حيث تبدأ القلوب بالخفقان

16 3 0
                                    


في غرفة تملؤها الأنوار الدافئة، كانت الضحكات تتعالى وأصوات التهاني تتردد.

"سنة حلوة يا ليلى، سنة حلوة!"
صفقت رودين بحماس، وتألقت الابتسامة على وجهها، بينما كانت روز وزوجها إيلاريوس ينظران إلى ليلى بعينين تملؤهما الحب والامتنان. جلست ليلى بينهما، متوهجة ببساطتها، بينما مسحت روز دموع الفرح عن خديها وقالت بتأثر:
"لا أصدق أنكِ بلغتِ العشرين من عمركِ، يا صغيرتي."

أجابت ليلى بابتسامة دافئة:
"الأعوام تمضي بسرعة، وأنا ممتنة لأنني أقضيها معكم. أشكر القدر الذي منحني هذه العائلة وهذا الأمان، وخاصة صديقة مثل رودين."

مدّت يدها نحو رودين التي لم تستطع مقاومة معانقتها.
"شكراً لأنكِ جزء من حياتي."

كانت الكلمات بسيطة، لكنها حملت في طياتها ذكريات ووعوداً غير مرئية.

بعد انتهاء الاحتفال، عادت ليلى إلى المنزل حيث استلقت على الأريكة بجانب روز وإيلاريوس. كانت تنظر إليهما بعينين تملؤهما امتنان عميق، لكنها شعرت بوطأة الذنب.

لطالما أخبرت رودين أنها عانت من صرامة السيدة روز، لكنها كانت كذبة بيضاء، محاولة منها لتخفيف آلام صديقتها. الحقيقة أن روز كانت تحيطها بحبٍ لا حدود له.

ولكن مهما حاولت ليلى، لم تستطع التخلص من هويتها الحقيقية. كانت أوريليا، أميرة ليبرتا الهاربة، تلك التي ابتلعتها تعقيدات عالمها السحري، لتجد نفسها هنا في عالم البشر، حيث السحر مجرد خيال.

في الحديقة سحرية، كانت ليلى – أو أوريليا – تسعى لتطوير قدراتها السحرية بمساعدة زيف، زميلها المحب للعلم، الذي شاركها اهتمامها بتعويذات الحماية والنقل بين العوالم. ذات يوم، وبينما كانت منشغلة بتحضير تعويذة معقدة، ظهر الرجل الغامض فجأة، لكنه لم يكن وحده.

بجانبه كان يقف شاب من الإيلف. كان طويلاً، بشعر فضي ينسدل بسلاسة على كتفيه كأنه ضوء القمر، وعينين خضراوين بلون الزمرد تحملان بريقاً من الحكمة والعزلة. بشرته الشاحبة المتألقة بدت كأنها تعكس ضوءاً خفياً، وأذناه الطويلتان المدببتان أضفتا على مظهره هيبة وجاذبية نادرة.
"من هذا هل هو طالب جديد لك؟"
تقدّم الشاب بخطوات ثابتة، وانحنى برشاقة أمام ليلى، ممسكاً يدها وقائلاً بصوت ناعم لكنه يحمل قوة غريبة:
"سموكِ، سعيد بلقائكِ."

شعرت بالحرج، لكنها استطاعت أن تسأل بتردد:
"هل تعرف من أنا؟"

ابتسم الشاب بهدوء، قائلاً:
"بالطبع. من غيركِ يملك هذا الجمال الأخاذ؟ أنتِ الأميرة أوريليا، ابنة ليبرتا ووريثة سحرها."

كانت كلماته كأنها تعيدها إلى هويتها الأصلية، إلى اسمها الحقيقي الذي لم تسمعه منذ سنوات.

----
في الأيام التي تلت اللقاء، بدأ ليون، الشاب الإيلفي، وأوريليا العمل معاً على فهم الحاجز السحري الذي يربط عالم البشر بليبرتا. رغم جدية عملهما، كانت هناك لحظات صامتة، مليئة بالنظرات التي تكشف عن شيء أكبر من مجرد زمالة.

ذات ليلة، جلسا في حديقة القصر تحت أضواء النجوم. تحدث ليون بصوت هادئ لكنه حمل عمقاً لم تعهده أوريليا:
"أوريليا، هل تساءلتِ يوماً عما يعنيه أن تكوني شخصاً عادياً؟"

نظرت إليه بتردد، ثم أجابت بصوت خافت:
"قبل أن أتي إلى هنا، كنت أتساءل عن ذلك يومياً. لكن في هذا العالم، تعلمت كيف أعيش بعيداً عن الألقاب والقيود. هنا، اكتشفت معنى الحرية والبساطة، وتعلمت ما يعنيه أن أكون إنسانة."

ابتسم ليون، ونظر إلى السماء وكأنه يفكر في شيء بعيد:
"أتمنى لو أتمكن من رؤية هذا العالم الذي تتحدثين عنه، لكن شكلي كإيلفي يجعلني هدفاً سهلاً."

ضحكت أوريليا بخفة وقالت:
"الأمر ليس مستحيلاً. يمكننا القول إنك متنكر، وإذا سنحت الفرصة، سأخذك بنفسي إلى هناك. إنه مكان جميل سيعجبك."

أجابها بابتسامة صادقة:
"يسرني ذلك."

---
بعد أيام من العمل والتقارب، حدثت اللحظة الفارقة. كانا يجلسان تحت شجرة ضخمة في الحديقة، محاطين بهدوء الليل وضوء القمر الذي أضاء ملامحهما. تحدث ليون بصوت خافت، لكنه كان يحمل دفئاً وصدقاً لا تخطئه الأذن:
"أوريليا، أريد أن أكون صريحاً معك. عندما أتيت إلى هنا، لم أكن أتوقع أن أجد شيئاً يستحق البقاء من أجله. لكن الآن... أجد نفسي أريد البقاء بجانبكِ."

ارتبكت أوريليا، لكنها شعرت بدفء غريب في قلبها. حاولت أن تقول شيئاً، لكن الكلمات خانتها.

واصل ليون بابتسامة مطمئنة:
"أتعلمين؟ لم أكن أعتقد يوماً أنني قد أعجب بإنسانة. لكنكِ... مختلفة. أنتِ أكثر من مجرد أميرة، أكثر من مجرد بشرية. أنتِ استثنائية."

تغلغلت كلماته إلى أعماقها، وأدركت أنها لم تكن تشعر بالوحدة كما كانت تعتقد. ليون لم يرَ فيها الأميرة، بل الإنسانة.

---
وهكذا، بدأت شرارة الحب بين الأميرة والإيلفي، حبٌ تحدى الفوارق بين العوالم، وبدأ يرسم ملامح قصة ستغير حياتهما إلى الأبد.

أمانيثا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن