5- تعويض ..!
حذرها لحظة خروجهما من الفندق أن الطقس ينذر بعاصفة ودعاها لتعويض نزهتها لاحقاً ولكنها كعادتها لم تنصت له .. كل ما فعلته هو أنها عادت إلى غرفتها وأمرته فى غطرسة أن ينتظرها .. عادت بعد لحظات ترتدى معطفاً للمطر ..
السحب الرمادية كست الأفق كاملاً .. مراكز التسوق التى خرجت من أجلها بدأت فى غلق أبوابها قبل الموعد المحدد لها .. وليتها اتعظت .. لازالت تريد السير فى الطرقات بلا هدف واضح يهدئ البركان الذى يغلى داخله ..
باريس .. بلد الجن والملائكة كما يلقبونها .. ازداد الطقس سوءًا وهطل المطر غزيراً مصحوباً بعاصفة شرسة تزداد ضراوة لحظة تلو أخرى .. فهربت الملائكة وتركوه وحده معها ..
لا يبدو عليها أنها تكترث كثيراً للأمر .. ولماذا تفعل وهى ترتدى معطفاً للمطر وتتدثر بقبعته بينما ابتل معطفه الصوفى حتى أمطر هو أيضاً .. احتضن نفسه بذراعيه يلتمس دفئاً فازداد برودة حتى كاد أن يتجمد
هتف بصوت هزمه المطر وزوابعه فخفف من وطأته :
- نانا هانم .. علينا أن نعود الآن
وكأنها لم تسمعه استمرت فى تهورها .. بل ازدادت جنوناً ونزعت القبعة عن شعرها الأحمر فبدت كالشعلة الملتهبة وسط الثلوج التى بدأت تنهمر فوق رأسيهما فى شراسة فاقت شراستها ..
كطفل مشرد أبله راحت تطارد حبات الثلج .. رفعت وجهها للسماء مستمتعة بصفعاتها فوقه وهى تستنشق رائحتها فى نشوة محروم جائع ..
كل من عاشره يعلم بأنه يمتلك أعصاباً أكثر صلابة من عضلاته الفولاذية التى عذبته قبل أن تعذب خصومه .. يشهدون له بكونه خير من يحكم نفسه ويروضها فى أشد المواقف تفتيتاً للصخور ..
حتى ولو كان قد فقد صبره مؤخراً فهو معذور .. يكفى ما تعرض له من خداع لخمسة أعوام متتالية استنفزت كل قدراته على الصبر والتحمل ..
على أيه حال ها هو قد نال جزاء تهوره بأسرع مما يتخيل .. وكأن الزمن كان يترقب هفوته وينتظر لحظة طيشه ويتلهف لمعاقبته ..
فى حكم عاجل لا استئناف له .. رماه أسيراً فى قبضة هذه المجنونة وعشيقها المستبد ...
زفر غاضباً وهو يراها ترقص وتدور حول نفسها غير مبالية .. لو لم يكن مجبوراً لتركها وذهب وحده قبل أن يلقى حتفه معها .. عاد يهتف بصوت جهور :
- نانا هانم .. الطقس أصبح لا يحتمل
قالت دون أن تنظر إليه :
- اخرس
فكر فى حملها إلى الفندق عنوة .. ما الذى يمكنها أن تفعله به أكثر مما تفعله الآن .. أمسك ذراعها فى شئ من القسوة فاستدارت نحوه ورفعت وجهها إليه فى غضب صارخة :
- ماذا تفعل أيها الأحمق ؟
أجفل لحظات وابتلع ريقه جزعاً .. المساحيق السوداء والحمراء التى تلطخ بها وجهها سالت مع المطر لترسم فوق ملامحها صورة أكثر بشاعة مما رسمها هو فى مخيلته لها .. حولتها إلى جنية بالفعل ..!
استعاد جأشه قائلاً فى حسم أدهشه قبل أن يدهشها :
- إن لم تأتى معى الآن .. سأعود بمفردى
لم يكن ينقصها سوى عينيها التى احمرت غضباً وهى تهتف :
- لا زلت عصياً إذاً .. كان خورشيد محقاً عندما أخبرنى بأنك تتملقنى لا أكثر .. حذرنى منك مراراً ولكننى لم أتعظ
تتطلع إليها صامتاً .. لم يدهشه كون داهية مثل خورشيد سبر أغواره واكتشف رغبته المكبوتة فى الانتقام منهما معاً وليس منها فقط .. ما أدهشه هو كونه استأمنه وحده على حمايتها دوناً عن سائر رجاله .. رغم كل شكوكه وظنونه به..!
أتراه حقاً يثق فى قسمه إلى هذا الحد ..؟!
أشار لإحدى سيارات الأجرة فتوقفت بجوارهما .. فتح بابها وانحنى يشير لها بالدخول فى لياقة مزيفة زادتها جنوناً بينما همس :
- تفضلى يا سيدتى
راقبته فى عدم تصديق وهى تغمغم :
- وماذا لو رفضت .. هل ستذهب وحدك بالفعل وتتركنى هنا ؟
أجابها بلا تردد :
- نعم
لم تستمر فى مجادلته طويلاً بل صعدت إلى السيارة ساخطة متوعدة كعادتها كلما غضبت .. هذا الوقح .. استغل وجودها وحيدة معه فى هذا البلد الغريب ليذلها ويجبرها على طاعته .. ولكن هيهات لو ظنها سوف تستسلم لخنزير مثله ..
غمغمت فى قهر :
- أيام قليلة ويلحق بنا خورشيد إلى هنا .. سأطلب منه أن يقتلك بالفعل هذه المرة .. لن تفلت بفعلتك هذه أبداً
تنهد صامتاً ولم يعلق .. إن كان خورشيد يمتلك عقلاً فيجب عليه أن يشكره لا أن يوبخه .. بفعلته لم ينج بحياته فقط .. بل أنقذها هى أيضاً من الإصابة بالتهاب رئوى مؤكد .. تطلع من زجاج السيارة بحثاً عمن يراقبهما كما أخبره فى الهاتف ولكنه لم ير أحداً .. داهية مثله لن يسقط فى هفوة كهذه .. لن يترك رجاله فى مرمى بصره بالطبع .. ولكن رجاله سوف يخبرونه بما حدث للتو .. وهو سوف يعقلها بالتأكيد وسيعلم أنه لم يخطئ
ولكن .. إن كان خورشيد يمتلك عقلاً بالفعل ما كان سقط فى عشق مجنونة مثلها منذ البداية .. الرجال عادة يفقدون عقولهم عندما يتعلق الأمر بالنساء .. خاصة عندما يقعون فى العشق .. وخورشيد يعشقها .. يستطيع أن يقسم رغم قلة خبرته بأمور العشق والهوى أن هذه الشيطانة هى نقطة ضعفه الوحيدة
الشئ الجيد الذى صدق فيه شفيق هو تحذيره له من مكرهن .. كانت الحسنة الوحيده بين كل مساوئه ...
توقفت السيارة فأسرعت تغادرها .. عبرت بوابة الفندق كزوبعة رعدية سقطت مع المطر .. شكلها المرعب جذب أنظار الموجودين فى الردهة فأجفلوا كما فعل هو منذ قليل .. ابتسم مرغماً عندما تنبهت لنظراتهم المستنكرة وهمساتهم وابتسامتهم التى لم ينجحوا فى كبتها فزادتها عدوانية وغيظاً
حمد الله كونهم لا يفهمون اللغة العربية حتى لا يترجموا سبابها ولعناتها التى انهمرت فى كل الاتجاهات بعنف يضاهى السيول خارج الفندق
أنت تقرأ
فى قبضتى .. جائزة كتارا 2019 كاملة
Romantikتطلع إلى نفسه في المرآة ساخطاً : ما جدوى كل هذه العضلات المفتولة إن كانت المرأة الوحيدة التي يريدها لا ترى فيه رجلاً ..؟!