الليلة الموعودة:
قالت السيدة حَكِيمَةُ عليها السلام :
وَبَايَتُها في غرفة واحدة(١)، فَغَفَوْتُ غَفْوَةً، ثُمَّ اسْتَيْقَظْتُ فَلَمْ أَزَلْ مُفَكِّرَةٌ فِيما وَعَدَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيه السلام مِنْ أَمْرِ وَلِيِّ اللهِ عَليه السلام، فَقُمْتُ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي كُنْتُ أَقُومُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لِلصَّلَاةِ، فَصَلَّيْتُ صَلَاةَ اللَّيْلِ حَتَّى بَلَغْتُ إِلَى الْوَتْرِ، فَوَثَبَتْ نرجس فَزِعَةٌ، وَخَرَجَتْ وَأَسْبَغَتْ الْوُضُوءَ، ثُمَّ عَادَتْ فَصَلَّتْ صَلَاةَ اللَّيْلِ وَبَلَغَتْ إِلى الْوَتْرِ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ قَرُبَ، فَقُمْتُ لِأَنظُرَ فَإِذَا بِالْفَجْرِ الْأَوَّلِ قَدْ طَلَعَ ، فَتَدَاخَلَ قَلْبِيَ الشَّكُ مِنْ وَعْدِ أَبِي مُحَمَّد عليه السلام.
فَنَادَاها الإمام عليه السلام ابتداء منه، مِنْ حُجْرَتِهِ : لَا تَشُكِّي، وَكَأَنَّكِ بِالْأَمْرِ السَّاعَةَ قَدْ رَأَيْتِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى.
قَالَتْ السيدة حَكِيمَةُ عليها السلام: فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَليه السلام وَمِمَّا وَقَعَ فِي قَلْبِي، وَرَجَعْتُ نحو الغرفة (٢) وَأَنَا خَجِلَةٌ (٣)، فَاسْتَقْبَلَتْنِي نَرْجِسُ تَرْتَعِدُ (٤)، وَقد خَرَجَتْ فَزِعَةٌ ، فَلَقِيتُهَا عَلَى البَابِ(٥)، وضممتها إلى صدري (٦)، فَقُلْتُ: اسْمُ اللَّهُ عَلَيْكِ(٧)
بِأَبِي أَنْتِ وَأُمِّي(٨)، ثُمَّ قُلْتُ لَهَا: أَتِحُسِّين شَيْئاً ؟(٩)
أجابتها الأميرة المقدسة عليها السلام :
نَعَمْ يَا عَمَّة ! إِنِّي لَأَجِدُ أَمْراً شَدِيداً !
فقالت لها السيدة حكيمة عليها السلام:
لَا خَوْفَ عَلَيْكِ إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى(١٠)، اجمعي نَفْسَكِ وَاجْمَعِي قَلْبَكِ فَهُوَ مَا قُلْتُ لَكِ. (١١)
فَصَاحَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَليه السلام إلى عمتِهِ وَقَالَ لها :
اقْرَئِي عَلَيْهَا إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ.
قالت السيدة حكيمة السلام :
فَأَقْبَلْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهَا، وَقُلْتُ لَهَا : مَا حَالُكِ؟
قَالَتْ الأميرة المقدسة السلام :
ظَهَرَ بِيَ الْأَمْرُ الَّذِي أَخْبَرَكِ بِهِ مَوْلَايَ (١٢).
تقول السيدة حكيمة عليها السلام :
فَأَقْبَلْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهَا كَمَا أَمَرَنِي، فَأَجَابَنِي الجنينُ مِنْ بَطْنِهَا يَقْرَأُ مِثْلَ مَا أَقْرَأُ وَسَلَّمَ علَيَّ، فَفَزِعْتُ لَما سَمِعْتُ !
فَصَاحَ بِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَليه السلام :
لَا تَعْجَبِي مِنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُنْطِقُنَا بِالْحِكْمَةِ صِغَاراً، وَيَجْعَلُنَا حُجَّةً فِي أَرْضِهِ كِبَاراً .. (١٣)
فَلَمْ يَسْتَتِمَّ الْكَلَامَ فإذا فجأة غُيِّبَتْ عنها الأميرة المقدسة، تقول السيدة حكيمة عليها السلام:
فَلَمْ أَرَهَا كَأَنَّهُ ضُرِبَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حِجَابٌ، فَعَدَوْتُ نَحْوَ أَبِي مُحَمَّدٍ عَليه السلام وَأَنَا صَارِخَةٌ !
فَالْتَفَتَ الإمامُ أَبو مُحَمَّدِ الْعَسْكَرِيُّ عَليه السلام نَحْوَهَا وَقَالَ:
ارْجِعِي يَا عَمَّةِ، فَإِنَّكِ سَتَجِدِيهَا فِي مَكَانِهَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) الأصل " في بيت واحد"، والبيت في لغة العرب القدماء هي الغرفة في لغتنا الحاضرة.
(٢) الأصل إلى البيت.
(٣) الغيبة للشيخ الطوسي، ص ٢٣٥ ، ح ٢٠٤. (٤) كشف الغمة للعلامة الإربلي، ج ۳، ص ٣٠١. (٥) غيبة الشيخ الطوسي ص ٢٣٥.
(٦) الاصل على باب البيت.
(٧) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، ج ٢ ص ٤٢٨ .
(٨) کمال الدين و تمام النعمة، الشيخ الصدوق، ج ۲، ص ٤٢٥.
(٩) غيبة الشيخ الطوسي ص ٢٣٥.
(١٠) كمال الدين و تمام النعمة، الشيخ الصدوق، ج ٢ ، ص ٤٢٥ .
(۱١) غيبة الشيخ الطوسي ص ٢٣٥.
(١۲) کمال الدین و تمام النعمة، الشيخ الصدوق، ج ٢ ، ص ٤٢٥ .
(١۳) کمال الدین و تمام النعمة، الشيخ الصدوق، ج ۲، ص ٤٢٨ .
(١٤) مثلهم كمثل عيسى عَليه السلام حينما أنطقه الله تَعَالى(فَأَشَارَتۡ إِلَيۡهِۖ قَالُواْ كَيۡفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلۡمَهۡدِ صَبِيّٗا )، مريم الاية(٢٩)
