء منه بينمت جذبت تقى حقيبتها وفتحتها تخرج منها تقارير حملها وترميها في وجهه مرددة :-
" هذه التقارير امامك .. تثبت إنني حامل ولا أكذب .."
ما إن أنهت كلماتها حتى اندفع راغب الى الداخل يتبعه فيصل لينظر لهما مهند بصدمة بينما التفتت تقى نحويهما تردد مبتسمة :-
" اهلا اهلا براغب بك .. جيد إنك أتيت .. انت تحديدا أنتظر مباركتك على هذا الخبر السعيد .."
اتجهت تجذب التقارير وترفعها أمامه مرددة بملامح مليئة بالتحدي :-
" بارك لي ولمهند يا راغب بك .. انا حامل .. أخيك مهند سوف يصبح أب قريبا ...!!"
.....................................................................
فتحت الباب لأختها وهي ترتدي ملابسها لتسألها شقيقتها :-
" هل انت جاهزة ..؟!"
هزت نانسي رأسها قبل ان تقول بخفوت :-
" أشعر إن ما نفعله خطأ يا هايدي ..."
قالت هايدي بسرعة :-
" على العكس تماما ... ما نفعله صحيح جدا .. "
أضافت بجدية :-
" إذا كنت مستعدة لتحمل مسؤولية طفل صغير بوضعك هذا فيمكنك الإحتفاظ به لكن عليك أن تضعي في عقلك إن مسؤوليته سوف تقع على عاتقك انت فأبيه شخص مستهتر لا يمكنه أن يتحمل مسؤوليته ..."
نظرت نانسي إليها بقلق فهمست هايدي وهي تتقدم نحوها وتقبض على كفها :-
" صدقيني هذا أفضل لك وللطفل المسكين ... ما ذنب هذا الطفل ليولد في اجواء كهذه هذا غير الطريقة الذي حملتي من خلالها به ..."
هزت نانسي رأسها دون رد فأكملت هايدي :-
" لتجهضيه اليوم وتنهي الأمر ... "
" اذا حجزت موعدا أليس كذلك ..؟!"
سألتها نانسي بتردد لتهتف هايدي بجدية :-
" نعم ... موعدنا بعد ساعة بالضبط .. إنها طبيبة جيدة جيدا ... لا تقلقي أبدا .. كل شيء سيتم بسرعة ..."
هزت رأسها بصمت قبل ان تخرج من الجناح تتبع أختها ...
دلفت بعد حوالي نصف ساعة الى داخل العيادة لتطلب منها هايدي الجلوس قبل ان تتحدث مع السكرتيرة ..
جلست على الكرسي تتأمل المكان حولها بجسد مرتجف وقلب ينبض بعنف ..
حاولت أن تقنع نفسها إن ما تفعله هو الأفضل لها ولذلك الطفل الذي تحمله داخلها ..
تقدمت هايدي نحوها تخبرها :-
" هيا تعالي .. الطبيبة تنتظرنا في الداخل .."
نهضت نانسي من مكانها بمشاعر متوترة وما إن دخلت الى غرفة الطبيبة حتى شعرت بالبرودة تكسو جسدها ..
ابتسمت الطبيبة وهي ترحب بهما :-
" تفضلا .. اهلا وسهلا .."
ردت هايدي تحيتها وهي تتقدم نانسي عندما جلستا مقابل الطبيبة لتهتف الطبيبة وتشير الى نانسي :-
" إذا أنت هي الحامل ، أليس كذلك ..؟!"
هزت نانسي رأسها بملامح مرتعبة فهتفت الطبيبة تطمأنها :-
" لا تقلقي .. الأمر بسيط جدا ولا يستدعي هذا الخوف .."
أضافت بجدية وهي تنهض من مكانها :-
" دعيني أولا اقوم بفحصك وأخذ أشعة السونار لك مجددا كي أطمئن إنه لا توجد مشاكل لديك ثم نقوم ببعض التحاليل ايضا وبعدها ننتقل الى الغرفة الأخرى للقيام بالعملية ..."
سارت نانسي نحوها بحركة آلية لتخبرها الطبيبة :-
" نامي هنا ..."
وقفت هايدي جانبها تضغط على يدها بدعم بينما بدأت الطبيبة عملها حيث أخذت تنظر الى صورة الجنين بتمعن بينما أغمضت نانسي عينيها وأشاحت بوجهها ترفض النظر الى تلك الصورة ..
تحدثت الطبيبة أخيرا تتسائل :-
" كل شيء جيد لكن أخبريني هل تودين إجهاض كليهما أم ترغبين بالإحتفاظ بأحدهما ..؟!"
فتحت نانسي عينيها والتفت نحوها بعدم فهم بينما سألت هايدي بدهشة :-
" ماذا تعنين يا دكتورة ...؟!"
" ألا تعلمان ..؟! "
هتفت بدهشة قبل أن تشير الى نانسي :-
" انت حامل بتوأم ... وفي منتصف الشهر الثاني ..."
وذلك الخبر وقع كالصاعقة فوق رأس نانسي بل وأختها أيضا ..
.................................................................
أنت تقرأ
حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح )
Lãng mạnهو رجل يشبه الظلام .. رجل طعنه القدر بقسوة ولم يتبقَ منه سوى بقايا روح ترفض الحياة .. أما هي فأتت وإخترقت حياته المظلمة بالصدفة البحته .. بقلب نقي بريء وروح لا ترغب بشيء سوى الأمان وجدت نفسها عالقة بين ظلماته المخيفة .. وأخرى لم تدرك شيئا سوى إنها ت...