فتحت رودين عينيها، على وقع ألم قاتل يقرع رأسها كأمواج متلاطمة، الصوت الوحيد الذي يصل إلى أذنيها هو صرير الآلات الطبية التي تحيط بها. تنفست بصعوبة، وحاولت التركيز على سقف المشفى الأبيض الذي أضاءه نور خافت، لكن ذكريات بعيدة بدأت تتسلل إلى عقلها، واحدة تلو الأخرى، كأشباح حية، لكن ببطء شديد، كما لو أنها كانت تلتقط خيوط الذاكرة المتناثرة.
رفعت رأسها ببطء، وألم جسدها يكاد يكون لا يحتمل. كانت في مشفى، مربوطة بأجهزة معقدة. دخلت عليها ممرضة، وعندما رأت حالتها، ارتبكت وحاولت إخفاء قلقها، ثم أسرعت في ندائها على الطاقم الطبي. نظرت رودين حولها، عيناها تحملان هواجس الخوف، جسدها ينقض عليه الضعف، وعقلها مشوش، كمن يتنقل بين العوالم دون أن يعرف أين هو.
دخل الطبيب ليباشر فحصها، لكنها لم تسمع سوى كلمات مبهمة. كانت عيناها زائغتين، تبحثان عن شخص واحد فقط، والدموع تتجمع في عينيها لتسقط بغزارة. همست بصوت مرتجف، ملؤه الألم: "أورفين، أين هو؟ أين الجميع؟"
"رودين، كيف تشعرين؟ أخبريني،" قال الطبيب بنبرة هادئة، محاولاً تهدئتها.
لكنها كررت بنبرة أكثر ارتجافًا: "أورفين... أين هو؟ أين؟"
"آنستي، لقد اتصلنا بعائلتك، هم في طريقهم إليك. لا تقلقي، لكن أخبريني... هل تذكرين ما حدث؟"
كان السؤال يعمق الألم في قلبها، وكأنها لا تستطيع أن تتذكر شيئًا واضحًا، سوى الوجع والفراغ. حاولت أن تجيب، لكنها لم تجد كلمات تعبر عما في قلبها. "أذكر؟" همست، وكأنها تتهجى الذاكرة: "آه، أرجوك، أين أنا؟ كيف وصلت إلى هنا؟ أورفين، ليفيانا، زيف... أين هم؟"
"آنستي، رجاءً، هدئي من روعك،" قال الطبيب محاولاً تهدئتها.
لكنها كانت تذرف الدموع، وكأنها طفلة تائهة في عالم غريب، والجزء الوحيد الذي يهمها هو أن تجد أورفين. كانت كلماتها ممزوجة بالخوف والندم: "آه أورفين، لقد قضى عليه ذلك الوحش... آه، يجب أن أعود! لا يمكن لهذا أن يحدث، أرجوك، لا..."
حاول الطبيب والممرضات السيطرة عليها، لكنها قاومت بعنف، قلبها ينفطر من الوجع، جسدها يرتجف من الحزن، بينما حاولوا تهدئتها.
وفي تلك اللحظة، دخلت والدتها مسرعة إلى الغرفة، وعينها غارقتان بالدموع. "رودين، ابنتي!" همست، ثم تقدمت إليها، لكن رودين لم تكن تستطيع فهم ما يحدث حولها. كانت عيناها غارقتين في الضياع.
"أمي..." نظرت إليها بإستغراب عميق، وكأنها لا تستطيع إدراك ما يحدث. "أمي، أين أورفين؟ أين هو؟"
"أورفين؟!" سألت الأم بصدمة. "من هو؟"
تسللت يد رودين إلى كتفي والدتها، وعيناها مملوءتان بالخوف: "أمي، يجب أن أعود حالًا... أريد أن أراه. أين هو؟"
ثم نظرت إلى الطبيب والممرضات وكأنهم كائنات غريبة تحيط بها. "أورفين، يجب أن أعود إليه، أرجوك، أعدني، يجب أن أعود..."
محاولات الأم لتهدئتها باءت بالفشل، فركضت الممرضة نحو الطبيب، وهمس: "أحضري إبرة مهدئة بسرعة."
لكن رودين لم تستطع التوقف عن التمرد. "ابتعدوا عني! دعوني أذهب! يجب أن أذهب إليه! لا تلمسوني!" كانت كلماتها تنفجر كالعواصف، متألمة ومرتبكة.
وحينما اقترب والدها، بدا عليه الصدمة من هول ما يحدث. "رودين، ابنتي، ما الذي تفعلينه؟ لما كل هذا؟"
نظرت إليه بعيون يملؤها الهلع، وعينها تبحث عن شيء غائب، "أورفين، أريد أن أراه، أرجوك، أعدني إليه. أبي، أرجوك، أعدني إليه!"
في تلك اللحظة و لأول مرة في حياته، ضمها والدها إليه بحنان لم تشعر به من قبل. "اشش، حسنا، اهدئي... كل شيء سيكون بخير. والدك هنا، لا تبكي،" همس مطمئنًا، لكن صوته كان مشحونًا بمشاعر الضعف والقلق.
انهارت رودين في حضنه كطفلة صغيرة، بكاءها يملأ الغرفة مثل موجة عارمة. "أبي، آه، أبي..."
ومع مرور اللحظات، بدأت عضلاتها تسترخي، وكأنما الألم بدأ ينحسر ببطء. غطت في نوم عميق، وعقلها المرهق وجد السلام، ولو للحظة، في عالم من العتمة.

أنت تقرأ
أمانيثا
Viễn tưởngفي عالم من الخيال، تجد رودين نفسها تواجه واقعها القاسي بعد معرفتها بمرضها وفقدان صديقتها العزيزة. تُخبرها الأسطورة عن "أمانيثا"، المدينة التي يُزعم أنها تحقق الأماني المدفونة. لكن هل هي حقاً مدينة الأماني، أم أن فيها أسراراً أعمق؟ تنطلق رودين في رحل...