الفصل الخمسون

3K 174 15
                                    

" والآن أخبريني يا غالية ، من يكون السيد ..؟؟ "
ترددت غالية لوهلة قبل أن تنظر الى شريف الجامد فتجيب فادي :-
" إنه شريف ... إبن عمي .."
نظر فادي الى شريف يشمله بنظرة سريعة قبل أن يمد كفه نحوه وهو يقول :-
" أهلا شريف بك ... البقاء لله ..."
تمتم شريف وهو يرد تحيته على مضض :-
" أشكرك يا بك ..."
ثم أشار الى غالية قائلا :-
" سأنتظرك في السيارة يا غالية ... "
هزت رأسها بتفهم لتراقبه بصمت وهو يتجه نحو سيارته حتى وجدته يفتح باب السيارة ويهم بركوبها لتعاود النظر الى فادي تهتف به بضيق :-
" ماذا فعلت...؟! كيف تتحدث معه بهذه الطريقة والأهم كيف تخبره عن شيء كهذا ..؟!"
رفع حاجبه يطالعها بدهشة مفتعلة قبل أن يسألها ببرود :-
" ومالذي فعلته يا غالية ...؟!"
أرادت أن تضربه فوق رأسه بسبب بروده المستفز لكنها بالكاد سيطرت على نفسها وهي تخبره بإنفعال مكتوم :-
" ما قلته لتوك ... ما قلته غير مناسب أبدا يا فادي ..."
سألها وهو يتفحصها بنظراته :-
" لمن ..؟! غير مناسب لمن ...؟! لك أم له ..؟!"
صمتت ولم تجبه ليضيف بتهكم مقصود :-
" لا تخبريني إنك تفاجئتِ ..."
قاطعته بعدم إستيعاب :-
" عفوا ..."
ثم أضافت :-
" ماذا تعني ..؟! بالطبع تفاجئت ... انا لم أذكر إننا سبق وتحدثنا في أمر كهذا ..."
" ليس من الضروري أنت نتحدث .."
قالها بجدية قبل أن يضيف :-
" أنت تعرفين ما يحدث بيننا ..."
احتقنت ملامحها كليا وهي تسأله :-
" و مالذي يحدث بيننا يا فادي ...؟!"
سألها ببرود :-
" أنت تعرفين جيدا مالذي يحدث بيننا ... ما يشعر به كلينا ... أم ستنكرين ذلك .."
لا تنكر إنها توترت بسبب حديثه لكنها سرعان ما كبحت توترها وهي تخبره :-
" ولم سأفعل ...؟؟ حسنا لا أنكر ذلك ..."
سألها وهو يميل نحوها قليلا :-
" مالذي لا تنكرينه ...؟!"
ردت بتجهم :-
" ما تحدثت عنه لتوك ..."
عاد يسألها بمكر :-
" ومالذي تحدثت عنه لتوي ..؟!"
بدت لعبة سخيفة بالنسبة لها قررت إنهاؤها وهي تجيبه ببساطة :-
" أنا لا أنكر إنني أميل لك ... معجبة بك ... "
منحها إبتسامة هادئة ... إبتسامة راقت لها كثيرا ...
تحدث أخيرا يخبرها :-
" هل تعلمين مالذي جذبني لك دونا عن الجميع ...؟!"
أجابته ببرود :-
" لا يمكنني التخمين فأنا أمتلك الكثير من عوامل الجذب ... "
ابتسم بخفة وهو يسترسل :-
" قوتك وجرأتك والأهم ثقتك المفرطة بنفسك والتي تجعليني أود في كثير من الأحيان تحطيم رأسك بسبب ذلك الكبرياء الفطري والثقة المفرطة التي تتحلين بها ..."
عقدت حاجبيها تهتف بوجوم :-
" تحطم رأسي ...!!!؟"
أكملت وهي تتقدم نحوه خطوتين تخبره بسخرية:-
" هل تعتقد إن هذا الكلام المناسب لقوله في موقف كهذا وأنت تعترف بمدى إنجذابك لي ...؟!كم أنت رومانسي يا فادي ..."
ضحك بخفة وقال :-
" بالتأكيد أنت تدركين جيدا إنني والرومانسية لا يمكن ان نجتمعان سويا .... الأمر لا يحتاج الى ذكاء ..."
هزت رأسها تتمتم بأسف :-
" للأسف أدرك ذلك فكما قلت .. الأمر لا يحتاج الى ذكاء ..."
قال وهو ينظر الى ملامح وجهها باشتياق بات يدركه جيدا ولا يتهرب منه :-
" متى يمكننا أن نلتقي ونتحدث ...؟!"
عبست ملامحها وهي تخبره بصدق :-
" لا أعلم حقا فأنا لا رغبة لي بفعل أي شيء في الوقت الحالي ..."
تنهد قائلا :-
" أتفهم حالتك بالطبع ..."
تجاهلت رغبتها الشديدة في البكاء وهي تتذكر حقيقة ما تعيشه حاليا فهمست بصوت جاهدت ليخرج عاديا :-
" يجب أن أغادر يا فادي .. "
هز رأسه بتفهم قبل أن يقول :-
" بالطبع يا غالية ولكن ..."
نظرت له بترقب ليضيف بجدية :-
" لا تخرجي مجددا مع ابن عمك هذا أو غيره ..."
أضاف بهدوء لا يخلو من الحزم :-
" لا يعجبني ذلك ..."
لم يعجبها ما قاله لكنها لم تكن تمتلك الرغبة في نقاشه فإكتفت بقول :-
" مع السلامة يا فادي ..."
ثم تحركت متجهة نحو شريف الذي ينتظرها في سيارته بملامح ما زالت جامدة يتابعها الآخر وهي تتجه نحو ابن عمها ثم تفتح الباب وتركب جانبه وداخله يود لو يسحبها من ذراعها ويأخذها في سيارته يمنعها من مجاورة ابن عمها ذاك في سيارته أيا كانت الأسباب ..
.................................................
هبط كرم من سيارته متجها الى داخل العمارة التي تقطن بها شقيقته الكبرى تتبعه هايدي التي ركضت بسرعة خلفه وقبضت على ذراعه تتوسله :-
" أرجوك لا تتصرف بطريقة قد تؤذيها يا كرم ... نانسي ما زالت في فترة نقاهة ولا تنسى إنها حامل أيضا ..."
رمقها بنظرات مشتعلة وهو يخبرها بتهكم بارد :-
" سأعد للعشرة قبل أن أتحدث ..."
همست له برجاء خالص في عينيها :-
" أرجوك يا كرم .. يمكنك أن تفعل ما تريده لكن ليس الآن ... لتنجب طفليها على خير وبعدها إفعل ما تشاء ..."
زفر أنفاسه بقوة قبل أن يأمرها بصلابة :-
" خذيني الى شقتها ..."
هزت رأسها بإذعان وهي تخبره عن رقم الطابق والشقة ليتحرك أمامها متجها الى المصعد الكهربائي تتبعه هايدي بوجوم والقلق يسيطر عليها ....
وقفت بعدها هايدي بجواره وهو يضغط على جرس الباب لتفتح الخادمة لهما بعد دقيقتين فإندفع كرم الى الداخل تتبعه هايدي وهي تنادي عليه فيتوقف في منتصف صالة الجلوس الخالية من وجود أي أحد ...
إستدار بسرعة نحو الخادمة يسألها بحدة :-
" أين نانسي ..؟!"
أجابت الخادمة بصوت خرج متلعثما وهي تتأمل تحفزذلك الواقف أمامها:-
" نائمة في غرفتها ..."
قالت هادي بسرعة :-
" سأيقضها حالا .:."
ثم إندفعت بسرعة الى الغرفة لتفتح الباب وتدلف الى الداخل بعدما أغلقتها بالمفتاح ...
تقدمت ناحية نانسي التي تنام بعمق فوق السرير فتأملتها لثواني بشفقة على حالها وما وصلت إليه قبل أن تجلس جوارها على طرف السرير وتمد كفها نحو كتفها تهزها برفق وهي تحدثها بصوت خافت قليلا :-
" نانسي ... إستيقظي حبيبتي ..."
لحظات قليلة وبدأت نانسي ترمش بعينيها دلالة على بداية إستيقاظها قبل أن تفتحهما لتنظر إلى هايدي بدهشة من وجودها عندها قبل أن تحاول الإعتدال في جلستها بقليل من الصعوبة بسبب حملها وبروز بطنها الذي لا يساعدها على التحرك بحرية ...
" ماذا تفعلين هنا يا هايدي في هذا الوقت ..؟!"
سألتها نانسي وهي تعتدل أخيرا في جلستها بمساعدة شقيقتها التي أجابتها بتوتر خفي:-
" كرم يا نانسي ..."
رفعت نانسي ملامحها المصدومة نحوها لتنطق بخوف :-
" ما به كرم ..؟!"
أجابتها نانسي بجدية :-
" كرم هنا يا نانسي ..."
" ماذا ..؟!"
صاحت بها نانسي بفزع وهي تضيف بصوت مذعور :-
" كيف هذا ..؟!"
حاولت هايدي تهدئتها وهي تخبرها بتروي :-
" كرم علم بما حدث ... للأسف هناك من أخبره بوجود صلاح في البلاد ... "
إسترسلت بجدية :-
" لا تخافي يا نانسي ... لقد تحدثت معه... أخبرته إنه لا ذنب لك .. هو يريد رؤيتك .. يريد التحدث معك ..."
شردت نانسي كليا بينما هايدي ما زالت مستمرة في حديثها حتى لاحظت شرود شقيقتها فهمست وهي تلمس ذراعها :-
" نانسي .. هل تصغين إلي ..؟!"
نظرت نانسي لها بملامح بدا بائسة تماما فقالت هايدي بسرعة :-
" لا تفعلي هذا يا نانسي .. "
تمتمت نانسي بوجع :-
" لم أكن أريده أن يعرف ..."
هتفت هايدي بتفهم :-
" أعلم ذلك ولكنه حدث وعرف كرم بكل شيء ..."
أضافت وهي تقبض على كف شقيقتها بدعم :-
" حاولي التماسك يا نانسي ... ما زال مشوارك طويلا وأنت يجب أن تحافظي على قوتك وثباتك ... إن لم يكن لأجلك فليكن لأجل طفليك ..."
تشكلت الدموع داخل عينيها ما إن أتت هايدي على ذكر سيرة الطفلين لتشد هايدي من قبضتها على كفها وهي تهمس لها بنبرة صلبة :-
" أنت يجب أن تتماسكي يا نانسي وتحافظي على ثباتك في وجه كافة الظروف .. "
أضافت وهي تنظر لها بعينين قويتين :-
" أنت أخطأت لكنك دفعت ثمن خطئك ... لا يمكن أن تستمري في ضعفك وخنوعك بسبب هذا الخطأ .. ما تفعلينه ليس حلا .. إستسلامك ليس حلا ... ليس من العدل أن تستمري في دفع ثمن أخطائك ... المهم أن تتعلمي من خطئك جيدا .. دعي هذا الخطأ يكون حافزا لبداية جديدة ومختلفة .. دعيه يصنع نانسي مختلفة عن الماضي .. نانسي قوية وصلبه ..."
همست نانسي بنبرة ضعيفة :-
" لا أستطيع ..."
إسترسلت وهي تأخذ نفسا بطيئا :-
" أنا أضعف مما تتصورين يا هايدي ..."
قاطعتها هايدي بحزم :-
" لست ضعيفة أبدا يا نانسي .. لو كنت ضعيفة لسارعت للتخلص من الطفلين والعودة الى حياتك السابقة بكل تخبطاتها ... لكنك لم تفعلِ .. هل تعلمين لماذا ..؟!"
نظرت نانسي لها بتأهب وعينيها الدامعتين يظهر عليهما التردد بوضوح :-
" لإنك كنت تحتاجين وجودهما ... تحتاجين حافزا يدفعك للتماسك .. لإنك أردت سببا تعيشين لأجله .. سببا تتغيرين لأجله ... بالطبع فطرتك الحنون منعتك من قتل روح خلقها الله داخلك لكن لا يمكنك أن تنكري إن وجود الطفل كان حافزا مهما لك وأملا في حياة مختلفة تحمل هدفا ساميا يستحق العيش لأجله ..."
تساقطت دموع نانسي فوق وجنتيها بغزارة لتخبرها هايدي بصوت هادئ لا يخلو من الشدة التي تحتاجها شقيقتها في هذا الوقت تحديدا :-
" كوني قوية يا نانسي .. تجاوزي ما حدث في الماضي .... أثبتي لنفسك قبل الجميع إنك تغيرت ... الطفلان سيولدان بعد ثلاثة أشهر وربما أقل ... لا بد أن يجدان أما قوية تنتظرهما .. أم تستطيع تربيتهما ومنحهما ما يحتاجان .. أم لا تمنحهما فقط عاطفة أمامية ومحبة فطرية بل تمنحهما قوة وصلابة ونشأة جيدة ..."
مالت نحوها تسألها بجدية :-
" ألا يستحق طفليك منك ذلك يا نانسي ..؟!"
نطقت نانسي بعد صمت إمتد للحظات :-
" بل يستحقان ... يستحقان هذا وأكثر ..."
ربتت هايدي على كفيها وهي تبتسم لها وتخبرها بتشجيع :-
" هيا إذا .. كفكفي دموعك وتعالي معي لتري شقيقك وتتحدثي معه ... حسنا ..؟!"
همست نانسي وهي تكفكف دموعها :-
" هل هو غاضب كثيرا ..؟!"
نهضت هايدي من جانبها وأجابتها :-
" حتى لو كان غصبا كثيرا .. عليك أن تواجهي غضبه ... تحملي قليلا يا نانسي ... لا بأس أن تتحملي قليلا وتصبري الفترة القادمة حتى تنتهي هذه الدوامة التي تعيشينها ..."
" أتمنى أن تنتهي على خير ..."
قالتها نانسي بصوت مرتجف لتقول هايدي بسرعة وتأكيد :-
" ستنتهي على خير بإذن الله ..."
ثم مدت كفها لنانسي تخبرها :-
" هيا يا نانسي .. تأخرنا عليه كثيرا ..."
وضعت نانسي كفها داخل كف شقيقتها وهي تنظر لها بتردد ظهر عليها كليا ..
تردد سارعت تبعده عنها وهي تنهض من فوق سريرها ببطأ وتتجه معه شقيقتها خارج الغرفة حيث ينتظرهما كرم ..!
دلفت نانسي خلف شقيقتها بخطوات مترددة الى صالة الجلوس لتشعر بنغزة شديدة في قلبها ما إن وقعت عينيها على شقيقها الذي يقف في منتصف المكان متحفزا وملامحه مكفهرة بشدة ..!
ما إن رفع عينيه لتقابل عينيها حتى شعرت بخفقاتها تضطرب بشدة وعادت الدموع تترقرق داخل عينيها ...
تجهمت ملامحه أكثر وعيناه تنحدران نحو بطنها المنتفخة ليزفر أنفاسه متمتما بصوت منخفض كليا لم يسمعه أحد :-
" يا إلهي ...!!"
شعرت نانسي بكف تقبض على كفها تضغط عليها بدعم لتنظر إلى شقيقتها فترى في عينيها الدعم الغير مشروط ....
عادت تنظر الى شقيقها بملامحه التي تصلبت كليا الآن لتهمس بصوت متحشرج ضعيف :-
" كرم ...!!"
رأت الغضب والرفض صريحا في عينيه فأضافت بنفس النبرة الخافتة :-
" آسفة ..."
ثم سارعت تخفض عينيها خجلا ودموعها أخذت طريقها فوق وجنتيها ...
أشاح كرم بوجهه بعيدا عنها محاولة السيطرة على غضبه المتفاقم داخله بشكل يثير الخوف ...
كان يجاهد للسيطرة على غضبه كي لا يتحرر من مكمنه ويبتلعها تماما ...
كان يدرك إن غضبه مؤذي وسيؤذيها وهي في حالة لا تسمح له بذلك ..
كانت حاملا وهذا فقط ما يمنعه عن التصرف معها بالطريقة المستحقة ...
مسح وجهه بكفيه بينما نانسي تراقبه من الخلف بعينين باكيتين ليستدير نحوها يرمقها بنظراته المحمرة وهو يخبرها بغلظة :-
" ابكي  يا نانسي ... ابكي كثيرا أيضا ..."
همست بنبرتها الباكية :-
" آسفة حقا .."
صاح بصوت قوي جعلها تنتفض من مكانها رعبا :-
"" علام تعتذرين ..؟! هل تعتقدين إن اعتذارك يكفي لغفران ذنوبك يا هانم .. "
تقدم خطوتين نحوها قبل أن يتوقف مكانه يتأملها للحظة ثم يهدر بعدها :-
" مهما فعلت يا نانسي لن أغفر لك خطيئتك تلك ...."
تمتمت هايدي برجاء :-
" كرم من فضلك .."
صاح بشقيقته الأصغر :-
" اخرسي أنت ..."
عاد ينظر الى الأخرى يخبرها بغضب :-
" لا أصدق أي درجة من الاستهتار وصلتِ يا نانسي ... لا يمكنني التصديق إنك نانسي شقيقتي الكبري الذي كنت أحبها وأحترمها كثيرا ..."
أكمل ونظرته تحمل خيبة شديدة هذه المرة :-
" لقد خذلتني بل خذلتنا جميعا ..."
شهقت نانسي باكية بعدما لم تستطع التحمل اكثر فسارعت هايدي تقبض على كفها تحاول تهدئتها حتى سارت بها نحو الكنبة وأجلستها عليه
لتجلس نانسي فوق الكنبة بوجه منخفض نحو الأرض والدموع تتساقط من عينيها بغزارة بينما تجاهد لكبح صوت شهقاتها المؤلمة ...
تابعها كرم لثواني متجاهلا الألم الذي سيطر عليه للحظة وهو يراها ضعيفة الى هذا الحد ..
تجاهل ذلك الشعور المقيت وهو يخبرها بخشونة :-
" توقفي عن البكاء ..."
ثم أضاف يسألها :-
" هاتي رقم شقيق زوجك ... أريد رقمه حالا ..."
توقفت عن البكاء بعدما سمعته لترفع وجهها بسرعة نحوه تسأله بصوت مضطرب :-
" لماذا ..؟؟"
هتف بها حدة :-
" هاتيه ولا تسألي عن شيء ..."
قالت هايدي بجدية وهي تتقدم نحوه :-
" أنا لدي رقمه يا كرم ... "
نظر لها كرم بتجهم وقال وهو يخرج هاتفه من جيبه :-
" هاتي الرقم إذا ..."
أخرجت هايدي بدورها الهاتف وبحثت عن الرقم لتعطيه الى كرم الذي سارع بدوره يتصل بشريف ...
جاءه صوت شريف يحييه بتعجب وهو يسأله عن هويته ليسمع صوت كرم البارد المتصلب يخبره :-
" انا كرم شقيق نانسي يا دكتور .. أنتظرك أنت وشقيقك في الشقة التي تمكث بها شقيقتي والتي جلبتها أنت لها ... هاته وتعال فورا يا دكتور إذا كنت تريد الحفاظ على حياة شقيقك الحقير ..."
ثم أغلق الهاتف في وجهه دون إنتظار ردا ليلقي الهاتف على هايدي التي سارعت تتلقفه منه بحذر ..
..................................................
وقف شريف متصلب الملامح لثواني بعدما أغلق كرم الهاتف في وجهه ليهتف بصوت ناقم على شقيقه :-
" لا سامحك الله يا صلاح على ما تفعله ... متى سأنتهي من مشاكلك لا أعلم ..؟!"
ثم سارع يتصل به بعدما توقف عن إغلاق هاتفه ليأتيه صوته الناعس :-
" نعم شريف .. ماذا حدث ..؟!"
هدر شريف بصوت حاد عكس عادته :-
" أين أنت ..؟! أريد عنوانك ..!"
سأل صلاح بنبرة متذمرة :-
" ماذا حدث يا شريف ..؟! لماذا تريد عنواني ..؟!"
أجابه شريف بنفاذ صبر :-
" هناك مصيبة كبيرة حدثت ويجب أن تأتي ..."
أضاف بجدية :-
" هات عنوانك فورا يا صلاح وإلا قسما بربي سأنسى إنه لدي أخ إسمه صلاح وسأتبرئ منك علنيا ..."
سمع صوت زفير شقيقه الحاد يتبعه صوته الحانق وهو يخبره بعنوان الفندق الذي يمكث فيه ..
أغلق شريف الهاتف في وجهه وسارع يخرج من المنزل متجها الى العنوان الذي يمكث به شقيقه ...
ما إن وصل إلى المكان المحدد حتى إتصل بشقيقه يخبره :-
" انا وصلت .. إنزل حالا ..."
وبالفعل ما هي إلا دقائق معدودة حتى وجد صلاح يتقدم نحوه بملامح حانقة قبل أن يفتح الباب ويجلس جواره متسائلا بنزق :-
" ماذا حدث لتتصل بي فجأة وتتحدث معي بهذه الطريقة ..؟!"
أدار شريف مقود سيارته متحركا بها ثم أجابه :-
" عندما نصل الى هناك ستعلم .."
سأله صلاح بتجهم :-
" إلى أين تذهب ..؟!"
هدر به شريف بنبرة جافة :-
" توقف عن الأسئلة .. ستصل هناك وتعرف ..."
كتم صلاح غيظه قسرا وهو يتأفف بصمت طوال الطريق حتى لاحظ إن شقيقه يتحرك متجها الى مناطق بعيدة قليلا ليسأله بضجر :-
" إلى أين تأخذني معك يا شريف ..؟!"
تجاهله شريف وهو مستمر في قيادة سيارته حتى وجده صلاح يتقدم نحو احدى المناطق السكنية حديثة النشأة والبعيدة عن مركز العاصمة ليتوقف شريف بعد دقائق قرب احدى العمارات السكنية ..
أطفأ شريف سيارته وإلتفت نحوه يخبره بصرامة :-
" هيا إنزل ..."
رمقه صلاح بنظرات متململة وهو يفتح الباب جانبه ويهبط من السيارة يتبع شقيقه الذي تقدم داخل العمارة ...
هتف صلاح وهو ينظر الى شقيقه بعدما ضغط على زر المصعد :-
" أنت وضعت نانسي هنا إذا ..."
تجاهله شريف ولم يرد عليه ليستفسر صلاح بإصرار :-
" لماذا أتيت بي الى هنا ..؟؟ ماذا حدث مجددا ..؟!"
دلف شريف الى المصعد بعدما فُتِحت بابه ليتأفف صلاح هذه المرة بصوت مسموع وهو يدخل وراءه ...
تحرك المصعد مرتفعا الى الطابق المحدد قبل أن يتوقف هناك فتُفتح بابه مجددا ليخرج شريف منه أولا يتبعه صلاح ..
ضغط شريف على جرس الباب ليجد كرم يفتح له الباب بعد ثواني مرددا بإبتسامة متهكمة :-
" أهلا دكتور ...."
ثم مال برأسه نحو صلاح الذي تجهمت ملامحه أكثر مرددا بإستخفاف :-
"من الجيد انك إستطعت أن تأتي بصهرنا العزيز يا دكتور ..."
هتف شريف بصوته الرزين :-
" يجب أن نتحدث يا كرم ونتفاهم ..."
قال كرم مؤكدا حديثه :-
" بالطبع يا دكتور .. لهذا السبب أساسا طلبتك أنت وشقيقك .. "
ثم فسح المجال لشريف الذي تحرك أولا الى الداخل ليشير كرم الى صلاح بعدها يخبره بسخرية لاذعة :-
" تفضل يا صهري .. لا تخجل منا .. في النهاية نحن عائلة واحدة .. هيا يا رجل تفضل .."
طالعه صلاح بنظرات غير مرتاحة وهو يتحرك بخطواته الى الداخل ليغلق كرم الباب خلفه ثم يسير وراءه حيث صالة الجلوس ليصدم الجميع عندما قبض على قميص صلاح من الخلف وأداره نحوه بحركة سريعة يتبعها لكمة فوق وجهه أسقطته أرضا ...
شهقت هايدي بعدم تصديق بينما إعتصرت نانسي قبضتيها بقوة والدموع تراكمت داخل مقلتيها مجددا ..
سارع كرم ينقض على صلاح مجددا قبل أن ينهض الأخير من مكانه ويضربه بقوة أكبر ...
بدا صراعا غير متكافئا لوهلة فكرم كانت مستعدا جيدا لهذه اللحظة بل متحفزا كليا لها اما صلاح فالمفاجأة كانت من نصيبه ...
صاحت هايدي على شقيقها الذي يضرب صلاح بلا رحمة :-
" كرم توقف ..."
ثم نظرت الى شريف الذي وقف متصلبا يتابع الموقف بجمود لتهمس له بسرعة :-
" دكتور شريف .. تصرف من فضلك ..."
تابع شريف الشجار بينهما ومحاولات شقيقه الفاشلة في تسديد ضربه لكرم ...
تأمل وجه شقيقه النازف بجمود امتد للحظات حتى وجده يسقط ارضا مجددا يتأوه بألم بينما كرم يقف قباله يلهث بشدة ...
تقدم شريف أخيرا نحو شقيقه حتى وقف جانبه فأشار الى كرم يسأله ببرود :-
" هل تشعر إنك أفضل الآن بعدما فرغت غضبك به ..؟؟"
صرخ كرم وملامحه بدت مرعبة في تلك اللحظة :-
" لم أشفِ غليلي منه بعد ..."
استطاع صلاح أن يتغلب على ألم جسده وهو يقف أخيرا مواجها له فيسارع ويمسح الدماء فوق وجهه بكفه قبل أن يصيح به :-
" تضربني أيها الحقير .. سترى ما سأفعله بك ..."
لكن فوجئ بشقيقه يقبض على ذراعه بقوة يمنعه قائلا :-
" توقف يا صلاح .."
استدار صلاح نحوه يصيح بعدم تصديق :-
" ماذا يعني توقف ..؟؟ ألم ترَ كيف ضربني ....؟!"
رد شريف بهدوء مثير للإستفزاز :-
" حقه .. "
" نعم ..."
صاح بها صلاح بعدم تصديق عندما أخبره كرم بقساوة :-
" أنت لم تر شيئا بعد .. قسما بربي سأجعلك تندم على كل ما فعلته أيها النذل الحقير ... "
صاح صلاح بغضب :-
" حقا ..؟! ماذا ستفعل بعد ..؟! عليك أن تعلم إنني لو كنت نذلا وحقيرا كما تنعتني ما كنت لأتزوج من شقيقتك المبجلة .."
اتجهت أنظاره نحو شقيقه التي كانت تجلس مكانها ترتجف كليا وهي تبكي بصمت بينما هايدي تقف جانبها تقبض على كتفها بقوة تمنحها دعما تحتاجه ...
عاد كرم ببصره نحو صلاح يخبره :-
" شقيقتي سيأتي دورها هي الأخرى ...لو لم تكن حاملا لتصرفت معها بالشكل الذي تستحقه ..."
تحدث شريف محاولا تهدئة الوضع المتأزم :-
" من فضلك يا كرم .. ما تفعله ليس حلا أبدا .. أنت تزيد الأمر سوءا بتصرفاتك ... "
أكمل وهو ينظر الى نانسي بشفقة :-
" كلاهما أخطأ وكلاهما سيتحمل نتيجة خطئه ..."
هتف كرم بغضب :-
" ليست جميع الأخطاء سواسية يا دكتور ... خطأهما لا يغتفر ..."
تنهد شريف ثم قال بعقلانية :-
" وما الحل يا كرم ...؟! نعاقبهما وننبذهما تماما ... نتبرئ منهما مثلا ... "
تجهمت ملامح كرم عندما أضاف شريف :-
" انا لا ألومك على غضبك ولكن المصيبة قد حدثت .. نحن نحاول أن ننهي الأمر دون فضائح والحمد لله كوننا ما زلنا قادرين على فعل ذلك ..."
نظر بعدها الى صلاح وهو يسترسل :-
" صلاح يستحق ما فعلته به لكنه نادم وسيدفع ثمن ما فعله بكل تأكيد ..."
تجاهل تغضن ملامح شقيقه برفض صريح لما يسمعه وهو يتقدم نحو الشاب الذي ما زال في بداية العقد الثالث من عمره يخبره بتردد :-
" شقيقتك كانت ستموت يا كرم .. هل تدرك معنى ذلك ..؟!"
أنين خافت صدر من نانسي التي كانت تبكي بصمت ليضيف شريف بثبات :-
" لولا رحمة الله بها كانت ستخسر حياتها وكنت ستخسرها أنت بدورك ..."
أكمل متسائلا عن قصد :-
" هل كنت ستتحمل خسارتها يا كرم ..؟!"
لاحت نظرة جامدة منه إليها ليجد التوسل واضحا في عينيها الباكيتين ليشيح وجهه الى الجانب الآخر برفض فيكرر شريف سؤاله بإصرار :-
" هل كنت ستتحمل خسارة نانسي يا كرم ..؟! هل كان موتها سيرضيك ..؟! هل كان سيريحك ويخفف من وطأة غضبك ...؟!"
لم يتحمل كرم سماع المزيد وهو يشعر بكل تلك المشاعر المختلطة تلح عليه ليلتفت نحو شريف مرددا بحدة :-
" يكفي يا دكتور ... توقف عن طرح أسألة لا داعي لها ..."
توقف عن حديثه وهو يجد نانسي تسير نحوه ببطنها المنتفخ وعينيها الحمراوين فأشاح وجهه برفض فوري تجاهلته وهي تتقدم نحوه أكثر حتى وقفت جواره تهمس له بصوتها الحزين :-
" كرم ... إنظر إلي .."
زفر أنفاسه ببطأ قبل أن ينظر بعينيه الغاضبتين فتهمس له وهي تقبض على ذراعه بتوسل :-
" أنا آسفة يا كرم .. والله لم أقصد ذلك ... أعترف إنني أخطئت ومهما فعلت لن أستطيع محو خطيئتي التي سترافقني طوال حياتي لكنني أحاول أن أصحح خطأي بأي طريقة .. "
أكملت بدموعها :-
" آسفة لإنني أخطأت بحق نفسي وحقكم لكنني أعدك إنني سأفعل المستحيل للتكفير عن هذه الخطيئة ..."
قبضت على قميصه بقوة أكبر وكأنها تتشبث به وهي ترجوه :-
" سامحني يا كرم ... بالله عليك سامحني ... أنا عوقبت بسبب فعلتي وما زال هناك الكثير ينتظرني .. مهما حدث أنت شقيقي الوحيد وسندي الذي سأحتاجه دائما ..."
تنهد كرم بتعب قبل أن ينظر الى صلاح متجاهلا شقيقته يخبره بصلابة :-
"اسمعني جيدا .. ستنفذ ما أقوله بالحرف الواحد .. حسنا ..؟!"
هم صلاح بالرفض لكنه وجد نظرات شقيقه الحادة تحذره من الحديث وهو يخبره :-
" أنت يجب أن تفعل ما سيقوله كرم يا صلاح .. لأجلك أنت ولأجل والدتك التي لن تتحمل صدمة كهذه ..."
قاطعه كرم ببرود :-
" ولأجل طفليه يا دكتور ..."
هز شريف رأسه بصمت ليضيف كرم ببرود :-
" سوف أحجز لكما أنت ونانسي تذكرتي سفر الى أمريكا معي ... ستقضيان الأشهر المتبقية للحمل هناك ... ما إن تصلان الى امريكا حتى سيصل خبر حمل نانسي بشهرين ونصف او حتى ثلاثة الى العائلتين ... بعدما تنجب نانسي الطفلين ويمنحهما صلاح باشا إسمه وكنيته سيخبر الجميع إن هناك مشاكل بينه وبين نانسي وإنهما غالبا سينفصلان بعد ولادة نانسي ثم سيعلن الطلاق بعدها وتعود نانسي بالطفلين بعدما يكبران قليلا كي نتجنت التساؤلات والشكوك وأما عن إستقراركما المفاجئ في أمريكا فهذا سيدبره الدكتور شريف مع العائلة ... ربما عليك أن تخترع أي عمل كاذب لشقيقك المبجل في الخارج ..."
أنهى حديثه وهو يرمق صلاح بنظرات متحدية أن يرفض ما قاله بينما حسم شريف الحديث قائلا :-
" كلام كرم صحيح ... سنفعل ما قلته يا كرم بالحرف الواحد فهذا الحل الأمثل للجميع والذي اقترحته أنا مسبقا ..."

حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح ) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن