كانت أوريليا تستند برأسها إلى جدار العربة المريح، محاطة بهدوء غريب يُثقل الأجواء. كل شيء من حولها بدا مألوفًا بشكل مقلق، لكنها لم تستطع تذكُّر كيف وصلت إلى هنا. بجوارها، جلست فتاتان ترتديان زي الخدم الملكي الخاص بليبرتا. إحداهما مالت نحوها وهمست بخفوت:
"سموكِ... هل أنتِ بخير؟"رفعت أوريليا نظرها نحوها، عيناها الواسعتان ممتلئتان بالحيرة:
"هاه؟ من أنتما؟ أين أنا؟"ظهرت علامات الدهشة على وجه الخادمة، التي بادرت بالرد بارتباك:
"سموكِ، ماذا تقصدين؟"حدقت أوريليا عبر نافذة العربة، حيث امتدت الطبيعة بجمالها الصامت. الغابات والوديان كانت ترسم مشهدًا مذهلاً، لكن داخلها كان مشوشًا. وضعت يدها على رأسها الذي ينبض بألم كالسكاكين، تحاول استرجاع آخر ذكرياتها. كان والدها ووالد ليون... يجرانهما إلى ظلام مجهول. وبعدها؟ الفراغ.
"إلى أين نحن ذاهبون؟" سألت بصوت خافت، بالكاد تسمعه نفسها.
أجابت الخادمة بهدوء حذر: "إلى أمانيثا، سموكِ. ستتزوجين الأمير أورفين."ترددت الكلمات في ذهنها كصدى في كهف فارغ. أمانيثا؟ زواج؟ كانت الذكريات تتصارع مع واقعها. الألم في رأسها ازداد حدة، كما لو أن عقلها يرفض الحقيقة. أمسكَت بطنها بتوتر، شعور مألوف بدأ يتسلل إليها؛ ذلك الإحساس الذي شعرت به بعد الليلة الأولى مع ليون. شيء جديد وُلد في أعماقها، لكنه كان غارقًا في الضباب.
---
في الكوخ البسيط، جلست أوريليا تراقب أورفين النائم على كرسي خشبي متواضع. بدا متعبًا، خطوط القلق مرسومة على وجهه رغم السكون. همست بصوت لا يكاد يُسمع:
"شكرًا لك."خرجت بخفة، لتجد زيف ينتظرها في الخارج. عيناها التقتا بعينيه القلقتين.
"هل أنتِ بخير؟" سأل بصوت خافت.
"نعم، لكن... ذاكرتي مشوشة. لا أتذكر سوى أجزاء. كيف وصلت إلى هنا؟ أين ليون؟"انحنى زيف قليلاً، كأنما يثقل عليه الحديث:
"لا أعرف كل شيء. ذلك الرجل الغريب طلب مني مساعدتك. بالكاد استطعت إرسال تلك الرسالة إليك ."نظرت أوريليا نحو الأفق، حيث بدت مدينة أمانيثا تلمع كالسراب، الغابة المحيطة بها بدت كأنها تحرس أسرارًا أبدية. قالت بحزم:
"علينا الرحيل من هنا."---
عادا إلى الحديقة، ليجداه بانتظارهما. كان الرجل يقف بثبات، يحمل بين يديه قطًا رمادي اللون. نظر إليهما بنظرة تفيض بالغموض، وقال بابتسامة باردة:
"يا للخسارة... ضحيتِ بكل قوتك الثمينة من أجله."تقدمت أوريليا نحوه بخطوات مشحونة بالغضب، صوتها يقطر حدة:
"لم يكن لدي خيار آخر! أخبرني بما حدث!"أطلق الرجل ضحكة خافتة، ثم فرقع أصابعه. في لحظة، سقط زيف على الأرض مغشيًا عليه.
"لِمَ فعلت هذا؟!" صرخت أوريليا بانفعال، عينها ترمش بتوتر.
رد بصوت هادئ، كما لو كان يتحدث عن طقس يوم عادي:
"عودي إلى حيث كنت تعيشي . هذا المكان لم يعد يناسبكِ."ارتعدت أوريليا، تصرخ بغضب مكبوت:
"كف عن الألغاز! أين ليون؟ ولماذا لا أستطيع تذكُّر ما حدث؟ ماذا حدث؟"اقترب منها الرجل، نظراته كأنها تخترق أعماقها. قال بهدوء قاتل:
"أنقذي حياة طفلكِ. إن علموا بوجوده، لن يتركوه."شهقت بدهشة، الكلمات تخترقها كالصاعقة: "من؟ الإيلف؟ أبي؟ أخي؟ تحدث بوضوح!"
تراجع الرجل خطوة إلى الوراء، عينيه تزدادان برودًا.
"المشاعر معقدة يا أوريليا. الحب يبدأ جميلًا، لكنه يمكن أن يتحول إلى سم. أنا آسف ما كان علي إحضاره إلى هنا... لكن هذا كل ما يمكنني قوله."لم تستطع أوريليا السيطرة على غضبها، قبضت على ثيابه، تهزّه بعنف:
"أين ليون؟! أخبرني!"لكن الرجل لم يرد. وضع يده على عينيها بلطف غريب، وقبل أن تدرك ما يحدث، غاصت في نوم عميق.
---
"أمي...؟""ليلى، استيقظتِ أخيرًا."
فتحت عينيها لترى مربيتها روز تجلس قربها، تمسح جبينها بحنان. الدموع انهمرت بغزارة على خدي أوريليا.
"أمي..."ضمتها روز إلى صدرها، تهمس بصوت مطمئن:
"كان مجرد كابوس، يا صغيرتي. أنا هنا. كل شيء بخير."

أنت تقرأ
أمانيثا
Fantastikفي عالم من الخيال، تجد رودين نفسها تواجه واقعها القاسي بعد معرفتها بمرضها وفقدان صديقتها العزيزة. تُخبرها الأسطورة عن "أمانيثا"، المدينة التي يُزعم أنها تحقق الأماني المدفونة. لكن هل هي حقاً مدينة الأماني، أم أن فيها أسراراً أعمق؟ تنطلق رودين في رحل...