"الفصل الثامن والعشرون"
《الجزء الأول》الصدفة هي ألا تتوقع أمر كان نُصب تخطيطك منذ زمن، يشغل تفكيرك كل حين وعندما تركته جانبًا لفترة وجيزة من الوقت لهث خلفك حتى أصبح أمامك مباشرة لتندهش مما ترى.
مفاجأة قد تكون الأفضل في حياتك كلها لكن فتورك نحوها جعلها تصبح شئ عادي "مجرد تحصيل حاصل" وبالتدريج تألف وجودها لتنتعش بسعادة لا مثيل لها، سعادة ظننت بأن تحقيقها ذات يوم يلزم استنزاف طاقتك بأكملها دون فائدة.
ووجودها بحياته صدفة بداية من دلوفها من باب متجر لبيع الكعك تأخذ طلبها مع قهوة خالية من السكر، تكرر الأمر أكثر من مرة حتى بات ينتظرها كل صباح ليبدأ يومه، دون قصد منه تعلق قلبه بها وأصبح يتأمل طيفها بعد مغادرتها وينتظر بسمتها الهادئة قبل قدومها، لم تلاحظ وجوده يومًا فهو استطاع الاختباء حتى تحين اللحظة المناسبة، عرف كل شئ عنها وأدرك بأن اسمها
- كارمن.
هكذا أخبره باسل في أحد الأيام بعدما مل مراقبة صديقة لها بصمت دون اتخاذ خطوة واحدة إيجابية نحوها، حثه على التعرف عليها ربما تكون زوجته مستقبلًا ليتراجع عن الأمر تمامًا بعدما وجدها تتحدث مع إحداهن عن آخر تعشقه حد النخاع، في تلك اللحظة أدرك بأن عزيزته كارمن التي لطالما أحبها دون وجود معرفة مسبقة بينهما لن تكون له مهما حاول لذا ابتعد خطوتين يراقب كل ما يحدث في الخفاء وبعدها قد تحين فرصة ينتظرها باستماتة.
في أحد الأماكن الهادئة كان يجلس مع باسل وصديق آخر له يتمازحون حول أمر بعينه يخص باسل الذي تحدث قائلًا
- بمجرد أن يدق قلبي لإحداهن لن أتنازل حتى تكون زوجتي وكفا.
علت ضحكات الشابين ليضحك غيث قائلًا من بين ضحكاته فهو غير قادر على التنفس من تلك المزحة التي ألقاها صديقه في وجهه ليقول بتهكم
- إن أردت ذلك وجب عليك محو كل جهة اتصال تخص الفتيات من جوالك المحمول.
ارتفعت ضحكات باسل تلك المرة لكنها مشاكسة أكثر منها سعيدة ليجيب على صديقه قائلًا
- حينها فقط سوف أغير شريحة الهاتف إلى أخرى جديدة تخصها وحدها دون شريك ينغص عليها حياتها.
باسل لم يتوانى في التفاخر بصداقاته وكم ستتبدل حياته بمجرد حصوله على شريكته المثالية التي يدق لها قلبه بل وتمتلك زمام أموره، أخبر غيث بأن الفتاة تريد أن تكون الوحيدة بحياة شريكها مهما سبقها من أخريات لكنها تود أن تصبح الوحيدة طوال فترة وجودها معه.
تعالت ضحكات الجميع لتبهت ضحكة غيث حينما وجد كارمن تدلف إلى المكان تقدم قدمًا وتؤخر الأخرى، جلست على طاولة بالقرب منهم ليبدل مكانه مع صديقه حتى يستطيع رؤية وجهها بوضوح، طلبت قهوتها وجلست شاردة وكأنه يوجد ثِقل على جسدها يمنعها التنفس بسهولة، لحظات سريعة بالنسبة له مرت قبل ظهور آخر يعرفه جيدًا فهو غريمه الأزلي في العشق، سحب مقعد ليجلس عليه ويكون مقابلًا لها بدأ حديثه ببضع كلمات لم يفهمها لكن يبدو بأنها اعتذار ما ليجدها تبتسم باطمئنان وياليته كان مكانه في تلك اللحظة ليأسر بسمتها تلك بين خلاياه علها تكون عونًا له في بعض أيامه الحالكة.
ظهر التوتر بينهما لتصبح المناقشة بين شد من طرفه وجذب من طرفها هي، تستجدي عاطفته وتريد منه ألا يخذلها أو يفكر في أذية قلبها المسكين، تنهد بضيق وهو يشعر بانعزال عما يدور بين صديقيه ليجذبه باسل من طرف قميصه لينظر له الآخر بحزن لكنه استمع إلى جملة اخترقت أذنه كما الرصاصة تخترق سكون الليل
- بمرور الأيام ستصبحين زوجة أحدهم.
هكذا قالها معاذ وكأنه سئم من تلك العلاقة ويريد توديعها وكم تمنى أن يكون هو أحدهم المُشار إليه في الحديث وقبل أن يتفاقم الأمر بينهما حثه باسل على الذهاب إليهم ليذهب معهم بتكاسل إلى الطاولة التي تجلس عليها كارمن ليقول غيث بعبث
- لِم البكاء عزيزتي.. أراد الرحيل!
تساؤل تمنى أن تجيبه بنعم ليخبرها بقوله العاشق بأنه موجود لكنها لا تراه مع نصيحة صغيرة بأنها يجب أن تخرج من حيز معاذ حتى تجد كل جميل حولها لكنها دفنته برعونة لأجل آخر قرر الرحيل عنها دون سابق إنذار.
عندما طال صمته وكزه باسل لينظر له بثقة بعدها أخبرها بتحدي
- فليرحل.. أنا موجود.
ضحك ثلاثتهم وكلمته الأخيرة تأكيد مع سبق الإصرار بأنه موجود منذ زمن لكنها لا تراه، تمنى في تلك اللحظة أن تقرأ مشاعره الجياشة نحوها لكنها كالأبلة لم تستطع تفسير أي شئ لكن صدح صوت باسل يوجه حديثه لمعاذ قائلًا
- أيها المتلعثم لا تكسر قلب فتاة ولسانك عطب لا يقو على قول جملتين مفيدتين.
وبطرقعة إصبعيه الأوسط بالإبهام لجذب انتباهه تبعها تهكم غيث الصريح
- غير قادر على الحديث وتعشق إحداهن!
قالها باستخفاف وكم آلمه حزنها ليحاول تجاوز الأمر مؤقتًا ليُكمل حديثه قائلًا
- اترك الفرصة لنا طالما لا تقدِّ الجمال.
بمجرد انتهائه من تهكمه وجدها تنقض عليها بحنق دون الخوف مما قد يظنه الباقون وأخبرته بغضب
- اصمت لا أريد سماع نباحك يا هذا.
أراد الضحك على حديثها لكن تبدلت ملامحه للصدمة حينما ألقت كوب ماء موضوع على الطاولة على وجهه، أزال بضع قطرات عالقة بين خصلات شعره وداخله شامت به لأبعد الحدود فهو يستحق كل هذا فلو كان مكانها وأتى آخر وفعل مثلما فعل هو لأخفاه من على وجه المعمورة.
نظر لها باستهجان قبل أن يشملها بنظرة باردة ليخبرها بعدها بإعجاب لم يستطع إخفائه تلك المرة
- لبؤة حادة الطباع لكنها نوعي المفضل.
وتلك المرة كان جوابها أسرع من البرق حينما أهدته صفعة زينت وجهه الوسيم دون تردد وفي تلك اللحظة فقط أراد الانقضاض عليها لكن قبل أن يفعل أي شئ وجد الأمن يفض الاشتباك وطردهم خارجًا ليقول غيث لأحد الأفراد بحنق
- أجننت يا هذا فأنا شريك مثل والدي في المكان.
لم يستطع إكمال حديثه فقد لوح له أحد الأفراد بحنق تلاه قوله الهازئ
- والدك هو مَن أخبرنا بطردك إلى الخارج سيد غيث حتى لا تشتبك مع أحد آخر.
علت ضحكات صديقيه لينظر إليهما بحنق لكنهما كان قد سقطا أرضًا من فرط الضحك فوالد غيث قد أخذ فكرة سيئة عن ابنه الخلوق البار الذي لا يفعل شئ دون الرجوع إلى والده، جلس جوارهما أرضـًا ليضحك ثلاثتهم على الموقف قبل أن يضع صديقهم يده على غيث وأخبره بعدها بحنان
- إن كنت تعشقها بحق فاذهب إليها من بابا المنزل ولا تحاول التعرض لها ثانيةً مهما حدث.
أومأ له غيث في استحسان مقررًا الخطوة القادمة ستكون عند والدها وليحدث مع يحدث بعدها محاولًا التجاوز في تلك اللحظة عما فعلته هي عاذرًا إياها بأنها قد خُذِلت لأقصى درجة في لحظة تخلى فيها الحبيب عنها فأصبحت مجروحة لأقصى درجة لتمر الأيام ثقيلة بعدها خاصةً بعدما قرر عدم رؤيتها مجددًا، في ذلك اليوم استقبل رسالة من صديقه يخبره بأن معاذ غادر مصر بأكملها وحانت لحظته المناسبة في اقتناص الفرص عله يقترب منها دون شعور بالذنب منه، غادر غرفته بسعادة بعدما اعتكف فيها فترة لا بأس بها وقرر الذهاب إلى المقهى الذي ترتاده كثيرًا ليجدها تجلس منزوية في أحد الزوايا تتنهد بحسرة وملامحها توشي بأنها قد تضاعف عمرها بين ليلة وضحاها، أشار للنادل ليأتي إليه بإذعان، طلب منه مشروب لها وكتب في ورقة عدة كلمات وأمره أن يعطيها للفتاة الجالسة هناك، اختتم كلماته وأشار إلى الطاولة ليفعل النادل كما طُلِب منه واتجه نحوها، وجد ملامحها تُشرق ثانيةً بعدما قرأت كلماته المنمقة
"لا يليق بكِ سوى السعادة كرمونتي"
أشرقت بسمتها ليغادر المكان قبل أن تتعرف عليه وآخر شئ طُبع في ذهنه بسمتها السعيدة وكأنه قد تضاءل عمرها للنصف.
استمع لصوت طرقات على الباب أخرجه من شروده العاصف بعدما أخذته ذاكرته إلى ذكريات لن تتذكر عنها كارمن شئ لكنها محفورة بين ثناياه دون أن ينقص منها لحظة واحدة.
أَذِن للطارق بالدلوف والذي لم يكن سوى والده الذي نظر له بحزن وجلس على أقرب مقعد، خيم الصمت بينهما لحظات قبل أن يقطعه غيث بقوله
- تريد قول شئ أبي!
استفهام أو استنكار لا يدري لكنها خرجت منه هكذا بدلًا من أن تكون حادة تؤذيه هو ومَن حوله دون سابق إنذار ليتنهد والده بضيق ليخبره بعدها بتعقل
- أريدك أن تعود لسابق عهدك غيث لا أن تدفن نفسك بين الثرى.
وغيث قد فهم كلمات والده بصورة خاطئة ليقول بحنق من مسار تفكيره
- زوجتي اختفت قبل العرس بساعات ولا أعرف إن كانت حية أم ماذا وأنتَ تريد مني أن أعود لسابق عهدي.
وقح في غضبه..
هكذا أكد والده تلك المعلومة لنفسه فغيث شديد الصبر لكن عندما يغضب يدمر كل شئ تطاله يده بغباء منه، لوح له والده بغضب من مسار تفكيره الغير ناضج بالمرة ليبرر والده موقفه قائلًا
- لا أريدك أن تجلس هكذا مثل المرضى حتى لا تمرض
صمت لحظات يحاول التفكير في كلماته حتى لا يفهمها تلك الأبلة خطأ للمرة الثانية
- صهيب أخبرني بأنكَ استطعت العثور على مكان في الفندق يظن الكثير بأن كارمن كانت به بعد خطفها مباشرة وساعدت الشرطة في ذلك.
تنهد يزفر بضيق وكأنه يحاول تخطي حاجز نفسي بينه وبين صغيره باختيار أنسب الطرق وأكثرها راحة
- لا تعتمد على الشرطة في العثور على حبيبتك غيث بل أفعل كل شئ وكأنها آخر مهمة لك على الكوكب.
وضع غيث رأسه بين يديه بتخاذل وكأنه لا يعرف أين السبيل الذي يسلكه أولًا ليتحرك والده من مكانه واتجه إليه يجلس جواره يحتضنه بحنان وهو يخبره
- أتذكر يوم أخبرتني بأنك تريد الزواج من أنثى ثائرة المشاعر.
نظر له غيث بتيه ليكمل والده بحنان
- حينها تسلل إلى إحساس بالسعادة مثل ذاك الذي شعرت به يوم تزوجت والدتك.
- أشعر بالعجز أبي.
ربت والده على كتفه عدة مرات يشد من عزيمته ليخبرها بعدها
- باسل العابث يمكنه أن يساعدك باعتباره محترف في علم الحاسوب.
وكلماته الأخيرة لم تكون سوى شعاع نور استطاع أن يضيء عتمة كانت تحت قبضة ليل لم يزل سواده بعد، انتفض من مكانه وعينيه تلمع ببريق وكأنه في تلك اللحظة قد تقمص شخصية المحقق كونان دون أدنى مجهود كل ما يحتاجه فقط هو صديقه باسل.
وعلى ذكر الصديق كان ينتظر منذ ما يقارب الساعة صديقته نيا بأحد الأماكن القريبة من المنزل ولم يغفل عن استئذان طارق حتى لا تكون العواقب وخيمة، أرسل لها رسالة نصية يتساءل أين هي لتجيبه في التو بأنه ينقصها بضع دقائق وتكون أمامه.
وبالفعل بعد عدة دقائق كانت أمامه تلهث بتعب لينظر لها باستفهام ما لبث أن أجابته بهدوء
- اعتذر باسل فالعمل لا يرحم.
ابتسم بسعادة من تذمرها الحانق قبل أن يطلب من النادل عصير ينعش داخلها ثانية بعدما ذبل بسبب العمل، وضعت حقيبتها جانبًا واستأذنته بالذهاب إلى المرحاض ليتأمل طيفها بسعادة قبل أن يضع العامل ما طلبه ويغادر في صمت، لحظات وأتت ثانيةً تخبره بهدوء وكأنها قد ألقت كل ما تخشاه عن كاهلها لبعض الوقت
- اعتذر باسل ثانيةً لكن اختفاء أوار من الوسط جعل العمل فوق رأسي ويحتاج للإنجاز في اقرب فرصة.
تفهمها..
وتعجب من نفسه لأنه تفهم موقفها..
فلو كانت إحداهن فعلت ذلك في الماض لتركها بحجة أنها لا تهتم به وتُفضل العمل عليه وفي النهاية ليقطع خيط الوصال بينهما كان ليخيرها بينه والعمل وبعدها تُكتب كلمة النهاية في اليسار بخط سميك.
- أرجو بأن تُنهي كافة أعمالك حتى يتسنى لنا الوقت ولقاء بعضنا البعض.
دعمها وجملته السابقة دليل على ذلك فهو يريدها الأفضل بين زميلاتها ولت يتخاذل في جعلها كذلك، تنهدت بضيق وزوت ما بين حاجبيها بتعجب قبل أن تخبره بشك
- ما العامل المشترك بينك وبين طارق لتتهامسا طوال اليوم دون كلل.
- أنتِ.
قالها طارق بإيجاز لترمش بعينيها عدة مرات قبل أن تعود للخلف ثانيةً تستند على الكرسي وداخلها لا يفهم ما يُرمي له لحظة واحدة داخلها يعرف جيدًا ما يقصده لكنها اتخذت من الغباء قاعدة لها حتى لا تهلك أو تتدمر مشاعرها تجاه آخر لا يراها كحبيبة في حياته.
- أنتِ العامل المشترك بيننا نيا.
قالها ثانيةً تأكيد على الأولى وأكثر ثقة بأن وجوده جوارها جاد حد الهلاك، ضحكت باستخفاف على حديثه لتخبره بعدها بلامبالاة من حديثه
- لكن كما لاحظت فأنا أعشق صهيب.
- لا يهم.
قالها بحزم ليرتشف من كوب الماء الموضوع أمامه ليُكمل قائلًا
- ما يهم في تلك المعادلة أنتِ وفقط.
ضحكت بسخرية على حديثه فهي لا تريد منه أن يتعلق بأمل زائف قد يؤذيه لأنها تعرف جيدًا بأن ندبة العشق لن تزول بسهولة، تنهدت بضيق وقررت الرحيل ليقول هو بهدوء مانعًا إياها مما تنوي
- العابث كان لقب لطالما أحببته منذ زمن.
قالها لتنظر له بعدم فهم ليخبرها بحنان
- لكن كل ذلك تغير بمجرد رؤيتك أول مرة جميلتي.
ابتسمت باستخفاف فهو يصف ما حدث معها بمجرد رؤيتها لصهيب وتعلقها بها بحكم زياراته المتكررة لطارق وصداقته معه حتى أتت نقطة معينة وبعدها انفجر كل شئ حولها خاصة مشاعرها التي أخبرتها بأنها تحبه كثيرًا ولا تنكر ذلك ومن بعدها أصبح هو البطل المغاور في قصتها حتى أتت اللحظة التي أخبرها فيها طارق بأن صديقه عثر على شريكة له ويعشقها حد النخاع، حينها تدمر عالمها الوردي الذي زينته بوجوده ولم تستطع فعل شى سوى حبه فهي لم تُشفى منه سابقًا ولا استطاعت تخطيه حاليًا فقط تحب صهيب وماتت من بعده كل الرجال بقلبها.
لوح باسل بيديه أمام عينيها لتنظر له بحزن لا يعلم مصدره ليخبرها هو بحنان
- نحن وجهين لعملة واحدة نيا أحدنا يعشق دون أن تُبالي به الأخرى بل وتعشق غيره وهو لا يُبالي بوجودها حتى.
ابتسمت من تشبيهه ذاك لكنها لن تستطيع منحه خداع لعشق منحته لرجل آخر دون تحكم فيه، تريد إيقافه عن خيالاته الجامحة تلك لكن داخلها لا يطاوعها فهو في نهاية المطاف عاشق لا يمكن التحكم في مشاعره مثلها تمامًا، استمعت لهمهمة صادرة منه تبعها قوله الحازم
- أريدك أن تعرفي كل شئ عن باسل حتى تكون العلاقة بيننا واضحة من اليوم الأول.
- لكن لن يكون بيننا أي شئ باسل.
قالتها باستفزاز ليحاول التماسك حتى لا يقذفها بالكوب في رأسها، تنهد بضيق وأخبرها بإصرار
- سيكون نيا لكن لاداعي للتعجل.
صمت لحظات وأخبرها بهدوء شارحًا بالتفصيل عن كازانوفا الجالس أمامها
- أُدعى باسل.
قالها واختتم حديثه بحركة مسرحية وكأنه يُحيي الجمهور أمامه وأكمل
- صديق غيث المقرب، محترف في علم الحاسوب.
صمت تلك المرة وطال صمته ليخبرها بهدوء بعدها
- هكذا كان تعريف رسمي عن باسل وكل فتاة عرفتها قبلًا تعلم ذلك جيدًا
عابث..
هكذا أخبرت نيا نفسها وكأنها تؤكد على ما قاله لها سابقًا لتستمع له يخبره بحنان
- لكن ما لا تعلمه الأخريات ما سأخبرك به تاليًا.
غمزة من طرف عينه أهداها لها قبل أن يُكمل حديثه بهدوء وكأنه يقص عليها أمجاده في حروب الأمن السيبراني على سبيل المثال
- لن أخبركِ بأني قديس لم تدخل فتاة حياته قط لكن حياتي كانت الفتيات بها جزء أساسي.
نظرت له نيا باستهجان فجرأته في التباهي لا يضاهيها أي شئ وقبل أن تنهال عليه بالكوب جوارها أكمل قائلًا
- لم تتخطى إحداهن حاجز الصداقة حتى جئتِ أنتِ ودمرتِ كل قانون يخص النساء في معجمي.
تلك المرة أحمرت خجلًا من حديثه ولم تقو على قول حرف واحد فقط تبتسم فهو عرف جيدًا كيف يداعب تلك الفتاة داخلها ليستأنف باسل بقية حديثه قائلًا
- وأصبحتِ الأنثى الوحيدة التي أتوق لوجودها جواري كل حين بل والأدهى بأنكِ أسرتي كافة حواسي دون إنذار.
ابتسمت بسماجة من حديثه ليخبرها بتقرير وكأنه كف عن لعبة المراوغة التي اتخذتها منذ زمن
- بالمختصر لم يدق قلبي لأنثى سواكِ.
وكما توقع وجدها تنكس رأسها للأسفل بخجل فمهما كانت الأنثى عاشقة لغيره إلا أنها تخجل من معاكسة عابرة ليُكمل هو بهدوء
- أول مرة رأيتك فيها شعرت بأنكِ قطعة من روحي ولم يستطع قلبي تخطي وجودك في حيز لم أعثر عليه مع سواكِ.
تحاول الحديث لكن لسانها يعجز عن الكلام وبعد أن استجمعت جزء من شجاعتها المفقودة لتخبره بحزم
- كلام جميل لكن لا يعنيني في شئ باسل.
ضحك على حديثها ليخبرها بحنان
- فرصة واحدة.
صمت قليلًا وأكمل بحنان
- أريد منكِ أن تعطيني فرصة واحدة نيا وبعدها افعلي ما يحلو لكِ.
نظرت له تحاول استيعاب ما يطلبه منها ليُكمل بهدوء بعدما استراح في جلسته
- فرصة مباح فيها أي شئ وغير مسموح التفكير في صهيب فقط التفكير بي نيا.
تنهدت بضيق تحاول الهروب من حصاره لكنها لا تستطيع والسبب أنه يوجد صوت داخلها يحثها على المضي قدمًا بعيدًا عن بناء صهيب الذي شيدته داخل قلبها وصوت آخر رافض لكل جديد يجبرها على البقاء أسيرة لعشق صهيب مهما حدث وكأنها دُمية تصارع بين مشاعرها وإحساسها.. بين الماض وما يتوقعه منه المستقبل وفي النهاية سقطت هي تحت مقصلة العشق دون رحمة فقط كل ما تريده الخلاص مهما كانت العواقب وخيمة.
- تراهن على مشاعرك تجاه مجهول ولا تعلم بأن العواقب وخيمة سيد باسل.
قالتها نيا بهدوء لينظر لها هو بتحدي قبل أن يخبرها بحنان
- إن كنتِ خائفة فلا داعي للمُضي قِدمًا معي وليكن كل ما تفوهت به منذ قليل فراغ.
- لست خائفة من حديثك باسل بل سأخوض معك تلك التجربة لأثبت لك بأن استنزاف المشاعر يؤدي إلى الهلاك في نهاية المطاف.
ابتسم بثقة من موافقتها السريعة عكس ما توقع تمامًا ويبدو بأن الاستفزاز أسهل الطرق إلى قلبها وهو ما سيتبعه معها منذ الآن حتى تنهار كل قلاعها أمام عشقه.
ما بين عاشق يحاول إثبات نفسه أمام حبيبته وآخر تمكن منه الشك حتى نخر قلبه من شدة الألم حرف عائد على قلب أحب بصدق ولم يستطع تخطي الأمر كما كان من قبل متمنيًا العودة إلى نقطة لا يشعر بعدها بأي شئ مهما حدث ليصبح منعدم الإحساس وهذا يريحه للأسف الشديد.
وضع رأسه على المقعد جواره يتذكر تلك المكالمة التي أجرتها حبيبته تمارا فقد كان يمر صدفة من المكان الذي تنزوي فيه حتى داعب أذنيه قولها الهازئ بإصرار لم يعهده منها
- لن أفعلها.
قرر المغادرة لكن كلماتها كانت مهترأة من كثرة الخوف، مهتزة وكل ما بها يضطرب جُبنًا مما هي مقبلة عليه، لم تستمع لتعقيبه على ما قالته، نظرت للهاتف لتراه لازال معها على الطرف الآخر لتقول بهدوء بعدما اكتسبت المزيد من ثقتها المفقودة
- لن أكون الخنجر الذي يطعن معاذ بعد الآن.
هنا أراد أن ينقض عليها ليعرف ما تخطط له خلف ظهره دون علم منه لكن للحظة قرر التريث حتى لا ينفجر في وجهها وتكون العواقب لا تسر الناظرين.
صمت من جانبها وكأنها تستمع إلى حديث الطرف الآخر حتى وجدها تقول بغضب ممزوج ببعض من كبرياء لا تريد فقدانه في تلك اللحظة تحديدًا
- لن أستطيع بعد الآن
سالت دموعها بيأس واستمع إلى صوت شهقات تحاول الخروج من معقلها لتكمل بعدها بحزن بعدما استطاعت التحكم في نفسها
- أرجوك اصفح عني من أسر لازلت محاطة به دون شكوى حتى هذه اللحظة.
صمت لم يخلو من بضع شهقات مبتورة من طرفها وتخمينه بأن الطرف الآخر يتوعدها، تنهد بضيق وقرر المغادرة فآخر ما استمع له الآن كان
- لن أفعل ما تريده بعد الآن وافعل ما يحلو لك.
إن قال بأنه لو سقط من الطابق العاشر ولم يحدث له شى مقارنة بما استمع إليه من جانبها سيظنه البعض أحمق وقد يكون مجنون تعاطى جرعة زائدة من مسكن ما جعلته غير قادر على التفرقة بين الهلاوس والحقائق لكن حينها شعر بنفسه يتمزق ولا سبيل للهرب فقط المواجهة.
رأها تأتي من بعيد باضطراب ليعتدل في مقعده لتجلس هي جواره دون إضافة كلمة وكأنها تتمنى منه حديث حتى تنطلق هي في الثرثرة دون توقف.
- كيف أصبحتِ تمارا بعد ذاك الاتصال المزعوم.
نظرت له بعدم فهم لكنه أراد منها أن تتحدث ولينتهي ذاك العذاب الذي يشعر به في وجودها فهو يشعر بأنه مغفل حد الهلاك.
- عن أي اتصال تتحدث.
قالتها وداخلها يدعو بألا يكون قد استمع لشئ مما حدث في آخر مكالمة فبعد ذاك الاتصال المشؤوم وهو صامت معظم وقته وان سألته عن السبب أجابها متعللًا
- ضغط العمل لا أكثر عزيزتي.
لتصمت أمام صمته فهو يخبرها بها مقتضبة في كل مرة تشعر بأنه يبعد عنها ولا تجد تفسير للأمر.
أراح رأسه على قدمها ليصبح في مواجهة وجهها بالكامل وهو يخبرها
- أخبرني صديق بأنه اكتشف مصادفة بأن حبيبته تخونه وحينما واجهها بالأمر تفاخرت بما صنعت وكأنها تخبره صباح الخير بعد الظهيرة.
اهتزت وارتعشت أطرافها لتنظر في كل الاتجاهات عداه هو ليبتسم بسخرية مما تفعل قبل أن يخبرها بهدوء
- لِم أنتِ متوترة هكذا.
قهقه باستفزاز ليكمل بعدها
- وكأني أُخبركِ بأنه أنتِ المقصودة.
ضحك تلك المرة من حماقته في إدارة الأمور أو حتى معرفة ما يدور في حياته ليخبرها بحزم وقد قرر أن يكف على اتخاذ لعبة الغُميضة منهجًا له بعد الآن ليقول بهدوء
- إن كان هناك ما يدور في خُلدك ويخصنا سويًا.
كلماته حازمة.. غاضبة وفيها ما يكفي من الشر ليهلكا معًا لكن وجب عليه التريث فهو قد خسر سابقًا ولن يتحمل خسارة جديدة تُضاف إلى قاموس هزائمه.
- أرجو منكِ أن تُبلغيني تمارا حتى لا تتأثر علاقتنا مستقبلًا بشأن هذا صغيرتي.
قال كلماته وغادر فهو كما يقولون صوب الكرة في ملعبها وهي مَن ستحسم النتيجة إما لصالحهما معًا أو له فقط.#من_بين_الرماد
#أسماء_رمضان
أنت تقرأ
"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"
Romanceمن بين الرماد... "داء العشق يُبتر لا يُضمد" تحكي قصة فتاة تخلى عنها حبيبها ليلة الزفاف فماذا ستفعل حيال ذلك.. هل تبكي الأطلال أم تقف شامخة كحال ذويها!.. نحن أمام بضع كلمات منثورة تعطي إيحاء بوجود الأمل دومًا مادام القلب ينبض بالحياة.