الفصل الثاني والأربعون

288 8 4
                                    

"الفصل الثاني والأربعون"

الحياة عقبات إما أن تتجاوزها بسلام أو تبقى مكانك كمسخ دهسته الأيام.

مسخ..!
تدرك بأنها تشبهه تمامًا حيث الجمال الخارجي هو ما يميزها وداخلها ممزق كما شرنقة الفراشة لكن في حالتها هي خيوط شرنقتها تُدمي جِيدها قبل روحها.. تقبض على أنفاسها.. تعتصر قلبها من هول الخوف كونها وحيدة في تلك الحياة لتصبح دومًا في نظر نفسها مسخ بابتسامة مهرج.
تمارا اسمها والتاء تعنيف ممزوج بالكثير من الألم "إبراحها ضربًا" نتيجة ما مر عليها منذ نعومة أظافرها حيث التعنيف بسبب أو دونه، القسوة في التعامل معها وفي النهاية الجَلد بحزام على ما لم تفعل.
جسدها مشوه بندبات زمان تخبرها بألا تنسى ما حدث معها.. ألا تتخطى الأمر مهما كانت دوافعها، تصيح في قلبها دومًا بكونها ضحية لوالدين قررا التخلي عنها بعدما اكتشفا فجأة أنه لا يجوز لكل منهما تدمير حياته واستقراره لأجل صغيرة أتت نتيجة شهوة تحت بند زواج غير رسمي.
قررت الانتقام من كل ذكر تقابله حتى أتى معاذها وأخبرها بمعاناته لتدرك كونهما وجهين لعملة واحدة حيث الأب هو سبب كل أذية لحقت بهما في الصغر ليتدمر المستقبل تحت وطأة الأيام.
يوم أخبرها بأن والده قتل والدته في لحظة غضب وتخلى الجميع عنه عدى العم وزوجته قررت الاختفاء عن ناظريه بحجة أنها لا تريد أن تتسبب له في المزيد من الألم، قررت التوقف عن كل شئ عدى عشقه الغير مشروط بالنسبة لها وبعدما أدرك أهميتها في قلبه تصالحت النفوس قبل عقدها هدنة مع الماض لعيش حياة هانئة في مستقبل قريب.
- رفضكِ لمقابلة والدكِ لن تضركِ بشئ تمارا. 
قالها أركان بحنان وهو يجاورها في شرفة المنزل لتنظر له بضعف أنهكها لسنوات عجاف، تنهدت بتعب وأخبرته بحزن
- لا أعلم أركان لكن الكثير من التخبط يصيبني في تلك اللحظة ولا أدرك ما وجب علي فعله.
استند بيده على كتفها قبل أن يجذبها نحوه "لتصبح على مقربة منه" في حنان يتعجبه هو نفسه لكنه دومًا ما شعر نحوها بالمسؤولية كونهما كانا معًا لفترة محدودة في دار الأيتام..
- إن تذكرتِ كل ما حدث معكِ في السابق وقررتِ الصفح عنه فتلك شجاعة لا يمتلكها سوى النبلاء.
قالها بهدوء وهو يتأمل الأفق أمامه لتبتعد عنه كمَن لدغته أفعى وهي تصيح في وجهه بحنق
- صفح؟
تبعت كلماتها بتسديد لكمة إلى الحائط أمامها ثم أكملت بحنق
- عن أي صفح تتحدث وحياتي شائكة منذ الصغر.
اعتصرت عينيها باختناق لا تريد لدموعها أن تسيل في تلك اللحظة تحديدًا لتنظر له باستهجان من حديثه المازح من وجهة نظرها وأخبرته بعدها بنبرة لا تقبل الجدال
- الفارس النبيل تم تدنيسه برمح الخيانة في ساحة الحياة أركان.
ابتسم على تشبيهها الذي أصابه في مقتل فهي محقة إلى حد الجنون في كل كلمة تفوهت بها منذ أتت، بالفعل الفارس لم يعد من ساحة المعركة بعد بل قرر دفن جسده بين قتلاه حتى لا توصم نهايته بالعار..
- وجب عليكِ مقابلته ولو لمرة واحدة تمارا حتى تتاخذي قرار إما بكرهه أو الاعتياد على وجوده جواركِ إلى الأبد.
أغمضت عينيها بتعب من كل ما يدور في فُلكها وهي وحدها لا تعرف أي سبيل قد تطرق للتخلص من كل ذلك.. زفرت بضيق وأخبرته بعدها بهدوء قاطع لكافة الضجيج داخلها
- سأفعلها أركان لأجل طفولة لم أستمتع بها قط.
استمعت إليه في بعض النصائح وتركت زمام المبادرة للعقل عله يرتاح ولو قليلًا مما هو فيه، أركان أكد لها بالفعل أن رفضها لمقابلة ذاك المزعوم والدها لن تُضرها بشئ بل ربما تكون طوق النجاة من بين براثن طمعه.. اتخذت قرارها بعد خيار دام لأيام..
خياراتنا في أحيان كثيرة تكون مبنية على عاطفة منتهية الصلاحية مع تصريح هام بكونها غير ملائمة للاستخدام أما في لحظات ضعفنا يكون عنوانها إظهار كبرياء مبتور معالمه على حساب مبدأ ربما كان خطأ منذ البداية والإصلاح فيه ما هو إلا تعجيل بوفاته رغم تجبرنا على ضرورة إيجاد بديل له قبل دفنه دون رجعة.
تواصلت مع محامي والدها الخاص وأخبرته بأنها جاهزة للقائه، تحمس من حديثها وأكد لها بأن تصريح الزيارة سيكون بين يديها في غضون ساعات قليلة.. بالفعل بعد عدة ساعات أتاها بموعد زيارتها القادمة كما وعدها بأن زيارتها لن تخيب أملها قط بل ستكون الأفضل في حياتها.
سخريتها المستخفة به جعلته يدرك أنها ربما ليست ساذجة وأن أي حُكم عليها لن يكون صائب دون تبادل الآراء في حوار ما حينها فقط سوف يعرف ماذا يوجد داخل عقلها من مشاعر قبل أفكار.
هبطت من السيارة أمام قِسم الشرطة وانتظرته حتى ركن على جانب الطريق ودلفا سويًا للداخل، وقفت منكمشة على مقربة منه ولم تستطع تبين ما يتفوه بها لكن بعد لحظات أشار لها إلى غرفة جانبية فارغة لانتظار والدها بها مُرفقًا حديثه بأنه على بُعد دقائق وسيكون أمامها.
لحظات مرت لتستمع إلى طرقات على الباب تبعه ظهور أحد العساكر يسحب علي من يديه لتتأمله قليلًا دون أن تستمع إلى ما قاله لها، أزال قيده قبل أن يخرج مغلقًا الباب خلفه لتتنهد بضيق فهي تصورته في صورة والحقيقة أبعد مما تخيله العقل يومًا لكن داخلها اتفق على أنه يملك من المُكر والدهاء ما يؤهله إلى قتل أحدهم دون أن يرف له جفن.
تأملها بنظرة متعجبة قبل أن يتخذ مقعد مقابل لها؛ فهو لم يدرك أن ابنته الغير شرعية جميلة إلى حد الفتنة، ضحكت باستخفاف وأخبرته بنبرة هازئة
- ألم تعرف بأن دُميتك البيولوجية فاتنة هكذا.
- تشبيهنها كثيرًا.
قالها بنبرة مشتتة لا علاقة لها بما تتفوه بها لكن شعوره حين التقى والدتها أول مرة هو نفس ما يشعر بها في الوقت الراهن، استمع إلى ثرثرتها المحببة إلى قلبه في الوقت الحالي وهو تخبره بنبرة هازئة
- لم آتي إلى هنا للم شمل أيام كنت السبب في محوها بإرادتك سيد علي بل أتيت لسؤالك عن أمر أثار حفيظتي لسنوات.
صمتت قليلًا حينما وجدته مستعدًا للاستماع إلى ما تريد لتُكمل بحنق
- لِم فعلتَ بي كل هذا!
لم يفهم مقصدها في البداية فهي حتى تلك اللحظة دخيلة على حياته ولم يتعامل معها قط.. رأت الحيرة تتأرجح بين جفنيه لتوضح له بغضب
- لِم تخليت في وقت كنتُ فيه الأضعف وأحتاج إلى الكثير من الرعاية..
وضعه لم يشفع له عندها بل أكملت بكل غضب أحست به وهي صغيرة، حنق ناجم عن معاملة أسوأ مما ظن هو ربما.. لتصيح فيه بنبرة باكية
- لِم تركتني أواجه الحياة وحدي بقسوتها دون أن يكون هناك سند يأويني؟
تأملها بنظرات فاترة فهو ظنها أتت لمساعدته في الخروج من ورطته لا فتح دفاتر عفا عنها الزمن قبل تصفية حسابات ربما لن تنجده في الوقت الحالي، صمت لثوان قبل أن يُشعل لفافة تبغه وأخبرها بعدها بنبرة صارمة لا تقبل الجدل
- كل مِنا كان لديه حياته الخاصة التي لن يتنازل عنها لأجل الآخر..
وقبل أن يُكمل قاطعته بحزن
- كان بإمكانها إجهاض الجنين بدلًا من إلقائه بين براثن الزمان.
"تبًا لها ولكل شئ يربطها به" قالها علي بصوت خفيض وهو يتأمل حالتها المشتتة تلك، للحظة تذكر كارمن وعدم جديته في البحث عنها رغم علمه بأنها ربما ليست بخير..
- والدتكِ وأنا قررنا التخلي عنكِ بعدما زادت شهرتها بصورة ملفتة في ذلك الوقت؛ نظرًا لأن أي جنين قد يأتي بعلاقة غير شرعية ما هو إلا وفاة شهرتها في أسرع وقت.
كاذب..
يكاد يجزم بأن حياته قائمة على كذبة أساسها عائلة صالحة وخلاف ذلك لا صحة له مادام لم يوجد إثبات على ذلك..
كاذب..
يدرك ذلك جيدًا فزوجته المصون رغم إصراره على إجهاض الجنين إن أرادت لعلاقتهما أن تكتمل إلا أنها رفضت وأخبرته بمنتهى الوقاحة بأنها ستغادر بعدما تضع الصغير حتى لا تؤثر على استقرار عائلته..
كاذب..
يعلم بكل صراحة أنه لو أخبرها بأنه لم يردها من الأساس وسبب وجودها هي أمها لتركته أو ربما سلطت عليه قاتل مأجور للتخلص منه بسبب ما فعله به. 
كاذب..
بالطبع لن يخبرها بأنه اختطفها من أمها عقب ولادتها مباشرة حتى لا يكون هناك ذيول لعلاقته بها ثم انقطعت علاقتهما ولم يرها بعد ذلك سوى مرة واحدة اقتحمت فيها مكتبه وأخبرته بحرقة أم ظنت ابنتها توفت منذ ولادتها لتأتيها ممرضة وأخبرتها بكل شئ حدث يوم ولادتها..
"أين ابنتي علي"
"أرجوك أخبرني أين هي ولن أزعجك فيما بعد أو أطلب منك الاعتراف بها"
"تعلم بأني أحببتك لكن منذ هذه اللحظة وقلبي لن يهدر سوى بلعنات عليكَ وعلى اليوم الذي قررت الارتباط بك فيه"
كل تلك كانت كلمات أخبرته بها يوم قابلته لأول مرة بعد ثلاث سنوات من الحادث، اعتزلت كل شئ بعدها وظلت تبحث عن ابنتها دون جدوى وفي النهاية ماتت جراء أزمة قلبية مفاجئة، حينها قرر البحث عن الصغيرة بعدما أخبر زوجته بضرورة تبني فتاة تكون شقيقة لكارمن لكن في النهاية كانت قد اختفت تمامًا ليتنهد براحة فقد انقطعت العلاقات بينهما لكن الأيام فاجأته بما قد نسيه في زحمة الحياة.
- أنت. 
قالتها تمارا بغضب وهي تلوح بيدها أمام وجهها بعدما شرد فجأة دون سابق إنذار..
- أرجو منكِ أن نبدأ من جديد..
قالها بهدوء بعدما حسم أمره فيما يريد.. لتناظره باستخفاف لكنه لم يدع لها مجالًا للثرثرة بالمزيد بل أكمل بهدوء 
- سأعترف بكِ.
- والمقابل..!
باغتته بتساؤل فكر فيه كثيرًا لكنه لم يجد إجابته بعد، صمت قليلًا وكأنه يفكر فيما يريد قبل أن يبتسم بسعادة وهو يخبرها
- أن تبقي بجانبي طوال حياتكِ.
إن قال أحدهم بأن تمارا قد تم تسديد ضربة قاتلة لمشاعرها في تلك اللحظة فلن يصدقها أحد، باغتها بحديثه فهو بكل تأكيد يرغب بشئ ما لكنه يعلم تمامًا بأنه إن أخبرها به فلن توافقه قط بل سوف تتهمه بالجشع..
ضحكت..
إجابتها على حديثه كانت ابتسامة قاتمة رسمتها على ملامحها بتأن تبعه قوله الهازئ رافضة لأي علاقة قد تجمعها به
- لقد صارعت وحدي الحياة من قبل ولن أعرف معنى الضعف في الوقت الحالي لذا..
زفرت أنفاس ربما علقت في صدرها لحظات وأكملت بإصرار قد اكتسبته مؤخرًا من حديثها مع أركان
- عرضكَ مرفوض سيد علي.
ثم تركته واتجهت نحو الباب تنوي المغادرة، التفتت له وأخبرته بلامبالاة
- أتيت اليوم فقط لأعرف أي شخص قد تكون..
أحكمت يدها على مقبض الباب وفتحته دون كلمة إضافية لكنها تذكرت شئ ما وأخبرته دون أن تنظر إليه
- سوف أتزوج في أقرب وقت من معاذ. 
ضحكت باستخفاف وأكملت بنبرة ساخرة
- ابن شقيقتكَ الراحلة.  
غادرته دون إضافات بعدما سددت له لكمة ربما لن يُشفى منها في الوقت الراهن، لكمة جعلت من عقله بركان على وشك صب حممه البركانية في كل مَن يقابله للتخلص منه.
تبًا لذاك المعاذ..
قالها بغضب تلك المرة وهو يتذكر كيف رفض تقربه من ابنته كارمن والآن سوف يتزوج من ابنته الأخرى.
يشبه العلكة كثيرًا كلما قذفها بعيدًا عادت بإصرار لتنفيذ مخطط أكبر وهو لن يسمح له بذلك.
يمكنك الفوز بجولة لكن المعركة أمرها لم يُحسم بعد لأن زمنها مفتوح ولا يوجد فائز إلا بعد أن يلفظ الخصم أنفاسه..
يمكنك إتباع القوانين من عدمها.. تدبير الخطط ونشر السُم في جسد الأقربون لكن تذكر بأن لا حدود تحكمك وحين سقوطك لن تجد أي ید تُمد لك.
- أنتَ بخير سيد علي؟
قالها الجندي وهو يقترب منه بنبرة قلقة ليومأ له عدة مرات علامة الإيجاب، وضع في يده الأصفاد واتجها إلى خارج الغرفة في الطريق إلى مكانه. 
تذكر علي بأنها اشترى ولاء ذاك الحارس فقط بلفافتي تبغ ومبلغ زهيد من المال، ليصبح كما الكلب المطيع لسيده، تنهد بقلق وأخبرته بنبرة حذرة وهو يمد يده بلفافة أخرى
- أبحثت عن الأمر أم ماذا؟
تلفت الجندي حوله عدة مرات يتأكد من عدم وجود أحد بالقرب منهم قبل أن يقترب منه يخبره بنبرة هامسة حتى لا يستمع إليه أحد
- بالطبع سيد علي.
حك مؤخرة رأسه بتشتت من إخباره أم لا لكنه في النهاية قرر الإفصاح عن كل شئ ربما ينال من عطائه جوانب أخرى
- أحدهم أوصى بعدم خروجك من خلف القضبان في الوقت الراهن متحججًا بأنكَ شخص غير سوي وترغب في التخلص من ابنتكَ للحصول على إرثها من والدتها الراحلة.
- ماذا؟
قالها بغضب وهو يقف من مكانه فالفتاة كانت هنا قبل قليل ويبدو بأنها لم تفعل أي شئ مما يقول ذاك الأبلة أمامه.. خلق قليلًا وأكمل بعدها بهدوء
- لكن سبب وجودك خلف القضبان في كونكِ تتهرب من الضرائب، الاتجار بالعملة وأيضًا الشروع في قتل شخص يُدعى أركان الدالي بالمناسبة هو صاحب كل الشكاوي المذكورة أعلاه.
اختتم كلماته وفتح باب الزنزانة يضعه بها قبل أن يعطي علي اهتمام أكبر لكل ما أخبره به الحارس ليس هذا فقط بل البحث عن ذاك المجهول الذي يُصر على التخلص منه دون أن يعرف مَن يكون حتى.
بعض الأسباب لن تصبح سوى نتيجة بمرور الوقت حينما تدرك بأن كل ما فعلته لن يأتي عليكَ سوى بِشر مطلق لن يطالك وحدك بل ربما سوف يهلك كل شخص اتخذ صفك من قبل والقادم بالنسبة لك ليس هين قط فبمقدار خطيئتك سوف يكون الميزان للقصاص منك دون تجزأة فقط عقاب غير مشروط.
الحياة تعطيك فرص كثيرة للتكفير عن ذنوب اقترفتها في السابق وحينما ينضب رصيد المغفرة سوف تجد عقاب أشد وطأة مما تفكر، ينتظر نقاط ضعف أصابك بها الزمن على مر العصور وحينما تأتي لحظته في التخلص منك يبدأ في تصويب ضربات مميتة تجاهك دون أن يرف له جفن..
فقط أنت وذنوبك في كافة والباقي محصلة لن تنفعك بعد الآن.
.....................
الاستسلام من عدمه يكمن في عزيمة قوية تدفعك إلى الأمام وقت ضعفك، تحثك على فعل المزيد في لحظة ظننت فيها أن النصر حليفك وهو أبعد ما يكون.
هي..
حواء أخرى كوتها نار الانتقام في غفلة منها بعدنا استمعت إلى ثرثرة رجل أخبرها بأن راحة باله بين يديه وما عليها سوى فعل ما يخبرها به حتى تنعم بفوز يليق بها.
رجل حاول بكل طاقته العثور عليها وكأنها آخر بطاقة له للحياة وما بعدها سراب لن يستطيع تخطيه قط.. رجل جاهد والأغرب أنه آمن بوجودها حتى التقت بآخر أخبرها صراحة أن الانتقام مائدة مفتوحة وما عليها سوى تشكيل طبق يناسب ذوقها..
أغمضت عينيها بتعب من كل ما يحدث معها في الآونة الأخيرة فهي قبل سنوات لم تفكر في انتقام قط حتى ظهر رجل يُدعى أنه وسيط لآخر يرغب منها أن تساعده في القضاء على عدو مشترك بينهما.. أخبرها بأن العدو يديه ملطخة بدماء أبرياء ربما لو كانت سنحت لهم فرصة ثانية لعاشوا أفضل من الآن.. ثرثر كثيرًا متبعًا منهجية الثرثرة أفضل مائة مرة من السحر بل ولها مفعولها الخاص والنتيجة قابلته في السجن بعدما عادت إلى أرض وطنه ليخبرها بمنتهى الوقاحة
- تشبهين حياء..
صمت لحظات وأكمل بعدها بإقرار حينما وجد التساؤل يلوح في الأفق
- ابنة غريمنا المشترك.
لحظة واحدة كانت كفيلة بأن يشعل فتيل غضبها بعدما صرح بوقاحة
- عدى تلك الندبة أسفل عينك.
نظرت له بحنق وأخبرته بلامبالاة
- انا المخطئة سيدي لا أنت.
همَّت بالرحيل ليخبرها بهدوء
- ألا تريدين رؤيته في عُرس ابنته آنسة إيما..!
ثم ترك لها ورقة بعنوان المكان الذي سيُقام فيه العُرس مساءً.. غادرته وهي تلعن نفسها كونها وافقت على مقابلة رجل في السجن بل وأتت من آخر الدنيا للقائه ظنًا أنه قد يفيدها في شئ.. 
وفي المساء استقلت سيارة أُجرة إلى العنوان المنشود لتتسمر مكانها حينما وجدت أخرى تُشبهها كثيرًا تتأبط يد رجل من وجهة نظر الجميع ومن وجهة نظرها هي قاتل في ثوب حكيم.
شعرت بشئ ربما لم تختبره لأول مرة وهي تجد سعادة تحف المكان من كل الاتجاهات؛ لتكتم غيظها من فرط الغضب وهي تتذكر ذاك اليوم الذي توفى فيه والدها أمام عينيه بسببه هو.. لعنته هو وابنته وتمنت من كل قلبها أن تأتي سحابة تصيب سعادتهم تلك وتبدلها بتعاسة لآخر العمر..
دقائق مرت حتى حقق لها العريس المزعوم أمنيتها لتبتسم بسعادة وأفكارها تقسم بأنه في المستقبل القريب سوف تكون السبب في إكمال لوحة التعاسة تلك..
التفت لتخرج من المكان بأكمله مقررة التعاون مع أصدقائها المؤقتين من أجل نسف تلك العائلة عن آخرها وفي أثناء خروجها اصطدمت به "أوار قلبها" لتعدو مسرعة وقلبها أسر تلك الثوان التي ظلت أمامه فيها مقررة أنه سيكون حبيبها في الغد القريب لكن عليها الآن أن تُكمل مخططها وبعدها تفعل كل ما يحلو لها.
- أنتِ بخير..!
استمعت إلى سؤال حذر من غريمتها الغير محظوظة بالمرة وهي تقترب منها بمقعدها المدولب لتنظر لها بنفاذ صبر وبعدها أخبرتها بنبرة هازئة
- كيف أكون بخير وأنتِ ابنة الرجل الذي دمر عائلتي دون أن يرف له جفن.
ابتلعت حياء غصة مريرة واقتربت منها تحاول مواساتها، تتمنى لو كان الأمر بيديها لعادت إلى تلك الذكرى الأليمة التي كانت سببًا في كل ما يحدث معها وتبدلها بشئ ألطف.. ربما حينها لن ترى كل ذاك الكره في عينيها.
- أيمكن أن نصبح صديقتين..!
قالتها حياء بجدية لتنظر لها الأخرى باستخفاف وهي تخبرها بلامبالاة
- أيمكن أن تُعيرني أوار زوجًا لي في السبيل التخلي عن كل ذلك.!
شهقة هي كل ما مصدر عنها، نفور غلف نظراتها ورفض قاطع زين عقلها لتتأملها إيما بلامبالاة لتخبرها بعدها بحنق
- كلا الأمرين متساويين من وجهة نظري.. أنتِ ترفضين قلبًا قبل قالبًا لكل ما أقول وأنا كذلك لذا لا داعي سيدة حياء أن تُشفقي على حال كان والدك السبب الرئيسي فيه.
مَن اتخذ درب القسوة صغيرًا لن تصيبه بعض من أشواك القدر حينما يكبر.. وهي تجرعت القسوة حتى أدمنتها واليوم لا يوجد لديها ما تخسره فقط هي وروحها في مقابلة ماض ربما لم ينجو منه سواها..
- أتعرفين شئ حياء..!
قالتها بهدوء وهي تتأمل الأخرى بنظرات متفحصة من ردة فعل ربما لن تعجبها قط
- يوم ترككِ صهيب قبل إعلان زواجكما بلحظات.
أعادت إليها ذكرى تحاول الهروب منها.. تتمنى لو أنها لن تحدث قط لأنها كانت السبب في فقدان والدها.. ذكرى تكويها بسوط التأنيب لأنها لم تستمع إلى أحد واليوم أتت تلك لتأديبها على ما اقترفته في حق نفسها..
- الحزن والكسرة في عين والدكِ أحياني بل وشجعني على المُضي قِدمًا فيما قررت دون أي خوف مما قد يحدث.. فقط هلاكه هو الحافز الوحيد لعودة روحي إلى الحياة من جديد.
أرادت أن تجعلها تصمت حتى لا يجلدها عقلها من إثم تحاول الهروب منها لكن يبدو أن الأخرى قد تقصدت وضع الملح على الجرح دون أي خوف مما قد يحدث للطرف الآخر
- يومها أردت شكر صهيب من كل قلبي على ما فعله بكِ لكن تأمل والدكِ وهو في تلك الحالة جعلتني اتأمله فقط دون فعل أي شئ آخر.
انتفضت من مكانها واتجهت إلى بقعة منعزلة قليلًا أحضرت منها دفتر يوميات وضعته بين يدي حياء وأخبرتها إيما بنبرة لا تقبل الشك
- دفتر يوميات يحوي على الكثير من التفاصيل التي تخص جميع أفراد العائلة. 
جلست مكانها ثانية أعلى الدرج وأكملت بهدوء وهي تضع طلاء أظافر أهداه لها طارق من قبل
- والد معاذ أهداني إياه.. 
تأملت شكل أظافرها بفتور وأكملت بلامبالاة
- لكن يبدو بأنه يكره تلك العائلة حد النخاع..
ضحكت باستخفاف حينما لمحت أوار يأتي من بعيد عليهم واستطردت حديثها بنبرة هازئة أكثر من السابق
- والسيد جمال كذلك.
لحظات مرت عليهم وأخبرت كلاهما بنبرة هازئة
- يبدو بأن تلك العائلة وما يخصها عبارة عن مجموعة أفاع تلتف حول بعضها بخبث وحينما ينتهي كل مصلحة تحت بند العمل يلدغ كل منهما الآخر بشراسة أملًا في إزاحته عن الطريق.
أهل الانتقام ليس لديهم سوى باب واحد للدخول منه أما الخروج فهو مُعلق حتى يتم الانتهاء من كارثة يريد إتمامها، من بذرة شر لن تنمو وتزدهر إلا بعد أن ترتوي بدماء آخرين ذنبهم الوحيد أنهم كانوا وسيلة لتحفيز شر مطلق لم نظن قط أنه بداخلنا.. لم نشعر سوى بخنجر الخيانة يُدمي قلوب وثقت بها وحينما أتت لحظة انفجرت براكين حقد لن تنضب إلا بسلب أحد الروحين "المقصود هنا الجاني أو الضحية" حينها فقط سوف يرتاح الطرف الآخر ويزيل عن كاهله حِمل أثقله لسنوات مرت كالدهر دهست فيها كل جميل داخلنا.
.....................
الحياة لحن ربما لن يعجبك إيقاعه لكن رُغمًا عنه يجب عليك الاستماع إليه.. النفور من نشوزه وكتم كافة ملاحظاتك داخلك حتى لو لم يعجبك كل ما يدور حولك.
- ألازلتِ تعشقين صهيب نيا..!
سؤال غاضب صدر عن ذاك الواقف أمام باب منزلها حينما أرسلت له رسالة نصية فحواها أنها تريد إنهاء تلك الزيجة كونها غير مرتاحة معه.. قلبها لم يتقبله بعد وحياته دونه ستكون أفضل بكل تأكيد..
- اصمت باسل.
قالتها بحُرقة موازية لكل غضب يعتريه في ذلك الوقت تحديدًا، جاهدت على منع دموعها من التساقط أمامه في تلك اللحظة تحديدًا
- أنتَ تدرك جيدًا بأن لا شأن لصهيب فيما يحدث بيننا لذا لا داعي لقول حديث يجرح كلانا دون أن تشعر.
- أرجوكِ نيا.
وضعت يدها على وجهها تداري به حسرتها الغير مبررة من وجهة نظره، حاول إزالة يدها واستند على الحائط جوارها ليخبرها بحنان
- أرجوكِ نيا كل شئ يمكن أن نجد له حل لكن لا تتركيني هكذا دون معرفة السبب.
- بعدها يمكنكَ الابتعاد عن حيز حياتي باسل.
تأملها بحزن مما يحدث معهما فالعلاقة بينهما في الآونة الأخيرة كانت مستقرة إلى حد كبير بل وقد تقاربا كثيرًا وأصبحا يتشاركان كل شئ حتى أتته بكل ذاك الجنان الآن.
- صديقتكَ السابقة أتت إلي وأخبرتني أنها تحمل صغير بين أحشائها منك.
جحظت عينيه بصدمة نتيجة ما قالته ولسان حاله يردد بعدم فهم
- أي صديقة تلك.
صمت قليلًا وأخبرها بغضب
- أقسم بأنه لم تكن هناك أي علاقة بيني وبين أي واحدة أخرى بل أيضًا.. 
صمت لحظات وأخبرها بغضب
- لم تكن علاقتي جادة بإحداهن سواكِ..
لم يكد يُكمل كلماته حتى ظهرت إحداهن من خلف ظهر نيا بحزن مصطنع تجاهد على ألا ينكشف أمرها ليصيح فيها بدهشة
- أنتِ.
اختتم كلماته والأخرى تصيح فيه بفرخ قبل أن يتلقفها هو بين يديه ويدور بها عدة مرات في سعادة غامرة لتخبره بسعادة
- اشتقتك حبيبي.
.............
#من_بين_الرماد
#أسماء_رمضان

"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن