《الفصل السادس》
وما البعد إلا عذاب للوعة الاشتياق...
وما القرب إلا نارًا أحرقت الفؤاد فأصبح رماد.....
......................
في لندن...
وخاصة في مطعم العجوز جاسبر، دلفت بهدوء لتجلس على أقرب مقعد يقابلها، نظرات شمولية لرواد المطعم، طاولة تحوي عاشقين يبدو أنهما وصلا لمرحلة الهيام، أخرى يجلس أحدهم منهكـًا في تصفح الجريدة، وأيضًا واحدة..... قطع مشاغبة أفكارها قدوم العجوز بوجه مكفهر، يبدو بأن أحدهم قد سرق مخزون مطعمه الشهري، ابتسمت بهدوء قبل قولها
- اشتقتك سيدي جاسبر.
نظرة نارية كانت من نصيبها، وبملامح غاضبة أجابها
- اشتقتني أم اشتقت لوجباتي أيتها الماكرة؟!
- اعتذر لتقصيري لكنك تعلم طبيعة عملي، إنهاك طاقتي قبل فرارها طوال اليوم.
قالتها رانسي بندم، ارتخت معالم وجهه، داعب شعرها وابتسامة حنون رُسمت على ملامحه الهادئة أملًا في الإنصات إليه فيما سيقوله لذا أخبرها بهدوء عكس حدته قبل قليل
- أعلم طبيعة عملك رانسي لكن لا تهملي حب الأقربون منك حتى لا تتعثر روحك بدروب الألم، ستصبحين وحيدة دون تربيتة مِنْ قلب أحدهم، فالحب عزيزتي مثل البتلة تحتاج للرعاية دومًا، لتفوح نسائمها بحياتك لكن بإهمالها ستموت دون إحياء وستصبحين شبيهتها لكن بالبطيء، أما الندم لما ستؤول إليه الأمور فهو مسار إجباري ستتذوقي مرارته ولن يعجبك مذاقه.
ابتسمت بسعادة لنصائحه الهامة، استئذن لإحضار وجبتها مع وعده بالعودة قريبـًا.
لا تعلم كيف أخذت أفكارها ذلك المنحنى الذي دومًا ما تمقت التفكير به لتفتح دفاتر ذكرياتها بعنف وسؤال واحد يتردد بين ثنايا عقلها أهي مَنْ تركت الحب بعدما عثرت عليه أم أنه مَنْ مل قربها فذهب لأخرى يتذوق شهدها!
"اصمتي" قالتها رانسي لنفسها بحدة لتخرج من صومعة أفكارها وهي تقسم بأنها لن تشتاق..
لن تضعف..
لن تعود لنقطة الصفر ثانية..
لن تسمح لذاك اللص المسمى بالحب التسلل لدقات قلبها مرة أخرى.
هي على مشارف بداية حياة جديدة نوعًا ما عكس سابقتها، أقسمت بأنها لن تسمح بشوائب الحب تعكير صفوها، فقط التفكير بعملية لا شيء آخر أما حسابات القلب فـ تجاهلها أسلم حل منعًا للوقوع في الفخ مجددًا حتى لا تجد نفسها مشردة يومًا على أرصفة العاشقين كما السابق.
ابتسمت براحة حينما وجدت العجوز جاسبر حاملًا طبقها المفضل، جلس قبالتها قبل قوله
- أضفت نكهة جديدة لمكونات طبقك، أتمنى أن ينال إعجابك صغيرتي.
- المحترف جاسبر مَن قام بطهيه، لذا تقييمي سبعون نجمة.
قالتها رانسي بهدوء قبل الشروع في تذوقه، تناولته بنهم حتى أن معدتها طالبت بالمزيد، تأملها العجوز بعيون حنونه قبل قوله
- أخبريني سر زيارتك؟! ليس الطعام فحسب.
سعلة تلتها أخرى لوقوف الطعام بحلقها نتيجة حديثه المباغت، ضحكت بسماجة قبل قولها الحازق أملًا في الهروب من حصار عينيه
- جئت للاطمئنان على كادي و......
- رانسي.
قالها العجوز بزمجرة من مماطلتها بالحديث لتردد بخنوع مصطنع
- روميو يود مقابلتك!
- روميو؟!
قالها جاسبر بشرود قبل تنهيدته الحارة تبعها سؤاله الحائر
- ألم يمت بعد؟ !
لم تتحدث بل قامت بقذف طبق الطعام أرضـًا بعدما استكانت محتوياته بمعدتها ليفزع العجوز ناظرًا لها بشرر، تحول لون عينيه للأحمر القاتم مع أنفاسه الحانقة من تصرفها المتعجرف، نظرة حارقة كانت من نصيبها قبل قوله
- كيف واتتك الجرأة لفعل هذا التصرف، ذلك السلوك مشين لقواعد وآداب الطعام.
وببراءة طفلة لم تتعد الخامسة من عمرها أخبرته
- كنت أود معرفة هل هو قابل للكسر أم أنه استيراد من الشقيقة الصين! ؟ لكن يبدو بأنه قد فر هاربـًا من جارته اليابان، لم يصبه خدش قط، ستهديني أثنين بعيد مولدي القادم حتى أتمكن من قذفهم كيفما أشاء دون خسائر فأنت تعلم مقدار عصبيتي وقذفي للأشياء.
-دعكِ من تلك الترهات وأخبريني عن أي روميو تتحدثين.
قالها جاسبر بصرامة لتتوقف عن قول تلك السخافات أملًا في فهم شيء مما تقوله.
- حسنـًا روميو هو شريكي بالتحقيقات، أراد الزواج فأحضرته لك لكونك المسئول.
قالتها رانسي بشرود بعد تنهيدة حارة فرت هاربة من بين رئتيها، ليبتسم بفرحة فـ أخيرًا جزء من حلمه سيتحقق عما قريب، قطع تأمله سعلة خفيفة من ضيفته قبل قولها
- يود مقابلة قبل البدء بـ تجهيزات الزفاف، أخبرته بأخذ الإذن منك أولًا.
- لكن أغلب مقابلاتكم بمكان العمل، ألم يمل اللقاء!
قالها جاسبر بتقزز مستنكرًا قولها السابق، لتخبره بإيضاح
- سيدي، العمل محل العمل لا شيء آخر وخاصة اللهو، يود مقابلة رومانسية ليست لأجل العمل، كافة تفاصيل العمل يتم تركها بالمكتب قبل الرحيل وأنت تعلم ذلك جيدًا.
- أقنعتني صغيرتي، لكن أود مقابلته أولًا ثم مناقشة موضوع المقابلة تلك بعد ذلك.
- حسنـًا سيدي سأخبره بطلبك هذا على أمل اللقاء ثانية.
ضحكت بخفوت على ملامح العجوز المستكينة تمامًا عكس السابق، تابعت كلماتها بخفوت قائلة
- اعتذر عن تقصيري معكم، اسمح لي بالانصراف لكن قبلاتي الحارة رسالتك لزوجتك الجميل لكن لا تنس وعدك السابق بإحضار اثنين من هذا في عيد مولدي القادم.
تركته وغادرت بهدوء، حانت منها التفاته لتجده كما هو يبدو شاردًا فيما قالته لذا تحدثت بضحك
- ولا تنس هدية الميلاد سيدي.
قالت كلماتها ثانية تؤكد حديثها السابق ومدى تمسكها بما قالته، خرجت من المطعم بعد نظرة استنكار من العجوز، شعور السعادة يدغدغ جنباتها، مسرورة هي لمرور كل شيء على مايرام، الحياة على وشك أخذ منحنى آخر للعودة مرة أخرى لطبيعتها، يظل أمامها تلك العنيدة فيولا علها تقنعها بالذهاب معها فـ فتاة مثل فيولا لن تقتنع بسهولة ولن تصمت دون إخبارها كل شيء، تشبهها في التحقيقات لكن وظيفتها تلك في الحياة العادية ليست بمكتب التحقيقات، نادرًا ما تتحدث لكن حديثها القليل قنبلة تهدم أحيانــًا كل استنتاجاتها، لذا ستكون صعبة الإقناع.
.......................
في مبنى الإذاعة.
جلست فاطيما بمكانها المعتاد قبل بدء الحلقة، أشار إليها المهندس الصوتي علامة البدء، ابتسمت بهدوء ابتسامة زينت ثغرها نظرًا للفتك بتلك الشوائب التي ظهرت بينها وبين المهندس الحلقة السابقة، تعترف بأنها مخطئة لكن مَنْ منا لا يخطيء وقت غضبه، ف الغضب كالثور مهما أطعمته واعتنيت به سيضربك بقرنه وقت المسابقة، لا يشترط أن تكون الضربة قاتلة لكن المبدأ هو الغدر بك.
- اعتذر أصدقائي، أعلم بأني قد تأخرت عليكم بغيابي الفترة الماضية، كان الأمر ضروري، لقد هاجمت بعض البكتيريا جسدي لذا وجب علي ملازمة الفراش حتى تنخفض روحها المعنوية، تُهزم كسابقتها والأهم من ذلك رفع راية الهزيمة والفرار دون عودة، قبلاتي الحارة لاهتمامكم، أصابني سيل من السعادة وقررت العودة سريعًا، أشكركم على تفاعلكم الإيجابي مع موضوع الحلقة وبالطبع سأعرض عليكم بعض التعليقات التي أثرت بي حقـًا بعد الاستماع لموسيقى مهداة إليكم تعبيرًا عن بهجتي بسؤالكم.
وبالفعل خرجت لفاصل قصير بعد الإشارة من مهندس الصوت بعد عدة دقائق انتهت الموسيقى وبدأت مرة أخرى باستكمال حلقتها، رددت بهدوء
- العنف، جرح متعمد، ضغط مرهق أو دموع منسابة، خذلان من جانب الطرف الضعيف، أما فرض السلطة فهي اختصاص الطرف القوي.
وضعت اللوح الإلكتروني جانبًا قبل قولها بتوضيح لما تفوهت به في السابق
- ذلك كان أحد التعليقات من صديقة البرنامج، يبدو بأنها تعشق البلاغة لاحتواء كلماتها على كافة التفاصيل، أما حديثي بعد قليل فكان له النصيب الأكبر من حزني، وأقسمت بأن موضوع الحلقة يستحق، فالكل يعاني ونادرًا مايخرج أحدهم من صومعة الحزن بأقل خسائر.
صمتت ترتشف القليل من كوب الماء جوارها قبل قولها بهدوء بعدما استخدمت اللوح ثانيةً لقراءة المزيد من الرسائل المُرسلة عبر البرنامج
- لم أعلم قبلًا مفهوم العنف حتى أهدتني إحداهن أخيها ليكون زوجي وسندي بالحياة، وردية كنت، رمادي كان، بمرور أول أسبوع زفاف، تغيرت صفاته أو لنقل ظهرت على السطح بعدما استعبت رؤيتها فـ الوردية مثلي لا ترى الدمار إلا بعد فوات الأوان، أما بتلات الحب بقلبي قد ذبلت بذورها قبل نموها.
صمتت فآطم قبل قولها بتعقيب على الرسالة السابقة
- يبدو بأن لدينا وردية عانت الأمرين معًا سواء تهدم سعادتها بالعنف أو فقدانها لبراعم عشق لم يُكتب لها الازدهار بعد لكن عزيزتي أود إخبارك بأمر هام... مثلما هي أصابعك في اختلافها فالناس كذلك.. ليست قاعدة بأن الشقيق وجهًا آخر لشقيقته بل هي حاولت قدر استطاعتها في تصدير أفضل صورة عنها لفترة طويلة حتى ثبُتت أما هو فصورته لم تتحمل نفاقه لفترة لذا سقطت دون ندم وأريد منك التفكير بأن الأمر لم يكن سوى تجربة بشعة فررتِ منها بأقل الخسائر جميلتي.
إشارة من المهندس قطعت استرسالها لتقول بهدوء حذر
- تلك الأغنية إهداء لقلوب حملت الكثير لكنها لم تستطع التعبير عما يعتمل داخلها ولنا عودة بعد قليل.
دقائق أخذت تتصفح بها الكثير من الرسائل تقتني أفضلها قبل قولها بحماس بعدما انتهت الأغنية
- العنف حالة مرضية إثبات من جانب الطرف القوي أنه دائمـــًا الأقوى ومن جانب الطرف الضعيف انه الحلقة الأضعف، لم اختبر هذا الشعور مباشرة لكن أقرب الأقربون إلي تذوقوا مراره، تدمرت صحتهم بعد هيجان نفسيتهم، تلف أعصابهم ودمار حياتهم، العنف مرض ولا شيء غيره.
أغلقت اللوح الإلكتروني قبل قولها بهدوء محاولة تخطي الأمر للمرة التي لا تعلم عددها
- تلك كانت بعض الآراء التي حقـًا أحببت وقعها، حزنت كثيرًا لمعاناة أصحابها وكم أود شكرهم للمشاركة معنا فـ الكلمات كالموسيقى مهما اختلفت نوتاتها تظل لحن يطرب الأذن، تدمنه الأعصاب وتعشقه خلايا القلب والعكس صحيح بالطبع.
طرقت على المنضدة أمامها مرتين تستجمع شتات نفسها قبل قولها بتعجب مما يحدث حولنا ولا نستطيع تغييره لا باللسان ولا حتى بالأفعال
- العنف ليس متمثلًا بالكبار فقط بل هو بحد ذاته نارًا تلتهم كل شيء، سعادة كانت حيث استقرار يُدَمر، ابتسامة تُمحی، دموع تُذرف، الجانب السلبي للوجع مِنْ مَنْ ظننته درع الحماية يومًا لتفاجأ بأنه سترة صنعت خصيصـًا للألم، دواء ظننته لكنه لم يكن سوى خلايا سرطانية تمكنت منك بلا هوادة، لن أنكر بأن أغلبنا يحتاج إلى تربيته لروحه البائسة، ينتظر تضميد جرحه النازف لكن مَنْ يهتم فنحن نسرق القوة ونتلذذ برؤيتهم ضعاف ليس بغضـًا لكن اعتدنا النظر من علو وبترفع.
أخذت شهيق عميق أنعشت به خلاياها ثم أكملت
- لم نفكر في أبنائنا قبل تطبيق العنف عليهم، لكن مَنْ يهتم فـ الأهم من ذلك هو نشوة الانتصار وقتها، فـ العنف عزيزي مثل السم يدمر الخلايا قبل وئدها، يسمم الحياة قبل بدايتها ليتركها تصارع النفس إما انحراف عن المسار وتطبيقه وسيلة للحياة أو محاربة الروح لفعل الصواب وهذا الاحتمال الأضعف بالتأكيد.
أخرجت زفير حار من بين رئتيها بعدما تمرد على مسئولياته قبل قولها
- لن أقول لا تؤذي أقرب الأقربون إليك، لا تسمح بحدوث كسر بحلقة الثقة بينكم فـ والله لو كسرت لن تصمد طويلًا حتى تجرحك، فكر بأطفالك، عزوتك بالمستقبل، أمانك واطمئنانك، كن أمانهم صغارًا حتى يكونوا سندك كبارًا، لا تذنب وتندم، كن أنت لأبنائك لا تكن صورة مصطنعة من تفكيرك الأسود، فكر بزوجتك مَنْ تركت كنف والدها وأمانه للعيش معك، لا تكافئها بهدم حصون السعادة بقلبها، فالمرأة بطبيعتها لا تنس مهما طال الزمن، لا تسامح مهما فعلت، هي فقط تتناسى، قولي متلخص بكلمتين، طبيب نفسي، علمه سينفعك في تجاوز أزماتك وتعقيداتك النفسية، انتظروني بحلقات الأسبوع القادم، وأتمنى مشاركتكم بها، سيكون لدينا ضيف مميز بالنسبة إلي، وهي أيضـًا صديقة البرنامج، تصبحون على سعادة تنير عتمة أعماقكم، وتمحي حزن أرواحكم.
أنهت كلماتها وانقطع البث المباشر، تبعه تصفيق حار من كافة العاملين بالراديو، موضوعها وإحساسها سيطرا على مشاعر الجمع الغفير بالمبنى، ابتسمت بسعادة قبل شكرهم ثم استئذنت الانصراف.
وبالفعل انصرفت من المبنى بأكمله وعادت للمنزل خائرة القوى، تبتسم أحيانــًا وتعبس أحيانًا أخرى، اليوم فقط تستطيع القول بأنها "لقد تخلصت من جزء من ندبات الماضي، لم يبق سوى القليل".
.......................
الأب....!
سند، أمان، حياة ثانية، دعم وعطاء، محور اهتمام بك، حبك بقلبه يزداد كل يوم كقطعة من روحه، ليس الأب فيما يقوله فقط، بل فيما يقدمه أيضـًا، تخيل وجودك بدون هذا السند! ورقة شجر هشة تتقاذفها الرياح أينما شاءت أقل تقدير لحالتك أو كـ سمكة تقاذفتها المياه لتبتعد مجبرة عن عائلتها، لتجد نفسها بمحمية القروش دون سابق إنذار لكن ما علاقة كل ذلك بالأب؟ الأب قوة بضعفك، قوة بقوتك، سند حيث لا سند لك.
هي...!
وآه منها هي، تائهه بدروب الألم، لا تعلم كيف أصبحت بين ليلة وضحاها يتيمة الأب، مكسورة الروح، خائرة القوى، غادرها والدها باكرًا دون توديعه حتى، مر أكثر من أسبوع على وفاته وهي لا تصدق بأنه بات حقيقة، لازالت تتذكر قول الطبيب
- اعتذر فيما أقوله، لكن البقاء لله وحده.
لم تستمع لما يقال بعد ذلك، عقلها رافض، قلبها تألم بمشنقة الفقدان، لتسقط صريعة في عالم الأحلام حيث يوجد سندها.
مرت سرادق العزاء على خير لكن بالنسبة لحياء لم تمر مرور الكرام، باستعادة قواها لم تزدد إلا برودًا، لم تبك أو تشتك، صامتة وفقط، الدموع بمحجريها جامدة كالصخر لا يود هجران جفنيها.
حياء السابقة والحالية الفرق بينهما فقدان عزيز، لتتحول من تلك المفعمة بالنشاط والضحكة الصافية إلى أخرى جليدية المشاعر، متهجمة الملامح، عصبية الطباع، خسرت كل شيء بلحظة، حبيسة غرفة من أربعة جدران، لولا وجود الشرفة والنافذة لكانت بمعتقل، لكن كيف لا تكون وهي بحق بمعتقل، اعتقلت روحها عن كل جميل، امتنعت ضحكاتها تضامنـًا مع روحها لفقدان ماهو أجمل، لا تملك جوابـًا لسؤال ظل يؤرقها ليلًا، هل ستظل هكذا أم أنه قد يحدث وتشتعل تلك الفتيلة لتفجر حزنها وترتاح روحها النازفة.
.......................
في مكتب التحقيقات.
ولأول مرة أنهت رانسي عملها سريعًا ثم ذهبت لفيولا على غير عادتها علها تقنعها بالذهاب معها، تعلم بأنها كائن فضولي لايصدق إلا بالبرهان لكنها الصديقة، الأخت وكذلك الفرحة بحياتها، بعدما أصابها عطب اللامبالاة.
وقفت أمامها مباشرة دون استئذان لتكون شهقة حادة فرت من بين شفتي فيولا رد فعل طبيعي لمفاجأتها تلك، ابتسمت رانسي بثقة قبل قولها
- أرجوك فيولا اذهبي معي للتسوق، انت تعلمين بأني لا أفهم شيء بتلك الأزياء، أرجوك؟!
نظرة من رأسها حتى أخمص قدميها كانت رد فعل طبيعي، لتقول فيولا بهدوء
- رانسي تريدني معها، تلك اللحظة تاريخية لن تعوض ثانية، أرجوك رانسي إبدئي ثانية حتى أسجلها.
وبملامح وجه مكفهرة لكزتها رانسي بذراعها، قبل قولها
- ستأتين معي عشاء العمل ذاك، ليس عملًا تمامًا لكن سنستمتع قليلًا ونلهو كثيرًا، كما أن أبيل يود عرض طلب زواجه بطريقة رومانسية، لذا وجب عليك الحضور لمشاهدتي عروس تخجل وتسجيل تلك اللحظة بذاكرتك.
وبملامح وجه غير مقروء أخبرتها فيولا بحماس مصطنع
- سأذهب معك للتسوق، مبارك مقدمـًا الزواج مع قبول اعتذاري فلن أستطع الحضور!
- وأنا من ظننت بأنك السند بتلك البلد الغريب، توقعاتي اصطدمت بصخرة كلامك لتجرح قلبي، أنت تعلمين بأني وحيدة هنا لذا سيكون من الضروري حضورك، أرجوك!
قالتها رانسي بحزن من رفض صديقتها الغير مبرر وكـ رد فعل طبيعي احتضنتها فيولا بحب عكس الألم الكامن بين جنبات قلبها، ابتسمت رانسي بمكر وهي تقسم بين نفسها بتوعد شرس
- انتظري القادم أيتها الفيولا.
ذهبتا إلى مول شهير، اشترت رانسي ثوب طويل من اللون الأزرق بدرجاته، ضيق من الأعلى ويتسع عند الخصر لأسفل، بضعة فصوص منثورة بعشوائية محببة لنفسها على الثوب، ليست من محبي تلك النوعية لكن هذا الثوب أسرها وأحبته بحق أما فيولا فـ أحضرت ثوب قصير من الأحمر الناري، يظهر قوامها الممشوق، ويتماشى مع لون مرجانيتيها الخضراء.
أثناء مغادرة المول، ابتسمت رانسي لتقول بهدوء
- لم أعلم بأن التسوق سهل هكذا، لم يمض الكثير من الوقت، أحب سرعتك عزيزتي فيولا.
احتضنتها من كتفها بهدوء، لتبتسم فيولا بألم قبل قولها
' لنذهب حيث الترتيبات قبل موعد عروسي المنتظر.
ابتسمت رانسي لذلك اللقب، لم تدم ابتسامتها طويلًا قبل وئدها مع رسم علامة الغضب على وجهها، افترقتا على أمل اللقاء بالموعد المحدد حيث كل شيء سيتغير.
أحست فيولا بالتخاذل بعد تركها لرانسي، ذهبت لسيارتها مجبرة وتركت رانسي تأخذ إحدى سيارات الأجرة لتعيدها حيث سيارتها أسفل مكتب التحقيقات.
لا تعلم ما أصابها لكن شعور الحزن انتشر ليطغي على ابتسامتها، برودة اجتاحت جسدها لتضرب الأطراف بقوة غير عابئة بتوقفها، لحظات وازدادت شهقاتها مع انسياب دمعاتها، كفكفت وجهها براحة يدها واستئنفت القيادة مجاهدة لرسم ابتسامة سعيدة لصديقتها متمنية لها الفرحة دومًا حتى لو كان على حساب عشق وُئِد قبل رؤية الضوء.
حالتها مناقضة تمامًا لـ أبيل المبتسم البشوش فـ أخيرًا ولأول مرة يرتاح داخله لقرب امتلاك قلب أراده بشدة، عشقه بصدق، تمناه بدعائه، ابتسم كأنه لم يعرف للحياة نكهة قبل خطوته تلك، شعور السعادة طغى على كل شيء منذ حديثه مع رانسي الأخير، أتحبه لهذا الحد؟ حسنـًا سيعرف الليلة كل شيء.
أنت تقرأ
"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"
Romanceمن بين الرماد... "داء العشق يُبتر لا يُضمد" تحكي قصة فتاة تخلى عنها حبيبها ليلة الزفاف فماذا ستفعل حيال ذلك.. هل تبكي الأطلال أم تقف شامخة كحال ذويها!.. نحن أمام بضع كلمات منثورة تعطي إيحاء بوجود الأمل دومًا مادام القلب ينبض بالحياة.