ارتجفت عندما تحول بريق النصر فى عينيه إلى بريق آخر أكثر تدميراً قبل أن ينحنى كالمسحور ليحكم قبضة شفتيه حول شفتيها .. استمر ينهل منهما طويلاً حتى همست بصوت مختنق :
- كفى
ابتعد عنها بالسرعة ذاتها التى قبضها بها بينما تحركت بخطوات واهنة لتجلس فوق أحد المقاعد المتناثرة حولها .. دفنت وجهها بين كفيها مستنكرة نزوتها غير المتوقعة ومع من .. مع باسل ..؟!
تنبهت إلى صوته على بعد خطوات منها قائلاً :
- لا أدرى كيف فقدت السيطرة على نفسى لهذا الحد ..! ولكن أعدك بأن هذا الأمر لن يتكرر مستقبلاً
قالت بنبرة هادئة تعجب لها :
- ربما حان الوقت لنذهب
غمغم فى تلعثم :
- نعم .. هيا بنا
جلسا يتمللان فوق المقعد الوحيد فى تلك المحطة المهجورة .. يبدو أن الحظ أبعد ما يكون عنهما فى هذه الساعة .. هل قرر القدر أن يمضيا ليلتهما وسط هذا العراء ؟ ثم ماذا عن معدتها التى أوشكت على ابتلاع نفسها جوعاً ؟
تطلع إليها فى إشفاق وهو يراها تمسك ببطنها ألماً .. إن كان هو يجيد حشو معدته .. فوجبات العصافير التى تتناولها لا تصمد طويلاً .. جوعها يؤلمه أكثر من جوعه ولكن ما الذى يملكه ليفعله لها ؟!
لملمت الشمس شعاعها الأخير فالتفتت إليه قائلة :
- يبدو أن الحافلة لن تأتى .. ماذا سنفعل الآن ؟
- لو كان الأمر بيدى لقطعت المسافة سيراً إلى محطتها التالية
- أنا لن أستطيع
- أعلم
مضت فترة من الصمت قبل أن تسأله فى يأس :
- هل سنبيت ليلتنا هنا ؟
- ما رأيك ؟
- لكننى أتضور جوعاً .. ثم ماذا عن موعدك مع أوسكار فى صباح الغد ؟
- دعكِ من أوسكار الآن ولنهتم فقط بأمر معدتك
تطلعت إليه فى امتنان أشبع بعضاً من جوعها .. أجفلت عندما سحبها فجأة قائلاً :
- تعالى معى
- إلى أين ؟
هتف وهو يشير إلى أضواء خافتة تنبعث من نافذة بعيدة :
- سنطلب المعونة
- هل تقصد بأننا سنبدأ التسول ؟
- نعم
- وماذا لو اعتقدونا لصوصاً ؟
- هل لديك حل آخر ؟
- كلا
- اصمتى إذاً واتبعينى
عندما وصلا إلى المنزل المنشود كانت قواها قد خارت تماماً وكادت أن تسقط إعياءً لولا أحاط خصرها ليمنعها من السقوط مؤقتاً .. إنهاكها الشديد لم يترك له مجالاً للتردد فأسرع يطرق الباب .. وربما فى شئ من العنف أيضاً
مضى الوقت من دون استجابة فعاود طرقه بعنف أكبر .. صرخت والتصقت به فزعة عندما فتح الباب فجأة لتطل منه فوهة بندقية تبعها صوت خشن لرجل أربعينى ذو ملامح أكثر خشونة :
- من أنتما .. وماذا تريدان ؟
ربت باسل على ذراعها ليطمئنها قبل أن يوجه حديثه إلى الرجل قائلاً :
- نحن غريبان هنا .. أتينا للتنزه فى هذه المنطقة وكنا نريد العودة من حيث أتينا .. ولكن الحافلة تأخرت عن موعدها
ظل الرجل يرمقه صامتاً وكأنه ينتظر أن يسمع المزيد حتى يعرف ما المطلوب منه .. فأشار باسل إلى ندى فى رجاء قائلاً :
- صديقتى مرهقة و.....
- كان يتوجب عليك معرفة المزيد عن المنطقة قبل أن تتورط فى المجئ إليها .. لو سألت مسبقاً .. لكنت علمت أن وسائل المواصلات فيها محدودة جداً
- أعلم بأننى أخطأت ولكن ....
قاطعه الرجل فى حسم قائلاً :
- عذراً .. لم أعتد أن أسمح للغرباء بالدخول إلى منزلى
هم أن يغلق الباب مجدداً ولكن باسل أزاحه ليمنعه من غلقه مما جعل الرجل يسارع بنزع صمام الأمان متأهباً للدفاع عن نفسه فعاودت الصراخ بينما أشار له باسل كى يهدأ قائلاً :
- مهلاً .. إن تكرمت فقط.. امنحنا بعض الطعام حتى نستطيع مواصلة السير لأقرب محطة تتوقف عندها الحافلة
تطلع إليهما الرجل فى ريبة وما لبث أن أغلق الباب فى وجهيهما دون مقدمات .. لم يمنعه باسل هذه المرة .. بل زفر فى ضيق وهو يتطلع إليها فى عجز لم يشعر بمثله من قبل .. الفزع الذى أصابها به ذلك الأبله من دون قصد زادها إنهاكاً فجلست مرغمة على بعد خطوات من المنزل .. مسح على شعرها فى حنان محاولاً حثها على الصمود بعبارات واهية عن العزيمة والتحمل .. كلمات جوفاء لا معنى لها ولا صدى حتى فى أعماقه .. خاصة وأن الطقس بدأ يزداد سوءاً
أنت تقرأ
فى قبضتى .. جائزة كتارا 2019 كاملة
Romanceتطلع إلى نفسه في المرآة ساخطاً : ما جدوى كل هذه العضلات المفتولة إن كانت المرأة الوحيدة التي يريدها لا ترى فيه رجلاً ..؟!