الفصل الأوّل.

1.6K 71 36
                                    

2018
في الرابع من ديسمبر، كُتِبَ في مذكراتٍ مهملةٍ في أحدى زوايا الحُجرة الصّغيرة:

لا أدري كم انقضى من الوقت، على آخر مرة كتبتُ فيها هنا، في هذا الدفتر الصغير الذي أجهلُ ماعليّ تسميته.

أنه ليس بمدونة شخصية، وليس بيوميات سعيدة قد أرجع إليها يومًا. هنا أرمي الكلمات دون العودة لألتقاطها ورميّها في أُذني مرّة أخرى.

أنه اشبه بحاويةٍ، حاوية تحوي القمامة التي في رأسي، وتتسرب منها الرائحة الكريهة كلما كتبتُ أكثر.

وأنها تُشبهني إلى حدٍ ما، لا أحد مهتم في العثور عليها، مع أني لا أُخبّئها.

أنها مرمية دومًا في الجوار، ولا ينتاب أحدًا الفضول لما يوجد بداخلها، ربما رائحة سطورها المتعفّنة كانت مرئية دائمًا.

وربما هم يخشون أن تجلب لهم النحس .. مثلما جلبه صاحبها إليهم ..

ففي لحظة مجيئي إلى هذا العالم ..
توّفَتْ جدتي أثر نوبة قلبيّة مُفاجئة.
طُرِدَ أبي من وظيفته.
وطلقَ عمي زوجته.

ليقترن النحس باسمي مدى الحياة، كنتُ الفال السيئ في حياة الجميع.

أدخلتهم في دوامةٍ من الفقر والمعاناة -كما سردت أمي القصة لخالتي- حتى جاء أخي..يعقبني بسنتين.

وأخرجهم من تلك الدوامة المخيفة.
جلب النور إلى الفراغ المظلم الذي أحدثتهُ في حياتهم.

حصل أبي على وظيفةٍ في شركةٍ أرقى، وبراتب عال، مكّنه من شراء سيارة احلامه..وأنتقلنا إلى بيتٍ أكبر وأجمل.

فصار أخي الأصغر، في نظرهم، ترنيمة الحظ الجيّد، ينسبون إليه فَضل كل حدث جيّد يحصل إليهم.

لا زلتُ أذكر يا أبي .. ذلك اليوم، عندما حضنته هو، وصفعتني أنا، رغم أن كِلانا قد رسب.

ولا زلتُ أذكر يا أمي، عندما هرعتُ إليكِ خائفًا من صوت المَطر، ووبختيني قائلة أنني لم أعد صغيرًا، ثم بعد دقائق، دفّئتِ أخي في أحضانكِ.

كل تلك الذّكريات.
تدق في رأسي، كمطرقةٍ قاسيّةٍ على مسمارٍ ليّن.

أنظرُ عبر النافذة، إلى السماء الجميلة، ولا يسعني التحليق، عندما تُقيّد تلك الذكريات أجنحتي، تُخبرني..

أني لست أهلًا لمعانقة السماء.

ولن أكون.
_________________________

توقف عن الكتابة حينما طُرق باب غرفته، لم يكن بحاجة إلى أن يحزر هوية الطارق، فلا أحد يهتم بدخول غرفته سِواه.

Dark Winterحيث تعيش القصص. اكتشف الآن