الفصل العشرون

334 11 23
                                    

حين تتصدع قشرة الحقيقة تدرك بأن قوتك الوهمية قد تخلت عنك بأكثر وقت تحتاجه بها فـ ليس هناك أصعب من التخلي وقت الألم، التنازل وقت الحاجة وبالطبع الكره وقت ذروة الحب.

ليس لمخلوق سوانا أمر التدخل على صنع ما نريده، نؤمن بالحلم فـ نعمل على تحقيقه، نود العمل فـ نلجأ إلى تراكم شهادات تثبت أننا نمتلك من الخبرة ما عجز الغير على تحقيقها.

"جميعنا سطور بحياة بعضنا"
حقيقة لطالما أنكرتها لكن اليوم ثبتت فاعليتها بقدرة فائقة، بالرغم من معنى الاحتواء الذي يغلف الكلمات بعضها ببعض إلا أنها لا تعبر عن العجز الذي يغلف أرواحنا بمجرد شعور العجز الذي يسيطر على أنفسنا المتهالكة.

جلست بخنوع على الأرضية الصلبة تشاركها حزنها، اليوم عاد المغترب لكن شتان ما بين ذهابه وعودته، شارد معظم وقته لا يخرج من شقته إلا للضرورة القصوى.

جلست بخضوع وهي تسأل حالها هل ما ناله ما هو إلا ضريبة لما فعله مع حياء وتخليها عنها؟! بالرغم من قسوته السابقة إلا أنها تعشقه، احتفظت بمكونات قلبها حتى اليوم وما عاد يعنيها ان اكتشف ذلك.

جففت دموعها حينما استمعت لطرقات على الباب يليه صوت والدتها والتي أخبرتها بفرحة عن زيارة ابن خالتها الذي ربما سيعفنها أكثر بكثير ان أخبرته بمكنون مشاعرها البريئة نحوه، استأذنت والدتها بتبديل ثيابها والخروج لتجلس معه قليلًا.

رغم أنها لا تريد ذلك إلا أنه بعد القليل من الوقت كانت جالسة أمامه، ابتسم بمرح لا يختبره إلا معها هي ليقول بهدوء
"كيف حالك نيا"؟!

أخذت نفس عميق وزفرته على مهل يليه ابتسامتها  الشاردة التي أثارت الريبة داخله لتقول بشرود
"صهيب عاد".

كالملدوغ من أفعى سامة ولازال يتألم بالرغم من مرور الكثير على لدغتها إلا أنه يعاني من ويلات سمها ليقول بغضب هادر
"ماذا؟! لِم عاد ثانية؟! حياتنا بدأت تأخذ مسار إيجابي نحو الفرحة التي اقتطفها منذ زمن"
تبع كلماته بضرب قبضته على الطاولة أمامه لتنتفض بفزع قبل قولها الحزين

"هتان توفيت".
"ماذا"؟!
قال كلماته بفزع وجلس ثانية بحزن غير مستوعب ما يحدث، وكأن طاقته احترقت بكلمات صديقته القليلة التي تحرق ما تبقى من خلايا هدوئه باشتعال أعصابها.

"ماذا"؟!
قالها مرتين بموقفين مختلفين ولازال يجهل حقيقة قوله لكن شتان الفرق بين ماذا الأولى والثانية، إحداهما مستنكرة والأخرى متفاجئة وهو بينهما يتلوى بلوعة الألم.

حمحم بهدوء ليقول بعدم استيعاب وكأنه قد أتى فقط ليسأل
"كيف حدث هذا"؟!
قالها بشرود تبعه تنهيدتها الثقيلة وكأنها تخرج مع يعتمل صدرها من ألم حتى تهنأ
"لا أعلم طارق لكن استمعت لصخب في شقتهم السابقة وحينما تسألت أخبرني العامل بأن صهيب قد عاد وينتظر الانتهاء من عملية التنظيف حتى يعود ثانية لتلك الشقة بعدما فقد شقيقته".

"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن