الفصل التاسع
دلفت الى منزلها بملامح تنطق بالسعادة .. كم هي سعيدة بذلك التقارب البسيط الذي يحدث بينهما ...
وجوده معها وحديثه المنمق يرفع من نبضات قلبها بقوة غريبة .. كل شيء به يجذبها بقوة مخيفة ...
هوت بجسدها على الكنبة وهي تبتسم ملأ فمها كمراهقة تفكر بفارس أحلامها الذي وجدته بعد زمن ...
توقفت عن الإبتسام أخيرا وهي تحاول أن تحلل ما يحدث ... لماذا طلب منها الذهاب معه لتناول الطعام ...؟! لماذا تشعر بإنه يرغب بالتعرف عليها والتحدث معها ...؟! هل ما تشعره ليس سوى وهم يصوره لها عقلها الذي يفكر به كثيرا أم حقيقة ..؟!
كم تتمنى لو تعلم بما يفكر به وكيف يراها من وجهة نظره ...؟!
تذكرت عندما قال لها إنها جميلة حقا وأجمل ما فيها أخلاقها وصفاتها ...!
لو يعلم كم أسعدتها كلماته تلك وكم تركت آثرا عميقا داخلها ..!
أغمضت عينيها وهي تعود برأسها الى الخلف تستند بظهرها على الكنبة فتظهر صورته أمامها .. عيناه بلون البحر وملامحه شديدة الوسامة ... إبتسامته الهادئة الوقورة وحديثه الأنيق مثله ..
فتحت عينيها وهي تعاود الإبتسام من جديد ثم نهضت من مكانها مقررة تغيير ملابسها و الإستراحة قليلا قبل أن تذهب الى والدها وتبقى معه الليلة حيث ستبيت معه كالليلة السابقة ...
.....................................................................
عاد الى شقته وشعور الراحة يغمره قليلا .. لقد كان يحتاج لتلك المقابلة وذلك الحديث كي يخفف من وطأة ما تركه لقاء ليلى من آثر به ...
لا يعلم لمَ حياة بالذات من تترك هذا الشعور المريح داخله مثلما لا يعلم متى بات يرغب بلقائها والتحدث معها لكنه يدرك إنها تمنحه شعورا يحتاجه بقوة في هذه الفترة تحديدا ...
هم بالتوجه الى غرفة نومه للراحة قليلا عندما سمع صوت جرس الباب يرن فسارع بالذهاب الى هناك وفتحه ليجد غالية أمامه تبتسم بسعادة قبل أن تدلف الى الداخل وتحتضنه ...
إبتعدت عنه بعد قليل وهي تهتف به :-
" إشتقت إليك ..."
" وأنا أكثر ..."
قالها بصدق وهو يغلق باب الشقة خلفيهما ليسيرا سويا حيث جلسا على نفس الكنبة لتبادر غالية بسؤاله :-
" كيف حالك ..؟! طمئني عليك ..."
رد بعدما تنهد بصمت :-
" أنا بخير الحمد لله ... وانتِ كيف حالك ..؟!"
أجابت بسرعة :-
" أنا بخير .. المهم أخبرني ، ماذا ستفعل بعد الآن ...؟! لا تنوي البقاء هكذا بالتأكيد ..."
تطلع إليها بصمت للحظات ثم قال بجدية :-
" سأفكر في عمل مناسب ... عليّ أن أبدأ بالعمل قريبا ..."
تكلمت غالية وقد دب الحماس فيها ما إن علمت إنه سيفكر جديا بذلك :-
" هذا رائع .. بالتأكيد ستجد عملا مناسبا .. "
أضافت بعدها وقد تذكرت آمرا ما :-
" ما رأيك أن تدير شركة والدي الثانية يا نديم ...؟! يعني أظن العمل هناك سيناسبك ..."
إسترسلت تقول :
" وإذا كان على عمار فأنت لن تراه إلا نادرا فلكل شركة أعمالها الخاصة ..."
أظلمت عينا نديم للحظات قبل أن يرد بهدوء مفتعل :-
" كلا يا غالية ... أنا سأبدأ عملي الخاص ... "
" ولكن هذا حقك يا نديم ... إنها شركات والدي رحمه الله وأنتَ لك فيها ما لعمار ولي أيضا ..."
نهض من مكانه متجها نحو النافذة المطلة على الشوارع الخارجية يتأمل خارجها بملامح واجمة بينما يتحدث بنبرة خرجت باردة قليلا :-
" هكذا أفضل يا غالية .. ميراثي من والدي سيبقى كما هو ونسبتي من أرباح الشركتين موجودة ..."
أردف موضحا سبب رفضه :-
" وجودي هناك لن يشعرني بالراحة أبدا ... دعيني أعمل بالشكل الذي يناسبني ويجعلني مرتاحا فيه .."
نهضت غالية من مكانها تتقدم نحوه حيث وقفت جانبه تربت على كتفه تدعمه :-
" كما تشاء يا نديم .. المهم أن تكون مرتاحا وأي شيء آخر غير مهم ..."
إلتفت نحوها يبتسم برفق ثم يسألها بإهتمام صادق :-
" أخبريني أنتِ عنكِ ... ما أخبارك وكيف هو عملك في الشركة ..؟!"
ردت ببساطة وهي تهز كتفيها :-
" كل شيء يسير على ما يرام .. "
أضافت وقد تذكرت آمرا ما :-
" صحيح هناك شيئا نسيت أن أخبرك به ...."
سألها بإستغراب :-
" شيء ماذا ..؟!"
أجابت :-
" إلتقيت بنانسي إبنة الخالة تهاني ، بالتأكيد تتذكرها ...؟!"
تهكمت ملامحه وهو يردد :-
" بالطبع ... "
عقدت غالية حاجبيها تسأله مستغربة ملامحه :-
" ماذا حدث ...؟! هل هناك شيء ما لا أعرفه ..؟!"
هتف قائلا بجدية :-
" سأخبرك أولا ولكن أخبريني ماذا أرادت منكِ ..؟!"
ردت غالية بجدية :-
" كيف علمت إنها أرادت مني شيئا ..؟! على العموم لقد سألتني عنك وطلبت مني معرفة عنوانك الجديد ولكنني راوغت ولم أعطها إياه ..."
قال بصوت فاتر مستاء :-
"بالطبع لقاؤها معكِ كان مقصودا كي تسألكِ عني .. تلك الفتاة ليست طبيعية ... "
" هل إلتقيت بها يا نديم ...؟!"
اومأ نديم برأسه وأجاب بجدية :-
" نعم ... لقد جاءت إلي وتحدثت معي مرتين ..."
سألته بفضول :-
" وماذا قالت ...؟!"
أجاب بسخرية :-
" إنها ما زالت تحبني وتريد قربي ..."
" المسكينة ..."
قالتها غالية بتعاطف صادق ثم أردفت بعد لحظات بتردد :-
" إنها تحبك حقا يا نديم ..."
قاطعها نديم بنبرة قاطعة :-
" إنها مريضة يا غالية ... مريضة بحب التملك ..."
قالت غالية بنبرة ذات مغزى :-
" وربما تحبك حقا ..."
نظر إليها يتسائل بحنق :-
" إلامَ تريدين أن تصلي يا غالية ..؟!"
صمتت غالية قليلا ثم قالت أخيرا بجدية:-
" لماذا لا تمنحها فرصتها يا نديم ...؟! هي تحبك وتريدك حقا وأنت .."
لم تكمل حديثها فأكمل هو نيابة عنها بتهكم :-
" وأنا بالطبع لن أجد أفضل منها بل يجب أن أشكر ربي دائما لإنها رضيت بي ..."
قالت غالية معترضة :-
" من قال هذا ..؟! لا تفسر كلامي بشكل خاطئ يا نديم ... ما أقصده إنك تحتاج لوجود أحد معك يحبك لهذه الدرجة ... تحتاج للخروج من دائرة الماضي ... "
تنفست بقوة ثم أضافت بجدية :-
" تحتاج الى من تنسيك ولو جزءا من ماضيك ..."
" تقصدين ليلى ، أليس كذلك ..؟!"
سألها بثبات مصطنع لتومأ برأسها وهي تكمل بقوة :-
" نعم أقصدها .. أنا لا أريد أن تبقى مقيدا بحبك لها ... أريد أن تمنح نفسك الفرصة الكاملة لبدأ حياة جديدة ... "
قاطعها بإستياء :-
" وهل بدأ حياة جديدة يقتصر على وجود حب جديد يعوضني عن الماضي ...؟!"
هزت رأسها نفيا وردت بهدوء :-
" كلا ولكن سيساعدك في تخطيه ... نانسي تحبك حقا وأنا لا أطلب منك سوى إعطائها الفرصة الكاملة لإثبات حبها لك فربما تبادلها مشاعرها تلك وحينها سيتغير الكثير ..."
هتف بتململ :-
" أخبرتك إنها لا تحبني يا غالية .. هي فقط مهووسة بي لا أكثر .. ثانيا هل تظنين إن نانسي حقا تناسبني وتناسب وضعي الحالي ..؟! لطالما عهدتك ذكية ومنطقية يا غالية ... بنظرة واحدة إليها ستدركين مدى الخلل الموجود فيها ..."
أضاف يخبرها بما فعلته بليلى وكيف ضربتها على رأسها بالصخرة لتشهق غالية بعدم تصديق وهي تردد :-
" يا إلهي ... هل فعلت هذا حقا ..؟!"
ابتسم نديم بسخرية وهو يردد :-
" نعم فعلت هذا يا غالية .. إنها مجنونة حقا ..."
أومأت برأسها تؤيده لتقول بعدها :-
" ولكن ما كان على ليلى التدخل من الأساس ...؟! هي تكره نانسي منذ سنوات عندما كانت نانسي تلتصق بك دائما ويبدو إن كرهها هذا ما زال موجودا ..."
لم يقل نديم شيئا بينما قالت غالية بتردد :-
" نديم سأقول شيئا ولكن لا تتضايق مني من فضلك ..."
إنتبه نديم إليها فسمعها تخبره :-
" حاول ألا يجمعك لقاء مع ليلى مهما حدث ... يعني هذا أفضل لكليكما ..."
هتف نديم بسخط :-
" بالطبع لن أفعل ... أنا أتجنب ذلك منذ خروجي من السجن وأكبر دليل هو تركي الفيلا وقراري بالعيش هنا ..."
تحدثت غالية بسرعة تحاول تهدئته كي لا يغضب :-
" أعلم ذلك يا نديم ولكن أنا فقط أؤكد عليك ..."
تعكرت ملامحه كليا دون أن يجيب بينما سمعها تضيف :-
" لا تنزعج مني أرجوك ولكنني لا أرغب بحدوث أي مشكلة لك .. "
هز رأسه على مضض وعقله عاد الى مقابلة الصباح معها وحديث ليلى وفي داخله يشعر إن المشاكل قادمة لا محالة ...
......................................................................
أنت تقرأ
حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح )
Romansaهو رجل يشبه الظلام .. رجل طعنه القدر بقسوة ولم يتبقَ منه سوى بقايا روح ترفض الحياة .. أما هي فأتت وإخترقت حياته المظلمة بالصدفة البحته .. بقلب نقي بريء وروح لا ترغب بشيء سوى الأمان وجدت نفسها عالقة بين ظلماته المخيفة .. وأخرى لم تدرك شيئا سوى إنها ت...