1- أمنية تحت المطر
أطلق العم فتحى صيحة انتصار .. فقد نجح أخيراً فى إشعال قطع الخشب المتمردة وإجبارها على التوهج لبث الدفء فى غرفته الصغيرة الباردة .. جلس قبالتها وراح يفرك كفيه معاً مستمتعاً بدفء الحرارة التى سرت فى أوصاله المتجمدة ..
ولكن أين باسل ؟
هتف يناديه فلم يسمع استجابة .. كرر نداءه بصوت أعلى فأجابه الصمت مجدداً .. أيعقل أن يكون قد ذهب وسط ذلك الطقس العاصف .. هكذا بين الأمطار الغزيرة .. لا شك فى كونه قد جن حقاً هذه المرة ..؟!
تطلع إلى النار أمامه وحرك رأسه فى أسى قبل أن ينهض مرغماً للبحث عنه .. فتح الباب فرآه واقفاً تحت المطر المنهمر وقد رفع وجهه نحو السماء وبسط ذراعيه إليها متمتماً بدعاء خافت لم يصل مسامعه ..
صاح مندهشاً وهو يلتصق بجدار الغرفة محتمياً بسقفها من البلل :
- باسل .. ماذا تفعل يا ولدى ؟
صاح الفتى دون أن يستدير إليه :
- سمعت أن أبواب السماء تفتح مع سقوط المطر .. سوف أسألها أمنياتى وأحلامى ربما تسمعها وتلبيها هذه المرة
- السماء مفتوحة كل الوقت أيها الأحمق ..تعال الآن .. سوف تصاب بالتهاب رئوى إن بقيت على هذه الحال مدة أطول
أجابه باسل فى لا مبالاة :
- لكنها لم تستجب لى من قبل
تحرك الرجل ساخطاً ليمسك به ويجذبه إلى الداخل عنوة .. أزاحه فى قوة لا تتناسب مع سنه الذى تجاوز الستين قبل أن يغلق الباب قائلاً :
- يبدو أنك جننت بالفعل هذه المرة ..!
أطلق باسل تنهيدة طويلة وتطلع إليه فى مرارة صامتاً .. ما الذى يمنعه من الجنون وكل ما يحيط به يدفعه إليه دفعاً .. ليس متشائماً بطبعه .. لم يولد يائساً .. ولكنهم من يغتالوا أحلامه ما أن تصل ذروتها .. يزرعوها فى أعماقه ويتركوها لتنمو وتزهر ولكنه ما أن يمد يده ليحصدها حتى يقتلعوها من جذورها ويلقوا بها عبثاً فى أنانية واستهانة .. يتركوها لتجف وتتيبس ثم يدفنوها بأحذيتهم القذرة وكأنها لم تكن ..
ربت الرجل على كتفه قائلاً :
- اخلع عنك هذه الملابس قبل أن تصاب بالمرض
بقى كالصنم بلا حراك فما كان من الرجل إلا أن راح ينزعها عنه بنفسه .. أحضر منشفة وراح يجفف بها عضلاته المفتولة من حديد وهو يثرثر فى مسامعه بعشرات الكلمات المشجعة .. من حقه أن يغضب فهو الأجدر بالفعل على المنافسة .. ولكن ليس إلى الحد الذى يجعله يؤذى نفسه .. أين ذهبت روح المقاومة التى لطالما تحلى بها ؟!
أنت تقرأ
فى قبضتى .. جائزة كتارا 2019 كاملة
Romanceتطلع إلى نفسه في المرآة ساخطاً : ما جدوى كل هذه العضلات المفتولة إن كانت المرأة الوحيدة التي يريدها لا ترى فيه رجلاً ..؟!