"الفصل الحادي والأربعون"
العالم من حولنا يحفه ظلام دامس ونحن لا نبحث عن شمعة لإضاءة بعض أركانه بل شمس انتقام تحرقه على آخره دون ذرة ضمير قد تصحو بعد ذلك.
أتدري أنكَ لو تركت نفسك للرماد يتسلل إليكَ من ثغراتك سوف يُهلك كل ما تبقى لك من إنسانية! يدفنها جميعها أسفله ليبقى على السطح ذرات كراهية تتحد مع بعضها البعض لتكون خيوط أشبه بخاصة عنكبوت ضخم تلتف حولك حتى تحاصرك بشبه تملك.. وأنت لا تملك أية مقاومة لمحاربته أو حتى التخلص منه.
جلست على المقعد بإنهاك بعدما مر ما يقرب الثلاثة أيام على آخر مواجهة دارت بين ثلاثتهم ومحاولاتها المُضنية للتخلص من غريمتها التقليدية في العشق والانتقام.
أغمضت عينيها بتثاقل وهي تتذكر كيف مرت عليها الأيام بعد وفاة والديها.. لم يكن لديها عائلة تهتم بها ولا شقيق يأخذ بيدها خارج نفق ظلام ربما أهلكها وأحرق طاقتها طوال حياتها.
تنهدت بضيق وهي تتذكر أول عائلة حاضنة لها بعدما بقيت لعدة أشهر في مركز الرعاية..
لن تنكر بأنهم كانوا ألطفهم لكنهم لم يتفهموا حالتها من كونها فقدت العائلة في طرفة عين ووجب عليها منح عقلها قبل مشاعرها الكثير من الوقت حتى يعتاد على عدم بقائهم..
في البداية تحملوا تقلباتها المزاجية بل ودعموها بأخصائي نفسي لكن فيما بعد أصبحت ثقل على عاتقهم يودون التخلص منه في أقرب فرصة ممكنة لتحاول الفرار من حصارهم وفي النهاية عادت إلى المركز الاجتماعي مرة أخرى.
كانت صغيرة لتفهم أي مشاعر كره قد تصيب قلبها بالسواد لكن رغم ذلك احتفظت بها جميعًا داخلها لتنمو بمرور الأيام وتتحول من قطة مسالمة إلى لبؤة يمكنها الفتك بك في لحظة عين.
هي تدرك جيدًا أنه بين إيما اللطيفة والمتمردة سنوات جعلت كل ما بداخلها يتفحم عدى الكراهية تطفو فوق السطح لتحتل كل ما به حتى إشعار آخر.
الحياة منعطفات بعض سهل تجاوزه والغالبية العُظمى منه لا يمكن ذلك دون خسائر فادحة قد تصيب قلبك بالانهيار في لحظة ما..
وإيما اختارت أن تكون كافة منعطفاتها قاسية، دامية، مهلكة لكل نفس قد تصدق أنه يمكنه الوقوف أمامها وفي النهاية تحولت إلى كوبرا يمكنها نهش لحمك دون أن يرف لها جفن.
استمعت لصوت هاتفها يعلو منتشلًا إياها من ظلام شرودها لتنظر إلى الاسم بتكاسل قبل أن تُجيب بنبرة فاترة
- كيف الحال!
عَقد أركان حاجبيه بعدما استمع إلى صوتها ذو النبرة القلقة ليخبرها بهدوء متسائلًا عن الأوضاع معها
- ماذا حدث في اليومين السابقين؟
هنا أدركت بأن سؤاله ليس اهتمام فقط بل محاولة اطمئنان بكونها تفعل ما يحلو لها دون أي تعاطف لتبتسم بسعادة حية التهمت فريستها حتى شعرت بالتخُمة وبعدها أجابته بهدوء
- يسير كل شئ كما أريد وأكثر.
- وماذا عن حياء؟
قالها بتساؤل وحروفه يتقطر منها سُم خالص للفتك من ضحية ربما خطئها الوحيد أنها ابنة خلدون، استمع إلى إيما تخبره بلامبالاة
- منهارة بعدما زال جزء من ستار حجب حقيقة والدها لفترة لا بأس بها وحان الوقت حتى ينزاح ذاك الغشاء نهائيًا وتتضح حقيقته جلية أمام الجميع.
نحن..
مَن نحن؟
مجرد خطوات في حياة بعضنا البعض..
أزمنة تتغير وتبقى آثار كلماتها عالقة في الأذهان بمرور الزمن.
لن ننسى.. لن نعفو.. لن نترك الماض يرحل كما رحل الأقربون إلى قلوبنا تاركين لنا مرارة فراق لن تفارق روحنا ما دمنا على قيد الحياة.
- الغرض ليس القتل..
قالها أركان بهدوء بعد تفكير طال بينهما فهو يعرف تمامًا أنها تحرق أعصاب ضحيتها.. تُجبرها على الوقوف بالقرب من حافة الانهيار وحينما تخبرها بضرورة القفز تحت تهديد السلاح؛ تسحبها إلى نقطة أمان وتعلل فعلتها بكونها مزحة وهذا حقها أن تتسلى.
- أصحيح حديثي أم ماذا؟
أكمل أركان كلماته لتبتسم بسعادة من فهمه لما يدور حوله دون عناء، أخذت نفس عميق أنعشت به جسدها كله قبل أن تزفره على مهل وتخبره بنبرة مؤكدة
- بالطبع.
ثم صمتا قليلًا وأخبرته بنبرة ماجنة
- في الوقت الحالي لا.. لكن مستقبلًا هي مَن ستطلب إنهاء حياتها بدلًا من تلك المعاناة التي تعيش داخلها كل لحظة.
اختتمت كلماتها بصوت صفير داعب أذن الآخر بانتشاء فهو يعرف جيدًا مدى دهائها لكن ذاك المُكر الذي ينضح من بين حروفها لم يختبره قبلًا قط.
الأنثى مسالمة في كل وقت لكن احذر منها حينما تكون جريحة ماض لم يندمل بعد بل تقيح وبمرور الوقت زاد وجعه بصورة أكبر مما مضى.
وهي لم تكن جريحة قط بل ممزقة إلى أشلاء وكل جزء منها يطالب العيش في سلام بدلًا من السعي وراء شئ لن يُجدي نفعًا في المستقبل فالأهم في الرحلة ليس الوصول إلى نهايتها لكن الاستمتاع بها قدر الإمكان.
وهي لا تعرف كيف تستمتع في أزهى أيامها فخريف الماض كان سببًا في سقوط أزهار حياتها الواحد تلو الأخرى حتى أضحت صحراء قاحلة لا حياة فيها.
- أتدري أركان..!
قالتها وصمتت في محاولة منها لجذب انتباهه إليها ليومأ برأسه وكأنها تراه.. أما هي فصمته
حفزها على إكمال حديث ربما لن تسنح لها الفرصة لقوله مرة أخرى
- أحيانًا أشعر بأنه وجب علي المُضي قِدمًا في حياتي مع وعد بعدم الالتفات إلى انتقام ربما أدفع ثمنه في كوابيس تطاردني ليلًا لكن بمجرد وضع جسدي على الفراش أملًا في النوم تهاجمني تأوهات أبي قبل توسلاته إلى ذاك المدعو خلدون بأن يرد إليه ولو بجزء قليل من أمواله.
صمتت لحظات وأكملت بعدها بنبرة هازئة تجاه إثم حتى لو حاولت نسيانه فلن ترحمها ذاكرتها في إعادة عليها كل يوم حتى تتعظ وتكمل كل ما خططت له بنشاط
- حينها فقط نار الكراهية تلتهم كل ما خططت له مع بقاء ثأر شامخ بين كل الدمار داخلي.
- أتفهم حديثك إيما.
قالها أركان بهدوء فهو في بعض لحظات ضعفه يحاول التوقف عما يفعله لكن حالة والدته تجبره على السير عكس رغبته حتى لو كان في ذلك يُدميه من الداخل لكن بعدما يهدأ ويفكر جيدًا في كل شى يدرك فداحة خطئه فهو يعاني مثلها تمامًا الاختلاف أن عقله رسم خطط شر لإسقاطهم الواحد تلو الآخر دون أن يهدأ له بال.
- لكن فداحة الماض تُجبرنا أحيانًا على السير عكس التيار، تمنحنا فرصة ثمينة في إشراك أطراف لم تكن لها علاقة بالمعادلة قط فقط كانت هوامش زائدة في حياة أحبائها ومع ذلك لا تستطيع تخطي أي حدث ظنًا منك أنك ربما لم يكن لك ذنب أيضًا لكن طالتك المعاناة ولم يتبق منك سوى بقايا شبح يجاهد على العيش في سلام بعد الانتهاء مما يريد.
وافقته الرأي فهي لم تكن طرف في المعادلة لكن طالها الدمار وجعل منها دُمية مشوهة داخليًا..
دُمية هي نفسها عاجزة عن إعادة تشغيلها كما كانت بالسابق والسبب بسيط أن قطع غيارها لم تعد متوفرة قبل عدم صلاحيتها للاستخدام.
أحيانًا يكون الرقص على بقايا رماد أهون من السير على جمرات مشتعلة تحرق روحك مع كل خطوة للتقدم وهما رغم إنكارهما لبعض الحقائق إلا أنهما وجهين لعملة واحدة.. عملة دمرتها الرطوبة وتبقى منها صدأ عكر صفو حياة الجميع دون استثناء.
أنهت المكالمة على وعد بإخباره أحدث المستجدات إن لزم الأمر لكن عليه أن يتركها تخطط للقادم فهي تدرك قاعدة واحدة أن حواء تحترق من الغيرة إن شعرت فقط بوجود أنثى تحوم حول قلب امتلكته من قبل، ابتسمت بخبث ومعالم خطتها التالية قد بدأت تتضح بين ثنايا عقلها..وما عليها سوى التريث في خطواتها حتى لا تفسد وجبتها المفضلة.
ما بين حواء تخطط وأخرى تُنفذ ما تم وصيتها به عدة قرارات من عقل ربما يلهو في الخفاء لتدمير كل قاعدة راسخة في الأذهان..
أركان العقل المدبر لكل شئ لا ينكر والبقية يخدمون على خطته لتحقيق أهدافه التي طال التخطيط لها منذ زمن.
"يمكنك مراسلة حبيبك تمارا وإخباره ببعض المستجدات إن لزم الأمر.. لكن دون إخباره أي شئ عن كارمن فقط كل ما يخصك"
ذيل رسالته بتحذير شديد اللهجة حتى لا تفكر في كل حرف قبل النطق به فهو يدرك تمامًا أن حبها له قد يجعلها تُهذي بكلمات ربما تصيب خطته بالعطب في أية لحظة، ضغط إرسال وأغمض عينيه منتظرًا زيارة صديقه لمعرفة أخبار والدته التي انقطعت كافة الطرق بينهما يوم أخذها إلى طبيب يثق به بكل ما أوتي من قوة.
أما على الطرف الآخر فقد استقبلت حواء رسالته وكأنها كانت الفتيل الذي أشعل النار بين جنبات قلبها لتنكوي باشتياق خالص لسيد قلبها الأوحد.
على عجالة من أمرها في التحدث معه وبلهفة حبيب طال اشتياقه فتحت أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي وأرسلت له بهدوء
"متاح... أود التحدث معك قليلًا"
أما معاذ فقد كان يشغل وقته بعد انتهاء يومه الدراسي بكتابة بحث علمي لنشره في المجلة بعد توصية أحد مشرفينه..
استمع إلى صوت إشعار بوصول رسالة ليفتح التطبيق، حجظت عينيه بدهشة من مراسلتها بعد ما يقارب الشهرين على اختفائها قبل تجاهلها لكل شئ يخصه في التقرب منها.. قرأ رسالتها باستخفاف قبل أن يهديها رده بسخرية
"حمدًا لله أنكِ لازلتِ تتذكرين وجودي في محيط قلبك.. ماذا..!"
جلست على جمرات انتظار نهشت ذرات صبرها واحدة تلو الأخرى وهي تنتظر رده.. فهي تراه يكتب لكن لم يصلها أي شئ منه وبعد لحظات أتاها جوابه كما اللكمة التي سُددت تجاه قلبها دون ذرة ندم، تنهدت بضيق وأخبرته بغضب بدأ يتغذى عليها ببطء
"أنتَ مَن رفضت الاستماع إلي معاذ.. أنتَ مَن اختفى لا أنا"
ابتسم بحنان على رسالتها فهو يدرك حجم غضبها في تلك اللحظة ليرد عليها باقتضاب
"أي رد فعل انتظرته مني تمارا بعدما اكتشفت أنكِ كنتِ ترسمين خدعة على قلبي لا أنا تمارا"
ضغط زر الإرسال وهاجمها بأخرى ربما تشعر بمدى فداحة خطئها إن لزم الأمر
"أتريدين مني الترحيب بكِ دون الشعور بأي ذرة خذلان أم ماذا تمارا..!"
لم يمهلها الفرصة للرد أو حتى محاولة الدفاع عن نفسها بل أكمل باقتضاب
"يمكنكِ البقاء كيفما تشائين لكنكِ لن تعودي إلى مكانتكِ بقلبي إلا بعد التعافي من كل ألم سببته لي سيدة تمارا".
تريد أن تبرر له لكن كيف تفعلها وهي بالفعل تقربت منه في وقت سابق بناء على رغبة أركان دون أن يخبرها السبب وحينما أحبته بصدق كانت قد انزلقت في الوحل إلى حد عدم قدرتها على تنظيف نفسها منه جيدًا منه لكن كيف تشرح له وأي سبب قد تخبره به لن يكون كافيًا بأن يمنحها سماح ترجوه منه.. بالمختصر هو أحبها وهي خذلته حد الهلاك.
"انا ابنة خالك"..
انتظرت قليلًا حينما لم يصلها منه رد وأكملت كلماتها بنبرة حزينة
"شقيقة حبيبتك السابقة كارمن".
أما معاذ فبعد كلماته السابقة ظنها سوف تهاتفه لكن بدلًا من ذلك أخبرته بكونها قريبة دم معه، لم يصدق الأمر ظنًا بكونها مزحة ثقيلة الظل على قلبه منها فهو يعرف بأن لا شقيق لوالدته سوى علي على قيد الحياة والشقيق الأكبر قد توفى بعد صراع مع المرض فكيف تكون مثلما تخبره الآن.
أراد منها توضيح فلم يرسل أي شئ لكنها بدلًا من التفسير له ما حدث في الوقت السابق أكملت هي تؤكد له كونها ابنة الخال الذي رفض زواجه من ابنته سابقًا، لم يجرؤ على الإجابة بل ضغط علامة الاتصال وما إن فُتِح الخط حتى أخبرها بنبرة هادرة من كثرة انفعاله
- أي كارمن تلك التي تكونين شقيقتها..!
لم تجيب سؤاله بل أخبرته بنبرة تحمل من العتاب ما يكفي..
- ذاك ما أجبركَ على الاتصال بي سيد معاذ.
استنكار غلف كلماتها ولم تنتظر هي منه إجابة على شئ بل أخبرته بنبرة هازئة
- ابنة غير شرعية.
زفرت ما تبقى من أنفاسها بحرقة وأكملت تخبره بنبرة هازئة
- لستُ سوى خطيئة في حياة شقيق والدتك يا هذا.
اختتمت كلماتها بوصلة بكاء لم تفكر قط أنها سوف تقوم بها أمام معاذ بصفة خاصة لكن إن لم تبوح له بكل ما يقلق مضجعها فمع مَن سوف تتحدث..
- حرمني من والدتي قسرًا.. من حياة ربما كانت لتصبح أفضل من الآن وحينما احتاج إلى أموالها عاد بحجة كونه الأب المخلص.. تنازل والآن يريد الاعتراف بي لأجل حفنة من النقود.
قالت آخر كلماتها بنبرة صارخة قبل أن يتصاعد صوت أنينها وهي تشعر بكونها سلعة رخيصة حينما ازداد ثمنها تهافت الجميع عليها لأجل شرائها والاحتفاظ بها في مملكة خاصة للرعاية بكل ما هو نادر..
حاول امتصاص غضبها والتخفيف عنها ولو جزء من حزنها لكنها لم تترك له الفرصة لفعلها بل أكملت بنبرة شعر فيها بكم الوجع الذي تجاهد على الاحتفاظ به لنفسها
- حاولي بيعي عن طريق دار الأيتام لأحد العائلات خاصة عائلة منافسة له وحينما فشل في ذلك دمر كافة الأوراق الرسمية لي وكأني والعدم سواء.
تنهد قليلًا يبحث عن عدة كلمات مناسبة في مثل تلك الظروف لكنه قرر أن يخبرها كل ما يجول في خاطره حتى يصلها صدق كلماته دون عناء
- يمكنكِ إلقاء كل ما يُثقل كاهلك على كتفي تمارا وبعدها سوف تشعرين براحة ربما تكون مبتورة لكنها أفضل من ألا يكون هناك راحة من الأساس.
صمتت قليلًا تحاول تهدئة أنفاسها الثائرة في تلك اللحظة وبعدها أخبرته بنبرة متعبة حد الهلاك
- داخلي صخرة كبيرة معاذ وكلما أردت التخلص منها وجدتها قد ازداد حجمها للضعف حتى ما عدت قادرة على حملها أكثر من ذلك.
ابتسم بحزن على حالتها تلك فهو اختبر منذ نعومة أظافره غدر علي معه بدايةً من تخليه عنه بحجة أنه ابن الشخص الذي قتل شقيقته مع غلق كافة أبواب الاتصال بين معاذ وعائلة علي مرورًا بتعرفه على كارمن ليكتشف من اسمها الخماسي أنها ابنة الشخص الذي لفظه من حياتهم صغيرًا دون أن يكون له أي ذنب له في كل ما فعله والده ليحاول مرارًا الابتعاد عنها لكن شباك عشقها قد قيدته تمامًا ولم يعد قادرًا على إيجاد طريقة للهروب انتهاءًا برفضه تلك الزيجة من الأساس ظاهريًا أنه يمكن تحوله إلى مجرم ويتخلص من ابنته كما فعل أبيه في الماضي وفي الخفاء كان السر الأعظم أنه أتى فقط من أجل الاستيلاء على إرث والدته ويكون هو الوريث لإمبراطورية شيدها بالخداع ودماء الأبرياء ليتحول إلى حوت يمكنه التهام أي شئ يقف أمامه دون أن يرف له جفن مع تلذذه بسماع صراخ عائلات ذنبها الوحيد أنها كانت تنافسه في يوم ما.
الحياة صراعات وهي لازالت تصارع منذ الصغر دون أن يكون هناك يد تعاونها على كل ذلك وفي النهاية تبقت وحدها في مواجهة الرياح وما عليها سوى محاولة النجاة حتى لا تنكسر شوكتها فيما بعد.
- يمكنكِ فعلها تمارا والخروج من ذاك النفق دون خسارة..
صمت قليلًا ثم أكمل يخبرها بنبرة أكثر حماسًا من السابق
- في نهاية النفق سوف تجدين يدي ممدودة تحاول انتشالك من كل ذلك والهروب بكِ بعيدًا إلى جزيرة لن تضم سوانا وأي شخص يحاول الولوج إليها فهو دخيل وعقابه النفي بعيدًا مهما توسل...
- سوف أقابله بعد ساعة من الآن.
قالتها بنبرة باترة لكل محاولة منه في التخفيف عنها لتجحظ عينيه بفزع من احتمالية أذيتها دون أن يرف له جفن، حاول إثنائها عما تريد لكنها ذو تفكير متيبس أخبرته بوضوح بعدها
- طلب مقابلتي وانا أريده أن يتذوق بعض مما حدث معي في السابق ولن أتخلى عن كل ذلك معاذ حتى يطلب الرحمة ولن ينولها قط.
أغلقت معه وبدأت تتجهز لأجل مقابلة تدربت كثيرًا عليها رغم تأكدها من احتمالية ضررها.. بأنها لن تصبح نفس الشخص بعد مقابلته فالقسوة عنوانه وهي تشبه فراشة رقيقة لن تسمح لألسنة اللهب أن تحولها إلى رماد مهما حدث حتى لا تصبح ذكرى في حياة أحبائها قبل أن تتحول لمجرد ثرثرة عابرة بين ثنايا عقلها بل أخذت تُطلق الكثير من الوعود أنها سوف تحافظ على نقاء روحها لأجل الأقربون منها دون أن تعطي فرصة لأشواك متناثرة بنغص حياتها وتدميرها حتى لو كانت المُغريات أكبر من طاقتها.
.........................
تُهدينا الحياة بعد الكثير من التقلبات نقطة انتقالية بعدها يمكن لروحنا أن تستقر ولو لفترة قليلة، أن تهدأ دقات القلب وتعيش بتحرر بعد أسر لسنوات لم يكتب لها النجاة.. ترسل لنا برقية تهنئة بأن أحلك أيامنا قد مرت بفضل الله ولطفه وحان الوقت للخروج من عباءة الماض قبل تمزيقها دون رجعة.
ومحطة حياتها الهانئة تمثلت في طبيب تحمل كافة تقلباتها قبل أن يهديها قلبه مطالبًا إياها بضرورة قبوله مع وعد منه أنه سوف يحافظ على قلبها دون أي خدوش قد تصيبه بالعطب.
بعدها تحول من طبيب برتبة صديق إلى زوج برتبة عاشق يريدها أن ترضى عنه في مملكة هي ملكتها الوحيدة وهو الملك المنتظر على عرش قلبها.
شعرت بشئ يتحرك على بطنها بتمهل لتفتح عينيها بفزع قبل أن تغلقها مرة أخرى لتحاول بعدها الاعتياد على ضوء الغرفة لتشهق بمفاجأة حينما وجدت ريان على مقربة منها يمسك بين يديه صندوق خشبي صغير مخملي اللون يشبه التابوت في تصميمه، مفتوح على مصرعيه وبداخله خاتم بماسة صغيرة وعلى بروز بطنها الخفيف فردتي حذاء بلون أزرق..
دمعت عينيها بعدم تصديق من كونه يفعل ما بوسعه لإسعادها، قبضت على فردتي الحذاء قبل أن تجلس لتصبح في مواجهته تمامًا..
تنهد بسعادة وأخبرها بحنان
- أتقلبين الزواج بي فآطم..!
نبرته راجية لتضحك بخجل قبل أن تخبره بنبرة هامسة
- نحن بالفعل متزوجين...
وضع إصبعه على ثغرها يمنعها التفوه بالمزيد من الثرثرة عارضًا وجهة نظره بسعادة
- تلك المرة الأميرة يجب أن تكون موافقة على مراسم الزفاف.. ترتدي ثوب أبيض وتخبر الجميع بأن ذاك الطبيب الوسيم أصبح زوجها إلى الأبد.
اتبع كلماته بإشارة إلى نفسه بتباهي يُعدد لها مواصفات شريك حياتها القادم لتنظر له باندهاش قبل أن تنفجر ضاحكة على حديثه.
وضعت يدها أسفل ذقنها دلالة التفكير قبل أن تحرك أصابع يدها أمام وجهه تخبره بمشاكسة
- يمكنكَ إذن وضع الخاتم في يدي.
حديثها أزاح الكثير من القلق ظنه متواجد نتيجة زواجهما دون معرفتها في الوقت السابق لكن سعادتها تلك لا يستطيع تخطيها فهي بالفعل تريد قضاء بقية حياتها مع أسرة يكتنفها الدفء والحنان.
وضعت محبس الزفاف في يده وتشابكت أيديهما ليخبرها بحنان
- تتشابك طرقنا حتى آخر العُمر.
أومأت بإيجاب لتشير إلى الصندوق وعدم استيعابها في كونه يشبه التابوت إلى حد كبير لتخبره بحنق مصطنع
- روميو دومًا ما يعرض الزواج على جوليت خاصته بخاتم ماسي موضوع في وردة، قطعة حلوى في المشروب وأنت تهديني إياه في تابوت.
في لحظة ما أحس بأنها لو كانت تمتلك تعابير ضفدع "في صندوق الايموجي" لاختتمت كلماتها به ليضحك على تخيله ذاك قبل أن يشدد من احتضان يدها وهو يخبرها بحنان
- ربما لأني أريد البقاء معكِ تحت سقف واحد حتى تخرج آخر ذرات هواء من صدري.
"في إشارة منه للموت"
نظرت له بحنق من حديثه وهي تدعو بأن يكون يومها قبل خاصته حتى لا تهلك روحها وهي لازالت على قيد الحياة.
أخذت الصندوق منه لتجد بضع حروف منقوشة على عليه، فتحته للآخر لتجد كلماته الخالصة بالحب موجهة إليها
"حتى نظراتك الخاطفة نحوي تحث قلبي على التفكير دومًا بوجود سطور لم تُكتب في حكايتنا بعد".
ابتسمت بسعادة من كلماته التي مست قلبها بشئ لم تشعر به قبل سوى معه لتستمع إليه يخبرها بهمس جوار أذنها
- حتى نظراتكِ الخاطفة نحوي تحث قلبي على المُضي قِدمًا تجاه قلبك، تخبرني بأنه لازال هناك الكثير من السطور التي لم تُكتب في حكايتنا بعد.. تحث قلبي على توقيع معاهدة غرام مع قلبكِ دون شروط إلى آخر العُمر.
احتضنته بتملك وكأن ذلك آخر شئ قد تريده في تلك الحياة، تنهدت في محاولة منها لضبط انفعالها قبل أن تخبره بنبرة هانئة
- مبارك على قلبي عشقكَ.
أغمضت عينيها براحة تحاول التحكم في انفعالاتها الواضحة للعيان
- إن أخبرني أحد من قبل أنه يمكنني المُضي قِدمًا في حياتي دون خوف فلن أصدقه بل كنت سأخبره بأنه ربما أصابه مس من جنون.
اختتمت كلماتها بضحكة فرحة بوردية حياتها المقبلة معه، بسذاجة أفكارها السابقة، بحياة اختارت فيها الرمادي لون أساسي في زوايا روحها.. أضاعت الكثير تحت بند الخوف وحان الوقت كي تحيا دون قلق مما يحدث بعد ذلك فريان دومًا ما يحثها على عيش اليوم وكأنه آخر أيام حياتها دون القلق من عبء الغد.. فقط الغد لما يحدث في الغد ولا عزاء لمجهول لن يصيب حياتنا سوى بالأرق حتى لا نحيا كما نريد.
قضى بعض الوقت معها واعتذر منها لأجل موضوع هام يخص والدة شقيقه لتتفهم الوضع فكل ما يخص حالاته خاص بهم فقط دون غيرهم..
وفي الأسفل أعاد الاتصال بمكالمة فيديو مع صديقه كارم ليجيبه الطرف الآخر بقلق من عدم سماعه لأي خبر يخص حالتها الصحية ليخبره ريان بهدوء
- بالطبع كارم لن أُرسل لك تقرير كل يوم عن حالتها.. فقط في نهاية المدة المحددة لعلاجها يمكنني ذلك.
- لكن ابنها يريد أن يطمئن على حالتها.
قالها كارم بتبرير ليومأ الآخر إيجابًا بتفهم من قلق قد ينتاب أهل المريض عليه إن لم يكن هناك أي خبر يخصه، أغلق كاميرا هاتفه قليلًا قبل أن يثبتها على طاولة رخامية بالقرب من مكان وجودها في المطبخ، أعاد تشغيل الكاميرا ثانية وجلس على مقعد مقابل لها يخبرها بحنان
- ماذا تفعلين أمي!
تأملته قليلًا وعادت ثانيةً لما بين يديها تخبره بنبرة مشاكسة
- زوجتكَ تحدتني في صنع طبق يليق بمعدتكَ وفكرت في صُنع فطيرة لك.
حاول كتم ضحكاته فهو أخبر فآطم بضرورة حثها على دلوف المطبخ كخطوة ثانية من خطة علاجه لها لكن بدلًا من ذلك تنافستا على صنع الطعام له وفي النهاية معدته هي مَن ستدفع الثمن لا شئ آخر.
أخذ يتأمل حركات يدها الماهرة في تشكيل العجين قبل وضع بعض المواد الدهنية عليه وتركته جانبًا قليلًا لتخبره بحنان
- ذاك النوع كان المفضل لصغيري.
- لنعطه بعض منه إذن.
قالها بحماس لتُشرق ملامحها بسعادة قبل أن تبهت ثانية وهي تخبره بنبرة حزينة
- لكن لا أستطيع تذكر أي ذكرى عنه...
- بالتدريج يمكننا استحضار كافة الذكريات معه أمي لذا لا داعي للقلق في الوقت الراهن.
قاطعها بحنان وهو يربت على يدها بحنان لتنظر له بسعادة وهي تكمل باقي عملها بنشاط أما هو فاقترب من الهاتف وأغلق المكالمة نهائيًا دون كلمة إضافية.
أما أركان فجلس يتذكر مشاجرته مع صديقه في كون الأخبار قد انقطعت عن والدته منذ اليوم الأول لرحيلها وهو لا يعرف أي طبيب قد ذهبت إليه ليخبره الآخر على استحياء
- في منزل ريان..
- أتقصد أنها في منزل العدو..!
قالها باستنكار وهو يصيح فيه بغضب من كونه اختار الطبيب دون أن يأخذ رأيه في أي شئ ليخبره الآخر بنبرة هادرة يصحح له حديثه
- بل في منزل الطبيب ريان ولن يؤذيها مهما حدث حتى وإن كان عدوك في خيالك أنت فقط لكن لا تنسى بأنه صديقي أركان.
جلس أركان على أقرب مقعد يحاول أن يفهم الأمور كيف أضحت تتسرب من بين يديه دون إذن منه، ليشعر بيد صديقه تربت على كتفه وهو يخبره بتبرير فعلته
- أنتَ تدرك جيدًا بأن كافة الأطباء النفسيين الذين أحضرتهم لها لم يستطيعوا تحمل ذكرياتها وتقبل حزنها مهما كان بل كانت جلسات عنوانها التأفف لا غير وهو أكثر شخص يمكن أن تثق في كونه سوف يساعدها دون تأفف بل سيجعلها أفضل من السابق بكثير.
ثم صمت قليلًا وأخبره بعدها بحنان
- ألا تريد أن تقضي معها ما تبقى من لحظات وهي تتذكرك على انك ابنها لا فرد من العائلة تتذكره كل حين.. ألا يحزنك ذلك؟
تأثر من حديثه فهو بالفعل يريدها أن تخاف عليه كابنها لا شخص غريب عنها.. يريد منها أن تحنو عليه لا أن تخاف من كل كلمة تخبره بها وكأنها الأخيرة.. يريد الكثير وتبًا لصديقه فهو محق في كل كلمة قالها ليخبره بعد طول انتظار برجاء
- أريد الاطمئنان عليها.
وبالفعل بعد لحظات خرج من غرفة المكتب وهو يحمل هاتفه يضعه بين يدي الآخر لينظر أركان إلى صورتها على الشاشة، تبدو كما تمنى أن تصبح دومًا ليتنهد بسعادة ممزوجة بحزن مرير حينما استمع لها وهي تخبر الطبيب أن صغيرها يعشقه بتلك الطريقة، أغمض عينيه بتعب فهي لازالت تتذكر ما يحب رغم أنه حينما نضج كل تلك الأشياء أضحت بالنسبة له ذكريات طفولة..
أراد أن يشكر ريان حينما أخبرها بأنهم سوف يرسلون بعضًا منها له، ابتسم بسعادة واحتضن صديقه بعدم تصديق ففي تلك اللحظة تحديدًا أدرك بأن ريان هو الأنسب حتى لو لم يكن هناك تعامل بينهما.
بعض الخيارات رغم عدم اقتناعك بها إلا أنها في يوم ما "إن فكرت بينكَ وبين نفسك" الطريق الصحيح في سعادة الغد دون أي ثغرات مما قد يحدث فيما بعد.
خياراتنا في أحيان كثيرة تكون مبنية على العاطفة وفي لحظات ضعفنا يكون عنوانها إظهار كبرياء على حساب مبدأ ربما كان خطأ منذ البداية.
هاتفت المحامي الخاص بوالدها وأخبرته بأنها جاهزة للقائه ليقول لها أنه على بُعد دقائق وسوف يكون أمامها وبالفعل لحظات وكان يُقلها لرؤية والدها المزعوم.. انتظرت قليلًا في غرفة جانبية واستمعت إلى صوت العسكري يفك قيده بعدما فتح الباب ويخرج ليتركها بمفردها معه.
جلست قبالته وأخبرته بنبرة هازئة
- لم آتي للم شمل أيام كنت السبب في محوها بإرادتك بل أتيت لسؤالك..
صمتت قليلًا وأخبرته بحنق
- لِم فعلتَ بي كل هذا.
#من_بين_الرماد
#أسماء_رمضان
أنت تقرأ
"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"
Romansaمن بين الرماد... "داء العشق يُبتر لا يُضمد" تحكي قصة فتاة تخلى عنها حبيبها ليلة الزفاف فماذا ستفعل حيال ذلك.. هل تبكي الأطلال أم تقف شامخة كحال ذويها!.. نحن أمام بضع كلمات منثورة تعطي إيحاء بوجود الأمل دومًا مادام القلب ينبض بالحياة.