الفصل الثَّاني والخمسون.

1K 67 314
                                    

"لا أجيد الطّبخ، لكن أظن أن هذا سيفي بالغرض."

تحدث بينما يضع الطّبق على المنضدة الصّغيرة، بابتسامة اثارت استغراب آيدن من برودهِ، واهتمامه بتلكَ الشّؤون التّافهة في حين هوَ يكاد يمرض بسبب قلقه الشّديد.

فراحَ يُعبّر عما سلبَ منه نومه وهناءه "لكن ماذا لو وجدَ سيلاس أُسرتي؟ هل سيقتلهم؟!"

تنهدَ المعني لِشدة خوف الآخر، فقالَ يحاول جعله يطمأن "لن يجدهم، هم آمنين في مكانٍ لن يخطر لذهن أحدًا منهم، لا تقلق، لن يجدهم، ولن يجدنا. أنت حُر الآن، وإلى الأبد."

تلكَ الكلمات التي ألقاها ..
أخذتْ مأخذها من نفس آيدن
يحاول أن يعي بأنه -وكما ادّعى هذا الأخير- حُر .. لن يتوسط تلك الذّراعين بعد الآن، لن يُبصر تلكَ العينين القاتِمتين، والرّغبة المُخيفة المُتجلية فيهما.

يعاين الهدوء في معالم ذلك الذي راح يُهمهم بذهنٍ مُرتاح وكأنه لمٔ يُهرّبه من سيلاس، وكأنه لمْ يكُنْ سيلقى حتفه على يد سيلاس لمرتين لو لمْ يتدخل هوَ لأنقاذه.

...












بالعودة إلى الرَّابع عشر من فبراير.

تلكَ اللحظة المُتفجرة بالعديد من المشاعر المُنتظرة أو تلكَ التي فُقِدَ الأمل في مجيئها.

ذلك التّواصل البصري العميق، كانَ أعمق من أنه ينظر في عينيه. شعر وكأنما بوسعه أن يبصر ندمه ومأساته، أن يلمس المشاعر، ويسمع النّظرات.

أنه يمحو اللقب الذي نقشه آيدن بدمه
الفكرة التي قبلها بسبب التأثير

أختبرَ احساسًا جديدًا . بعيد كٕل البعد عن المألوف، احساس بالحرية، بالخفة، بأنه رمى عنه ما أثقله لأعوام، مثل أنه عاش يكتم انفاسه، ثم تنفّس، تنفّس اخيرًا. اطلقَ زفيره الطّويل، احساس نقي عند التّنفس، نقي للغاية.

تنهمر الدموع من عينيهِ دون هوادة، دون أذن، ودون سيطرة. حين استمر أبيه في قولِ المزيد، باح بالعديد من الأشياء، وكلها تدعو إلى تبرئتهِ من اثمٍ ثقيل ارغموه على حملهِ.

تحرك آنذاك خطوة إلى الأمام، بنية مُترددة . كانَ وجدانه يرتعد عند ابصاره لتلكَ الدّموع.

دموعٌ نادمة لمْ يحسب بأنه سيلقاها في يوم ما، إذا عاد فقط لمدة زمنية قليلة، فسيكون من العسير عليه تخيل ذلك المنظر وتلك المَلامح وهي تبكي.

كانتْ تلك المرة الأولى التي ينتابه "الأسى" على والدهِ .. ربما لأنه لطالما ارعبته فكرة النّدم، لطالما خافَ منها، ولطالما كره أن يرى أحدهم يشكوها بعينيهِ.

Dark Winterحيث تعيش القصص. اكتشف الآن