كانت تجلس على سريرها تتطلع أمامها بشرود .. تتذكر كلماته وقراره المفاجئ بالإنسحاب من حياتها ..
قرار لم تتوقعه وترفض ان تصدقه فعمار الخولي لا يتنازل بسهولة ..
بالتأكيد يخطط لشيء ما ..
نهضت من مكانها واتجهت بسرعة نحو الخزانة تغير ملابسها ..
ارتدت ملابسها سريعا ورفعت شعرها ثم هبطت درجات السلم لتجد والدتها تهم بالخروج هي الأخرى ..
سألتها بإهتمام :-
" ستذهبين عند بابا ..؟!"
ردت والدتها :-
" نعم حبيبتي .."
قالت والدتها تتسائل بإهتمام :-
" وأنت الى أين ستذهبين ..؟!"
ردت كاذبة :-
" سأخرج مع غادة ثم أمر على بابا اطمئن عليه ونعود سويا .."
" حسنا حبيبتي .. اذهبي واستمعتي قليلا فأنت تبدين مكتئبة للغاية هذه الأيام .."
ابتسمت مريم دون رد ثم غادرت بسرعة تركب سيارتها وتتجه حيث المكان المحدد ..
بعد مدة كانت تقتحم مكتبه وتضع حقيبتها على الطاولة بضيق قبل ان تجلس على كرسيها بملامح متجهمة للغاية ..
هتف مبتسما بخفة :-
" ماذا حدث ..؟!"
ردت بضيق :-
" ماذا سيحدث أكثر بعد ..؟! "
هتف بلا مبالاة :-
" ما قاله مجرد كلام .. كلام فقط لا غير .."
قالت بجدية :-
" قال إنه لم يعد يريدني .. وإنه سوف يؤسس حياة جديدة .. سيتزوج ويكون عائلة .. كل شيء ذهب هباء .. كل مخططاتي فشلت .."
هتف بنفس الجدية :-
" اهدئي يا مريم .. لا يوجد شيء ذهب هباء كما تقولين .."
" كيف هذا وجميع ما خططنا له فشل .. ؟! أخبرتك ألا تفعل ذلك .. أنت إستعجلت بتصرفك و .."
قاطعها ببرود :-
" لم أستعجل اطلاقا .. كل تصرف مني كان محسوبا يا مريم وما زال كذلك ..."
" كيف ذلك وهو لم يعد يريدني ..؟!"
صاحت بإنفعال ليرد بقوة :-
" من قال ذلك ..؟! هل صدقتي حقا كلامه ..؟! ألم تفهمي بعد ..؟! إنها لعبة جديدة ..؟! خطة جديدة من خططه التي لا تنتهي ..."
" مالذي يجعلك واثقا لهذه الدرجة ..؟!"
" لا أحد يعرف هذا الرجل بقدري .. عمار الخولي داهية بحق. .. يمتلك ذكائا ... ذكائا شيطانيا تماما .. هو ماكر جدا ومراوغ جدا ويعرف كيف ينال ما يريده بكل هدوء وتمكن ... هل تعلمين ..؟!"
صمت قليلا ثم اضاف :-
" عمار الخولي لا يتوقف عن التفكير والتخطيط والتنفيذ ..يمكنه أن يحل عدة أمور معقدة دفعة واحدة .. وفي الوقت الذي ينفذ به احدى خططه لنيل شيء ما تجدينه قد وضع مئة خطة اخرى لنفس الشيء فيسارع الى تنفيذها ما إن فشلت خطته الاولى... نحن نتعامل مع رجل من نوع مختلف ... رجل يستطيع أن يقرأ خداعك له من نظرة خاطفة بعينيك .. عليك أن تدركي حجم ما أنتِ مقبلة عليه وتستوعبي ما ينتظرك .."
" انا لا افهم .. فسر لي اذا سبب ما قاله وتخليه عني بعد كل كلمات الحب والهيام والتملك التي أغرقني بها .."
قالتها بنفاذ صبر ليردد بجدية :-
" ابدا ، هو فقط يجهز لأمر مختلف .. لقد أدرك إن الإجبار لا يناسبك ... لا يتناسب مع شخصيتك كما إنه يريدك راضية ولست مجبرة .. يريدك طوع يديه .. يريدك أن ترغبيه كما يرغبك لذا فطريقته السابقة لن تجدي نفعا .."
" اذا وما هي الطريقة التي ستجدي نفعا ..؟!"
ابتسم بخفة واجاب :-
" اسلوب المراوغة .. يبتعد تماما ولفترة .. يراقب من بعيد ويرى ما سيحدث ... وفي الوقت المناسب سينفذ خطته القادمة التي لا أستطيع تحديدها لكننا سوف نسبقها بكل الأحوال .."
" ماذا لو فشلنا ..؟!"
سألته بقلق ليرد :-
" مالذي يجعلك تفكريك بذلك ..؟! حتى الآن كل شيء يسير كما خططنا .. أمر خطفك تم بطريقة مقنعة ... لدرجة إنه اقتنع كليا إن بوسي تعمدت خطفك لإيذائه والتقليل من شأنه أمامك .. كل شيء كان محبوكا وأظن إنك رأيت بنفسك كيف صدق كل شيء .. "
" لا أنكر إنها كانت خطة محبوكة .. وانت لا تنكر إنني كنت سببا أساسيا في نجاحها .
قال بسرعة :-
" بالطبع عزيزتي مريم .. يكفي نجاحك في التمثيلية التي أعددناها .. كنتِ ممثلة بارعة حقا .. وبسببك نجحت الخطة .. لولا تمثيلك حينها وطبعا بمساعدة الرجال ربما كان سيشك بوجود خطأ ما .. تخيلي موقفه لو يدرك إن أمر إختطافك مجرد مسرحية كنتِ أنتِ بطلتها الأولى وانا المخرج .."
" هذا كله لا يهم .. في النتيجة غايتنا من هذه المسرحية لم تتحقق .."
قالتها بنفاذ صبر ليرد ببرود :-
" من قال ذلك ... ؟! ستتحقق يا مريم .."
سألت بملل :-
" كيف ..؟! مخططنا كان ان نجعله يظن إن بوسي وراء كل هذا ونمنحه الدليل بالإتفاق مع ذلك الرجل وفي المقابل هو سيثبت لي برائته ويبدأ التقارب بيننا لكنه دمر كل هذا بقرار إبتعاده عني .. انا لا اصدق .. في الوقت الذي كنت أفكر به كيف أقترب منه تدريجيا أخبرني بقراره وأغلق كافة الأبواب في وجهي .."
" مريم اهدئي .."
قالها بصرامة ثم اضاف :-
" اساسا نحن سوف نستمر في خطتنا ولكن سوف نغير بعض الأسس التي اتفقنا عليها .."
" ماذا سنفعل ..؟!"
سألته بإهتمام ليرد بجدية :-
" بعدما حدث وأمر بوسي .."
قاطعته بجدية :-
" بوسي تلك ، هل تثق بها ..؟! يعني أخشى أن يحدث شيء وتتراجع .. أظن إنها تحبه و .."
قاطعها بثقة :-
" لا تقلقي ابدا من ناحيتها .. حتى لو كانت تحبه .. حقدها عليه اكبر من حبها بمراحل .. بوسي إمرأة قوية لن تتنازل عن حقها ابدا ..."
هزت رأسها بصمت ليهتف مضيفا :-
" المهم ، الخطوة القادمة ستكون عندك ..."
" ما المطلوب مني ..؟!"
سألته بحذر ليرد بجدية :-
" بعدما حدث .. وكونك اتهمتِ عمار ظلما وشككتِ به وهو أثبت لك انه بريء فهو إذا يستحق إعتذار ..."
" إعتذار ..!!"
رددتها بقليل من الدهشة قبل ان تهمس بإمتعاض :-
" انا اعتذر من عمار .. "
هتف ببرود:-
" إعصري القليل من الليمون فوق رأسك وإفعليها .."
تجاهلت حديثه وهي تتسائل مجددا :-
" وماذا سأستفيد من هذا الإعتذار و .."
قاطعها مجيبا :-
" مبدئيا هذا بداية الطعم .. ستذهبين إليه ولكن ليس الآن .. ستنتظرين مرور ثلاثة ايام كي يفهم إنك ترددتِ قليلا في الإعتذار .. عندما تذهبين ستخبريه إنك أخطأتِ بحقه وتريدين أن تعتذري منه وتشكريه ايضا على إنقاذه لك وطبعا لا داعي أن أخبرك إنك ستظهرين القليل من عدم الرضا عما تتفوهين به .. ستجعلينه يشعر إنك مجبرة على قول ذلك لكنه يستحق .. "
" بالطبع سأفعل ذلك .. اساسا لا أحتاج للتمثيل لإنني فعلا مجبرة .."
هتف بجدية :-
" لا يجب ان تخطئي يا مريم .. عمار ليس هينا لذا كوني قوية وجريئة كعادتك .. لا تظهري ناحيته سوى الإمتنان ولا تمنحيه سوى اعتذارا مقتضبا .. وهذه ستكون البداية ..."
" هل سوف نستفيد من ذلك ..؟!"
سألته بتعب ليرد بجدية :-
" بالطبع .. وكثيرا ايضا .. طبعا هو سوف يظهر لك البرود وعدم الاكتراث لكن صدقيني في داخله سيفرح .. سيتولد أمل داخله ناحيتك .."
" أخبرتك إنه سيتزوج ... أي أمل بالله عليك ..؟!"
" مع إنتي أشك بذلك ولكن حتى لو تزوج هذا لا علاقة له بك .. عمار الخولي يعشقك منذ سنوات وكان يعيش مع بوسي .. يعني هو رجل يفصل بين نساؤه عموما .."
أضاف يتسائل ملاحظا عبوس وجهها :-
" ماذا أخبرك بالضبط عن هذه الزيجة ..؟!"
ردت بتذكر :-
" قال إنها فتاة كان يحبها سابقا .. انفصلا وهكذا وسافرت ثم عادت والتقت به فقرر أن يتزوجها لإنه اكتشف انه ما زال يحبها .."
" هل لديك علم عنها ..؟! يعني من تلك الفتاة ..؟!"
صمت قليلا ثم هتف بعد تفكير :-
" لا يعقل .. هل يقصد شيرين ..؟!"
عقدت حاحبيها تتسائل :-
" شيرين من ..؟!"
هتف بسرعة :-
" شيرين عزام .. تلك الفتاة كانت حبيبته عندما كان في بداية العشرينات .. جمعتهما قصة حب لكنها انتهت وشيرين بعدها تزوجت وسافرت ..."
" بالتأكيد هي إذا ، انت لا تعرف غيرها .. صحيح ..؟!"
رد بجدية :-
" انا اعرف شيرين وقصة حبه معها ثم زواجه من ليلى بعدها واخيرا انت وبالطبع علاقته ببوسي .."
نظرت له بتركيز فقال :-
" سأبحث في هذا الأمر .. "
" وانا سأسأل ليلى عن شيرين .. هي صديقتها المقربة وبالتأكيد تعرف عنها معلومات جديدة .."
" اذا فعلها سيكون مجنونا .."
قالها هازئا وهو يكمل :-
" ليلى ثم شيرين .. الشيء الوحيد الجيد فيه ذوقه في النساء ..."
أكمل وهو يتأملها :-
" مع إنني لا أفهم حتى الآن كيف لم تتحرك مشاعره نحو اختك بكل جمالها بينما عشقك انت .. لا اقصد شيئا .. انت ايضا جميلة ولكن اختك شيء آخر .."
هتفت بإمتعاض :-
" أشكرك على صراحتك السخيفة يا بك .."
نهضت من مكانها تجذب حقيبتها وتهم بالمغادرة ليردد ضاحكا :-
" لا تتضايقي .. انت ايضا جميلة .."
التفتت نحوه تردد بثقة :-
" اعلم ذلك ولا حاجة لإن تخبرني به لإنني أثق بنفسي وبجمالي .."
" حسنا لا تنسي اتفاقنا .."
قالها وهو يضحك بخفك لتغادر مكتبه بغيظ فيردد مبتسما :-
" مجنونة وشرسة وجميلة ايضا .."
اكمل بشرود :-
" ولكن حقا أختها شيء اخير .. وكأنها جاءت من عصر الأميرات القدامى .. ليلى ..!!"
أنت تقرأ
حبيسة قلبه المظلم ( الجزء الأول من سلسلة ضباب الروح )
Romanceهو رجل يشبه الظلام .. رجل طعنه القدر بقسوة ولم يتبقَ منه سوى بقايا روح ترفض الحياة .. أما هي فأتت وإخترقت حياته المظلمة بالصدفة البحته .. بقلب نقي بريء وروح لا ترغب بشيء سوى الأمان وجدت نفسها عالقة بين ظلماته المخيفة .. وأخرى لم تدرك شيئا سوى إنها ت...