رغم هلاك المعتصم وإمبراطور الروم فيما بعد، لم تهدأ المعارك بعد خراب عمورية(1) إذ احتدمت الحروب واتسع نطاقها بين ممالك العرب وممالك الروم في معارك طاحنة امتدت من شمال العراق حتى بلاد الاندلس في أقاصي الغرب(2)..
ملوك يصارعون ملوكا، لا لنشر أديانهم أو الدفاع عنها كما يزعمون، بل للغلبة وطمعا في اتساع رقعة سلطانهم.
ولضمان تعبئة العدد الأكبر لحروبهم، والتي عاده مايكون جنودها من البسطاء والبؤساء من كبقة المسحوقين المعدمين، غلفت تلك الحروب بعناويين دينية تعمية على رعايا الدولتين، وكأنها حرب مقدسة بين المسلمين والمسيحيين، فبدأت سلسلة من الحروب عموداها الدولة العباسية والإمبراطورية الرومية والممالك الدائرة في فلكيهما، امتدت لأزمنة متمادية لاتكاد تقطع، معارك تلو معارك، تارة بين الجيوش، وتارة تأخذ طابع حرب السرايا فيما يشيه حرب العصابات، فلقد كانت حدود النفوذ غير منضبطه تتسع تارة وتضيق أخرى، وتتقلب الولاءات بشكل زئبقي.
وكانت أكثر مسارح تلك التدافعات هي منطقة شمال العراق والشام بما فيها تركيا الحالية، فلم تكن هذه الجغرافية المتشابكة أرض أمن وسلام، بل كانت تفوح منها رائحة الدم والموت، فلقد ملئت بجثث العساكر والمدنيين كما هي عليه اليوم، فالفوضى منتشرة في كل مكان تشبه عصرنا الحاضر، وكأنما التأريخ يعيد نفسه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) دامت المعارك بين العرب والروم لعدة قرون واخذت اشكالا متعدده حتى الاستعمار الحديث.
(2) راجع الكامل في التأريخ من حوادث سنة ٢٢٢ هجرية وما بعدها.
