. تَنَهدَ الشَيْخُ وَقَدِ انْحَنَى صُلْبُهُ وَتَقَوَّسَ مَنْكِبَاهُ وَتَفَنَتْ جَبْهَتُهُ وَرَاحَتَاهُ فَسَبَقَتْ دُمُوعُهُ تَحَشْرُجَ صَوْتِهِ الممتزج ببحة بكاء، وفي وَقَارِ الشَّيْخ الطَّاعِنِ فِي العُمْرِ حَدَّثَ بِشر بن سلمان الأنصاري القِصَّةَ وَقَالَ:
كَانَ مَوْلَانَا أَبو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَسْكَرِيُّ عليه السلام (۱) فَقَهَنِي فِي أَمْرِ الرَّقِيقِ، فَكُنْتُ لَا
أَبْتَاعُ وَلَا أَبِيعُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَاجْتَبْتُ بِذَلِكَ مَوَارِدَ الشُّبُهَاتِ حَتَّى كَمُلَتْ مَعْرِفَتِي فِيهِ، فَأَحْسَنْتُ الْفَرْقَ فِيمَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالحَرَامِ. فَبَيْنَمَا أَنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي مَنْزِلي بِسُرَّ مَنْ رَأَى وَقَدْ مَضَى هَوَى مِنَ اللَّيْل(٢)ِ إِذْ قَرَعَ الْبَابَ قَارِع فَعَدَوْتُ مُسرعاً، فَإِذَا أَنَا بِكَافُورَ الْخَادِمِ رَسُولِ مَوْلَانَا أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الهادي علي، يَدْعُونِي إِلَيْهِ.. فَلبَسْتُ ثيابي وجئت داره واستأذنتُ وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَرَأَيْتُهُ يُحَدِّثُ ابْنَهُ أَبَا مُحَمَّد الحسن
العسكري عليا، وَأُخْتُهُ السَّيِّدةُ حَكِيمَةُ الملاك مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ تسمعُ حديثَهُ (۳). فأشار إلى فجلست بين يديه، فقال لي : يَا بشر، إِنَّكَ مِنْ وُلدِ الْأَنْصَارِ، وَهَذِهِ الْوَلَايَةُلَمْ تَزَلْ فِيكُمْ يَرِثُهَا خَلَفٌ عَنْ سَلَفٍ، فَأَنْتُمْ
ثِقَاتُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَإِنِّي مُزَكِّيكَ وَمُشَرِّفُكَ
بِفَضِيلَةٍ تَسْبِقُ بِهَا شَأوَ الشَّيعَة(٤)ِ فِي الْمُوَالَاةِ
بِهَا بِسِر أَطْلِعُكَ عَلَيْهِ.. ثُمَّ أَطْلَعَهُ الْإِمَامُ الهَادِي عَ عَلَى سِرِّهِ، وَهُوَ إِرْسَالُهُ إِلى بَغْدَادَ فِي مَهَمَّةٍ خَاصَّةٍ، يَسْتَنْقِدُ فِيهَا الْأَميرَةَ الْمُقَدَّسَةَ، لكنَّ الإمام ليلا، لَمْ يُطْلِعَهُ عَلَى حَقِيقَةِ شَخْصِيَّتَهَا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ:
إني أُنْفِذُكَ فِي ابْتياع أمةٍ..
لَمْ يَشَأُ الإمامُ الهَادِي عَلَيْهِ أَنْ يَذْهَبَ بِنَفْسِهِ وَلا أَنْ يُرْسِلَ أَحَدَ الْمَشْهُورِينَ عِنْدَ النَّاسِ أَنَّهُ مَحْسُوبٌ عَلَيهِ أَو المَعْرُوفِينَ بِتَشَيْعِهِم كَيْلَا يُفْتَضَحَ السِّرُّ وَيُعْرَف شَأْنُ الأميرةِ المُقَدِّسَةِ، فَيَدْخُلُ جلاوزة الظَّالِمِينَ فِي مَنْع وَصُولِهَا لِبَيْتِ الإمام للان، ولِـذَا بَعَثَ رَجُلًا هُو مُتَفَفِّةٌ لَمْ يَشَأُ الإمامُ الهَادِي لا أَنْ يَذْهَبَ بِنَفْسِهِ ولا أَنْ يُرْسِلَ أحَدَ المَشْهُورِينَ عِنْدَ النَّاسِ أَنَّهُ تَحْصُوبٌ عَلَيهِ أو المَعْرُوفِينَ بِتَشَيُّعهم، كَيْلَا يُفتَضَحَ السِّرُّ وَيُعْرَفَ شَأْنُ الأميرةِ المُقَدِّسَةِ، فَيَدْخُلُ جلاورَةُ الظَّالِمِينَ فِي مَنْعِ وَصُولِهَا لِبَيْتِ الإمامِ ، وَلِذَا بَعَثَ رَجُلًا هُو مُتَفَقِّهُ وَمَشْهُورٌ فِي شِرَاءِ وَبِيَعِ الإماءِ مِنْ شِيعَتِهِ المُتَخَفَيْنَ، فَتَكُونُ مِهْنَتُهُ غَطَاءٌ لَهُ فِيمَا انْتَدَبَهُ لَهُ الإمامُ ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ فقَّهَهُ الإمام عليه السلام ُ له وَأَعَدَّهُ لهَذِهِ الْمُهِمَّةِ مُند زَمَنِ بِعِيدٍ مِنْ دُونِ أن يَعْلَمَ مَا ادْخَرَهُ لَهُ الإمام عليهالسلام حَقِيقَةٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(۱) العسكري لقب مشترك للإمام علي الهادي الا وولده الإمام الحسن العسكري الان
(٢) يعني زمانا غير قليل.
(٣) كمال الدين و تمام النعمة الشيخ الصدوق، ج ۲، ص ٤١٧
(٤) في بعض النسخ سائر الشيعة»، والشأو مصدر الأمد والغاية يقال فلان بعيد الشأو أي عالي الهمة