56

6.1K 437 206
                                    


تطلعت إليه فى تمرد فلوح بأصبعه محذراً قبل أن يغلق عليها الباب ويذهب ليستعلم عن الطارق .. لم تستطع التحكم فى فضولها رغم توصياته ورغم معاناتها فى الحركة .. تقدمت فى بطء وفتحت الباب لتتطلع إليه خلسة .. وما أن عرفت زائرته حتى رفست الأرض بقدمها المصابة حتى تأوهت ألماً

ابتسمت لارا وهى تلقى بنفسها بين ذراعيه فى حميمية قائلة :

- حبيبى ...

وهو لم يعترض بل ضمها إليه وربت على ظهرها فى ود قبل أن يغلق الباب ويقودها للداخل .. لا تبدو المرة الأولى التى تزوره فيها ..

جذبها إلى غرفة أخرى لم يأخذها هى إليها .. بل ألقى بها كجوال من القش وحدد إقامتها بين هذه الجدران ليخلو له الوقت مع عشيقته الجديدة .. لم يدعها حتى تكمل طعامها الذى لم تمسه بعد .. ألا يعلم بأنها مصابة وجائعة وفى حاجة ماسة لاهتمامه ورعايته ؟

جلست لارا على مسند كرسيه متجاهلة الكرسى الآخر الذى أشار لها به .. همست وهى تزداد التصاقاً به :

- هل لديك مبرر منطقى تفسر به جنونك ليلة أمس ؟

تطلع إليها فى دهشة وما لبث أن ابتسم فى لامبالاة ما أن فهم مقصدها فأردفت فى عصبية :

- كان يمكن لهذه الفتاة البائسة أن تنتظر حتى ينتهى البرنامج ثم ننقلها معاً للمشفى

- وماذا لو ساءت حالتها أكثر ؟

- الطبيب فعل ما يلزم لأسعافها مؤقتاً فلماذا تصر على تضخيم الأمور ؟

- هل أزعجهم ذهابى كثيراً ؟

- بالطبع أزعجهم .. ألديك شك فى هذا ؟ أنت تعلم بأنهم أتوا خصيصاً من أجلك

- ومن أجلك أنت أيضاً

برقت عيناها وامتدت أصابعها لتداعب خصلاته المبللة هامسة :

- ما اسم كريم الشعر الذى تستخدمه ؟

ابتسم فى توتر وأزاحها بلطف لينهض قائلاً :

- سأحضر لكِ شيئاً تشربينه

تشبثت بذراعه وهتفت فى هدوء لا يخلو من السخط :

- إلى متى ستتجاهل إحساسى بك ؟ تعلم بأننى أحبك ومستعدة لفعل أى شئ تريده حتى ترضى عنى وتبادلنى حبى .. سوف أعتزل المصارعة إن كانت هذه رغبتك .. وسوف أعتذر عن دورى فى الفيلم أيضاً إن كان هذا ما يزعجك .. أنا لا أريد سواك .. أنت فقط يا باسل

تنهد فى عمق قائلاً :

- لارا .. الزواج أخر همومى

- وهل تعتبر زواجك منى هماً ؟

- لا أقصد هذا بالطبع .. لكننى حقاً لا أفكر بالزواج حالياً

- لماذا ؟ ألا تشتاق لطفل على الأقل .. مصارع صغير ووسيم يشبهك ؟

ضحك فى عصبية وعض على شفتيه وهو يتذكر ليون .. هذا الذى تمتمت باسمه بلا وعى .. ابنها من باولو .. أتراه يشبه والده هو أيضاً ؟

راقبته فى يأس وهو يتحول إلى أسد جريح يدور حول نفسه .. نوبة تلازمه من وقت لآخر ولا تدرى لها سبباً .. فقط تعلم بأنه حينما يصاب بها يصبح لا جدوى من الحديث معه ...

تحرك آلياً إلى الثلاجة الصغيرة فى إحدى زوايا الغرفة .. فتحها وأخرج منها علبة معدنية من المياه الغازية لم يكلف نفسه عناء صبها فى كأس قبل أن يقدمها إليها .. ولم يحضر لنفسه علبة مثلها ليشاركها الشراب بينما يحادثها .. وكأنه يتعجل الخلاص منها .. اهتمامه كان شيئاً من واجب الضيافة لا أكثر ..

مضت فترة من الصمت قبل أن تعاود الحديث فى موضوعات تعلم بأنه يفضل التحدث فيها .. السينما والدعاية والمصارعة الحرة ..

نهضت أخيراً لتذهب فنهض معها .. تسمرت عيناها طويلاً فوق وجهه فابتسم فى ارتباك قبل أن يغمغم :

- سعدت بزيارتك

- أحقاً ؟

- بالطبع يا لارا .. تعلمين أنك صديقة عزيزة إلى قلبى

أطلقت تنهيدة محمومة وابتعدت بخطى واسعة قبل أن تبكى وتتوسل مجدداً ..أهدرت من كبريائها ما يكفى وطرحت عشقها تحت قدميه فداسه غير عابئ بها .. تبعها صامتاً إلى باب الشقة .. الغضب أغشى عينيها فتعثرت وكادت أن تسقط أرضاً لولا أسرع ليمسك بها ..

شعر بتلصص ندى عليهما مجدداً فضم لارا إلى صدره بقوة .. لا يدرى إن كان فعلها إشفاقاً على تلك الأخيرة أم انتقاماً من تلك المستبدة التى تصر على امتلاكه وعبوديته للأبد ؟

شعر بتأنيب الضمير عندما لمعت عينا لارا وهى ترمقه فى عدم تصديق قبل أن تعاود الهمس فى مسامعه بكل عبارات العشق الذى تحمله له .. أخيراً ذهبت راضية تحمل آمالاً عاودت وصلها بعد أن مزقها

أغلقت ندى الباب واستندت بظهره محبطة .. لن تفتح له عندما يأتى .. لن تقبل اعتذاره .. لن تصفح عنه أبداً مهما قدم من مبررات .. خيانته كانت أكبر من أن تتخيلها

طال انتظارها حتى آلمتها ساقها المصابة فتهالكت أرضاً .. لم يأت وأدركت بأنه لن يأتى .. لا يبدو أنه يشعر بالذنب نحوها .. لا يشعر بخيانته لها .. عشقه لـ لارا أصبح أمراً يخصه وحده ولا يحتاج له تصريحاً منها

غادر المنزل دون أن يمر بغرفتها ليطمئن عليها ولو مجاملة لواجب الضيافة الذى تكفل به .. فكرت بالمغادرة هى أيضاً .. ولكن إلى أين يمكنها أن تجر ساقيها ؟ لن تتمكن من الابتعاد طويلاً قبل أن يصل إليها ويسترجعها موبخاً ..

والأدهى إن لم يسأل عنها وتجاهلها ..!


فى قبضتى .. جائزة كتارا 2019 كاملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن