الفصل السابع عشر

423 12 4
                                    

الصعاب فحواها يكمن في تجاوزك إياها، بتخطيك إحداها تظهر أخرى أقوى قليلًا تجبرك على خنوع أفكارك قبل تطويعها لمنفعتك الأولى ليكون نتاجك الأول هو الخروج بأقل خسائر وقدرة أكبر على تحليل مواطن قوتك قبل تعزيز مواطن ضعفك.

جلست فآطم بهدوء على فراشها بعدما استعادت وعيها جزئيًا غير غافلة على برودة أطرافها، ارتجاف شفتيها ودقات قلبها الهادرة.
ضحكت بسخرية مريرة على واقعها الذي لطالما هربت منه دون الالتفاف خلفها ولو لمرة واحدة لتعلم بأنها لم تتحرك قيد أنملة من واقعها بل قيدت بواقعه المرير لتهرب بعيدًا محاولة لملمة شتات نفسها غير عابئة باشتعال داخلها ألمًا على ما نقشه الزمن داخل ثنايا عقلها.
طرقات هادئة على باب الحجرة أخرجتها من شرودها لتأذن للطارق بالدخول والذي لم يكن سوى ريان.
ابتسم بغضب لوجودها بتلك الحالة وخاصة بعدما رفض أوار الحديث معه معللًا رغبته في الإفصاح عما يعتمل صدرها له وفقط.
اقترب منها بهدوء وجلس على المقعد المجاور للفراش، أزال دمعاتها بطرف أصابعه قبل نكس رأسه بألم على ما وصلت إليه الأمور.
تأملته بألم وشعور داخلها يحثها على مشاركته حزنها، عيونه الذابلة تترجاها بالحديث حتى تستطيع النوم بأمان وكأنه لم يذق طعم النوم خلال الأيام السابقة، كتفاه المتهدلان بيأس يخبراها عن ثقل حمله حتى بات لا يفصل بينه وبين الدمار خيط رفيع، تنهيداته الساخنة تعدها بالأمان مادام جوارها.
طال الصمت وطال شرودها به حتى رفع عينه لخاصتها لتتقابل العيون بحديث أشبه بالوعود، أمان أشبه بالقيود، طمأنينة لطالما أرادها لكنها لم تعثر عليها يومًا.
ابتسم بهدوء قبل قوله الهاديء
"كيف حالك فآطم"؟!
وبضحكات هازئة أجابته
"كما ترى، محطمة مع سبق الإصرار"
تبعت حديثها بضحكة متألمة لينفرط قلبها ألمًا على ما تمر به تلك الصغيرة، تجاوز سخريتها ليقول مكررًا بهدوء
"كيف حالك فآطم"؟!
ابتسمت بشرود على كلماته ومغزاها يصل إليه، يريدها أن تتحدث، تصرخ، تبكي ان لزم الأمر علها ترتاح لتقول بحزن تقطر من كلماتها وعصف بداخله دون رحمة
"أبكي على دمار كنت جزءًا منه بل كنت شاهدة على معظم أحداثه، أحاول الهرب لكن ظلاله السوداء دومًا ما تصيب قلبي بالفزع، تحرق روحي من الألم، كل ما أريده هو الحياة ريان، حياة يكن فيها أوار شريك نجاحي، ثرثرتي مع والدتي والأهم تشجيع تيم لي، أريد طفولتي، أريد محو كل سيء بحياتي، أريد وأريد والأهم أن القدر رافض لتنفيذ ما أريد"
قالتها باستهزاء أحس به من كلماتها، ضحك بشرود قبل قوله الهاديء
"أتعلمين فآطم"
صمت قليلًا جاذبًا كافة حواسها إليه ليقول بهدوء عكس الحزن الذي اعتل صدره بألم
"فقدت والدي في عمر السادسة أثر حادث فقدت فيه الأب أولًا ثم الأم وكأن والدتي رفضت وجودها جواري واختارت الذهاب لوالدي بعد هبوط حاد بالدورة الدموية، انتقلت للعيش مع جدي بالمزرعة، ساعدته في طرد وحدته بعد وفاة جدتي، أخذ يقص علي المزيد من قصص الحب والمواقف الطريفة التي جمعتهم، دومًا ما كانت عينه تلمع بنظرة لم أفهمها قبلًا، نظرة اشتياق، حب، وفاء والأهم من ذلك ألم"
صمت قليلًا يضبط أنفاسه الثائرة ولأول مرة يشارك أحدهم في ماض أغلقه دون حاجة في فتح ندوب ستجرح روحه قبل العبث بقلبه لتزيد من كهولته الحزينة
"علمني الكثير وساعدني أكثر في فهم طبيعة الخيل والنحل، أصبحت جزءًا من مزرعة لم أكن أحد المعتنين بها، عوضني عن غياب الأب بدعمه لي في كافة القرارات ومصارحته في بعض الأمور العالقة، عوضته عن غياب جدتي فأهداني جنان والدتي، العون لي والسند، بمرور الوقت أصبح هو الأول والوحيد القادر على تفتيت حزني ليحل محله ابتسامة ناصعة البياض".
"لازلت أتذكر ذاك اليوم حينما الذي نشب به حريقًا بالمزرعة ليلتهلم سعادتنا، شقاء جدي وبالأخص ذكرياته ولكن أبت إرادته أن ينكسر متمسكًا بطفولته، مراهقته، شبابه والأهم حياته التي قضاها بين فصول أرضها، حاول جاهدًا لكن النار التهمت كل شيء حتى أصبح رمادًا تعبث به الرياح كيفما تشاء متحدية إياه بالعودة ثانية لما وصل إليه".
صمت قليلًا لتحثه عينها على إكمال ما بدأه عله يروي فضول روحها ليضحك بهدوء قبل قوله
"بإرادة اكتسبها من مناخ البيئة المحيطة به قرر البدء من جديد وقررت مشاركته بكل شيء بعدما كسرنا وديعة والدي لأخذ جزء من المال ومن ثم نعيده ثانية، اليوم حياتنا عادت ثانية بالرغم من خسارة جدي لصحته إلا أنه غير نادم لتمكنه من المحافظة على ما جمعه بجدتي يومًا".
اختتم كلماته بنظرة دافئة عبرت عن الكثير لتبكي بألم قبل قولها الهاديء
"العزيمة مهشمة على واقع الغدر ريان".
عبثت ملامحه بألم قبل قوله الهاديء
"تحدثي وانا ناصت لكل كلماتك دون...".
ترك بقية كلماته عالقة بالهواء ليصلها مغزاها، لتضحك بألم ولأول منذ زمن تقرر مشاطرة حزنها مع أحدهم متغافلة عن كونه طبيب نفسي سيزاول مهمته معها على أتم وجه.
تحدثت بهدوء لتقول له
"قبل الحديث معك بأي شيء عدني برؤية تيم من الغرفة المجاورة، أرجوك".
نظر لها باندهاش وبنظرات لم تستطع تفسيرها أجابها بهدوء غير مدرك لكم الألم الذي يعرضها له وهو يجب بإصرار
"لكن تيم توفى منذ عشرة أعوام".
صرخت بغضب مع تلك الحقيقة التي يرددها بهدوء غير عابيء لما تعانيه تلك التي هبت واقفة لتقول بألم مزق نياطه
"اصمت ريان، لا أريد سماع صوتك أو حتى تصديق كلماتك، تيم لازال حي يرزق، نبضات قلبي تهدر بوجوده وانت تكذب مثلهم تمامًا".
قالت كلماتها وانفجرت بالبكاء ليقترب منها بحذر رابطًا الأحداث بعضها ببعض، لتصرخ به هادرة بألم
"ابتعد، لا أريد رؤيتك ولا حتى نظرتك، تيم هنا"
وغادرت الغرفة صارخة تجاه غرفة تيم منادية إياه بألم عصف داخله وأشعل غضب ذاك الجالس على مقعد بالأسفل، اقتحمت الغرفة لتجدها مرتبة كآخر مرة دخلتها لتقول بحزن أثناء بحثها عنه
"تيم، أين أنت؟! اخرج واخبرهم بأنك لازلت على قيد الحياة، أرجوك واجه لمرة واحدة ما عجزنا عن قوله سابقًا"
جلست أرضـًا بألم وأخذت تنوح وتصرخ بكل ما يعتمل صدرها، صرخت بحزن لتقول بغضب
"اخرج الآن أيها الغبي"
وبالمقابل لم يقابلها سوى صمت تام إلا من نواح قلبها وحشرجة صوتها، أتى أوار وجلس راكعًا أمامها طالبًا منها الهدوء لتقول بألم قبل تلمس دفء كلماته
"اهدئي فآطم، الأمور على ما يرام، لن اسمح لأحدهم بأذيتك"
قالها وعينه تطلق العديد من الوعود لتقول بهدوء مشيرة تجاه ريان
"أخبره بأن تيم لازال على قيد الحياة، أخبره بأنه كاذب".
نظر أوار لريان بطرف عينه ليقول ريان بهدوء ظاهري عكس الحزن الناهش لداخله بألم
"ان كان تيم على قيد الحياة لم لا يخرج ويثبت عكس حديثي".
"اصمت، أخبرتك سابقًا بأنه هنا في مكان ما...."
ليقاطعها بغضب أعمى
"يوجد فقط بخيالك المريض فآطم"
قالها بغضب ليصمت بعدما نحرت كلماته عنق الحقيقة التي لطالما هربت منها لتقول والدتها بغضب
"اخرس، طفلي لازال على قيد الحياة وفآطم تخبرك بالحقيقة".
نظر لها أوار بغضب من تجاهل الأمر بالرغم من مرور أكثر من عشر سنوات على وفاة تيم ليقول أوار بغضب
"تيم توفى والكل يعلم هذا"
وما ان همت والدته بالاعتراض حتى صرخ بها قائلًا
"انت السبب لطالما تمنيت منك معالجتها ولكن دومًا ما كان الرفض حليفك".
اختتم كلماته بغضب لتقول فآطم بألم وهي تبتعد عن حضنه وتضع يدها على أذنيها رافضة حديث أحد منهم
"كفا"
قالتها بصراخ ليتبعها قولها الغاضب
"جميعكم كاذبون، تيم لازال على قيد الحياة، فهمت أوار وأنت ريان"؟
قالت كلماتها بألم عصف بهم قبل تراخي جسدها لتذهب هاربة إلى أسفل قاع من المعاناة غير عابئة بكل ما قاله أوار أو ريان.
حملها أوار لغرفتها مجددًا وأعطاها ريان حقنة مهدئة لتذهب إلى ثبات عميق، ثبات لا يو فيه سواها وتيم.
عاد ثانية لغرفة تيم ليجد الكثير من الصور تجمعه بفآطم، توقف أمام إحداهن ليقول بصوت خفيض
"يبدو بأنها كانت متعلقة به"؟!
تنهيدة حارة خرجت من بين شفتيه ليقول بحزن أزهق ملامحه بعدما عبث بداخله
"تيم وفاطيما توأم".
تفاجأ ريان من كلماته لأنه وببساطة أعتقد بأنه الشقيق الأصغر لهم من كلمات فآطم عنه.
"كيف حدث هذا"؟!
قالها ريان باستفسار ليتجاهله أوار قبل الذهاب مبتعدًا عن ريان وكأن هناك شبح يطارده ليقبض روحه.
ابتسم ريان لصورة فآطم بألم قبل قوله الهاديء
"أعدك بإعادة تلك الروح المشرقة لجسدك ثانية".
وظل يتأمل الصورة بألم لمتى لا يعلم لكنه الآن يعلم وضعها وسيقف بجوارها وان تطلب منه الأمر التنازل عن حياته لأجل استعادة روحها مجددًا.
......................
ليس كل نفس يخرج منك يعبر عن راحتك، هناك نفس مختنق من كثرة الهموم التي أثقلت الكاهل، نفس يطمع في العدل وآخر يرغب بالانتقام، يود رؤية ما شوهت يده سابقًا وما نجم عن روحه حاليـًا، نظرات محملة بأنفاس التلذذ برؤية الغير ضعيفًا، مستسلمًا والأهم من ذلك خانع تلتهمه نظرات الخوف لتكتم آهاته المتألمة.
تحرك بهدوء بين الأسرة وعينه تقدح بالشرر تبعه بعض من حاشيته ليبتسم بقسوة قبل قوله الهادر
"هذا"
قالها بكره لينظر رجاله محل إشارته ليبستموا بخبث قبل الذهاب لأداء مهمتهم وكسب نقطة في طوع سيدهم.
استكان بهدوء على فراش بعدما نظفه أحد المساجين ليقول بغضب وقد أتى هذا الخائف أمامه، احنى جذعه قبل لكمه بقسوة استكانت على فكه لتتناثر الدماء من بين شفتيه وعينه ترجوه بالوعود، تحرك قليلًا للأمام والخلف متلذذًا بنظرة الألم التي تسكن هذا الذي أمامه، ليقول بغضب هادر
"للسفينة قبطان وللزنزانه رئيس، أفهمت"؟!
أومأ برأسه عدة مرات رعبًا بعدما علم ذاك الضعيف بأن رجاله أخبروه بما تفوه به من حماقات أمام مأمور السجن، عادت الأمور لطبيعتها بمجرد انزلاق الباب ليعلو صوت الحارس قائلًا
"فخر الدين الشيمي"
وبنظرة قاسية نظر له فخر الدين بغضب قبل قوله الهازيء
"ماذا"؟!
ولأن الجميع يعلم بطشه بالكبير قبل الصغير، ازدرد ريقه بتوتر قبل قوله المضطرب
"زيارة".
ابتسم فخر الدين بانتشاء لرؤية نظرة الخوف التي سكنت مقلتيه قبل التحرك أمامه بتفاخر مشير لرجاله بإنهاء ما بدأه قبل الانصراف وإغلاق الباب مجددًا.
وبغرفة الزيارة وجد صديقه جالسًا بانتظاره، سلامات حارة عكس الجليد الساكن بعيونهم، كلمات عن الأحوال قبل جلوس كل منهما مقابلًا الآخر بكبرياء مع قسوة ضحكاتهم.
ضحك فخر بصخب قبل قوله الهاديء
"تبدو مطمئنًا جمال"!
ضحك جمال ملء شدقيه ليقول بحماس ظهر جليًا على قسمات وجهه
"ما بدأته سابقًا وجدت نهايته حاليًا، نهاية تدمي قلوبهم ألمًا وتشقى أرواحهم قهرًا"
"حسنـًا"
كلمة بسيطة قالها فخر بقسوة ليومأ جمال بغضب قبل قوله الهاديء
"ذاك الغبي لم يسقط بل اكتشف ما فعلناه بالرغم من المحاولات المستميتة إلا أنه رافض للخنوع"
"لا تستسلم، لطالما كان الشقاء جزءًا من لعبة أجدنا استخدامها دومًا، كما تعلم أيضـًا أن لكل جواد كبوة"
قالها وابتسم بهدوء ليوافقه إيجابـًا قبل قوله الهاديء
"معك حق، وجب علينا الصبر كالأسد حتى نفترس تلك الشاه المليئة بالشحوم"
ضحك كلاهما بصخب ونظرات كل منهما تقدح بالشرر والتوعد.
حينما تجتمع الأفاع حول فخ معين نصبته بإرادتها فاعلم بأن خلافاتهم قد تركوها جانبًا لاصطياد الفريسة قبل رحيل كل منهم في طريقه فيما بعد.
....................
جلس أوار بإنهاك على مكتبه شارد فيما حدث، لا يعلم شيء سوى رغبته في استعادة صغيرته لحياتها مجددًا، يريد رؤية ضحكته وياليتها تعلم جرحه الغائر والتي لم تداويه السنوات بعد، لم ولن يندمل في ظل وجودها هكذا، عاجزة عن فعل أي شيء أو تقبل الحقيقة، وقفت والدته خلفه، مسدت على رأسه بحنان ليرفع رأسه بحزن قبل إلقاء نفسه بين أحضانها لتستقبله بخزي قبل قوله الهازيء
"ما الذي أعجبك به ليكون شريكًا لحياتك ووالد أطفالك"
ارتعاشة ضربت أطرافها ليبتسم بقسوة فوالدته رغم ما فعله معهم إلا أنها لازالت ترتعش لمجرد ذكر اسمه، لا يعلم ارتعاشتها خوف من تذكر الماض أم رغبة في وجوده معهم مجددًا، لكن كل ما يعرفه أن جرحه بداخل كل منهم لم يلتئم بعد وياليته يفهم بأن ارتعاشة والدته كره بعدما خسرت طفلها بسببه.
ضحكت بسخرية قبل الاستناد على حافة المكتب لتقول بألم
"ذاك الأحمق النابض داخلي هو من اختاره دون الالتفات لما يقوله الغير، تحذيراتهم قبل تنبيهاتهم وعندما يئسوا استكانوا بركن يشاهدون ما ستؤول إليه الأمور، خضت التجربة ليس لشيء بل لإثبات انه مهما كان به من رماد يستطيع حبي تحويله لأرض خصبة تنمو فيها ورود الحياة، لكن كما يقولون أن مرآة الحب كفيفة أصابها العطب، الأمور كانت على ما يرام حتى حضورك لهذه الحياة ليتحول والدك من طفل كبير إلى أفعى سامة تنتظر الفرصة الملائمة للانقضاض على أعز ما تملك دون سبق سوى أنها تطمح بإيلامهم".
صمتت قليلًا لتنظر لعينه التائهة قبل قوله الهازيء
"لم يرد تأسيس أسرة بل أراد استغلال عبق حبك حتى ينهيه ومن ثَم يبحث عن أخرى يتذوق شهد اهتمامها لكن بوجودي ومن بعدي إخوتي فإن تلك العلاقة ستخنقه، ستجعل ذاك الفتي العابث إلى أب يود قتل الجميع حتى يحيا دون قيود".
أومأت بألم قبل قولها الهازيء وهي تمحي دموع عينها بقسوة
"استطعت فهمه وانا طوال حياتي لم أعلم نيته بعد".
"لأن مرآة الحب كفيفة بندوب السكون"
أومأت إيجابـًا قبل قولها المتوسل
"أرجوك أوار لا تودع شقيقتك بمشفى الأمراض النفسية، أرجوك الجميع سيتهمها بالجنون".
تعالت وتيرة أنفاسه بغضب من كلماتها قبل إلقاء نظرة كانت كفيلة بحرق الأخضر قبل اليابس ليقول بغضب ملكوم
"كفاك تلاعبًا بصحتها، لولا إهمالك ما وصلنا لتلك الحالة".
"لكن...."
قالتها باضطراب ليقول بحنق
"لكن ماذا؟! شقيقتي منذ وفاة أخي وهي لا تؤمن بكونه توفى والسبب تشجيعك لحديثها دومًا، في السابق كنت عاجز بكلماتك لكن اليوم كفا، كفا إزهاقًا لروحها، وجب علي تضميد جراحها الواحد تلو الآخر حتى تعيش ثانية، لا تقلق لن أودعها بمشفى الأمراض النفسية حتى لا يشار إليك بوالدة المختلة"
قال كلماته الأخيرة بغضب أصاب والدتها في مقتل، حاولت إثنائه عن قراره لكن يبدو بأن السهم قد انطلق ولم يعد بيدها شيء سوى الدعاء لتسير الأمور بخير محاولة إخفاء ألمها رغم حاجتها لكلمات طفلها المواسية.
تعلم بأنها السبب منذ عشر سنوات حينما أخبرها أوار بضرورة عرضها على طبيب نفسي لعدم إيمانها بوفاة شقيقها لكنها رفضت بل هددته بغضبها عليه ان فعل ذلك وبالرغم من محاولات ابنها المستميتة إلا أنها كانت تقف له بالمرصاد بل ببعض الأحيان كانت تهدده بسفرهما وتركه بمفرده ليخنع لكلماتها مجبرًا.
نظر أمامه وعقد العزم عما يجب فعله لكن التروي أهم بالفترة الحالية حتى لا تسوء الأمور مجددًا.
طرقات خافتة على باب حجرة المكتب تبعها دخول حياء لتجد الوضع متوتر ولم يفت عنها نظرات أوار المثقلة بالهموم، تحركت والدته بالخارج بعدما رحبت بها، دلفت للداخل ونادت عدة مرات على أوار الشارد بعالمه، اقتربت منه بحذر قبل جلوسها أمامه على المكتب لتكن نظراتها شاملة إياه بحنان لم تألفه روحها يومًا، ضحك بألم قبل قوله الساخر
"يبدو بأنك تريدين تعجيل الزفاف"
وبشهقة خافتة ضربته على كتفه لتقول بهدوء
"وقح"
ضحك بألم قبل قوله الهازيء
"بِحبك قبل وجودك"
ضحكت بصخب ليشاركها ضحكاتها عله ينس ولو قليلًا جزء من هموم روحه، أمسكت يده بهدوء حذر وأخبرته بتساؤل
"ما بك"؟!
وبالرغم من عفوية سؤالها وبراءة حركتها للتخفيف عنه وهو في حالة يرثى لها هكذا، نظرت بحنان ليلقى برأسه داخل أحضانها وبالرغم من مفاجأتها إلا أنها استقبلته بترحاب، ظل هكذا بضع لحظات قبل خفض رأسه ليضعها على قدمها، عبثت بخصلاته قليلًا قبل قولها الهاديء
"لا أعلم ما بك لكن كن واثقًا بوجودي جوارك وموافقتك دون معرفة ما يحدث حتى"
تبعت كلماتها بزفرة حارة ليتبعها هو بأخرى قبل انتشار الصمت بالمكان إلا من صوت غنائها لها وعبثها بشعره، ضحكت بخفوت قبل قولها لشيء جوار أذنه ليرفع رأسه مقابلًا مقلتيها ليأسرهما في بحر عشقه مع أمواج حزنه، أومأت عدة مرات قبل قولها
"أراك لاحقًا".
همت واقفة للرحيل بعدما طمأنته بابتسامتها ليضحك بعبث بعدما أنعشت داخله لتجد نفسها فجأة بين أحضانه لتشهق صدمة قبل قوله العابث
"دخول مملكة الأسد سهل لكن الخروج منها أصعب من معادلات أينشتاين".
ضحكت ملء شدقيها لتقول بخفوت وهي تستند على صدره مستشعره نبضاته الثائرة أسفل أذنها
"لن تؤذي حياءك مادمت حيـًا"
ضحك بخفوت وهو يوميء إيجابـًا لترتفع على أطراف أصابعها تتحس ذقنه النامية قليلًا قبل طبع قبلة على وجنته والهروب سريعًا من أسر يده.
ضحك بعبث على فعلتها لتلتفت له ثانية لتقول بهدوء عابث مس قلبه برضا
"عابث".
وغمزت بطرف عينها لتضحك مسرعة للخارج، ودعت والدته وذاك المجهول وبمجرد خروجها من المنزل ابتسمت بقسوة قبل الذهاب لعملها التي لا تعلم طبيعته بعد.
وبعد رحيلها أخذ يتذكر كلماتها لتعصف بكيانه مبددة جزء يسير من حزنه وهو يستمع لصوتها يتردد بأذنه عدة مرات
"قلب أوار لم يخلق للحزن بل خلق لحب حياء لا غير".
..............
بخطوات واثقة ونظرات أكثر ثقة دلفت بهدوء لمركز الشرطة متفحصة حولها المكان بازدراء واضح مقارنة بينه وبين مراكز شرطة لندن المختلفة، نظرات مشتتة على أولئك الجالسين أرضًا منتظرين دورهم فيما يبدو بالاستدعاء، نظرات تفحصها قبل قولها الهاديء لأحد العساكر القابعين أمام باب الغرفة
"أريد رؤية السيد طارق".
قالتها بأمر أشبه منه بطلب ليتعجب منها قبل قوله القاسي
"من تكونين"؟!
وعمد إلى النظر إليها بازدراء لتبادله بنظرة كاره متوعدة قبل قولها الساخر وهي تخرج شارتها تعطيها له
"العميلة رانسي"
ارتجف جفنيه بخوف من نظراتها الواثقة المسلطة عليه ليبتلع ريقه بجزع قبل اختفائه عدة دقائق خلف الباب الموصد، أخذت تتحرك بهدوء في المكان قبل الوقوف أمام زنزانة السجن لتنظر لهم باشمئزاز قبل الاستماع لصوت رجولي يقول بهدوء
"مرحبًا بالعميلة حياء"
قال كلماته وأعطاها شارتها مجددًا ليرشدها بخفوت تجاه مكتبه، دلفت بهدوء ثم جلست على أحد المقاعد بشموخ قبل وضع رجل فوق الأخرى بترفع.
قابلتها نظرات طارق المستاءة تصرفها قبل الجلوس على كرسي مكتبه بكبرياء لا يليق إلا به، ابتسمت بهدوء قبل مقابلتها بابتسامة قاسية وإشعال أحد لفافات التبغ، عم الصمت لدقيقة واحدة قبل قولها الساخر
"ما سر تلك القضية التي عجز طارق بإيجاد المجرمين بها، ألم يدفعك شغفك هذه المرة أيضـًا أم أنه مل وجوده جوارك"؟!
قالت كلماتها الأخيرة بسماجة لينفث دخان تبغه بحنق قبل قوله الساخر
"بل الحظ هو من مل وجوده جوارك".
ابتسمت بغضب قبل مد يده نحوها بملف القضية قائلًا بإيضاح
"منذ ما يقارب الثلاث سنوات تم العثور على ضحية بأحد مصارف المياه وبتشريح الجثة لم نصل أي شيء سوى وقت الوفاة، الغريب بالأمر أنه لم يكن بمعدتها سوى الطعام ومع ذلك توفت، لا يوجد أثر للسم أو أي شيء فقط الطعام وملامح الجسد الباهته".
استمعت لما يقوله بهدوء وعينها تلتهم الصفحات بشغف ليقول بإيجاز
"بعد ذلك بمرور شهر واحد تم العثور على ضحية أخرى وثالثة حتى يومنا هذا، الشرطة تكتمت على الخبر، حتى تسرب الأمر لوسائل الإعلام وبعدها انتشر الخبر كالتهام النار كل ما تطاله ألسنتها".
"ألا يوجد شهود"
تسألت بدهشة وتجاهل سؤالها عمدًا ليقول بهدوء
"لا يربط تلك الضحايا أي شيء".
"يبدو بأنك تبحث بالمكان الخطأ"
قالتها بإيضاح ليتجاهلها للمرة الثانية قبل قوله الهاديء
"الأماكن مختلفة وكذلك توقيت الوفاة مختلف"
"أحمق أنت"؟!
قالتها بغضب لينفجر بها قائلًا
"تلك القضية تخصني، وجب عليك الفشل فيها حتى أنهيها".
نظرت له بشيء من هدم الاستيعاب قبل صدوح ضحكاتها باستمتاع قائلة وهي تتحرك برأسها ناحيته
"لم اترك مجد لندن لأفشل على يد مغرور يظن بأنه الأفضل"
أشعلت كلماتها الأخيرة فتيل غضبه ليقول بغضب مماثل
"أراهنك على فشلك مثلي تمامًا"
لتومأ إيجابـًا قبل قولها المتحدي
"أراهنك على تحقيق ما لم تستطع تحقيقه فيها".
ولم يستطع الرد لاقتحام اللواء المسؤول عن وجودها أمامهم، رحب بها بحرارة قبل قوله الهاديء
"بالطبع رأيت ملف القضية".
ابتسمت بهدوء قبل قولها الهازيء
"بالطبع وعلمت بأن الكوادر المسئولة عن التحقيق غير مؤهلة كفاية".
قالت كلماتها ونظرت بطرف عينها لذاك الجالس على مكتبه يشتعل غضبـًا ليضحك اللواء ملء شدقيه قبل قوله المؤيد
"بالطبع لا يوجد لدينا العوامل التي تساعد على نجاح الكوادر مثلما يوجد في لندن سيدة حياء"
ابتسمت بهدوء موافقة إياه قبل قولها الهاديء
"أود الذهاب إلى كافة مسارح الجريمة كما أود إذنًا بالحصول على تقارير الطب الشرعي وبالطبع محاضر الجرائم التي أغلقت سابقًا لعدم وجود دليل"
صمتت قليلًا مفكرة قبل قولها الهاديء كأنها تذكرت شيئًا
"أريد أيضـًا أية بلاغات عن اختفاء الضحايا".
بادلها بنظرات فخر زادت من حماسها تجاه اللغز الجديد ليضحك بخفوت قبل قوله الهاديء
"اعتذر فقط عن عدم توفير مكتب لك حتى الآن لذا سيكون وجودك أمر حتمي مع طارق حتى يتوفر"
ضحكت بهدوء قبل النظر لطارق بتحد وفهم نظرتها جيدًا ليحترق غضبـًا قبل قوله الهازيء
"تتقاسمين معي القضية ومن ثم المكتب!؟ ألا تريدين سائق كذلك"؟!
ابتسمت بسماجة قبل قولها المستفز
"أشكرك طارق على خدمة التوصيل المجاني لكن سيارتي تغنيني عن سؤال اللئيم".

"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن