الْوُقُوعُ فِي الْأَسْرِ:
هَذَا قَدَرُ الْقِدِّيسَـاتِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، وهذا قُرْبَانُهُنَّ، ولَا بُدَّ مِنْ سُلُوكِ الطَّرِيقِ، فَأَبْدَتْ اسْتِعْدَاداً لِتَأْسَى بِتِلْكَ الْقَرَابِينِ الطَّاهِرَاتِ، حِينَهَا أَخْبَرَهَا بِمَا سَيَجْرِي عَلَيْهَا مِنْ صُعُوبَاتٍ ومَصَائِبَ وَحَنِ. فَحَدَّثَهَا وَقَالَ لِهَا:
إِنَّ جَدَّكِ سَيُسَبِّرُ جُيُوشِاً إلى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ كَذَا، فَعَلَيْكِ بِاللْحَاقِ بِهِ، مُتَنَكَّرَةٌ فِي ذِي الْخَدَمِ مَعَ عِدَّةٍ مِنَ الْوَصَائِفِ مِنْ طَرِيقِ كَذَا). لمْ تَكُنْ رِحْلَتُهَا مَنْ أَجْلِ لِقَاءِ حَبِيبَيْنِ وَتَأْدِيَةِ الرسالة التي أناطها اللهُ بِهَا فَقَطْ بَل إِنَّ الإمام العَسْكَري الا بأمرِهِ إيَاهَا بِالرَّحِيلِ اسْتَبَقَ الأَحْدَاثَ التي كَانَتْ سَتَجْرِي على عَائِلَتِهَا وَاستَنْقَذَهَا مِنَ النَّكْبَةِ النِّـي كَانتْ سَتَحُلُ عَلَيْهَا، إِذْ تَمَّ الْانْقِلابُ عَلى جَدِّها وقَتْلِهِ فِيمَا بَعْد، وَانْتَهَى حُكْمُ سُلالَتِها.
امْتَتَلَتِ الأَمِيرَةُ لَمـا قَالَهُ مَا حَبِيبُهَا، فَكَانَ أَنْ وَقَعَ جَمِيعُ مَا حَدَّثَهَا بِهِ، إِذْ أَنْ جَدْهَا مَلِكَ الرُّومِ جَهَّزَ
جَيْنَا جَراراً مِنْ جُنْدِهِ وَمُقَاتِلِيْهِ، وَقَادَ بِنَفْسِهِ حَلةَ الحروب تِلْكَ ، ويَظْهَرُ مِنْ بَعْضٍ كُتُبِ التَّارِيخ أَنَّ جَدَهَا خَاضَ مَعَارَكَ شَرِشَةٌ قَتَلَ فِي إِحْدَاهَا قَائِدَ جُنْدِ المُسْلِمِينَ مَع ألفين مِنْ عَسَاكِرِهِ، إلا أنَّ تِلكَ الحُروب كَانَتْ بَيْنَ مَد وَجَزْرٍ ، كَمَا أَنْ غَارَاتِ السَّرَايَا فِيمَا يُشبِهُ حَرْبَ العِصَابَاتِ كَانَتْ تَشِلُ الحَرَكَةَ الثَّقِيلَةَ لِلجِيُوشِ الضَّخْمَةِ، تَسْتَهْلِكُ قُوَّتها وتستنزفها بمرور الوقت وَقَدْ كَانَ مِنْ عاداتهم في حروبهم الطويلةِ وَالْكَبِيرَةِ أَنْ يَأْخُذُوا مَعَهُمْ بَعْضَ نسائِهِم وَجَوَارِيهِمْ، فَهَيَّأَتْ هَذِهِ الْحَرْبُ الْفُرْصَةَ للأميرَةِ مَلِيكَةً ، وأَمْكَنَتْهَا مِنَ اللحَاقِ مَعَ وَصِيفَاتِهَا خَلْفَ جَيْشِ جَدِّهَا. ثُمَّ أَنهَا فَعَلْتُ مَا أَمَرَهَا بِهِ الإِمَامُ الْحَسَنُ الْعَسْكَرِيُّ ، وَسَلَكت الطريق الَّذِي أَرْشَدَهَا إِلَيْهِ، فَوَقَعَتْ عَلَيْها طَلَائِعُ جَيْشِ المُسْلِمِينَ وأَسَرَتُها في منطقة تقع في أعالي نهر الفرات.
