"الفصل التاسع والثلاثون"
المفاجآت بعضها سار ومعظمها غير منصف لأرواحنا المتهالكة.
على أنقاض الحزن لعنات تتراقص..
ابتسامات تُصاب بالجنون..
غضب يحترق في النفوس ليشعلها أكثر من السابق قبل أن يحولها إلى رماد يتناثر في الأرجاء دون مقاومة..
على أنقاض الحزن روح تتهالك.. قلب يُمزق وعقول غير سوية تُصيبنا بعطب في الإدراك لنفهم متأخرًا بأن القناع أسفله سُم إن أُتيحت له الفرصة انتشر كالنار في الهشيم.
وهي..
فتاة ثلاثينية سقطت في عشق أربعيني بعدما تلاقت طرقهما مصادفة عدة مرات ليصل إلى مسامعها "بعدما بدأ ينمو شعاع عشق داخل قلبها" كونه أرمل توفت زوجته وطفلتيه في حادث مروري مروع نتج عنه عزوفه عن الزواج تخليدًا لذكراهم..
حينها تأثرت لفقده..
دَمِعت حزنًا عليه..
تألم القلب لكونه لن يحصل على ما يبغاه في قربه..
لتقرر الابتعاد حتى لا تُجرح بداء الرفض وتبقى هكذا دون حبيب إلى الأبد.
لتُفاجأ به يقترب، يخلق الحُجج ليكون بالقرب منه، تحول من رجل وقور يحترمه كل مَن يعرفه إلى مراهق يطارد أنثاه التي أحيت القلب من جديد ليدور لها وفي محيطها فقط.
بين شد ورفض.. تعنت وجذب تلاقت مساراتهم لكن تلك المرة كان هو صاحب الإصرار والطموح لعدم الفراق بعدما شعرت روحه بالراحة جوارها لتتوحد الأقدار والقلوب في عناق الأيام تحت مظلة زوجين يعشق كل منهما الآخر ومستعد للتضحية بكل نفيس حتى يبقى الثاني مرتاح البال.
هي..
تاء تأنيث أخرى في عُرف الحياة..
حبيبة في عيون زوج لم يبخل عليها بأي شئ في سبيل سعادتها وراحة بالها..
أنثى لم تُخلق للشقاء بل لعيش حياة هانئة وتوفير استقرار أمثل لطفلها الوحيد بعدما رُزِقا به بعد ثلاثة أعوام من زفافهما..
قررت أن توقف ضجيج النفس وإصلاح عطب القلب، أرادت خمول غضب الروح وإكمال حياة فقدتها تحت تروس عجلة لا ترحم..
أرادت وقررت لكن وقت التنفيذ تم إيقاف كل شئ تحمست لأجله والسبب ضعفها في أخذ كل خطوة تخصها وتخاذلها في التقدم للأمام دون ضريبة مقابل ذلك..
غيوم تمكنت من حياتها وجعلتها مضطربة إلى حد تساقط أمطار عصفت بها وبذكرياتها والأسوأ من ذلك أنها في خضم صراعها مع أشباح الماض تناست الحاضر وبالتبعية أهملت المستقبل لتفقد ابنها الذي حاولت قدر الإمكان إخراجه من تلك الدوامة دون خسائر لكنها في المقابل ابتلعتها بشراسة لتجاهد وحينما خارت قواها استسلمت بتخاذل محارب خانه الأقربون فلم يجد أمامه سوى رفع راية بيضاء لوقف نزيف كرامته المهدور تحت وطأة الخيانة.
والخيانة في عُرفها طمع من شقيق زوجها الأصغر "علي" بعدما عَلِم بحقيقة مرض والد طفلها ورغبته في التخلي عن كافة ممتلكاته ليصبح تحت تصرف الزوجة والابن فهما ورثته بعد وفاته مع أحقية شقيقه في الاعتناء بهم..
استمعت إليه مصادفة وهو يخبر أصدقائه مساءً في أحد ليال الشتاء العاصفة أثناء مرورها جوار الغرفة بعدما أمرها زوجها بإحضار الطعام من الأسفل لشعوره ببوادر ألم يتسرب إلى جسده، شعرت ببرودة كلماته تتسرب إليها بخبث لتصيبها بدهشة لم تكن تتوقعها قط
- يكافئهم بالمال وانا بالشقاء..
قالها بصراخ غاضب ليصمت البقية حينما دلف إليهم والغضب يصاحبه في كل خطوة، اقترب منهم قاذفًا الطاولة بحنق ليتناثر ما كان عليها أرضًا، تحرك حولهم عدة مرات قبل أن يستقر جوار النافذة وهو يتأمل الأمطار المتساقطة عليها، تنهد بضيق متذكرًا خسارته الفادحة في البورصة وقبل أن يُعلن إفلاسه ساعده والد أركان بما يحتاج وفي النهاية استطاع الوقوف ثانية على قدميه لكنه خسر كل أسهمه في ممتلكات العائلة.
لن ينكر أنه في وقت قياسي تمكن من تعويض خسارته لكن النصيب الأكبر للثروة كان من نصيب شقيقه.
تنفس بضيق وهو لازال يصب جم غضبه عليهم جميعًا بعدما أصبحت كافة الأمور واضحة نُصب عينيه فهو في النهاية لا يستطيع لوم أحد غيره بسبب عجرفته الزائدة والتي جعلته يفقد كل شئ سريعًا
-بئسًا لهم جميعًا.
قالها بغضب قبل أن يجلس مكانه وهو يشعر بحرارة تنبعث من جسده جراء غضبه الغير مبرر.
أما الزوجة المنكوبة ذو غريزة الأمومة شعرت بالخطر يحوم حولها والصغير لتقرر التصدي لمحاولات علي جميعها أملًا في المحافظة على استقرار حياتها لكن ما لم تضعه في الحسبان بأن لكل شئ ضريبة والثمن اللازم لحياة سعيدة هو وأدها بجشع.
بين حروب ورايات استسلام طوال الوقت مع العم كانت هي الضحية في نظرها وشريرة الحكاية من منظور علي ليحاول التخلص من كل الأزمات التي قد تحيل بينه وبين تحقيق أحلامه..
الأحلام لازالت تحلق في عالم الأماني تحتاج إلى المزيد من المُكر والدهاء مع رشة مجهود لتحقيقها على أرض الواقع..
والشقيق الأصغر لم يدخر ذرة جهد في استبعادهما من المنزل بداية من تودده المبالغ فيه لأخيه حتى يمنحه حرية التصرف في كافة أمواله مرورًا بمحاولة التخلص من الصغير تارة بدفعه من أعلى الدرج وتارة أخرى الفشل الذريع في محاولة إغراقه بحوض الاستحمام..
علي كان بمثابة قذارة متحركة وكل ما فعله دليل على أنه لو كان متزن عقليًا لم يكن ليجعل شيطانه سلطان لطمعه.. رغبته المكبوتة استفحلت حتى أصبحت الانفجار في كل مَن يقترب منها دون مراعاة بأن الصياد ربما يصبح ذات يوم فريسة، ربما..
نحن لم نختار قدرنا لكن خياراتنا الحمقاء هي ما جعلت منا طريدة لمخاوف ظننا يومًا بأننا طردناها من حياتنا بهروبنا عن مصدرها لندرك بأننا نقف عند الهاوية ويد خفية تحاول دفعنا من أعلى دون شفقة ظنًا بأنه في اللحظة التي نلفظ فيها آخر نفس لنا تنتهي كل مشكلة كانت مرتبطة بنا ومتعلقة بحياتنا بميثاق غليظ.
ما أسوأ أن يتم الزج بك إلى حافة الجنون وأنت لم تتقن خبايا البشر بعد، لازلت تجهل حيلهم إلا بعض منها بإرادتهم لا بدهائك.. خبثهم ونواياهم الشريرة تجاهك لن تكون سوى رباط يلتف حول عنقك حتى يتم سلب روحكَ بنجاح وفي النهاية تظهر عبارة
"اللعبة انتهت"
لتصبح في النهاية جسد بلا روح..
حياة بلا تحديات..
لتصبح أي شئ مسلوب منه كل شئ.
- أنتِ بخير أمي.
قالها ريان "وهو يمد رأسه لداخل الغرفة وبقية جسده لايزال خارج حدودها" قاطعًا صوت تفكيرها الداخلي لتنظر له باندهاش من وجوده قبل وقوفه هكذا ليُكمل بهدوء موضحًا لها ما قد فاتها وهي أسيرة لنوبة هلع كادت تصيبها بأزمة تفتك بها
- طرقت الباب كثيرًا وحينما لم يصلني الرد ظننت بأنكِ لستِ بالغرفة.
أومأت إيجابًا لتنظر إلى الورقة بين يديها وتحدثه بنبرة حنون قبل أن تمررها لع
- بذلت الكثير من الجهد مثلما طلبت أنت.
اقترب سريعًا من الفراش بعدما أغلق الباب خلفه، نظر إلى الورقة ليتذكر حديثه معها أمس بضرورة تدوين كل ما تخشاه في ورقة حتى يمر عليها في اليوم التالي ويأخذها منها..
أخذ الورقة يقرأ ما كُتِب بين سطورها ليجد كلمة واحدة مشتركة في الكثير من الجُمل التالية "نيران" تنهد بهدوء عدة مرات ليتمهل في خطوته التالية حتى لا تثور عليه..
- تلك المخاوف..
صمت يتابع توتر نظراتها بين الورقة وأصابعه التي بدأت في تمزيقها إلى قِطع أصغر لتصيح فيه بغضب
- أمختل أنتَ أم ماذا..!
قالت آخر كلماتها بصراخ ليتأملها بنظرة شاملة قبل أن يستخدم زفيره في نثرها بالفراغ أمامها لتتساقط القطع واحدة تلو الأخرى أمام عينيها على الأرضية، ابتسم ريان بحنان وهو يخبرها عن سبب فعلته تلك
- المخاوف تشبه رباط ضعيف جدًا يمكن تمزيقه بسهولة لكن..
توقف عن الثرثرة بالمزيد من حديث كالسراب إن ظلت على حالتها المشتتة وهي تتأمل القطع الممزقة لتنظر إليه بحنق سرعان ما تضاءل تدريجيًا مع حديثه الخافت معها قبل أن تعيره كافة اهتمامها بما يقول دليل اقتناعها قبل تضامنها جزئيًا مع ما يقول
- إن تركناها تعبث بحياتنا وتعيث فسادًا بأرواحنا فيمكن للهمسة أن تتحول إلى عقدة والتي بدورها سوف تتفاقم إلى مخاوف ذو أنياب كاسرة يمكنها تمزيق أرواحنا بسهولة.
- هراء ريان..
قالتها والدة أركان وهي تقاطعه بثبات ليبتسم بأمل فهي لا تشبه نفسها التي أتت من قبل بل كانت شخص مغيب عن كل ما يحدث حوله، حاول مجادلتها فيما يقول لكنها أخبرته بنبرة لا تقبل الجدل أو بعض المزايدات
- كل ما تتفوه به هراء ريان.
صمت يتابع حركات يدها الثائرة وهي توضح له مقصدها بحنق عله يلمس بضع من حقائق كادت تودي بحياتها في السابق
- الخوف هو العدو الأكبر لي ريان ووجوده يشكل تهديد صريح لحياة مَن حولي.
أومأ بتفهم لكل ما تقول ليخبرها هو بتحد تلك المرة وداخله يدفعه على المُضي قِدمًا فيما انتوى
- بل يأسرنا في غياهب الألم وكلما حاولنا الفرار نُقيد بسلسال أغلظ من السابق له.
اقترب من الباب ينوي الرحيل مكملًا بنبرة مليئة بالكثير من الخذلان
- وبعدها ندرك بأن أفضل أيامنا جوار مَن نحبهم قد انسلت من بين أصابعنا دون أن ندرك وجودهم.
"محق"..
هكذا صاحت بها بين نفسها وهي تدرك جيدًا بأنها بالفعل أضاعت أفضل أيامها مع ابنها، تأملت الفراغ حولها لتحط عينيها في النهاية على الواقف جوار الباب.. صمتت قليلًا لتتوسله بعدها بندم ناجم عن صراع تعيشه كل يوم بين مخاوفها وروحها الأسيرة.
تريد الخلاص بل وترغب فيه بشدة لكنها لا تعرف أين تذهب وإلى أي طريق تسلك فقط ذاك الواقف قِبالتها مَن يمكنه مساعدتها ومد يد العون لها في كل لحظة حتى تُشفى مما تصارعه قبل نفيه من حياتها إلى الأبد
- أرجوك ساعدني في التخلص من كل ما يزعجني حتى ألفظ أنفاسي الأخيرة.
ابتسم لأنها وضعت قدمها على أول خطوة من علاجه ألا وهي إيمانها الراسخ بوجود خطب داخلها تريد إصلاحه بعدما تفاقم ودمر لها حياتها
- يمكنكِ تدوين كل مخاوفك في تلك الورقة أمي وغدًا في نفس الموعد سوف أزوركِ للوقوف على كل ما يقلقكِ.
همت بالاعتراض لكنه لم يترك لها فرصة وهو يضغط على حروفه بحنان
- فقط ثقي بي وافعلي كل ما أخبركِ به.
ترك الورق أمامها "عن قصد في وجود كمية من الورق لا ورقتين فقط" وغادر الغرفة ليجد زوجته تستند على الحائط وتناظره بشغف ليقترب منها بسعادة.. احتضنها باشتياق قبل أن يتنهد براحة لوجودها معه حينما يحتاج فهو بالفعل قد انشغل مع مريضته على حساب وقتهما معًا، ناظرته بحنان لتهمس له جوار أذنه
- لم يخبرني أحد مسبقًا بأن زوجي يصبح أكثر جاذبية أثناء ممارسة عمله.
ابتسم مع بداية حديثها وحينما انتهت تعالت صوت ضحكاته بفرحة غامرة يشوبها بعض الغرور، تضاعفت ثقته بعدما تضاءلت في وقت سابق ليشدد من احتضانها تبعه قوله بحنان
- أتريدين تناول شئ ما فآطم..!
تساؤل من جانبه وموافقة من ناحيتها وهي تهتف بصخب
- محترف الطهي سوف يتنازل لصنع وجبة خاصة لزوجته المصون.
اختتمت كلماتها وهي تضع يدها بالقرب من قلبها بدراما محببة إلى قلبه، نظر إليها قليلًا بعبث وهو يكمل بخبث
- بل يمكن أن تكون زوجتي المصون هي وجبة اليوم على مائدة اشتياقي.
ضحكت بصخب تلك المرة وهي تفهم مقصده لتسحب يده معها إلى المطبخ، طلبت من العاملات بالخروج وظلت معه بمفردها في مملكته كما يخبرها دائمًا
- يمكنك مساعدتي في الجلوس هنا.
قالتها بدلال وهي تشير على طاولة بالقرب من مكان وجودها، رفع حاجبيه وشيطانه يخبره على التجرؤ معها فهي زوجته في النهاية وأيضًا لا يوجد أحد سواها معه لذا فليعبث كيفما يشاء.
- إياك.
قالتها بتحذير ليعقد حاجبيه بعدم فهم مصطنع، يريد توضيح وداخله لا يصدق بأنها تشكك في نواياه تجاهها، أما هي فقد اقتربت منه وبادرت بأولى خطوات استسلام ظنه مستحيل.. لفت يدها حول عنقه ووقفت على أطراف أصابعها لتستأنف حديثها بتلكؤ
- ما تفكر به لا يصح بأن يحدث هنا.
وقبل أن تفكر في الهروب من أسره بعدما اقتربت منه برضاها كان هو الأسرع في تقريبها إليه بعدما لف يده حول خصرها لتغزو كيانه قبل حياته..
استند برأسه على خاصتها وهو يسألها بمراوغة
- وفيما أفكر فآطم؟
- رغبتك في اشتهائي سيد ريان.
قالتها بثبات وهي تنظر في عمق عينيه بتحد صارخ ليبعد رأسه عنها، ضحك بسعادة من تفكيرها المنحرف به قبل أن يغزو شفتيها تلك المرة في عناق مشتاق ناجم عن ليال تمنعت فيها عنه بحجة كونها مريضة ولا ترغب في فعل شئ أو حتى الاختلاط معه في أي حديث جانبي.
نحن لم نختر بعض البدايات لكن بإمكاننا تغييرها إلى ما يناسبنا إن ظل داخلنا شعور بعدم الارتياح يتفاقم لأننا في كل خطوة سوف نعثر على ما يهتم لمساعدتنا بحق حتى لو كان ذلك على حساب استقراره وثباته العاطفي دون زيف أو إشعارات كاذبة.
مَن يحب يُضحي لأجل مَن دق الفؤاد له..
يلتمس له الأعذار في كل حين بل وقد يصبح فارس مغوار يواجه تلك الأزمات الواحد تلو الآخر دون كلل، يطوعها لأجل خدمته حتى لا تكون مصدر إزعاج على المدى الطويل وفي نهاية المطاف يرفع الفارس راية انتصاره أملًا في الظفر بوجيب محبوبته ليعيش حياة صادقة فيما بعد بُنِيت أسسها على حكايا يقصها على أطفاله وكيف استبسل بصدق ليصبح بالقرب منها مادام الهواء ينعش رئتيه..
.....................
على مفترق طرق هناك همسات تجرنا إلى بحر الحيرة لنغرق فيها دون صفح..
تخبرنا بأن هذا الطريق هو الأمثل ثم تعكس كلامها لتشير إلى الآخر بأنه أفضل من سابقيه.
تقول وتكرر وأنت بين هذا وذاك مشتت الذهن والعاطفة ليس لأنك لا تقدر على اتخاذ القرار فقط بل أيضًا سمحت لنفسك بأن تصبح دمية لأقاويل الجميع يحركها بغضهم تجاه أشخاص بأعينهم ثم تُترك على قارعة طريق مسلوب لكل قواك في تقرير مصير ربما لو اتخذت قرار غيره لكان حالك أفضل من ذلك.
- كيف حالك تمارا مؤخرًا!
كلمات حانقة خرجت من فم ذاك الذي جلس جوارها منذ قليل، وضعت الهاتف جانبًا وأخبرته بهدوء
- بخير أركان.
عادت إلى هاتفها ثانيةً دون كلمة إضافية لتشتت نظرها إلى الجالس جوارها بعدما شعرت بأن نظراته تخترقها وبالفعل كان ينظر إليها بنظرة لم تستطع ترجمتها لتعقد حاجبيها بضيق متسألة بضجر
- ما الأمر أركان؟
- كثرت خروجاتكِ من المنزل تمارا.
قالها بإقرار لتجحظ بضيق فهي قد ظنته منشغل في أموره المعقدة ولن يفكر فيما تفعل، أغلقت الهاتف تلك المرة وأخبرته بهدوء
- أتراقبني أركان أم ماذا!
نفض عن رأسه ضجيج أن ترك له العنان لخنقها بشغف دون أن يرف له جفن، ابتسم بسماجة وأخبرها بسخرية طفيفة
- لم أعلم مُسبقًا بوجود عمل يجمعكِ مع خطيب شقيقتك يا آنسة.
والمقصود من عبارته السابقة غيث بعدما كثرت مقابلاتهما في أحد المطاعم القريبة من المنزل لكن مهلًا هل يظن بأنها تنوي اختطافه من كارمن أم ماذا..
عند هذا الخاطر صاحت فيه بغضب تخبره بنبرة هازئة رغم محاولاتها المتعددة لتكون أكثر هدوء حتى لا يجرح كل منهما الآخر
- لا شئ بيننا أركان كل ما في الأمر بأن ما يحدث بيننا واجتماعنا في أكثر من مناسبة مجرد صدفة.
ضحك باستهزاء من كلماتها فهو يعرفها جيدًا ليحاول تخطي الأمر مؤقتًا
- تحدثتِ مع معاذ أم...
لم تدعه يُكمل بل أخبرته بفظاظة مطلقة
- لم يحن الوقت بعد لمواجهته.
- أتمنى أن يكون هناك وقت مناسب في خضم انشغالك بالحديث مع غيث.
قالها وانشغل في تصفح جريدة كانت ملقاه على الطاولة أمامه تاركًا إياها تصارع وحدها في للخروج من بؤرة وضعت نفسها داخلها دون أن تحسب حجم المخاطر التي قد تودي بها إلى الهلاك.
أما هي فقد تذكرت لعبة القدر معها بوضع غيث في طريقها عنوة في كل مرة تخرج فيها، لم تعرف بأنه زوج كارمن المستقبلي لكن هناك شئ يجعلها تسعد كثيرًا بالتحدث معه عن كل ما يقلقها.
انتشلها من خضم تفكيرها صوت هاتفها يعلو برقم مجهول، عقدت حاجبيها وقررت ألا تجيب ليزيد إلحاح المتصل وحث أركان لها على الإجابة، فتحت الخط لتستمع إلى صوت ذكوري يخبرها بنبرة رزينة
- السيد علي..
جملة خاطفة جعلت دقات قلبها تتصارع بخوف من القادم ليخبرها الطرف الآخر بنبرة جامدة خالية من أي شعور
- يرغب بمقابلتكِ.
ابتسمت باستخفاف وأغلقت الهاتف دون جواب واضح ليعاود الاتصال بها مرة بعد أخرى دون كلل، نظرت لأركان بوهن بعدما أخبرته بهوية المتصل ليومأ لها بطمأنينة حتى تستطيع التصدي لمكرهم دون خوف.. فتحت الاتصال ليخبرها محاميه بغضب بعدما مل من نوبات مزاج اختبرها فقط مع والدها
- لِمَ أغلقتِ الهاتف يا آنسة!
- أعتذر سيدي لكنه عيب شبكة.
قالتها ببرود ليبتسم أركان بتشجيع حينما وجدها على الطريق الذي يريده هو، عم الصمت قليلًا لتكمل بعدها بهدوء
- كيف يمكنني مساعدتك لأتخلص من كل ذلك العبث الذي فعله بي سيدك!
تنهدت بتوتر رغم معرفتها المسبقة بما يريد لكن عوضًا عن ذلك ابتسمت بسخرية حينما أخبرها الآخر بنبرة ماكرة استطاعت فهم فحواها بسهولة
- السيد علي يرغب في التعرف على ابنته.
هنا تذكرت كيف تركها سابقًا بدار أيتام دون أن ينظر ولو لمرة واحدة للخلف حتى يعرف أن كانت تحيا بسعادة أم لا..
إن كانت تُعامل بطريقة جيدة أم قاسية..
لم يعطي لنفسه فرصة السؤال عن احتمالية بقائها على قيد الحياة أم توفت مع الذكريات.
- دعني أفكر في الأمر أولًا.
قالتها بحزن بعدما نكزها أركان لتجيب على الطرف الآخر بعدما طال صمتها، لم تنتظر بقية حديثه بل أغلقت الخط نهائيًا دليل على انتهاء ما لديها من كلمات.
شملت أركان بنظراتها ليترك الجريدة جانبًا ويخبرها تلك المرة بحنان فهو يشعر بها وبكل الصخب داخلها
- نظرًا لما فعله مع والدتي وأنا في وقت سابق إلا أنه وجب عليكِ مقابلته ليكون كرهك ذا معنى لا كره أعمى.
فهمت المقصد من حديثه فهي تعلم جيدًا "بناء على حديث صديقها كارم" كما عانى في حياته بسبب ذاك المدعو والدها.. تنهدت بهدوء وأخبرته بنبرة تحمل الكثير من التوتر
- لكني خائفة أركان...
- صاحب الحق لا يخشى شئ تمارا لأنه إن فعل عكس ذلك سيظن الظالم بأنه أذيته لنا حق مكتسب ولن يدخر جهدًا في التمادي قبل التباهي بأخطائه.
قال كلماته مقاطعًا إياها رغبةً في أن تتخلص من خوف لازال يلاحقها بعدما رأت كم الخبث والحيل التي يتمتع بها ذاك المدعو والدها.
استمعت إلى أركان يخبرها بخفوت
- فهمتِ أم ماذا!
صمتت دون جواب وداخلها يكاد يجزم بأنه لولا حديثه معها في كل مرة تحاول الفرار "من كل ما ينغص عليها حياتها" لكانت قد استسلمت منذ زمن مع تركها لحق مكتسب في جعبة خبث علي طويلًا.
أركان محق في كل شئ باستثناء واحد أنها جندي ضعيف النفس يحتاج إلى الكثير من التشجيع لإتمام مهامه الواحدة تلو الأخرى.
الحياة ممتعة.. عيشها بسعادة.
الحياة مخاطر.. اقتنصها ببسالة.
الحياة مملة.. أضف لها نكهتك الخاصة.
وحياته أضحت مملة حد الهلاك بعد اختفاء حبيبته كارمن، أصبحت رمادية اللون دون أي إضافات أخرى فقط ما يسودها بضع ضحكات في بحر ملئ بالكثير من الدموع يشوبه الندم لكل لحظة تمر وهي ليست جواره، ليست معه ولا تشاطره يومه كما كان يتخيل ويخطط أثناء حفل زفافهما..
جلس في الشرفة يتأمل الغيوم بتثاقل، هموم قلبه تراكمت عليه حتى ما عاد يستطيع التفرقة بينها وبين سعادته المؤقتة.. تنهد بضيق وداخله مشتت لا يريد سوى العثور عليها والاطمئنان إن كانت بخير أم لا..
دلف والده وجلس جواره دون التفوه بكلمة وحينما طال الصمت بينهما قطعه غيث بهدوء
- ما الأمر أبي..!
خير وسيلة للحصول على ما تبغاه هو الهجوم دون إعطاء فرصة واحدة لغيرك أن يفكر في مفر للخروج من نفق ربما إن ظل فيه أكثر تبدلت مكانته في القلوب أو كذبة لا حل لها سوى اتخاذ طريق متعرج
- مَن تلك التي أحضرتها مساء أمس إلى..
لم يمهله فرصة لإتمام حديثه وقد فهم المقصد من حديثه ليخبره بهدوء وهو ينظر إلى القمر الذي يجاهد للظهور من بين الغيوم
- إحداهن.
بساطة..
هكذا ظن والده من حديثه أنه يأخذ الأمور على محمل الاستهتار دون مراعاة لأي أمر يحدث معهم، تنهد بضيق وأكمل
- وماذا تريد منها غيث!
صرامة غلفت نبرته ليضحك هو باستهزاء على حديث من المحتمل أن يأخذ منحى آخر غير الذي يريده ليخبره بهدوء يسبق العاصفة
- بل ماذا تريد هي مني..
دُهِش من كلماته فحينما كانت معه ظنهما مقربين إلى حد جعله يصاب بالدهشة من احتمالية عشقه لأخرى غير خطيبته المفقودة ليقول بهدوء بعد ذلك
- لا أعلم أبي لكن أشعر بوجود صلة تربطنا سويًا.. أو بانجذاب نحوها لا أعلم كل ما أعلمه في الوقت الراهن بوجود قصة مخفية خلفها.
............
على ذِكر الماض هناك لعنات تتراقص..
وهي حاولت كثيرًا البحث بين طيات الماض والنتيجة فشل ذريع لكنها قررت ألا تقف هكذا دون فعل أي شئ لذا ودون تأخير نفذت ما تريد حيث بدأ الأمر من صياح بوجود ألم يسري في جسدها ليدلف الحارس الواقف بالخارج وقبل أن يفهم ما يحدث هوت على رأسه بشئ ثقيل جعله يفقد الوعي لتتجه إلى الخارج وحينما وجدت الكثير من الأشخاص قررت التسلل إلى حيث تأخذها قدميها لتجد باب جانبي دلفت من خلاله وأصبحت في مطبخ منزل آخر لتتجول فيه بذعر وفي نهاية المطاف وجدت نفسها أمام أنثى صاحت فيها بدهشة من وجودها أمامها
- كارمن.
#من_بين_الرماد
#أسماء_رمضان
أنت تقرأ
"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"
Romanceمن بين الرماد... "داء العشق يُبتر لا يُضمد" تحكي قصة فتاة تخلى عنها حبيبها ليلة الزفاف فماذا ستفعل حيال ذلك.. هل تبكي الأطلال أم تقف شامخة كحال ذويها!.. نحن أمام بضع كلمات منثورة تعطي إيحاء بوجود الأمل دومًا مادام القلب ينبض بالحياة.