11- لن تنسى ...
عاود السير بخطوات واسعة حتى لا تختفى عن عينيه فتتعرض لمكروه .. وصلا أخيراً إلى محطة أخرى للحافلة .. ولكنها بدت مهجورة كسابقتها .. فردت جسدها على المقعد الوحيد الموجود فيها وألصقت وجهها بظهره المرتفع .. لم تلتفت له عندما لحق بها بل غطت رأسها بذراعها وكأنها لا تريد رؤيته ولا حتى طيفاً يصيبها ظله .. أزاح ساقيها قليلاً ليفسح لنفسه مكاناً بجوارها متوقعاً أن تهاجمه كعادتها ولكنها ظلت ساكنة حتى غفت بالفعل ..
استند برأسه على ظهر المقعد واستسلم لغفوة هو أيضاً .. شعر بها بعد فترة تحرك قدميها فى تملل خلف ظهره فاستيقظ جزعاً قبل أن يدرك حقيقة الوضع حوله .. تمطى فى كسل وراح يحرك عنقه مراراً ليتخلص من تصلب أصابه بسبب نومه بهذا الشكل المزعج
سحبت قدميها واعتدلت فى جلستها وهى تجاهد لتتحاشى نظراته التى تسمرت فوقها فى مزيج من الغضب والعتاب .. قال أخيراً :
- هل كنت تحبينه لهذا الحد ؟
- نعم .. وحذار أن تتحدث عنه بالسوء ثانية
لوى شفتيه فى تهكم ولم يعلق .. ما الذى يأمله منها لمجرد كونها أهدته باقة من الورود مصادفة ؟
فقط لأنها لم تجد سواه لتهديها له ...
تأخر الوقت وتبدد معه الأمل الأخير فى العثور على حافلة ركاب تنقلهم من حيث أتيا .. عليهما الانتظار هنا حتى الصباح .. وضع يده فى ملابسه ليخرج الشطيرة منها وقدمها لها قائلاً :
- تناولى هذه حتى تشعرى بالدفء
تمعنت فى ملامحه التى اضاءها القمر قبل أن تنكس رأسها صامتة .. تنهد قائلاً :
- هل سأبسط يدى هكذا للأبد
- لا أريد .. تناولها أنت
- لست بجائع
- لكنك لم تتناول شيئاً يذكر منذ الصباح
- تناولت ما يكفينى .. هيا خذيها يدى بدأت تؤلمنى
- مادمت مصراً .. دعنا نتناولها معاً
- حسناً .. اقتربى
تقدمت فى حماسة لتلتصق به فراح يطعمها فى سعادة مكتفياً بتقبيل الشطيرة بعد كل قضمة تخطفها منها .. وكأنها لاحظت بأنه بالكاد يمسها بشفتيه فهتفت ساخطة :
- أيها المخادع .. أنت لا تأكل شيئاً
ابتسم فى حنان هامساً :
- ستمتلئ معدتى عندما تأكلينها أنتِ
ابتلعت ريقها فى ارتباك وازدادت التصاقاً به لتسند رأسها على صدره قائلة :
- هيا ابتلع ما تبقى منها بسرعة لتحكم قبضتك حولى .. أشعر بالبرد
توقفت أنفاسه لحظات قبل أن يبتلع قطعة الشطيرة دون أن يتذوقها .. فتح أزرار معطفه الطويل ليخبئها داخله ففعلت ضاحكة .. راحت تدلك يديها فى صدره فأشعلته كعادتها دون أن تدرى .. همس فى انفعال :
- لا أثر للبرد الآن
هزت رأسها موافقة فراح يمرر أصابعه بين خصلاتها ويبث أنفاسه الملتهبة فيها حتى غفت تماماً .. ازدادت قبضته ضغطاً وحناناً وهو يضمها فى تملك ورجاء .. تطلع إلى السماء فى أمنية لم يجرؤ على النطق بها .. ابتسم عندما خيل إليه أن نجومها تزداد بريقاً وتوهجاً .. وكأنها تغمز له مهنئة ...!
استيقظ فى الصباح الباكر على تغريد الطيور ورقصها فى سعادة فوق الأشجار من حوله .. داعب شعرها حتى فتحت عينيها فى كسل وتطلعت إليه فى عبوس طفلة استيقظت مرغمة .. قبل جبينها وبين عينيها حتى ابتسمت وابتعدت لتخرج من معطفه .. احتضنت نفسها لتتخلص من القشعريرة التى سرت فى جسدها قائلة :
- يا إلهى .. شعرت بالبرد فجأة
هو أيضاً شعر بالبرد ولكنه خلع معطفه ليدثرها به رغم اعتراضها .. خلعته عنها بعد قليل وأعادته إليه قائلة :
- ما رأيك فى الركض قليلاً ؟
- هيا بنا
وصلا بعد فترة قصيرة إلى محطة ركاب جديدة .. لم تكن عامرة ولكنها كانت أكثر صخباً هذه المرة .. تطلعا إلى أول شاب وقع عليه بصرهما فى سعادة من لم ير بشراً منذ سنوات .. ضحكا عندما أسرع الشاب يركض هرباً من جنونهما .. هتفت مبتسمة :
- جسدك الضخم هو ما أرهبه
- جسدى أم نظراتك الهيستيرية نحوه ؟
- ليست نظراتى بالطبع
توقفا عن العراك عندما لمحا الشاحنة عن بعد فأطلقت صيحة انتصار أسرعا بعدها ليواصلا الركض للحاق بها .. تنفس الصعداء أخيراً وهو يسترخى فوق مجلسه بجوارها .. رمقته بابتسامة واسعة وهى تهتف :
- كانت ليلة لا تنسى
- نعم .. لن تنسى أبداً
انتوا كمان متنسوش حبايبنا ....
شير
كومنت
تصويت
مع تحياتى
أدمن علا
أنت تقرأ
فى قبضتى .. جائزة كتارا 2019 كاملة
Romanceتطلع إلى نفسه في المرآة ساخطاً : ما جدوى كل هذه العضلات المفتولة إن كانت المرأة الوحيدة التي يريدها لا ترى فيه رجلاً ..؟!