تنبه على صوتها الغاضب ما أن ابتعدا عن المبنى :
- لم أكن أقصد أن تتمادى لهذا الحد .. كدت أن أصدقك أنا أيضاً
لم يلتفت إليها فتابعت فى عصبية :
- ماذا لو لم تسعفنى ذاكرتى بذلك الحل السريع لالتقاط هويتك ؟ لكنت خسرت كل أحلامك التى تتشدق بها
تطلع إليها وزفر صامتاً فأردفت فى دهشة :
- لا تقل بأنك لست سعيداً ..!
غمغم فى تهكم دون أن ينظر إليها :
- تكفى سعادتك
- نعم .. أنا سعيدة جداً .. وجائعة أيضاً .. أين البيتزا التى وعدتنى بها .. لن أتنازل عن ......
قبل أن تكمل عبارتها كان قد أخرج كل ما يمتلكه من نقود وقدمها إليها قائلاً :
- ها هى نقودك .. اشترى بها ما شئتِ
- باسل .. ماذا حدث ؟
أبعد وجهه المكتئب ولم يجبها .. فعادت تثرثر فى دهشة :
- ثم أن هذه النقود كثيرة جداً .. لماذا لم تدفع رسوم المسابقة بنفسك ؟
استدار إليها صائحاً :
- لأننى لن أشترك فى هذه المسابقة .. أرنى إذاً كيف ستسحبيننى غداً كالثور إلى هناك رغماً عنى
ضحكت فى مرح قائلة :
- أهذا إذاً ما يغضبك ؟ لأننى نعتك بالثور أمامهم .. لم أكن أقصد أهانتك .. كنت مستاءة من تهورك فحسب .. ثم أننى قلتها بالعربية ولن يفهمها سوانا
حدق فيها مستنكراً فاتسعت ابتسامتها واقتربت لتقبل وجنته ولكنه أزاحها عنه فى تقزز قائلاً :
- لستُ كهلاً بما يكفى لأنال رضاكِ
قطبت حاجبيها وتطلعت إليه فى تساؤل فأردف فى ضيق :
- ظننك اتعظت بعد كل ما حدث لـ خورشيد
- ما الذى تريد قوله ؟
- وكأنك طفلة لا تدرى ما تفعله ..!
- كنت أريد مصلحتك ليس إلا .. كل ما فعلته كان لأجلك
- ومن قال بأننى أريد مساعدتك ؟
- باسل ..!
أمسك بكتفيها وهزها فى عنف صارخاً :
- بماذا وعدت ذلك الوقح حتى يقبل انضمامى للمسابقة ..؟ ما هو ثمن الفرصة التى منحها لى ؟
صفعته فى قوة لم يتوقعها منها قبل أن تعدو لتصعد إلى إحدى حافلات الركاب التى توقفت فى محطة بالقرب منها .. عندما استوعب الأمر كانت الحافلة قد أغلقت أبوابها وتحركت مبتعدة .. أسرع يشير ساخطاً لإحدى سيارات الأجرة وطلب من السائق تتبعها ..
ما أن توقفت الحافلة فى محطتها التالية حتى طلب من سائق السيارة التوقف وأسرع يغادرها ليلحق بها .. هدأت رجفتها ما أن رأته لكنها أشاحت بوجهها عنه .. اغتصب ابتسامة وهو يمسك بذراعها هامساً :
- تعالى معى
- كلا .. لا أريد معرفتك بعد الآن
- ندى .. لن نتعارك هنا .. الركاب يتطلعون إلينا
- ابتعد عنى إذاً
عاودت الحافلة التحرك فعض على شفتيه غيظاً .. من الجيد أن الجالس بجوارها كان متفهماً فترك له مقعده مبتسماً .. بادله ابتسامته فى امتنان وجلس مكانه مرغماً .. عبثاً حاول إقناعها بضرورة مغادرة الحافلة لكنها لم تلتفت إليه .. وكأن حواسها توقفت فجأة لم تعد تسمعه أو تجيبه .. حتى لسانها السليط خرس على عكس عادته وكأنه اكتفى بذاءة وأعلن توبته فجأة
تنفس الصعداء عندما علم أن المحطة التالية ستكون الأخيرة .. تطلع بصبر نافذ إلى المقاعد الخالية من حوله .. لم يعد هناك سواهما وزوج آخر طاعن فى السن .. راح يعد الدقائق حتى توقفت الحافلة فكان أول من غادرها بينما كانت أخرهم .. ربما لتزيده غيظاً ..
رفعت رأسها وتجنبت النظر إلى وجهه وهى تتخطاه عمداً لتتوغل بين أشجار لا يعلم إلى أين تنتهى .. زفر بصبر نافذ وهم للحاق بها عندما أمسك أحدهم بكتفه من الخلف ملقياً على مسامعه بسيل من الشتائم والوعيد .. استدار ليلكمه ولكنه تراجع ما أن عرف هويته .. كان سائق سيارة الأجرة .. معذور لو ظنه لصاً هرب قبل أن يدفع أجرته
غمغم معتذراً ووضع يديه فى جيوب ملابسه يبحث عن بعض النقود ليقدمها له ولكنه لم يجد إلا القليل من العملات المعدنية محدودة القيمة .. والرجل قد تبعه لمسافة طويلة وفى عزيمة يحسد عليها ..!
تذكر أنه منحها كل ما معه فحاول اللحاق بها مجدداً ولكن الرجل عاود التشبث به كالعلقة .. هتف يناديها ساخطاً :
- ندى .. ندى .. أنا فى حاجة ماسة لبعض النقود لأحاسب سائق الأجرة
استدارت لتطلع إليه فى شماتة قبل أن تعاود السير مجدداً .. فهتف فى مزيد من السخط :
- لا تكونى حمقاء .. ربما يسجنوننى بهذه الطريقة
صاحت دون أن تنظر إليه :
- حسناً يفعلون
أزاح الرجل العالق به فى غضب أسقطه أرضاً وأسرع الخطى ليمسك بذراعها فى حدة صارخاً :
- كفى مزاحاً ودعينى أسدد للرجل ماله
- ومن قال بأننى أمزح معك ؟! هذه نقودى وأنا لن أعطيها لك .. يكفى أن رصيدى فى البنك باسمك
- أنا لا أريد رصيدك سأعيده لكِ .. فقط امنحينى الآن بعض العملات القليلة
حدقت فيه غاضبة قبل أن تخرج النقود على مضض .. سحبت القليل منها لتقذف به فى وجهه قائلة فى غطرسة :
- سدد دينك واشتر بما تبقى شطيرة رخيصة تشبع بها جوعك أيها المتسول
أغمض عينيه غيظاً قبل أن يلتفت ليتطلع غاضباً إلى السائق الذى لحق به مجدداً .. منحه نقوده متغاضياً عن نظرات التهكم التى ملأت عينيه ممزوجة بابتسامة ساخرة ذات مغزى رفضت رجولته أن تعترف به ..
لم يكن ينقصه سوى هذا المعتوه وظنونه الكريهة ..!
أنت تقرأ
فى قبضتى .. جائزة كتارا 2019 كاملة
Romanceتطلع إلى نفسه في المرآة ساخطاً : ما جدوى كل هذه العضلات المفتولة إن كانت المرأة الوحيدة التي يريدها لا ترى فيه رجلاً ..؟!