"الفصل الرابع والأربعون"
في ذاكرتي أنت الأفضل..
وفي أعماق قلبي امتنان لن يوفيه كلمات.في ذكرياتي أنت كابوس كان من الصعب التخلص منه وحينما وجدتُ الخلاص لم أتردد ثانيةً في قراري.
والخلاص هنا متمثل في طوق نجاة تُرِك بين يديها على حين غفلة لتتأرجح في دوامة تردد كان نهايتها خيار أفضل للجميع.
- مرحبًا سيدة رحمة.
كانت أول جملة تفوه بها صاحب الرقم الخاص بعدما فُتِح الخط لتعقد هي حاجبيها بشك من معرفته لهويتها لكن ما لبث أن أخبرها هو بنبرة ساخرة
- كنتُ أظن انتفاضتكِ هي الخيار الأمثل للتحرر من سوء معاملة زوجكِ لكِ لكنكِ اخترتِ عدم التضحية بالرفاهية التي منحها لكِ بعد الاستيلاء على إرثي ووالدتي من والدي.
صمت لحظات وأخبرها بعدها بهدوء حذر وكأنه يتلذذ بانفعالاتها المصطنعة على حد قولها فهو يدرك جيدًا أن صدمتها ليست حديثه بل في كونه لازال على قيد الحياة بعدما ظنت منذ زمن أنه توفى في الحريق حسب ما قيل لها
- ابن شقيق زوجكِ الراحل.
من جملته الأخيرة أراد تأكيد شكوكها بأنه أتى من الماض فقط لتعكير صفو حياتهم قبل تدميرها مثلما فعل زوجها في السابق، تنهد بضيق وأخذ يردد الأرقام من عشرة إلى واحد في سره وحينما انتهى أكمل بلامبالاة صارت تلازمه في الآونة الأخيرة عله يصبح كابوس يطاردها في أيامها القادمة بعدما يكبلها ذنب ما فعله زوجها من تدمير لأسرته قبل حياته
- يمكنكِ مناداتي أركان في الوقت الراهن.
حديثه صاعق لها فهي في أحلك أيامها رُعبًا لم تكن تتخيل أن يتجسد إثم الماض مرة أخرى في ذهنها، حينما أدركت حجم ما تفوه به شهقت برعب تبعه الكثير من التوسلات بألا يؤذي صغيرتها فهي لا ذنب لها فيما ارتكبه والدها؛ معللة ذلك بكونه يمكنه الانتقام ممَن سبب له الألم لا ابنتها، لكنه بدلًا من ذلك تجاهل كل ما قالته وأكمل بنبرة متلذذة بمعاناتها
- لدي عرض وخبر سار..!
ثم صمت لحظات ليقول بعدها بتلاعب أدمنه في الحديث مع تلك العائلة ونصب الفخاخ لها
- أيهما أبدأ أولًا..!
عرض غرضه الاختيار لتصبح اللعبة أكثر إثارة لكن بدلًا من ذلك أخبرته بنبرة حائرة تبحث عن جواب لسؤال فقدته في دوامة تفكيرها بل وأردت الحصول على إجابته قبلًا لأن فضولها لن يتحمل الجلوس هكذا دون معرفته
- ألا زالت والدتك على قيد الحياة!
- لن يعنيكِ معرفة الإجابة سيدة رحمة.
قالها أركان بفظاظة لتحمحم رحمة بحرج من إجابته لها لتغمض عينيها مع تنفسها بعمق للتحكم في انفعالاتها الغير صبورة على الإطلاق من وجهة نظرها، ليعيد السؤال عليها مرة ثانية لتقول بهدوء بعد تفكير طال
- يمكنكَ البدء بالخبر السار سيد أركان.
- زوجكِ لديه ابنه من علاقة غير شرعية.
قالها بتلكؤ يتلذذ بكل حرف قبل لفظه في أذنها لكن صمتها التام أكد له شكوكه بكونها كانت على معرفة مسبقة بوجود شقيقة أخرى لابنتها ليضحك بغير تصديق على سجل هذه العائلة المشرف تبعه قوله الهازئ بما توصل إليه استنتاجه
- كنتِ تعلمين بشأن علاقاته الكثيرة بل وتمسكتِ بالبقاء معه بدلًا من الانفصال عنه حتى لا تخسرين الرفاهية التي تنعمين بها.
قرر تعديل القليل من خطته حتى تلائم الوضع الحالي فثأر مثله عن الانتقام لن يقبل بالفتات، لن يهدأ إلا أن يصبح كل شئ رماد ينثره في الأرجاء كيفما يشاء.
- إذن لدي عرض خاص لكِ.
بالرغم من معرفته السابقة باختيارها إلا أنه أراد إضفاء بعض المتعة والتأكيد على أن تلك العائلة لا يسرى بعروقها سوى الغدر.
- خروج زوجكِ من السجن أم عودة ابنتكِ إلى المنزل!
- أكنتَ السبب وراء اختفاء كارمن؟
قالتها بصياح ليضحك على انفعالاتها المزيفة من وجهة نظره، دقيقتين مرا دون أن يتفوه أي منهما بحرف وكان هو أول مَن قطع هذا الصمت بنبرته الشامتة
- ليس من شأنكِ لكن يمكنكِ الاختيار بين أحدهما لكن تذكري بأن حياة كليهما بين يديكِ.
قالها بهدوء وابتسامة خبيثة ارتسمت على وجهه دون مجهود فزوجة عمه لن تخيب ظنه بل ستختار الطريق الذي رسمه لها دون عناء.. وبجهل منها سوف تصل إلى نهايته المأساوية وتتجرع ثمن خياراتها وحدها
- لديكِ دقيقتين في التفكير بشأن العرض الذي قدمته لكِ سيدة رحمة.
- أتساومني على الاختيار بين حياة ابنتي أم زوجي يا هذا!
قالتها باستثمار ليضحك بعبث من حديثها فرغم كل شئ هو يفهمها جيدًا ويعلم أيضًا بأنها تُماطل حتى لا تكون الشخص السئ في روايته بعد زوجها مباشرة، توقف عن الضحك وأخبرها بنبرة باردة لا تخلو من أي مشاعر
- توقفي عن المماطلة سيدة رحمة فأنا أعرف تمامًا قراركِ الذي تريدين الإفصاح عنه لكنكِ تريدين لعب دور الزوجة المثالية حتى آخر لحظة من تلك المكالمة.
صمت بعدها ينتظر رد لفظته هي على مضض دون إعطاء فرصة إلى عقلها للتفكير مرتين فأركان بالفعل محق في كل ما قال هي اتخذت قرارها قبل حتى أن يخبرها بما يريد؛ ببساطة كانت مستعدة للتضحية بزوجها في أي فرصة قد تسنح لها في مقابل عودة ابنتها، أخبرته بنبرة حاسمة لا تقبل الجدل دون تفكير فيما قد يحدث بعد ذلك فقط ما تريد
- عودة ابنتي سالمة هي كل ما أتمنى.
- هنيئًا لكِ اختياركِ.
قالها بنبرة خبيثة كفحيح أفعى تلتف حول فريستها ببطء قبل إن تعتصرها بقوة؛ ليغلق بعدها الخط ويرسل رسالة نصية إلى أحدهم يخبرها فيها بهدوء حذر
"يمكنكَ إكمال مهمتك دون ترك دليل واحد خلفك".
أغلق بعدها الهاتف ليلمح شخص ليس بغريب عليه أبدًا يعبر البوابة الرئيسية بحرية وكأنه صاحب المنزل.. تبعه يريد أن يعرف لِمَ هو في منزله خاصةً وأنه لا يوجد شئ يربطه به، راقب من بقعة قريبة ما يحدث خاصة حينما استمع إلى صوت تمارا تخبره بصدمة
- غيث ماذا تفعل هنا..!
- تمارا..!
قالها بصياح قبل أن يتجه نحوها بسرعة يخبرها بغضب
- أين كارمن يا أنتِ!
قالها بتساؤل وهو يضغط على رسغها بقوة لتتأوه بألم متذكرة حديثها مع كارمن كونها تريد أن تتصفح حسابها الخاص قليلًا لشعورها بالملل وهي وافقت على الفور لكن يبدو أنها قد وقعت في فخ لن تستطيع التخلص منه بصورة ودية، حاولت التملص من قبضته دون فائدة في نفس الوقت الذي أخبرته فيه
- أي كارمن هذه التي تبحث عنها!
في نفس الوقت اتجه أركان سريعًا إلى مكان وجوده ملتقطًا مزهرية صغيرة من على الطاولة أمامه ويضربه على رأسه لتخرج عدة تأوهات تأوهات من بين شفتي غيث قبل أن يسقط أرضًا دون حركة، تأملها هو قليلًا وأخبرها بغضب هادر
- أنتِ السبب في كل ما وصلنا له الآن تمارا.
ثم تركها واتصل بأحد رجاله ليأتيه على عجالة ليصيح فيه أركان بغضب
- أين كنت وكل شخص يدخل المنزل هكذا؟
قالها وأشار إلى الغائب عن الوعي ليخفض الآخر رأسه لكن أركان لم يمهله الفرصة بل أخبره بنبرة حازمة
- يمكنكَ تنظيف تلك الفوضى.
اختتم كلماته بنظرة حانقة إلى تلك المنكمشة على نفسها قبل أن يغادرهم بلامبالاة فتفكيره الآن منصب على شئ واحد ولن يتراجع في فعله، ضغط على جهة اتصل بعينها وما إن فُتِح الخط حتى أخبره هو بهدوء
- يمكنكَ البدء في عملية الاستحواذ كارم.
وأغلق الخط بسعادة لا توصف مخبرًا روحه بأن خسارة الزوج يتبعها خسارة كل شئ كان يملكه بالتأكيد.
أما الحارس فكانت مهمته تكمن في وضع غيث بداخل سيارته في مكان جانبي بعيد عن هنا بل وجعل الوضع يبدو بأنه قد فقد وعيه بداخل سيارته مع إخفاء أي شئ له علاقة به حتى لا يكون هناك أي شُبهة تنتشله من حيرة تفكيره الذي قد يسقط فيه ما إن يستعيد وعيه لكن من المؤكد أنه سوف يعود مرة أخرى للتأكد من أنه لم يكن هنا أبدًا.
ساعة مرت على اتصاله ليأتيها اتصال آخر من رقم مجهول يخبرها بأن زوجها قد فارق الحياة ووجب عليها استلام جثمانه بعد التشريح لتودع المسؤول بعد وعد بحضورها مع المحامي الخاص به لرؤية تطورات التحقيق، أغلقت بعدها الخط واستمعت إلى جرس الباب يعلو قليلًا لتتجه المربية لفتحه ومعرفة هوية الطارق.
فتحت المربية الباب لتشهق بصدمة من وجود كارمن أمامها في حالة يُرثى لها وقبل أن تتفوه بحرف سقطت الأخرى فاقدة للوعي بين يديها لتصرخ بصوت مرتفع رغبةً في جذب انتباه سيدتها بعودة الصغيرة المفقودة منذ مدة لا بأس بها
- تعالي في الحال سيدة رحمة.
أتت رحمة بسرعة لتشهق بفزع ما إن رأت الوضع هكذا قبل أن تأخذ ابنتها بين أحضانها باشتياق في نفس الوقت الذي أخبرت الأخرى به
- اتصلي بالطيب واطلبي منه الحضور في الحال.
أسرعت في تنفيذ ما طلبته رحمة وبعد لحظات عادت إليها تخبرها بضرورة نقلها إلى الداخل متعللة بأن وضعها هكذا لا يصح أبدًا، أيدتها رحمة في قرارها وفعلتا ذلك لتدثرها والدتها بغطاء بعدما وضعتها كلتيهما على أريكة بالقرب من الباب ثم جلست أرضًا تتأمل ملامحها التي افتقدتها منذ زمن.
هي بالفعل زوجة سيئة لتخليها عن زوجها في مثل هذا الموقف لكن من ناحية أخرى أم جيدة لأنها أرادت إنقاذ ابنتها من الخطر مهما كان الثمن.
بعض الخيارات مفترق طرق إما أن تتقبل الأمر الواقع وتخسر كليهما أو تختار طريق منهما وتمضي فيه دون التفكير في تبعات قرارك فالشئ الأهم ليس في النجاة من الخطر بل كيفية النجاة منه.
....................
رصاصة الغدر أحيانًا قد تكون رحمة لكل إزعاج يصيب قلبك قبل روحك بالعطب.
بل...
رصاصة الغدر قد تكون نقطة لبداية حياة جديدة وإنهاء أخرى كانت سببًا في تغيير مسار الأمور في غير نصابها.
حياتها مزحة..
حقيقة صرخ بها عقلها بغضب حزين لما آلت إليه الأمور لتترنح قليلًا في وقفتها قبل أن يسقط السلاح من بين يديها وبعدها تهاوى جسدها أرضًا بعجز بعدما أقر لعدم قدرته على حملها بعد الآن.
روحها رخيصة..
تبًا لتقرير أدركته مؤخرًا وهي تلفظ آخر أنفاسها وعينيها تتحرك في كافة الاتجاهات تراقب حالة الهرج التي أصبح عليها المكان.
دمعت عينيها وهي تجد نفسها على شفا حفرة من الانهيار بل قد أوشكت على فقد روحها دون رجعة لتظل هي البطل الشرير في حكاية وُضِعت بها لتغيير مسارها لكن بدلًا من ذلك فقدت كل شئ في غمضة عين.
تثاقل جفنيها وتباطأ تنفسها لتغمض عينيها بتثاقل وآخر شئ قد رأته طارق وهو يقترب منها بسرعة بعدما ألقى سلاحه بعيدًا ليطمئن على حالها، شعرت بظلام يحيط بها لتسقط بين أحضانه باستسلام وآخر ما وصل إلى أذنيها صياحه بضرورة إحضار المسعفين إلى مكان وجوده.
أما أوار فقد اتجه إلى حياء يفحصها بخوف قبل أن يخبرها بنبرة متزنة رغم كل ما مر به
- أنتِ بخير حياء!
اختتم كلماته وأخذها بين أحضانه بخوف مرتعدًا من فكرة فقدانه لها لتتشبث هي بين أحضانه وكأنه طوق نجاة سحبها من نفق ضيق إلى بر أمان مع الكثير من جهد مبذول بالحفاظ عليها وألا يصيبها بأي أذى.
صمتت لا تعرف بماذا تجيب وعوضًا عن ذلك أخذت تبكي بنحيب على ما حدث لشبيهتها إيما ملقية اللوم على ظروف جعلت من والدها قاتل بيد لم تلطخها الدماء قط رغم صورته في نظرها بكونه مسالم يحب الخير للجميع لكن تلك الصورة اهتزت تمامًا في الأيام القليلة الماضية؛ حيث تعرفت على ما ارتكبه في حق أسر كل خطئها أنها وثقت به وكان هو سلاح تدميرها الوحيد.
- أيمكنكَ إخباري بشئ واحد صادق في تلك الحياة الكاذبة التي عشتها طوال سنوات عمري الماضية!
قالتها ببكاء ترجوه أن يفعل أي شئ من شأنه تغيير مجرى حياتها لكنه لم يتحدث فقط شدد من احتضانها لكونه يعلم بأن ما تعانيه الآن لن يكون في صالحها قط، تنهد بتثاقل ليقطع الصمت بينهما قائلًا بنبرة جادة لا تقبل الجدل
- الشئ الوحيد الحقيقي والمنطقي في كل ما حدث معكِ حتى الآن هو وجودي جواركِ ومساندتي لكِ.
يعلم بأنها لم تكن الإجابة التي أراد قولها ورغبت هي في الاستماع إليها بشدة لكن الوقت ليس مناسب في ترديد حديث معسول على مسامعها.
أزال دموعها بيده وقبل أن يتفوه بالمزيد قاطعه أحد المسعفين يخبره بضرورة نقلها إلى المشفى لعمل الفحوصات اللازمة والتأكد من أنها تنعم بصحة جيدة خاصة بعد تلك المغامرة التي خاضتها منذ أيام، وافقه هو الرأي واتجه معهم لسيارة الإسعاف يرافقهم إلى المشفى.
على الجانب الآخر وصل طارق إلى أقرب مشفى رفقة إيما التي يجاهد المسعفين من حوله عمل اللازم لبقائها على قيد الحياة، استقبلهم طبيب وأخبره المسعف عن حالتها بإيجاز، ليأمر معاونيه بضرورة تجهيز غرفة العمليات في محاولة منهم لإنقاذها لكن بعد دلوفها بحوالي خمس عشرة دقيقة خرج الطبيب يخفض رأسه بحزن يقول لطارق
- لم نستطع فعل شئ..
- ماذا تقصد؟
قالها بغضب وهو يمسك به من تلابيبه ليبتلع ريقه بتوتر قبل أن يخبره بأسف
- أعتذر عما سأقول لكن وصول الحالة كانت حرجة حينما وصلت إلى المشفى ولم يكن بالإمكان فعل أكثر من ذلك.
لحظات يُهندم ملابسه بعدما تركه طارق بصدمة ليكمل بواقع فرض ضبابيته عليهم ولم يعد بالإمكان المماطلة فقط الاعتراف بنهاية مأساوية وُضِعت ربما كانت الأنسب لتزييل حبكة لن تكتمل سوى بذلك
- البقاء لله.
ثم تركه وغادر لينهار طارق أرضًا غير مصدق بما تفوه به الطبيب الآن، يشعر بالصدمة لكن اعتصار قلبه من شدة الحزن أبشع من أن يتحمله.
نكس رأسه بانهيار وأسرها بين قدميه بضعف، أخذ يبكي كطفل فقد آخر ما تبقى له من والدته بعدما أخبرته هامسة بأن غرضها ذاك دليل على وجودها وإن اختفى سيحدث لها المثل تمامًا.
لم يختلف الحال كثيرًا عند حياء الذي ما إن علمت بالخبر حتى انهارت هي الأخرى لتخبر أوار من بين شهقاتها
- أردتها أن تعيش حياة هانئة دون شوائب كره لن تدمر سواها وتترك الانتقام تمامًا حتى لو ظنت أنها ضعيفة.
- أعلم حياء بأنكِ أردتها شقيقة لكِ لا عدوة في أعماق قلبكِ لكن عدم تقبلها لكل شئ حدث معها في الماض جعلها تفقد بصيرتها دون النظر لأي جميل من شأنه تغيير حياتها للأفضل.
قالها أوار بهدوء تعليقًا على حديثها لتبكي بصمت دون أن تتفوه بحرف واحد فقط كل ما أرادت أن تنعم براحة مفقودة في خضم صراعات لم يكن لها ذنب بها.. فقط ذنبها الوحيد أنها ابنة خلدون.
بعض الحكايات رغم معاناة أبطالها في حياتهم إلا أن النهاية المأساوية لن تليق سوى لهم..
أرواحهم ثائرة لكن إحساس الذنب الذي سيتولد بعد وفاتهم سيشفع كل أخطائهم السابقة.
نحن مدينون بالاعتذار لأولئك الذين لم تسعفهم الأيام لجعلهم أكثر تسامح مع الغير.. نحن مدينون بإصلاح حياة ربما كانت أفضل لو تدخلنا في وقت أبكر من ذلك..
....................
المفاجآت كثيرة لكن هل بإمكانك تقبل أي منها مهما كانت حجم الكارثة فيما بعد..!
رنين هاتف متصاعد جعله يستعيد جزء من وعيه المفقود ليشعر بكونه مقيد بشئ ما لا يستطيع تباينه، أغمض عينيه عدة مرات يحاول استيعاب سبب وجوده في سيارته على جانب الطريق وآخر شئ تذكره وجود تمارا بالمنزل حيث سألها عن مكان حبيبته، شعور داخله ينبئه بوجود حلقة مفقودة ولن يتوانى عن السعي حتى يعرفها.
توقف صوت الرنين ليعود من جديد وكأن المتصل يلح عليه بضرورة الإجابة، أخذها الهاتف ليجدها رحمة والدة كارمن، فتح الاتصال باندهاش فليس من عادتها الاتصال به في مثل هذا الوقت لتقول له الأخرى في عجالة من أمرها
- كارمن عادت من جديد غيث.
لم يسأل عن أي شئ فقط أغلق الاتصال دون كلمة أخرى وقاد بأقصى سرعة للوصول إلى منزلها لكن في طريقه قرر التوقف عند نفس المنزل وخرج من السيارة وتأكيد داخله يخبره انه كان بالفعل هنا قبل أن يفقد الوعي.
أوقفه الحارس ليخبره غيث على مضض أنه بحاجة لمقابلة قاطني المنزل في شئ هام، وافق الحارس ورافقه للداخل.
دق جرس الباب لتفتح له أخرى غير التي اسقبلته في المرة الأولى ليخبرها بصوت متحشرج وعقله يصيح فيه بأن القادم أسوأ إن ظل يتحرك وراء هواجسه
- أين الآنسة تمارا!
قالها باستفسار لتعقد هي حاجبيها بجهل عن هوية الشخص الذي يسأل عنه، لحظات وظهرت سيدة أخرى لكن يبدو من هيأتها أنها صاحبة المنزل، اقتربت منها العاملة لتقول لها بنبرة منخفضة وهي توجه حديثها إلى الضيف
- يبحث عن واحدة تُدعى تمارا.
أومأت بتفهم لتتأمله قليلًا وبعدها أخبرته بنبرة حانية
- لقد رأيتك قبل ساعات تقف أمام المنزل وبعدها غادرت دون التفوه بحرف لذا ظننتك مختل من كثرة وقوفك بالخارج لكن..
صمتت لحظات تتابع رد فعله بعد حديثها الغير متوقع بالنسبة له لتقول بعدها بهدوء تقطع الشك في اليقين كما تقول دومًا
- لا يوجد أحد هنا باسم تمارا سيدي الشاب.
اختتمت كلماتها ليغادر وداخله أصبح متأرجح بين وجوده من عدمه في المنزل ليقرر العودة إلى منزل كارمن وبعدها يعرف بطريقته ما حدث له في هذا المنزل.
وبمجرد مغادرة غيث ظهر أركان من غرفة المكتب وهو يصفق بتعجب من إتقان تلك المرأة أمامه للدور الذي أراده منها، ابتسمت بهدوء ليخبرها هو الآخر برحابة صدر بعدما أنجزت ما طلبه منها
- عقد الإيجار سيدتي مع عفو من الإيجار لستة أشهر متتالية نظير خدمتكِ التي لن أنساها قط.
تذكر بأنها مهاجرة أتت إلى مصر قبل أيام وطلبت منه تأجير منزل في بداية الحي لكونه يمتلكه وفي نفس الوقت مناسب لقربه من مقر عملها هي وزوجها، لم يعطها قراره في البداية لكن حينما أتى غيث إلى عُقر داره وافق شرط أن تساعده في خداع ذاك الغريب مع وعد بلقاء قريب.
أمر العاملات بضرورة تنظيف المنزل استعدادًا للرحيل دون أن يخبر أي منهم عن وجهته القادمة فقط الرحيل إلا اللانهاية.
قاد غيث سيارته تلك المرة بعجالة يقطع المسافات أملًا في رؤية حبيبته المفقودة منذ مدة..
بعد دقائق تعدت النصف ساعة وصل أخيرًا إلى المنزل ليجدها بالقرب من بابه، اقترب منها بسرعة ولم يمهلها فرصة للحديث بل عبَّر عن مدى اشتياقه بأخذها بين أحضانه دون حديث، لحظات وأبعدها عنه يتفحصها باشتياق وكأنه يتأكد من أنه لم يصبها أي مكروه لتقول له بتعب في محاولة منها لتهدئته
- انا بخير غيث لا تقلق.
ابتسم لها ولم يمهلها الفرصة للحديث بل أعادها ثانيةً إلى صدره حيث مكانها المناسب لتضحك بحرج من فعلته تبعه صمتها دون حديث.
دقائق ودق جرس الباب مرة أخرى ليظهر من خلفه أنثى بمظهر رسمي لتخبرهم معرفة عن حالها
- هيا الشناوي..
ثم تركت بطاقتها الشخصية بين أصابع غيث ليقرأ ما كُتِب فيها قبل أن يسمح لها بالجلوس، صمتت قليلًا وأخبرتهم بهدوء موجهة حديثها إلى كارمن
- أريد الاستفسار منكِ عن سبب اختفائكِ المفاجئ يوم الزفاف..
صمتت دقيقتين تتفرس ملامحها بتحليل تبعه قولها الهادئ وكأنها تبحث عن جواب لا تجد له إجابة بعد
- أكنتِ مفقودة أم غادرتِ بإرادتكِ..!
تنهدت كارمن بضيق لا ترغب في قول أي شئ مما مرت به ليس خوفًا من فضيحة والدها وكشف سره بكونه جشع أراد الحصول على كل ما تطاله يده دون تخمين تبعات ذلك بل تريد حماية ابن العم الذي لم يبادر بأي شئ سئ بل حماها من ظلال شره مؤكدًا أنها الشخص الجيد في تلك الحكاية وأنه لو كانت الظروف مختلفة لأصبحت هي صغيرته التي يرعاها من كل شر..
- كل ما أتذكره دلوف المصور إلى غرفة الفندق لالتقاط بعض الصور، طلب مني أمر لا أتذكره وبعدها فقدت الوعي وصار كل شئ ضبابي حتى استعدته هنا أمام المنزل منذ لحظات.
هيا تدرك جيدًا أنها تكذب لكن ثباتها الانفعالي تُحسد عليه وقبل أن تتفوه بالمزيد استمعت إلى الحرس يدق مرة أخرى تبعه صوت والدة رحمة وهي تقول بنبرة مرحبة لآخر شخص قد تجده أمامها
- مرحبًا صهيب.
ثم أفسحت له الطريق ليتأمل الجالسين بهدوء قبل أن يتخذ مجلسه جوار هيا دون التفوه بأي كلمة لها بل وجه حديثه إلى تلك المفقودة منذ زمن
- أنتِ بخير كارمن؟
أومأت إيجابًا علامة الموافقة لتقول بهدوء
- بأفضل حال.
- أريد منكِ...
لم تمهله فرصة للحديث بل أخبرته بفظاظة محاولة إنهاء الحوار بأكمله
- أخبرت صديقتك قبل لحظات أني لا أتذكر إلا التقاط الصور حتى استعدت الوعي هنا.
كلماتها أشعرته بالحرج ليحمحم بضيق وداخله متأكد من أنها تُخفي أمر ما وهو لن يمل حتى يعرفه ولو كان في الأمر مخاطرة له، قاطع تفكيره صوت كارمن وهي تكمل بهدوء منهية الحوار بأكمله
- أريد لتلك القضية أن تُغلق نهائيًا دون رجعة.
تأملت والدتها المبهوتة من حديثها للحظات واستأنفت بإقرار
- المحامي سوف يتواصل معك لإنهاء كافة الإجراءات العالقة لذا أرجوك لا أريد تذكر أي من ذكريات السابق.
استأذن وكذلك هيا لمغادرة المنزل فهي ترفض الحديث ولا يوجد قانون ينص على إجبارها للتفوه بشئ لا تريده، وما إن أُغلق الباب بعد مغادرتهم لتقول والدتها بصياح
- لماذا لم تخبريهم بالحقيقة؟
- الحقيقة التي أعرفها أخبرتهم بها وليس لدي أي حقائق سواها.
تفوهت بها كارمن بهدوء منهية الحوار لتطلب من غيث أن يساعدها في الصعود إلى أعلى لترتاح قليلًا تاركة والدتها تستشيط غيظًا مما تفعله.
وأمام باب المنزل توقف كلاهما في مواجهة بعضهما البعض بمشاعر مختلفة ليخبرها صهيب بهدوء
- يبدو أنها تُخفي شئ عنا.
- بل تريد حماية أحد من بطش السلطات، كارمن تشعر بالمسؤولية تجاه شخص ما وتجاهد على ألا ينكشف سرها.
قالتها هيا موضحة له ما تشعر به فحديث الأخرى لم يريحها قط بل زادت الشكوك داخلها بأنه ربما هناك خطب جلل تخفيه هي، لينظر لها بهدوء سامحًا لنفسه تأملها بعد سنوات من الغياب فهي رغم كل شئ قد تغيرت كثيرًا عن آخر مرة رآها فيها، ودعته بهدوء ليعرض عليها
- يمكنني إيصالكِ إلى وجهتكِ المرجوة.
- فات الأوان على ذلك صهيب.
قالتها بنصف التفاتة قبل أن تشير له علامة الوداع وأوقفت سيارة أجرة تستقلها للذهاب إلى وجهتها مؤكدة لنفسها أن حديثه له إيحاء آخر لكنها لن تسمح له بعدما خذلها في السابق.
وفي الأعلى دُثِرت كارمن في الفراش ليجلس غيث جوار الفراش على مقعد دون أن يترك يدها لتخبره بخوف مما قد يحدث فيما بعد
- كن جواري حبيبي دون تأفف.
طلب قالته له ليُقبل يدها بحب وهو يخبرها باشتياق معبرًا عما يشعر به
- اشتقتكِ كارمونتي.
ابتسمت من حديثه وأغمضت عينيها تستعد للنوم ودون أن تتحرك سألته بفضول حذر
- ألن تسألني عما حدث مثل البقية!
حرك رأسه عدة مرات علامة النفي وهو يؤكد عليه بقولها الحاني
- لن أسألكِ مادمتِ لا ترغبين في التحدث عن كل ما حدث عزيزتي.
وكانت تلك آخر كلمات سمعتها قبل أن تغوص في نوم عميق افتقدته منذ زمن ليجلس هو جوارها يروي عطش اشتياقه لها بعد طول غياب وداخله يؤكد أنها ليست على ما يرام لكنها تجاهد لتُثبت عكس ذلك.
وجب عليكَ اغتنام لحظاتك السعيدة مع مَن تحب والاحتفاظ بها في ركن خاص بقلبك حتى وإن اشتقت تكون عون لك في ارتواء لن يكف دون عن طلب المزيد إلا بعد رؤيتها وإشباع قلبك بروحها قبل عاطفتها.
...................
العاطفة الزائدة من الممكن أن تصبح حماقة كبرى ترتكبها في حق نفسك قبل الجميع، تخسر فيها بالبطئ معركة جاهدت دومًا على الظفر بها مهما كلفك الأمر..
العاطفة الزائدة ليست مجرد مشاعر فياض تجاه أمر ما بل حسرة مما قد يعنيه خذلان شخص لك في موضوع ظننته خاص بكليكما ولم تدرك بأن خاسر كبير من كافة الاتجاهات.
وفآطم ليست هكذا في العادة لكن ما حدث معها أمس جعلها تبكي دومًا بسبب وبدونه، خُذلت من كل شئ حتى زوجها تجاهل وجودها معه في نفس الغرفة بل فضَّل البقاء في غرفة مكتبه طوال الليل حتى لا يتعامل معها نهائيًا.
جلست في شرفة غرفتها تتابع ما يقوم به العاملون على مرمى بصرها، لتضع السترة على الطاولة أمامها وأخذت تُربت على بطنها وهي تحدث الجنين بتعب
- يبدو بأنكَ مرهق مثلي تمامًا.
صمتت لحظات وكأنها تستمع لأمر ما لتقول بعدها بسعادة
- لست مرهق بل تشتاق لوالدكَ.
ضحكت بخفوت من جملتها السابقة لتُربت على رأسها وكأنها تصبر روحها على فراقه لتكمل بإقرار وهي تغمض عينيها بإعياء
- أنا أيضًا اشتاقه لكن وجودك يهون علي صغيري.
شعرت بيده تقبض على يدها المستكينة أعلى بطنها لتتنهد بتريث في محاولة منها للهدوء قليلًا، تفاجأت به يزيح يدها قليلًا قبل أن يقبَّل بطنها وهو يوجه حديثه لها
- والدكَ أيضًا اشتاق إليكما عزيزي.
استكان برأسه على فخذها لتعبث هي بخصلاته دون أن تفتح عينيها لتعرف إن كان بخير أم أنه مثلها تمامًا.. لا تتجاهله بالفعل لكنها لا ترغب في أن تبكي أمامه الآن يكفيها فقط انه جوارها.
طال الصمت بينهما ليبتعد عنها قليلًا وهو يخبرها بحنان
- أعتذر عما حدث فآطم.
هنا لم تستطع تمالك نفسها بل أخذت تبكي بانهيار ليتفاجأ من رد فعلها الغير متوقع لينهض واقفًا جوارها يطلب منها أن تهدأ قليلًا لكن بدلًا من ذلك ازدادت حدة نبرتها ليعقد حاجبيه بتعب لكن سرعان ما حاول إيقافها لترفض طلبه دون النظر إليه حتى.
ضحك من فعلتها لتخبره بنبرة غاضبة بعدها وهي تزيح يده عنها
- حينما كانت العلاقة بيننا متوترة لم تتركني لحظة وأمس ترفض البقاء معي في نفس الغرفة!
حاول احتضان وجهها بيديه لكنها نفضتها بعيدًا عنها وهي تخبره بغضب
- ابتعد عني ريان.
ثم صمتت دقيقة وأخبرته بعدها بحنق
- لا أريد التحدث معك كذلك.
تنهد بضيق يحاول الحد من غضبها الغير مبرر لكنها فاجأته بقولها الحاسم
- لنأخذ استراحة من علاقتنا لبعض الوقت وإن لم تهدأ الأمور لنحصل على ال....
وضع يده على فمها يمنعها من الاسترسال ليخبرها بعدها بغضب هادر
- اعتذرت عما حدث لكن يبدو بأن ملكة الدراما تريد تضخيم الأمور وتعقيدها أكثر من ذلك.
اختتم كلماته بصراخ في وجهها قبل أن يرحل تمامًا عن محيط بصرها لتضع يدها على وجهها بصدمة من حديثه قبل أن تزيل دموعها بغضب من حديثه فيبدو أنه لا يعرف مَن تكون بعد.
الإفراط في الحزن قد يكون له عواقب وخيمة تودي بهلاك العلاقة رويدًا حتى يتسرب بريقها من بين يديك وبعدها تجلس نادمًا على كل ما يحدث معك.
تفاجأت به عاد من جديد يطبع قبلات متفرقة على رأسها قبل أن يخبرها بنبرة حنون
- أعتذر عن انفعالي السابق فآطم فأنتِ تعرفين بأنه لم أقصد أي شئ مما تفوهت به.
دقيقتين دون حديث بينهما ليقطعه هو بقوله الحذر
- أدرك كذلك مدى خطئي في التحدث عن شأن مريضة لي مع أخرى لكني أردت أن أخبرها مدى شجاعتكِ في تخطي الأمر ولم يكن المقصد منه التفاخر بما أنجزت بل بإقبالك على الحياة دون خوف مما قد يحدث بعد ذلك.
اختتم كلماته بالتشبث أكثر بيدها لتخبره بتعب مما مرت به يوم أمس عارضةً وجهة نظرها الخاصة
- أتعلم بأن كوابيس متداخلة هاجمتني طوال الليل لذا قررت البقاء مستيقظة حتى الصباح خوفًا من أن يهاجمني شبح من الماض ويدمر ثباتي.
هنا أدرك حجم الخطب الذي عايشته وهو بعيد عنها فهو مخطئ لأنه تركها هكذا دون أن يطمئن على حالها فقط تجاهل كل إنذارات قلبه وتحكمت فيه غلظته للمرة الأولى معها.
- أعدكِ بأنها المرة الأخيرة التي أتحدث فيها مع أحد مرضاي عن حالتكِ وكذلك لن أترككِ بمفردكِ مرة ثانية حتى لو كان ذلك على حساب روحي.
تقبلت حديثها لأنها تدرك أيضًا مدى غضبها منه وهي تعلم بأنه مقصده ليس شر قط بل جعلت انفعالاتها تتحكم فيها ليزيد المشهد سوءًا حتى لو لم ترد هي ذلك.
مخطئة تعلم ذلك جيدًا لكنها لن تخبره بالأمر حتى لا يشعر بأنه قد انتصر عليها في معركة الصواب والخطأ تلك بل سوف تتركه هكذا حتى لا يفكر مرة ثانية في تركها بمفردها دون مراعاة لحالتها الراهنة.#من_بين_الرماد
#أسماء_رمضان
أنت تقرأ
"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"
عاطفيةمن بين الرماد... "داء العشق يُبتر لا يُضمد" تحكي قصة فتاة تخلى عنها حبيبها ليلة الزفاف فماذا ستفعل حيال ذلك.. هل تبكي الأطلال أم تقف شامخة كحال ذويها!.. نحن أمام بضع كلمات منثورة تعطي إيحاء بوجود الأمل دومًا مادام القلب ينبض بالحياة.