الفصل الثّالث والعشرون.

877 60 42
                                    

حرّك المفاتيح بكسلٍ غير معهود
يشعر بأن حركته لسببٍ ما كانتْ ثقيلة.

يستمع إلى صرير الباب الخافت
ويأخذ نفسًا عميقًا حينما بدأت معالم المنزل في الوضوحِ
تلك التي غادرها لفترة طويلة.

ثم دلفَ بخطوات بطيئة معدومة الشغف
كان المنزل هو وجهته
والسلام فيه غايته
لكنه لما بلغ نهاية الرحلة سُلب منه حماسته وشغفه، وكل ما كان يحفزه للمضي قدمًا.

تنهد تنهيدة طويلة، وهو يجول بعينيه المكان الذي كان فارغًا بطريقة موحشة، ليس من أثاث، وليس من أشخاص، فها هما زوجته وولده يتبعانه.
لكنه فراغ غريب أحس به يغلف قلبه.

قعدَ على الأريكة وهو لا يكف عن التنهد بين الفينة والأخرى. وذلك من شأنه أن دفع زوجته للتساؤل بقلقٍ انتابها.

"أأنت على ما يُرام؟"

وعى المعني من شروده، ونظر إليها للحظات، يتمعن في سؤالها، لقد بدي سؤالًا غريبًا للغاية في تلك اللحظة، ربما لأنه تلقاه منها تحديدًا، بطريقة ما، شعر بأنه كان هو الذي يجب عليه أن يسأل ذلك السؤال.

دقق النّظر في عينيها، وفي نظراتها، ثم أومأ برأسه بخفة، يرى كيف تلك النظرات اطمأنت قليلًا، وعقدَ حاجبيه بانزعاج اجتاحه.

"يجب ألا تكوني مطمئنة يا ماريانا"

رفعتْ حاجبيها بدهشة من كلماته الغريبة، ونظرت إلى إيان الذي بادلها فورًا، ثم أعادت عينيها نحوه، وسألت: "مالذي تعنيه يا دايفيد؟ لماذا لا أكون مطمئنة؟"

"لماذا عليكِ أن تكوني؟"
رد عليها بسؤال آخر، يزيد حيرتها وتقطيبة حاجبيها.

"لأننا بأمان الآن.. لقد عشنا في قلق من أولئك الجماعة الذين كانوا يلاحقونك يا دايفيد.. لكن ذلك قد انتهى الآن، ولم نعد نواجه أي مشكلة.. أليس هذا كافيًا لأشعر بالاطمئنان؟"

أجابتْ بهدوء، لكن تعبير دايفيد المنزعج لم يزل، وقال ببعض الحدّة غير المقصودة:

"أتنوين التظاهر بالجهل؟ هذا الأمان الذي تتحدثين عنه مدفوع الثمن، وهذا الثمن كان جزءًا منّا.."

وسعت ماريانا عينيها بشكل طفيف، وبدى عليها الانزعاج هي الأخرى "اعتقدت أنك لا تريد ذكر الموضوع ثانيةً"

لانت معالمه قليلًا.. ثم أجابها بتنهدٍ

"هذا الموضوع كان يُدعى آيدن"

"ماذا الآن، دايفيد؟ لماذا تحاول أن تجعلني أشعر بالذنب! لقد كان ذلك قرارك أنت! أنت من كان يتحدث طوال الوقت، أنا فقط كنت صامتة، واتّبع ما تقوله!"

Dark Winterحيث تعيش القصص. اكتشف الآن