53

5.5K 402 98
                                    


فرشت الجرائد والمجلات التى اشترتها مؤخراً فوق سريرها وراحت تقبل صوره وتبثها أوجاعها وإحباطها .. لازال الوحيد الذى تستطيع أن تتحرر معه من تكتمها .. فكبرياؤها يمنعها من الشكوى إلى ميلا رغم بوادر الصداقة التى بدأت تتعمق بينهما

ميلا زميلتها فى العمل وشريكتها الجديدة فى هذه الشقة الصغيرة التى استأجرتاها مناصفة فى منزل باولو .. هو من دلها عليها وهو أيضاً من وفر لها فرصة العمل فى مصنع ليون للملابس الجاهزة .. منذ قرارها الذى اتخذته بالبعد عن باسل وهى تعمل معه ومع ميلا فى ذلك المصنع .. وكذلك كانت ساندى .. رفيقتها السابقة ولكنها تزوجت العام الماضى وتركت العمل والسكن معها ..

ليون لص وجشع ولكن باولو كان محقاً .. لولا راتبه الضئيل لربما كانت تتسول بالفعل

بدأت تشعر بالجوع .. من المفترض أن ميلا هى المسئولة عن الطهى مقابل أن تتولى هى ترتيب المنزل وتنظيفه .. نهضت ولملمت كنزها لتضعه فى خزانة ملابسها .. لم يتبق مكاناً آخر فوق الجدران الأربعة لتلصق فوقه المزيد من صوره .. لو كان الأمر بيدها لعلقتها فى الردهة أيضاً ...

نظرت إلى ساعتها وزفرت ساخطة .. ميلا تأخرت كثيراً فى نزهتها مع صديقها الجديد .. ماركوس .. الرجل الثالث فى حياتها فى أقل من عام واحد .. لم تكن هى وميلا تتشاركان فقط العمل والمسكن .. بل تتشاركان أيضاً الحظ السئ ذاته عندما يتعلق الأمر بالحب

فتحت الثلاجة وتتطلعت إلى بقايا الطعام متأففة .. ولكن لا مفر .. عليها أن تسخنها وتتناولها مجبرة .. ليت خورشيد يشعر بها الآن .. قتل نفسه حتى يوفر لها مستقبلاً أفضل وها هى مضطرة لسد جوعها بفضلات كادت أن تتعفن .. حتى الخدم فى منزلهم ما كانوا ليرضوا بتناول هذه القمامة ..!

وضعت الطبق فوق الطاولة الصغيرة وحركت ملعقتها داخله فى تذمر قبل أن تملأها وترفعها إلى فمها متقززة .. طرق أحدهم الباب فأسرعت كطفله لتفتحه .. لعلها ميلا عادت ومعها شيئاً أفضل يصلح للأكل ..

تأوهت محبطة عندما طالعها وجه باولو الذى قطب حاجبيه فى دهشة قائلاً :

- هل تضايقك رؤيتى لهذا الحد ؟!

- ظننتك ميلا

ابتسم فى خبث قائلاً :

- ليست أجمل منى كثيراً على أية حال .. ماذا تفعلين ؟

أفسحت الباب ليدخل وهى تشير لطعامها قائلة :

- كنت سأبدأ فى تناول الطعام .. يمكنك أن تأكله إن شئت

- ماذا بكِ ..؟ أنت لست على ما يرام

- معدتى تؤلمنى جوعاً .. وأخشى أن تؤلمنى أكثر بعد أن ألتهم هذا

ضحك باولو قائلاً :

- حسناً تعالى معى .. والدتى أعدت لنا غداء فاخر .. أرز ولحوم وخضروات متبلة رائحتها شهية جداً

غمغمت فى امتنان :

- أشكرك .. بالصحة لكما

- كفى مكابرة وتعالى معى .. مضى وقت يكفى لأعرفك جيداً أيتها المتعجرفة .. كم ملعقة استطعت بلعها من هذا الطبق ؟

- إن كنت عرفتنى حقاً كان يجب أن تذهب وتوفر إلحاحك .. أنا لن آتى معك مهما.....

- حتى لو أخبرتك بأن مصارعك الوسيم سيكون على الهواء بعد دقائق قليلة ..

نظرت إليه فى شك فتطلع فى ساعته وأردف :

- ربما بدأ البرنامج بالفعل الآن

*****

جلست على الأريكة فى شقة باولو وتعلقت عيناها بشاشة التلفاز فى ولع وتوحد ضاعف من مخاوف مضيفها بشأنها .. إدمانها لهذا الفتى ليس صحياً أبداً .. نصحها مراراً بالتعقل حتى لا تتعرض لصدمة مستقبلاً ..

ميلا أيضاً طلبت منها أن تبحث لها عن رجل يناسبها عسى أن يتزوجها ويقتسم معها حياتها وعبئها الثقيل حتى يكونا لهما أسرة كبقية البشر

يحذرانها من عاقبة افتتانها بذى القبضة الوسيم .. ينصحانها بالعودة إلى أرض الواقع وترك النجم اللامع فى سمائه .. كلاهما لا يعلمان أن قبضته الحديدية كانت يوماً ملكاً لها ...

نهضت ما أن انتهى اللقاء التليفزيونى معه .. بالكاد تناولت القليل من الحساء الشهى الذى قدمته لها والدة باولو رغم استنكاره ورغم إلحاح المرأة الكريمة عليها بتناول المزيد .. عادت إلى شقتها وتوجهت إلى غرفتها شاردة .. ميلا لم تعد بعد ولكنها ما عادت تشعر بالجوع ..

أخرجت ما تبقى معها من نقود .. بالكاد يكفيها لرحلة جوية أخرى بلا مأوى .. لكنها لا تملك إلا أن تحضر ذلك اللقاء .. لا تستطيع مقاومة فضولها القاتل لرؤيته عن قرب .. سيكون فيه على سجيته بلا عنف ولا لكمات ولا دماء .. لقاء مفتوح معه فى بث مباشر على الهواء مباشرة .. الدعوة متاحة لكل معجبيه الراغبين بالحضور

ماذا سيفعل لوعلم أن رحلاتها المنتظمة لحضور مبارياته أينما ذهب هى ما استنفذت رصيدها كاملاً ..؟ بالكاد اشترت منه ماكينة حياكة صغيرة بعد إلحاح من ميلا كى تعلمها كيف تنفذ تصميماتها بنفسها ..

*****


فى قبضتى .. جائزة كتارا 2019 كاملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن