مشهد لنديم وحياة من فصل الغد

3.1K 130 8
                                    

كانت تجلس بجانبه ملامحها هادئة كالعادة لكن بداخلها الكثير من المشاعر المختلطة التي تحاول أن تضعها جانبا وتفكر بما هو قادم ومستقبلهما سويا فهي ليلة البارحة ارتبطت به رسميا وأصبحت خطيبته ..!!
أفاقت من أفكارها على صوته يسألها بإهتمام :-
" أين شردت بأفكارك ..؟!"
إستدارت نحوه تبتسم بهدوء وهي تجيب :-
" لم أشرد ابدا .. فقط كنت أفكر
عن سبب خروجنا اليوم .."
عقد حاجبيه متسائلا من جديد :-
" ومالذي يدعوك تتعجبين من خروجنا اليوم ..؟!"
ردت وهي تعاود النظر أمامها :-
" لإننا كنا البارحة سويا و .."
قاطعها بجدية :-
" البارحة كانت خطبتنا وفكرت إنه من الطبيعي أن نخرج اليوم كخطيبين لأول مرة .."
تأملت الخاتم الماسي الذي يزين إصبعها والذي برغم بساطته ونعومته كان رائعا بحق ..
يبدو إنه لاحظ عينيها المركزة على الخاتم فسألها بإهتمام :-
" ربما تأخرت في سؤالي لكن يهمني أن أعرف .. هل أعجبك الخاتم يا حياة ..؟! كان من المفترض أن تختاري خاتمك بنفسك لكنني كنت متعجلا قليلا .."
قاطعته بصدق وهي تلمس ماسة الخاتم بأطراف أناملها :-
" إنه رائع .."
ابتسم وهو يشعر بصدق كلماتها قبل أن يهتف وهو يلتفت بعينيه نحوها بعدما توقفت سيارته أمام إشارة المرور الحمراء :-
" بحثت عن شيئا يشبهك .."
رفعت نظراتها المندهشة نحوه ليضيف وعيناه تحومان حول وجهها :-
" شيئا بالرغم من بساطته ونعومته يحمل بريقا خاصا وهالة تجذب الروح له ..."
" نديم ..!!"
همستها بصوت رقيق مبحوح ليسحب كفها يقبض عليه بقوة ثم ينحني طابعا قبلة بطيئة على كفها مرددا وعيناه الزرقاوان ما زالتا تحاصران عينيها :-
" شكرا على كل شيء حياة .. شكرا على وجودك في حياتي .. شكرا على قبولك الزواج مني ..."
ابتسمت برقة رغم رفرفة نبضات قلبها التي وصلت أوجها في تلك اللحظة ...
كلامه كان كالبلسم لروحها وهي بدورها كانت بلسم روحه الدائم..
سمعته يضيف مشاغبا :-
" من الآن فصاعدا يحق لي أن أمسك يدك متى ما أردت و .."
قاطعته بسرعة :-
" تمهل قليلا يا نديم .. الخطبة لا تبيح كل شيء كما تظن .."
ضحك مرددا :-
" نعم أعلم ذلك .. ولهذا السبب فهذه الخطبة يجب أن تنتهي قريبا وندخل في الخطوة القادمة .. الزواج .."
توترت نبضات قلبها رغما عنها وعاد شعور الخوف يسيطر عليها مجددا فإنتبهت الى إشارة المرور التي تحولت للون الأخضر والسيارات التي بدأت تتحرك فهمست له :-
" السيارات تحركت .."
عاد يبتسم لها قبل أن يتجه ببصره نحو السيارات مفكرا بجدية إنها ما زالت تخشى قرار الزواج .. بل ما زالت تتهرب منه ورغم كونه يتفهمها جيدا لكنه لا يستطيع الصبر أكثر ..
كان يفكر إن أفضل شيء فعله هو قرار الخروج معها اليوم خاصة بعد ليلة البارحة وما حدث فيها وكيف أصبحت الأجواء مشحونة للغاية ..
بداية الليلة كانت رائعة لكن النهاية لم تكن كما أراد وكأن الجميع اتفق أن ينغص ليلته حتى أخته الوحيدة المحبة ...
لا يعلم لماذا عاد بذاكرته الى الخلف متذكرا يوم خطبته على أخرى وما حدث بعدها ..
في يوم مشابه لهذا اليوم كان قد خسر كل شيء ووجد نفسه خلف القضبان بتهمة لا يعلم عنها شيئا ..
يومها صباحا كان في أوج سعادته لكن سعادته تلك لم تستمر سوى لسويعات قليلة وبعدها انتهى كل شيء وتحول اليوم الذي ظن فيه إن بداية حياته التي انتظرها طويلا مع حبيبة عمره الى أسوء يوم في حياته ...
حاول طرد تلك الأفكار بعيدا وهو ينهر نفسه بقوة ..
لا يجب أن يتذكر ذلك اليوم ..
عليه أن ينساه تماما ويمحي ذكرى ذلك الماضي بكل ما فيه ..
منذ اللحظة التي إرتبط فيها بحياة وقد قرر أن ينسى ذلك الماضي تماما ..
عليه أن يكون مخلصا لها ويحقق لها السعادة دائما كما تسعده هي دوما وأبدا ..
أخذ يلوم نفسه بحق لإنه سمح لنفسه أن يتذكر تفاصيل ليس من حقه أن يتذكرها أبدا فحياة لا تستحق أن يتذكر تفاصيل تخص أي إمرأة سواها ..
عاد ينظر إليها مجددا فوجدها شاردة مرة فحاول أن يتحدث معها من جديد مفكرا إن خروجهما سويا هذا اليوم كان لأجلهما فهما يحتاجان الى هدنة وقليل من الترفيه ...
" ما أخبار نتيجتك ..؟!"
صدح سؤاله فجأة فإلتفتت نحوه تجيبه بسرعة وسعادة شعت في عينيها :-
" ظهرت منذ يومين .. الاولى كالعامين السابقين .."
قال بسرعة وسعادتها انتقلت اليه :-
" مبارك يا حياة .. هذا شيء يستحق الاحتفال اذا .."
أضاف وهو يضيق نظراته :-
" كان عليك أن تخبريني منذ اول يوم .."
قالت بسرعة :-
" معك حق لكنني إنشغلت في تحضيرات الخطوبة .. "
أضافت وعيناها تبرقان بفرحة :-
" هل تتذكر تلك المادة الصعبة التي شرحتها لي ..؟! لقد حصلت على درجة امتياز فيها .."
ابتسم لا اراديا ثم قال بتفاخر مصطنع :-
" هذا طبيعي .. لطالما كنت مبهرا في شرح المواد وإيصال المعلومة .."
زمت شفتيها ترد :-
" وانا ايضا كذلك .. حتى إنني شرحت اغلب المواد لمي خلال العام السابق ... "
ابتسم وقتا بصدق :-
" انت ذكية للغاية بل مبهرة ولديك مستقبل لامع .."
بادلته ابتسامته ورغما عنها شعرت بنوع من الفخر به ..
كان فخرا لسبب مختلف ..
فخرا لكونه يشاركها فرحتها بنجاحها في تخصص خسر هو كامل فرصته فيه ..
كانت سعادته لأجلها حقيقة ...
في تلك اللحظة اكتشفت صفة جديدة مميزة فيه ..
هو ليس أناني ولا يغار من نجاح البقية حوله ..
هو حتى لم يظهر عليه الإنزعاج من تفوقها رغم كل ما مر بيه وشهادته التي سحبت منه نهائيا ..
شخص آخر غيره لم يكن ليفرح هكذا .. فرحته كانت صادقة ودعمه صريح ..
نديم شخص رائع .. هذا ما فكرت به .. شعرت إنه يستحق النجاح في حياته ويستحق الكثير من الاشياء وفي تلك اللحظة تمنت كثيرا بل دعت ربها من أعماق قلبها أن يعوضه خيرا عما فقده وأن ينجح في حياته ويصل الى اعلى المراتب ..!!
عادت تنظر اليه مجددا ولكن هذه المرة كانت وكأنها تحتويه بنظراتها فإنتبه بدوره لها ..
سألها وهو ينقل بصره بين الطريق أمامها وبينها :-
" لماذا تنظرين الي هكذا ..؟!"
ابتسمت بخجل ثم قالت :-
" فكرت إنه من كان بصدق أن نصل يوما الى هنا ..."
هز رأسه موافقا :-
" معك حق .. هل تعلمين شيئا ..؟!"
نظرت إليه بإنتباه ليلتفت نحوه يمنحها نظرة سريعة قبل أن يعاود النظر أمامه وهو يكمل :-
" أوقات كثيرة اتسائل ماذا كان سيحدث لو تعرفت عليك مسبقا .. قبل سنوات .."
أضاف بنبرة لا تخلو من الشرود :-
" انا لا اتذكر إن عمي فاضل رحمه الله جلب سيرتك يوما .. كنت أعلم إن لديه ابنة .. هذا كنتِ ما أعلمه فقط وما تعلمه عائلتي .. لكننا لم نكن نعلم أي تفاصيل تخصك فهو لم يذكرك يوما .. حتى اسمك لم أكن أعرفه .."
أضاف وهو يضحك رغما عنه :-
" هل تتذكرين اول لقاء بيننا ..؟! يومها اندهشت عندما رؤيتك .. لا أعلم سبب الاندهاش لكنني لم أتوقع وقتها إن ابنة العم فاضل شابة جميلة في العشرينات من عمرها .."
ضحكت بدورها وقالت :-
" وانا لم أكن اعرف عنك اي شيء ... فوالدي لم يكن يجلب سيرتك الا نادرا مكتفيا بكونك محترم جدا وشخص جيد للغاية .. ولكنني كنت اعرف اسمك بالطبع .."
أضافت وعيناها تشردان بعيدا :-
" لم أكن اعرفك ولا اعرف اي شيء عنك وأول مرة رأيتك فيها كانت في تلك الصورة الموضوعة في صالة الجلوس عندكم .."
عقد حاجبيه وكأنه تذكر امرا هاما :-
" لهذا تذكرتني فورا تلك الليلة عندما أنقذت من اولئك الشبان .."
أومأت وأضافت بصوت شارد :-
" يومها رأيت صورتك و .."
توقفت عن حديثها وهي تتذكر ما حدث ..
كيف غزا قلبها من مجرد صورة وتمكن منه ...
وكيف سقطت تلك الصورة من يدها لتجفل على صوت ليلى الغاضب والتي سحبت الصورة منها بعنف تحتضنها بين ذراعيها وكأنها شعرت في تلك اللحظة بما سيحدث في المستقبل ...
لا تعلم لماذا في هذه اللحظة تحديدا شعرت إن ذلك الموقف ليس عابرا ... وإن ما حدث هو صورة مستقبلية لما سيحدث معه ..
فهاهو نديم معها اليوم كما كانت صورته بين يديها ولكن الصورة سقطت منها وهذا ما سيحدث ربما مستقبلا ..
سوف يتسرب نديم من بين يديها كما سقطت الصورة ويعود لأحضان حبه الاول .. ليلى ..!!
شعرت بألم شديد يغزو قلبها من هذه الفكرة والمشهد يتكرر في ذنها عدة مرات متسارعة وغضب ليلى الغير منطقي وقتها ونظراتها المشتعلة كانت نذير لما سيحدث ..
شعرت بغصة محكمة داخل قلبها وهي تفكر إنها ستتألم كثيرا عندما يتركها نديم رغم إدراكها إن هذا الشيء متوقع ان يحدث ..
كانت تدرك إن علاقتهما لا ضمان فيها وإن مشاعره اذا ظلت غير متبادلة ستضطر الى تركه حينها ..
هي لن تتحمل ان تكون مجرد بديل لأخرى ولا دواء لجروحها ..
هي لن تقبل أن تعيش مع رجل يريدها بعقله بينما قلبه ملك لأخرى واذا إقتضى الأمر فسوف تنسحب من حياته بهدوء وليعود هو إلى الأخرى التي إمتلكت القلب دائما حتى وإن كان قلبها سيتألم وربما ستبقى تتألم الى الأبد لكن هذا سيكون افضل بكثير من العيش مع رجل يراها بعقله لا بقلبه وهي التي تراه بعقلها وقلبها وروحها ..
اذا لزم الأمر ستجعله يعود إليها وتنسحب هي بكل هدوء من حياته ..!!
أفاقت من أفكارها المؤلمة على صوته ينادي عليها وكفه يربت على كتفها فأدركت إنها شردت اكثر من اللازم ..
التفتت نحوه بملامح بدت شاحبة قليلا مما جعله يلمس وجهها وهو يسألها بخوف صادق :-
" هل انت بخير يا حياة ..؟! وجهك شاحب للغاية .."
ابتسمت بسرعة تحاول أن تخفي شحوب وجهها وهي ترد بصوت جاهدت كي يخرج طبيعيا :-
" انا بخير .. لا تقلق .."
أضافت وهي تنظر من نافذة السيارة نحو بوابة المطعم الخارجية الذي توقف جانبه منذ مدة :-
" لنهبط هيا .."
" توقفي .."
قالها فجأة لتلتفت تنظر اليه بتعجب فوجدته يهبط من سيارته ويتحرك خارجها فبقيت هي في مكانها عندما جاء بعد لحظات وهو يحمل شيئا ضخما يغطيه شيء اقرب لغطاء من القماش  بيده بينما فتح الباب لها باليد الاخرى ..
هبطت من السيارة تتأمل ما يحمله بتعجب ليهتف وهو يمد العلبة لها :-
" هدية النجاح .."
تناولت الهدية منه تسأله بعدم تصديق :-
" كيف علمت وانت سألتني منذ لحظات ..؟!"
قاطعها مبتسما :-
" بسيطة .. دخلت على صفحة الجامعة على الفيس بوك وقرأت اعلان النتائج منذ يومين ..."
" كنت واثق من نجاحي لهذه الدرجة ...؟!"
قالتها بعدم تصديق ليومأ برأسه وهو يضيف بثقة :-
" بل كنت واثق من كونك الاولى ايضا .."
اضاف وهو يشير الى الهدية :-
" أزيحي العطاء هيا .."
نظرت له بتردد قبل أن تزيحه فتشهق بعدم تصديق عندما رأت هديته ودون وعي منها أخذت تقفز بسعادة غير مصدقة إنه جلب لها اكثر شيء تمنت شراءه يوما ما ..
انتهى المشهد ..
كيوووت صح ..؟!
رأيكم..؟!
تفاعلوا يلا ..

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن