9- وماذا بعد ...؟!
كانت صدمة عاتية عندما أخبره أحد المسئولين بالداخل أن باب الترشح للمسابقة قد أغلق أمس .. إن أراد التقدم فعليه الانتظار حتى العام القادم .. حاول جاهداً أن يقنعهم بظروفه الطارئة التى منعته من التواجد فى وقت أبكر بلا جدوى .. حتى تقدم سنوات عمره التى قد تمنعه من الترشح لهذه المسابقة مستقبلاً لم تؤثر فى قرارهم الذى وجده متعنتاً إلى حد كبير ..
أطلق العنان لغضب أحكمه طويلاً فتحول إلى إعصار راح يجرف كل ما حوله ومن حوله .. خرج على إثر صراخه رجلاً أشقر الشعر والبشرة بصحبة آخر أسودهما من إحدى الغرف الجانبية التى كانت مغلقة .. ساد سكون لا يخلو من الرهبة قبل أن يتساءل الأشقر فى غطرسة عن سر الضجة التى هزت جدران مكتبه ..
لم يكن فى حاجة إلى ذكاء ليستنج أن هذا الأشقر الغاضب هو كبيرهم .. ولكن من يكون هذا الأسود الصامت .. يبدو أن سواده لا يقتصر على ملامحه الخارجية فقط .. من الواضح أن قلبه وأفكاره بلون أدكن من وجهه العابس
حاول باسل أن يبدأ مع الأشقر حواراً عله يستجيب لمعاناته ويقدر حاجته الماسة للحاق بأخر محطات القطار .. لكن لغته الهزيلة لم تمكنه من التواصل معه طويلاً فأطلق تنهيدة يائسة تاركاً الشرح للمحيطين به
اقتربت ندا فجأة من الرجل وراحت تتحدث معه فى طلاقة وما لبث حديثهما أن تحول إلى حميمية تعجب لها باسل .. كان يعلم التأثير القاتل الذى تتركه كلماتها الممزوجة بنظراتها الشهدية على كل من تتعامل معه .. جربه من قبل .. خورشيد أيضاً لم يسلم منه .. فهل يسلم منه هذا الغريب ؟!
انتابه الغضب عندما تمادى الرجل وداعب وجنتها مبتسماً .. قاوم رغبة تدعوه للبدء فى جولة مفتوحة لمصارعة هذا الأشقر الكريه .. لو لم تكن هى الملامة وهى من تستحق العقاب لفعلها دون تردد ولتذهب المسابقة للجحيم
ولكن ما الذى يغريها لتملق أمثاله .. لماذا تميل دائماً للعجائز وكبار السن .. تارة خورشيد وتارة هذا الأشقر الوقح .. ؟! لم يرها يوماً تتقرب لشاب فى مثل عمرها بهذا الصوت الناعس والأهداب المسدلة ..!
ربما قتل والدها فى سن مبكر فولد فيها حرماناً لا يشبعه سواهم ..!
تضاعف غضبه عندما استدار الأشقر إلى زميله الأسمر مبتسماً فبادله الآخر ابتسامته فى تهكم .. لو تفهم هذه المعتوهة بأنهما يسخران منها ومن إسلوبها المبتذل ما كانت حطت من قدرها وقدره لهذه الدرجة .. أهى ذاتها من حذرته من التسول منذ قليل .. لماذا لم تقدم لنفسها ذات النصيحة ؟
عاد الأشقر ليمسك بذقن ندى قائلاً فى صوت دافئ استنفذ ما تبقى لـ باسل من رصانة :
- حسناً يا جميلتى سأمنحه الفرصة من أجلك
استدار إلى باسل بعدها وقال آمراً :
- اخلع ملابسك لنرى قوتك العضلية التى تتحدث عنها صديقتك
تطلع إليه باسل فى تذمر ولكنه ما لبث أن شرع فى خلع ملابسه رغبة فى إرهابه لا نيل رضاه .. فهو لم يعد يرغب فى الاشتراك بهذه المسابقة .. عندما انتهى من خلع ملابسه لم تكن لتلك السخرية فى عيونهم أثراً .. بل تبدلت اهتماماً .. خاصة من ذلك الأسمر المتهكم الذى كان أشدهم سخطاً واستياءً
ابتسم الأشقر قائلاً دون أن يرفع عينيه عن باسل :
- ما رأيك يا أوسكار ؟
لم يبادله الأسمر حتى ابتسامته بل اقترب من باسل وراح يتفحص عضلاته فى تمعن وكأنه يتأكد من حقيقتها .. وأخيراً هز رأسه راضياً .. فاتسعت ابتسامة الأشقر وهو يقترب من ندى هامساً بكلمات لم يسمعها باسل ولكنها زادته جنوناً بلغ ذروته عندما تلألأت عيناها سعادة لإطرائه .. ضحكت ملء شفتيها وشبكت أصابعها العشرة بأصابعه فى حماسة وحميمية .. وكأنها تعرفه منذ زمن ..
هذا الوقح تطاول كثيراً .. وهى استعادت عهراً ظنها تخلصت منه مؤخراً .. هل قررت أن تتخذه بديلاً لـ خورشيد ؟
استدار ذلك الوغد ووجه حديثه إليه وكأنه لاحظ وجوده أخيراً :
- ادفع قيمة الاشتراك وسجل اسمك فى الكشف .. من الجيد أننا لم نرسل الكشوف النهائية بعد
كان باسل قد انتهى من ارتداء ملابسه مجدداً .. اقترب ليسحبها بعيداً عنه قائلاً فى لا مبالاة :
- ليس معى ما يكفى لتسديد قيمة الاشتراك
- ماذا ؟
تطلعت إليه ندى فى شك ولكنه استمر فى سحبها بعنف لمغادرة المبنى غير عابئ باعتراضها بينما صاح أوسكار على غير توقع :
- انتظر .. سأدفع أنا قيمة اشتراكك
- وأنا لم أعد أريد الاشتراك
صمت أوسكار فى صدمة انعكست على وجه ذلك الأشقر لتشفى شيئاً من غليل باسل بينما أسرعت ندى تسحب ذراعها من قبضته وهى تصرخ به مستنكرة :
- هل جننت ؟ الفرص الحقيقية لا تتكرر أيها الثور الغبى
كاد أن يصفعها ولكنها تصرفت كالبرق .. وضعت يدها بين ملابسه وانتزعت محفظته لتخرج منها هويته .. قدمتها للموظف قائلة :
- سجل بياناته
استدارت بعدها إلى الرجلين الذين وقفا يراقبانها فى مرح وابتسمت قائلة :
- متى تريدان منه الحضور ؟
هتف أوسكار فى حماس :
- صباح الغد
كافئتهما بعشرات القبلات فى الهواء قبل أن تسحبه كـ ثور حقيقى لتغادر المبنى غير عابئة بنظراته النارية التى تلتهمها فى غضب
ربما كانت محقة بالفعل .. فالفرص الحقيقية لا تتكرر .. وأمامه فرصة حقيقية الآن .. وعليه أن يستغلها .. فهذه العاهرة أرخص من أن يضحى بفرصته من أجلها
أنت تقرأ
فى قبضتى .. جائزة كتارا 2019 كاملة
Romanceتطلع إلى نفسه في المرآة ساخطاً : ما جدوى كل هذه العضلات المفتولة إن كانت المرأة الوحيدة التي يريدها لا ترى فيه رجلاً ..؟!