درس من السيدة حكيمة..
وَهَكَذَا اجتمع الحبيبان تحت سقف واحد يُظِلُّهما، بعد معاناة دامت لسنوات، واجهت فيها الأميرة المقدسة تحديات وأحداثاً بالغة الخطورة، لقد تمَّ الْاِقْتِرَانُ الْمَيْمُونُ الَّذِي نِتَاجُهُ سَيُغَيْرُ مَعَالِمَ الأَرضِ، وَبِكِتمَانِ تَامٌ فِي بَيْتِ الْعَمَّةِ، وَبِعِلْمِ الْخَوَاصٌ وَالْمَأْمُونِينَ عِنْدَ أَهْلِ الْبَيْتِ ، ثُمَّ انْتَقَلَا وَبِطَرِيقَةٍ هَادِئَةٍ إلى منزلهمـاعليهم السلام.
مَضَتْ أيام منذ خروجها من بيت العمة..
فلم تطق السَّيِّدَةُ حَكِيمَةُ فِرَاقَهَا، فاخذت تتردد عليها، فَهِي كَانَتْ لَهَا بِمَثَابَةِ الْبِنْتِ الأنيسة لِأُمِّهَا، أَضِف إلى ذلك أَنَّهَا كَانَتْ تُجِلُّهَا وَتُقَدِّسُهَا تَقْدِيسًا فِي غَايَةِ الْعَظَمَةِ لِمكَانَتِهَا مِنَ الله تَعَالى ومِنْ أَهلِ الْبَيْتِ ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تعالى جَعَلَهَا مُسْتَوْدَعًا لِحُجَّتِهِ عَجَّلَ اللَّهُ فَرَجَهُ الشَّرِيفَ فَلِذَا لَمْ تَترَكْ زِيَارَتَهَا، بَلْ كَانَتْ تَرْتَادُ مَنْزِلَ ابْنِ أَخِيهَا دَوْمَا لِلقَائِهَا ، وَالْإِطْلَاعِ عَلَى أَحوالِ هَذَا الْمَلَاكِ الطَّاهِرِ وَالتَّشَرُّفِ بِخدمتِهَا،
تَقُولُ السَّيِّدَةُ حَكِيمَةُ :
فَكُنْتُ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا دَخَلْتُ عَلَيْهَا تَقَومُ فَتُقَبِّلُ جَبْهَتِي، فَأُقَبِّلُ رَأْسِهَا، وَتُقَبِّلُ يَدَيَّ فَأَقَبِّلُ رجليها، وَتَمُدُّ يَدَهَا إِلى خُفِّي لِتَنزَعَهُ فَأَمْنَعُهَا مِنْ ذَلِكَ، وأُقبِّلُ يَدهَا إِجْلَالًا وَإِكْرَامًا لِلْمَحَلَّ الَّذِي أَحَلَّهُ اللَّهُ فِيهَا ).
أن تنحني السيدة حكيمة عليها السلام - وهي ابنة إمام معصوم وأختُ إمام معصوم وعَمَّةُ إمام معصوم، وَهِيَ سَيِّدَةُ قَوْمِهَا وزعيمَتُهُم - لتقبّل رِجْلَي السيدة المُقَدَّسَةِ و هِيَ مَنْ فِي مَقَامِ ابْنَتِها فَهَذَا درس بليغ جداً، في تبجيل الأولياء وإعزازهم، بِغَضَ النَّظَرِ عَنْ مَكَانَتِنَا وَحَسَبِنَا ومَنْ نَكُونُ، فَهَذَا التواضع الصادقُ النَّاشِي مِنْ صَفَاءِ النَّفْسِ والمَوَدَّةِ الخَالِصَةِ هُوَ مِفْتَاحُ لكلِّ خَيْرٍ، ولذا فإن الله تعالى وفقها لتكون شريكةً فِي ثَوَابِ زَوَاجٍ سَتَكُونُ ثَمَرَتُهُ إِنْجَابَ المُخَلِّص الموعود، الذي بَشَّرَتْ بِهِ كُتُبُ السماء منذ آلاف السنين، وأخبرت أنهُ سَيَرِثُ الأَرضَ ومَنْ عَلَيْهَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(۱) مدينة معاجز الأئمة الإثني عشر السيد هاشم البحراني، ج ۸، ص ٣٤
