الفصل الثامن والثلاثون

159 5 2
                                    

"الفصل الثامن والثلاثون"

على غرار الماض اتبع خطوات الحاضر دون زيف للوصول إلى بوابة المستقبل بأمان.

لا نؤمن بالخبر إلا عندما نرى صداه يتردد أمام أعيننا، آثاره تنتشر ونتائجه تؤثر علينا بشرها قبل خيرها..
لا نتعلم من السابق بل نضع أنفسنا تحت وطأة التجربة من جديد لرؤية إن كانت النتيجة واحدة أم لا..
حماقة..!
أكثر من ذلك بعدة خطوات..
والسبب أنك مُصر على الفشل وتتبناه رغم معرفتك بأن نفس الخطوات مهما بلغ الجهد فيها تؤدي إلى نتيجة متشابهة.. تُدمينا بنهايتها وتفاجئنا بحماقة أكبر بأنه ربما تختلف النتيجة إن أعدت الأمر مرة أخرى.
ألم اجتاح أسفل رأسه جعله يتأوه عدة مرات قبل أن يفتح عينيه يحاول معرفة ما يحدث ليجد الصورة ضبابية لاثنتين إحداهن تجلس على مقعد مدولب في ركن الغرفة والأخرى تدور حولها كما النحلة وهي تحلق حول الأزهار للحصول على رحيقها، أغمض عينيه بتعب واستسلم لدوامة الإعياء ثانيةً عله يرتاح ولو لبرهة في تلك الرحلة المليئة بالكثير من التحديات.
- ألم تكتفي من تلك الخدع بعد..!
قالتها حياء بغضب وهي تقذف الدمية من يدها بغل لتواجه نظرات إيما المستخفة من ثرثرتها وهي تخبرها بلامبالاة
- لا..
اختتمت كلماتها وجلست على مقعد مقابل لها تضع قدم فوق الأخرى وتتأمل أظافرها قبل أن تُخرج من حقيبتها طلاء أظافر أحمر أهداه لها طارق من قبل، على ذكر تلك الذكرى ابتسمت ببلاهة وهي تخبر حياء بهدوء
- طارق أهداني إياه..
أشارت لطلاء الأظافر بسعادة لتُكمل بعدها بخزي
- ظننته لأجل حياء لا إيما لكن
أهدت حياء عدة نظرات خبيثة وبعدها قذفت قارورة الطلاء على الحائط ليتبعثر محتواه على الأرضية والحائط تبعه سقوط شظايا الزجاج أرضًا، تأملت المكان وفاضلت بين حالة تلك المذعورة أمامها وشعورها الداخلي بالرضا لأنها كانت السبب في تلك الحالة وقبل أن تفقدها في دوامة قلقها أكملت بنبرة متخاذلة
- الهدايا كانت لإيما أو بمعنى آخر لمعرفة إن كانت القابعة أمامه طوال الوقت حياء الحقيقية أم لا..
- مختلة.
والاختلال في عُرفها الحصول على قلب ذاك القابع أمامها لكن احتلال غريمتها لكيانه وروحه قبل قلبه حال بينها وبين مخططها في حدوث ذلك، لم تثور كما العادة لكنها ولأول مرة ابتسمت براحة لأنها وأخيرًا على بُعد خطوات من تحقيق حلمها الساذج من وجهة نظر شريكها أركان
- لا يهم أن أكون مختلة لكن ذلك أفضل من كوني فاشلة هجرها حبيبها ليلة الزفاف وحينما لم تستطع تخطي الأمر فرت كما الضعفاء إلى موطن ربما يداوي جراحها..
والنظرة هنا كانت دامعة فهي بالفعل ضعيفة بعد كل ما مرت به حتى وإن تسلحت برداء القوة طوال الوقت دون أن تعير حزنها أدنى اهتمام إلا أن هناك داخلها في ركن بعيد عن صخب الحياة طفلة تبحث عن أمان افتقدته منذ زمن ولم تجده سوى في الأيام التي قضتها مع أوار بالمشفى..
تنهدت بضيق وابتلعت مرارة إهانتها برحابة صدر قبل أن تبتسم بسماجة وهي تخبرها بالامبالاة
- ضعيفة أفضل إلى حد ما من كوني مصطنعة.
لم تمهلها الفرصة لترد عليها بل أكملت بنبرة حاسمة لا تقبل أي جدل
- حتى وإن أخذتِ مكاني في كل شئ فهناك بداخل كل واحد منهم صوت ضعيف يخبره بأن تلك التي يتعامل معها كل يوم ليست نفس الفتاة التي عرفها منذ الصغر والدليل على ذلك طارق واختباره لكِ إضافة إلى ذلك تلاعبه المتحاذق بكِ.
- كفى.
توسعت عيناها بصدمة حينما استمعت إلى صوت أوار يخبرها بذلك، يجبرها على الصمت ويتمنى لو تكون تلك نهاية لكل حدث يؤرقه، نظرت له بغضب لكن الأخرى ابتسمت بحبور بعدما وحدته قد استيقظ لتتجه نحوه وهي تضغط على عنقه برفق تبعه قولها الهادئ أملًا في جعله يهدأ ولو قليلًا
- اشتقتُك أوار وأعتذر عن كل ما حدث.
حرك رأسه للأمام قليلًا في إشارة منه لرفضه أي تلامس قد يحدث بينهما.. ابتسمت باستخفاف واتجهت إلى مكانها ثانية وهي تخبرها بهدوء
- يبدو بأنه لا يريد أي تجاوز بيننا في حُضرتك.
اختتمت كلماتها وابتسمت بحبور وهي تتأمل علامات الغضب على وجه الأخرى، تنهدت بهدوء وداخلها يفكر في أمر ما لكن وقبل أن تترجمه لحديث أخبرها أوار بحنق
- لِمَ..!
نظرت له بعدم فهم ليزفر بضيق من سذاجتها الغير متوقعة خاصةً في موقف كهذا، تنهدت بلامبالاة حينما استمعت إليه يخبرها بتمهل
- لِمَ فعلتِ كل ذلك..!
أما حياء فالتزمت الصمت علها تعرف نهاية تلك اللعبة أو حتى تعلم علاقتها بتلك الشبيهة الجالسة أمامها
- لِمَ صعدت للسيارة رغم معرفتك بأن طارق لا يعلم موعد عودتك..!
قالتها بتحد لينظر لها بصدمة من معرفتها حقيقة الأمر فهو بالفعل لم يخبر طارق بأمر عودته قط بل جعلها هكذا حتى تتعافى حياء دون ضغوط لكنها أدركت الأمر بل وتغلبت عليه أيضًا..
أما الفتاة التي جلست في صمت صُدِمت بأن أوار كان يضع احتمالية لحدوث كل ما مرا به سويًا ومع ذلك عرضها للخوف على حياته قبلها دون أن يدرك حجم الخطر الذي وضعهم به ليخرجها من شرودها كلمات الأخرى وهو يخبرها بنبرة لا تقبل الجدل
- أردت معرفة نهاية تلك اللعبة..
قالها ببساطة لتنظر له باستهزاء عقبه حديثها الساخر فهو أحمق لم يحسب خطواته القادمة بل اعتمد فقط على حدسه وأوقعه ذلك في فخ لن يخرج منه سالمًا مادامت هي على قيد الحياة
- أردت التضحية بحياتها..
قالتها وأشارت إلى تلك الجالسة على مقعدها دون حَول لها ولا قوة لتكمل باستخفاف
- أردت وضعها في خانة الخطر لأجل لعبة لن تحصد منها سوى الخراب..
تحركت حوله عدة دورات بخيلاء وهي تنفض غبار وهمي عن كتفها بزهو، صمتت قليلًا وأخبرته بعدها بيقين لا يقبل أي تجزئة
- لو كنت مكانك أوار لحاولت اللذوذ لمكان آمن حتى ينتهى هذا الصراع أو البقاء في المملكة المتحدة حتى يحين الوقت المناسب لعودتك معها لكن الآن أنت لا تمثل سوى صفر يمكن أن يتم حذفه في أي وقت من..
- ومتى يحين ذلك الوقت المناسب..؟
قالها أوار مقاطعًا إياها لتنظر له بتحد وتخبره بنبرة حاسمة
- ينتهي كل ذلك إما برحيلي عن مدار حياتك أو هلاكها في بركان غضبي.
هنا شعر أوار بالخطر.. بالخوف ولأول مرة منذ زمن يشعر بالتوتر لكونه وافق حياء على العودة رغم معرفته بكل المخاطر التي تدور حولهم كما أنه لم يتوقع أن تكتشف هي بسهولة أمر عودته فرغم ندرة تواصلهما طوال الفترة الماضية إلا أنه لم يفكر قط بكونها ربما تحاول أذيتهما مثلما فعلت سابقًا مع حبيبته.
أوار في تلك الحالة فاشل بل وفشله كارثي بكل معنى الكلمة فهو لو كان اختار الفرار دربًا له لما قد وصل إلى تلك النقطة معها لكن كيف يختار الهروب وهو ليس حلًا الدوامة التي ربما لن تنتهي قريبًا..
أراد وضع كلمة النهاية على مشهد بعينه لتأتي إيما وتخبره بأنه ممثل فاشل وجميع مشاهده سوف تُعاد مرة أخرى حتى يحصل على جائزة ترفع من شأنه بين قومه.
زفر بحنق وبنظرات مليئة بالإصرار أعاد عليها سؤاله ثانيةً
- لم تخبريني بعد لِمَ جئتِ إلى هنا..
لم يمهلها الفرصة للإجابة بل عاجلها بسؤال آخر هازئًا بقوة من حالتها المزرية تلك
- لماذا حياء على وجه التحديد دون غيرها سيدة إيما المثالية..!
رغم نبرته الهازئة في التفوه بحروف اسمها ببطئ واللقب الذي تبعه إلا أنها ابتسمت وأخبرته بعدها بلامبالاة
- كما تعلم بأن والد عزيزتكَ حياء لا يبدو قديسًا مثلما يظن بقية أهله وإنما ذئب في صورة شاه وديع.
كانت نظراتها في تلك اللحظة تنضح بالكثير من الكراهية إلى حياء التي تجلس منكمشة على نفسها فهي لا تريد الاستماع إلى شئ لأن أوار خذلها في حمايته لها وفي تقدير الأمور من منظور صحيح..
مهلًا..
هي مَن أصرت على كل ذلك من ذو البداية وهو وافقها فقط أخبرته بحزم بأن العودة مرادها القادم دون إعطائه فرصة للاعتراض فالحزم في عُرفها حُكم تم النطق به ووجب تنفيذه في الحال..
لحظات صمت مرت على الجميع وكأن على رؤوسهم الطير كان أول مَن قطعه حياء وهي توجه نظراتها نحو أوار وتخبره بنبرة متسائلة
- يبدو بأن هذا الأمر لن ينتهى عند الحد الذي تريده أنت.
يقين تشعر به بأن الأمور ربما تنتهي بكارثة حتمية ستكون هي أول خسائرها لكنها ورغم كل ذلك تخطت الأمر منتظرة إجابته عليها ليأتيها صوت غريمتها حاسمًا لكل فكر تتبناه.. قاطعًا لكل أمنية تود تحقيقها لتخبرها بهدوء
- بالطبع لن ينتهي الأمر كما بدأ حياء بل ستكون ضحاياه كُثر على ما يبدو.
اختتمت كلماتها وهي تلوح في الهواء بيدها التي تستحوذ على سلاح يبدو بأنه عامر بالكثير من الذخيرة، نظر لها أوار برعب من تفكيرها الطائش وخطواتها الغير مدروسة بتاتًا ومعظم ما يدور في مخيلته تؤول إلى سقوط حياء غارقة في دمائها.
- ما رأيك بأن نلعب قليلًا أوار..!
قالتها باقتراح لينظر لها بحنق من جنونها الغير محدود  ليخبرها بعدها بغضب
- أمختلة أنتِ أم ماذا..!
تجاهلت كلماته لتخبره بعدها بوصف للوضع حولها
- يوجد سلاح..
لوحت به أمامهم لتكمل بعدها
- داخله رصاصة واحدة.
تبع قولها إخراج كافة الذخيرة من سلاحها ووضعتها في حقيبتها عدى رصاصة واحدة أعادتها ثانية إلى موضعها لتكمل باستفاضة
- وثلاث أرواح ربما بعد تلك الجولة يصبح أحدهم جثة هامدة و..
- ومَن أخبركِ بأني سأوافق على تلك الترهات آنسة إيما..!
قالها برفض لكل ما تريد فعله لتبتسم بجنون وهي تخبره بنبرة حاسمة لا تقبل أي جدل بعدها وكأن أوامرها صدرت لتُنفذ ولا جدال بعد ذلك أو حتى اعتراض صغير
- لستَ في موضع يؤهلك إلى إبداء رأيكَ أو إعطاء موافقتكَ سيد أوار بل وجب عليك تنفيذ الأمر دون اعتراض ولو بسيط حتى.
هنا وفي تلك اللحظة تحديدًا حاول الكاتب لملمة الأمور قبل إسدال الستار عن كل ذاك الجنون حتى لا تُراق الدماء حاليًا لأنه لن يكون في مقدورها تنظيف الفوضى حاليًا أو حتى تبريرها فالأهم الآن هو الخروج من تلك المسألة الشائكة بأقل خسائر ممكنة.
....................
القتال لن يُجدي مادمتَ تفكر في الانتقام بعقلية طفل لم يبلغ السادسة بعد.
وهو بالفعل طفل في السادسة تركته أمه على جانب الطريق وأخبرته ألا يغادر حتى تأتي وتأخذه ثانيةً فهي تفعل كل ذلك لأجل حمايته.
آمن بها وصدق قولها رغم يقينه الداخلي بأنها ربما لن تعود إلى سابق عهدها.. ظل منتظرًا مكانه ليتقدم به العمر والطفل أصبح شاب ازداد تعلقه بأمل بُهت تدريجيًا حتى اندثر بين طيات الرماد ليدرك بأن الطفل ذو السادسة من عمره تغير شكله كثيرًا ولن تتعرف عليه والدته.. إذن وعدها ملغي وحُسِم الجدل بشأن تلك المعضلة.
وداع دامع كان من نصيب والدته قبل أن يأخذها كارم ويتحرك بها إلى وجهة أخرى، أراد سؤاله عما ستؤول إليه الأمور لكن صديقه كان واضحًا معه بشأن ذلك الخطب وأخبره بنبرة حازمة نادرًا ما يتحدث بها معه
- أخبرتك أركان بأن والدتك الآن في حِماي ولن يصيبها أي مكروه فقط ثق بي.
أومأ له إيجابًا وتركه يفعل ما يحلو له مع وعد بأن والدته ستعود إلى سابق عهدها لذا لا داعي لكل ذلك القلق الغير مبرر.
اختفت سيارة كارم من أمامه رويدًا حتى تلاشت مع بُعد المسافات بينهما، دلف للداخل وجلس على مقعد بالقرب من الباب واضعًا رأسه بين يديه بتعب فهو بالفعل قد سئم من كل ما يدور حوله وحان الوقت لاتخاذ خطوة أفضل ربما بعدها سوف يرفع راية النصر دون عناء.
الحياة قصيرة لعيشها..!
بل أقصر مما تتخيل.
وكارم قرر بأن تكون حياته القصيرة تلك ذو فائدة تعم على غيره قبله لذا وبكل نفس راضية قرر مساعدة صديقه حتى لو كان في ذلك مخاطرة قد تؤدي إلى اهتزاز علاقتهما في المستقبل.
ضغط على عدة أرقام قبل أن ينتظر رد الطرف الآخر الذي فتح الخط وأخبره بحفاوة
- كيف حالك سيد كارم..!
- بخير ريان وأنت..؟
قالتها بتعجل وهو يراقب والدة صديقه مستغرقة في النوم محتلة المقعد الخلفي وتستند برأسها تارة على النافذة جوارها وتارة أخرى تزيح رأسها إلى الخلف في إشارة منها لعمق نومها..
- بأفضل حال.
ابتسم كارم بسعادة لأجله قبل أن يخبره بنبرة هادئة في محاولة منه لعدم إثارة أي قلق قد يحدث بينهما
- أنا في الطريق إليكَ.
- في انتظارك.
قالها ريان وأغلق المكالمة، وضع الهاتف بجانبه وبعدها تلاقت عيناه بعيني حبيبته تخبره بنبرة متسائلة وهي تضع حبة عنب في فمه
- مَن القادم..؟
رفعة حاجب وابتسامة خبيثة احتلت وجهه وهو يخبرها بهدوء ظاهري
- حبيبتي السابقة.
ضحكة استخفاف هي كل ما صدر منها ردًا على حديثه لينظر لها بعدم فهم من سبب ضحكها لتخبره بلامبالاة باطنها يكاد يجزم بالكثير من الثقة حول ما تقوله
- هذا الأخرق.
قالتها وأشارت إلى موضع قلبه لينظر لها بعدم فهم سرعان ما أكملت هي بهدوء
- لم يرى سواي.
وقبل أن ترفع يدها عنه أسرها بين خاصته وهو يخبرها بصدق يحاول تصحيح كلماتها تلك
- بل لم يعشق سواكِ فآطم.
طبع قُبلة في باطن يدها قبل أن يأسرها بين خاصته ويغمض عينيه بسلام نفسي متذكرًا حديثه صديقه السابق منذ عدة أيام وهو يتصل به ليخبره بنبرة قلقة خوفًا من رفضه
- أحتاج إلى مساعدتك ريان.
قالها بتوتر ليعقد المجيب حاجبيه بعدم فهم ما لبث أن أُزيل حينما استمع إلى الآخر يخبره بهدوء
- والدة صديقي بحالة سيئة للغاية..
تنهد قليلًا يحاول التقاط أنفاسه، لحظات وأكمل بعدها بحزن
- طبيبتها النفسية فشلت بجدارة في جعلها تتخطى كافة الأمور البشعة التي مرت بها.
أومأ ريان رأسه متفهمًا وسؤال واحد يتردد داخل عقله بأن صديقه لم يخبره قط بوجود أحد بالقرب منه يمر بضائقة نفسية وقبل أن يسأل عن أي شئ تحدث كارم بهدوء حذر
- أريد منك أن تتابع حالتها ريان ربما بإمكانك إصلاح عطب روحها وجعلها تتخطى كل ذلك بحذر لتعود إلى سابق عهدها كما كانت.
بعد تفكير لم يدم لأكثر من دقيقتين أخبره ريان بنبرة حازمة بعدما عقد العزم على فعل ما يريد
- لا بأس كارم يمكنني متابعة حالتها لكن لدي شرطين لن اتنازل عن أي منهما.
- أعرف أولًا ما تريد وبعدها أحسم قراري في الموافقة من عدمها.
قالها كارم ردًا على صديقه فهو لا يريد أن يتورط في شئ ربنا سلبياته مستقبلًا أكبر من إيجابياته حاليًا، تفهم الآخر قلقه ليعقب على حديثه بعملية
- لا بأس صديقي يمكنني فعلها لكن في البداية أريدك أن تأتي بها إلى مزرعة الجد.
- لِمَ..!
لحظات وأكمل حديثه الحذر
- ألن تعود إلى العاصمة..!
- في الوقت الراهن لا..
صمت لدقيقتين على الأقل حينما التمس التوتر في نبرته ليتحدث بحنان
- هذا أول شرط لي.. ضرورة إحضارها إلى حيث أنا بعيدًا عن اختناق العاصمة وازدحامها.
- والشرط الآخر..!
تساؤل قابله بابتسامة حذرة من قلق صديقه الغير مبرر ليتنهد بهدوء وقد عقد العزم على فعل ما يريد
- سأخبرك إياه حينما تأتي إليَّ.
قالها وأغلق الهاتف على أمل بأن يأتي الصديق قريبًا لكنه ورغم كل ذلك اختفى ليومين وفي منتصف اليوم الثالث ظهر وأخبره بأنه في الطريق إليه.
تحسس جبينه بعدما وضعت زوجته يدها عليه تحاول انتشاله من عمق تفكيره لينظر لها بهدوء وهو يسألها بحنان
- ما الأمر فآطم..!
- لا شئ.
قالتها بحنق وأزاحت رأسه من على قدمها ليتأملها بعدم فهم قبل أن يضع رأسه مرة أخرى إلى مكانها، لف ذراعيه حول خصرها واقترب منها أكثر لتحاول إبعاده وهي تتحدث بنبرة حانقة
- اجعل حبيبتك السابقة تنفعك سيد ريان.
قالتها ونظرت إلى الناحية الأخرى في إشارة منها لرفضها الحديث معه، ابتسم بحنان وابتعد عنها قليلًا ليجلس مقابلًا لها وهو يوضح لها الصورة من كافة الاتجاهات حتى تتقبل وجود تلك القادمة إليهم بعد قليل
- صديق يحتاج إلى مساعدة وقد وافقت على الأمر.
- وأيضًا..!
تفوهت بها بشك لينظر لها قليلًا وأكمل موضحًا حديثه الحذر
- سوف تبقى معنا عدة أسابيع حتى تتعافى.
فهمت مقصده بأن الزائرة من طرف صديقه تعاني وهو سوف يساعدها، لحظات انتظرها بفارغ الصبر حتى تخبره رأيها لكنها بدلًا من ذلك صمتت دون إبداء رأي واضح لينظر لها بشك سرعان ما ابتسمت على إثره وهي توجه كلامها اه بحنان
- بالطبع لن يكون لدي أي اعتراض ريان بل يمكنني مساعدتك إن احتجتَ لذلك.
احتضنها بامتنان فهو بصدق كان خائف حد الهلاك من احتمالية رفضها للأمر خاصةً وأنه لم يباشر عمله منذ فترة لا بأس بها "منذ اللحظة التي تزوجها فيها وهو ترك كل شئ لأجلها وحتى يعطيها كافة الوقت للتعافي من كل ما مرت به" لكنها فاقت كل توقعاته كما العادة.
ابتسم بامتنان وتركها حتى يُبدل ثيابه قبل وصول صديقه لتتأمله قليلًا قبل أن تعود ثانيةً إلى كتاب تُكمل قرأته.. استمعت إلى صوت بوق سيارة لتنظر من النافذة وسرعان ما وجدت زوجها يظهر والشخص الآخر خرج من السيارة يرحب بصديق لم يره منذ بضعة أشهر.
اتجهت للداخل منتظرة أن يحضر ريان حتى يخبرها عن خطواته القادمة..
وفي الخارج جلس ريان وكارم على مقعدين متقابلين يرحب كلًا منهما بالآخر ليقول الضيف بحنان
- لقد أحضرت والدة صديقي ووجب عليكَ التعامل معها بصورة أفضل مما تعاملني.
ابتسم ريان على حديثه فهما دائمي الشجار حول بعض الأمور الشائكة، سرعان ما انمحت ابتسامته وهو يخبره بهدوء
- يمكنك إخباري بكل شئ يخص تلك المرأة حينها فقط سوف أضع الطريقة المناسبة لعلاجها.
- لا أستطيع.
قالها كارم بحزم لينظر له الآخر بشك وهو يكمل بهدوء عاقدًا العزم على معرفة كل شئ يخص تلك المرأة
- ذلك شرطي الثاني للموافقة على علاجها..
لم يعطه ريان الفرصة للحديث بل أشار له بالصمت حتى يُكمل هو ما يريد، ابتلع ريقه وأكمل موضحًا موقفه بطريقة مهذبة حتى لا يظن الآخر انه محاصر
- لن أستطيع مساعدتها إن لم أعرف كل شئ عنها وأظن الآن فقط فهمت لِم عجزت طبيبتها النفسية على علاجها.
عقد كارم حاجبيه بعدم فهم ليبرر له ريان سبب قوله هذا وأخبره بهدوء
- معرفة الأزمة التي مر بها المريض أولى مراحل التشخيص قبل العلاج.. أن تضع يدك على مصدر الإزعاج أول خطوة للتخلص منه.
- حسنًا.
قالها بعد تنهيدة حذرة يتأمل بها السيارة "والغرض هنا ما بداخل السيارة" وأكمل بعدها بهدوء
- سوف أخبركَ بكل شئ يخصها لكن عِدني قبلًا بأنك سوف تنسى كل ذلك ولن تخبره لأي أحد بعد اليوم.
أومأ له موافقًا فما يهمه الآن هو الوقوف على أسباب مشكلة قائمة لا الثرثرة..
أما في السيارة فقد استيقظت والدة أركان من نومها لتجدها في مكان غريب بالنسبة لها، نظرت من النافذة جوارها عدة مرات ثم قررت استكشاف الأمر.
هبطت من السيارة واتجهت لداخل المنزل على مهل وهي تتأمل المكان لكنها سرعان ما اندمجت مع عبق المكان التي احتلتها.. لا تعلم أين تأخذها قدماها لكنها مسرورة لوجودها هنا، لحظات ووجدت إحداهن تُشعل عود ثقاب لتتجه نحوها بغضب وهي تصرخ بها بنبرة غاضبة
- أتريدين قتلنا حرقًا كما فعلتِ من قبل.
لم تفهم المرأة سبب هجوم تلك الغريبة عليها ولا كيف دلفت إلى هنا لتخبره بغضب هي الأخرى
- ابتعدي من هنا.
ومع توتر الأجواء أتت فآطم من أعلى على صوت شجار طفيف لتحاول تحرير أيديهما المتشابكة وهي تصرخ بصوت مرتفع
- ريان..

"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن