"الفصل السادس والثلاثون"
بعض الحديث لم يُخلق بيننا للثرثرة بل العبث.
أزل دموعك..
قف بشموخ..
انظر أمامك فأعدائك ينظرون.. لا تدعهم يرون نقطة ضعفك حتى لا يظنوا بأنهم قد فازوا عليكَ في معركة أخرى بينكما أو أن اللكمة التي سُدِدت لك كانت قاسية..
تلك المرة مختلفة عن سابقتها فعدوه المجهول صوب اللكمة نحوه واختفى بعدما سقط أرضـًا دون حِراك..
سقط بتأوه.. بألم وظن بأنها النهاية لا محال لكن يريد أن يعرف لماذا عليه المقاومة تلك المرة بعدما خُدِع بداء العشق مرتين متتاليتين وكل مرة تتخلى أنثاه عنه دون أن تنظر لِما خَلفته قسوتها داخل قلبه.
معاذ..
ليس برجل مهزوم فقد مرة وتعلم من خطئه بل أضناه العشق تحت وطأة الخداع ليصعقه تيار الغدر مرة بعد أخرى والنتيجة..! أنه لازال يعافر لأجل حياته القادمة.. يحاول المُضي قِدمًا على أمل التعافي مستقبلًا لكن كل مرة تكون الصاعقة أشد من سابقتها وبعد كل ذلك أصبح مهزوز.. فاقد الثقة في كل ما يخصه مع محاولته المضنية في تخطي كل ذلك والعيش بسلام ولو لمرة واحدة..
ثم ماذا حدث بعد ذلك..!
هجرته حبيبته دون أن تنظر خلفها لتراه إن كان بخير أم لا.. هاتفها مغلق وكأنها قد قررت التخلي عن شريحة هاتفها كما تخلت عنه.
جلس بتخاذل على الأريكة بعدما يئس من أن يعثر على أي دليل يساعده في معرفة مكانها فهي أزالت كل الفوضى قبل ذهابها، تذكر حديثها عن كونها لقيطة تود أن تعرف أين والديها من كل ما يحدث معها ولِم تخلا عنها حينما كانت صغيرة، كانت لديها الكثير من الهواجس ويبدو بأنها قد قررت مطاردة هواجسها علها تجد ضالتها المفقودة منذ زمن بعيد..
صوت هاتفه أخرجه من شروده لينظر بلهفة إلى المتصل الذي ظنها تمارا لكنه بدلًا من ذلك عقد حاجبيه باندهاش من كون الرقم خاص، قرر عدم الإجابة وترك الهاتف بعيدًا عنه ليهدأ الوضع تمامًا قبل أن يصدح ثانيةً بنفس الرقم ليجيب على مضض وهو يقول للمتصل
- مَن تكون..!
بالرغم من محاولاته المضنية في أن يكون أكثر ثبات انفعالي إلى أن كلماته خرجت غاضبة من كل ما يدور حوله، حانقة من كونه الأحمق دائمًا في روايته قبل رواية الآخرين، مختنقة من كم المعاناة التي يعيشها هذه الفترة وفي النهاية خرجت هكذا ليُكمل كلماته السابقة بقوله
- وماذا تريد مني يا هذا..!
ضحكاته الهازئة جعلت معاذ يكاد ينفجر غيظًا من صمت الطرف الآخر هكذا دون حديث ليقول بغضب بعدما ملَّ من صمته الغير مُجدي بالنسبة له
- إن لم تخبرني بأي شئ سوف أغلق المكالمة..
تنهد ببطئ يحاول معرفة أي شئ عن هوية المتصل إلى أنه فشل حتى في ذلك.. ليكمل بلامبالاة
- ليس هذا فقط بل ربما أضع رقمك في قائمة الحظر.
وقبل أن يغلق المكالمة تمامًا استمع إلى صوت الآخر يخبره بلامبالاة
- حبيبتك السابقة..
أتاه صوت الطرف الآخر باستفزاز حرك مشاعره الغاضبة نحوه أكثر من السابق، استشف من كلماته انه يتحدث عن حبيبته كارمن وقبل أن يتفوه بأي حرف أخبره أركان يكمل حديثه في محاولة منه لإثارة حنقه
- والحالية..
تبع كلماته بعدة ضحكات متشفية من غضبه المكبوت ليسطر حديثه بنهاية تليق بمايسترو يعشق العزف على ألحان ضحاياه
- كلاهما معي.
اختتم حديثه بضحكة هازئة جعلت معاذ يكاد ينفجر غضبًا من بروده معه، لينتظر قليلًا يستمع إلى باقي كلماته لكنه صمت بعدها ليقول معاذ بحنق
- يا هذا..! مَن أنتَ وماذا تريد مني...!
زفر بحنق يحاول التحكم في أعصابه حتى لا يؤذي أحد منهن وقبل أن يُكمل باقي كلماته استمع إلى صوت إنهاء المكالمة من قِبل أركان.. نظر لشاشة الهاتف بحنق وبعد لحظات أتاه إشعار بوصول رسالة جديدة، فتحها يقرأ فحواها لتتسع عينيه حينما وجد توعد من نفس الرقم يخبره بلامبالاة
"أتمنى أن تعيش تعيسًا طوال حياتك.. أن تعاني مثلما فعل والدكَ بي.. تترجاني لأصفح عنك ولن أفعلها أيضـًا فأنتَ ابن الرجل الذي جعلني أعاني على مدار السنوات الماضية".
حاول الاتصال به والنتيجة انه الهاتف ربما مغلق ليضعه جانبه يتذكر رسالة ذاك الغريب.. وداخله آلاف الأسئلة عن ماهية علاقته بوالده الراحل وماذا فعل له لكي يعاني هكذا ويكون بمثل هذا السوء..
اه لو يعلم ذاك الغريب بأن والده الراحل سباب تعاسته في هذه الحياة.. ركن أساسي لشقائه كل يوم منذ توفيت والدته.. لو يعلم ذاك الذي كان يحدثه قبل قليل بأن كلاهما ذاقا المرارة على يد رجل من المفترض انه زوج في المقام الأول لكن مَن يستمع له وكل الأبواب موصدة في وجهه وحينما يُفتح باب ينغلق بسرعة عندما يقترب منه أملًا في الخروج من ذاك النفق المظلم.. يبدو على عكس المتوقع بأن هناك يد تجذبه للداخل.. تمنعه الفرار من مصير محتوم عليه ونُقش على وجهه، تخبره بأنه ربما وجد السئ لكن الأسوأ في انتظاره بالتأكيد.
تنهد بضيق وذكريات متداخلة من قسوة والده مع والدته تطوف في عقله فرغم كل تلك السنوات هو غير قادر على تخطي أي من ذلك وظن بأنه ربما إن كون عائلة أساسها الحب سوف ينجو من أي شئ قد يهدد استقراره الداخلي ليكتشف بأنه أبلة لا يطمح لتحقيق أي إنجاز قد يكون سببًا في حياة هانئة بل يعيش في كنف والده بعد كل ما ذاقه على يده من وفاة والدته وهلاك الأسرة التي ظنها يومًا مثالية.
صدح صوت هاتفه ثانيةً لينظر له بفتور تحول إلى حماس حينما علم هوية المتصل ليفتح الخط على الفور وهو يقول بحنان
- اشتقتُكِ أمي الغالية.
وفي الطرف الآخر تنهدت براحة حينما استمعت لصوته فهو لم يُجب على اتصالاتها طوال الفترة الماضية لتخبره بلوم
- كيف تفعل هذا بي وبعمك معاذ؟
يعلم تمامًا بأنه لم يعطهما حقهما في السؤال منذ اليوم الذي تشاجر فيه مع تمارا رغم كل ما فعلاه لأجله بعد وفاة والدته، فزوجة العم لم تدخر جهدًا في حبه وكأنه ابنها الذي لم تلده، ابتسم بثقل فهو يكاد يجزم بأنه غير قادر على العتاب حتى لكنه قرر إخبارها بكل ما يخصه علها تساعده في إيجاد حل له أو إخباره ببعض الثغرات التي تمكنه من المُضي قِدمًا دون مجهود
- اعتذر أمي لكن الفترة الماضية كانت شديدة الألم بالنسبة لي.
- ما بك صغيري..!
قالتها باستفهام متلهف عن احتمالية حدوث الأسوأ له ليتنهد بتعب وهو يجيب حديثها بهدوء
- يبدو بأن تمارا كانت تتلاعب بي أمي ولم تحبني قط.
ضحكت والدته وكأنه يخبرها مزحة سخيفة، ظن بأنها تتراقص على ألحان ألمه لكنه صمت خوفًا من عتابها الغير مبرر في الوقت الحالي لكن حديثه كان ليصبح قاسي عليها خاصةً بعد قولها الحاني
- عيون المُحب ببريقها المميز ليست مزحة عزيزي بل حياة..
- لكنها خدعتني لأجل رجل آخر.
قالها بغضب مقاطعًا حديثها، مانعـًا إياها من الثرثرة عن شئ طالما لم تختبره بعد لكنها أكملت حديثها بهدوء تخبره
- تلهفها في الحديث عنك، بريق عينيها وسعادتها بأي إنجاز تحققه لا يمكن أن تكون خداع معاذ بل إمرأة أضناها العشق وحينما سنحت لها الفرصة قررت أن تحب بكافة جوارحها وكأن آخر شئ في حياتها لذا لا تقول بأنها خدعتك..
لم تجد منه جواب على ما قالته لتحاول استجداء حنكته في مثل تلك الأمور لتتنهد بهدوء وهي تخبره بحنان
- تحدث معها وأعرف سبب فعلتها تلك ربما يكون لها أسباب لم تخبرك بها أو تقول كل ذلك حتى تمقتها معاذ.
يود لو يخبرها في تلك اللحظة أنها تركته دون وداع حتى بعدما تآكل صبرها وهي تنتظره لكنه آثر الصمت حتى لا يؤذيها بحديثه، استمع إلى صوتها من الناحية الأخرى تكمل بحنان
- استقر معاذ مع فتاة تعشقك حتى لو كانت مشاعرك نحوها أقل من مشاعرها نحوك فالمودة والحنان في بداية حياتكما سوف يجعلا رابط الزواج بينكما أكثر قوة فيما بعد.
اختتمت حديثها معه بالكثير من النصائح التي قد تعينه على إكمال حياته القادمة دون شوائب ليشكرها كثيرًا على كل كلمة قالتها بحق صديقته حتى لو لم تكن موجودة مؤكدة عليه بأن العلاقات ربما تتغير ذات يوم لكن يحب أن تبقى الأخلاق كما هي حتى لا نخسر أنفسنا قبل خسائر متلاحقة للبقية من حولنا.
أغلق الهاتف تلك المرة وداخله الكثير من المشاعر المتضاربة بداية من تمارا مرورًا بوالده وفي النهاية ذاك الغريب الذي ظهر له من العدم يحذره بأن مستقبله ضبابي ما لم يعاني في حياته القادمة مثلما عانى هو..
أخلاقه تحتم عليه بأن يغض الطرف عن كل هذا لكنه في النهاية بشري ملئ بالكثير من الندوب حتى لو تظاهر بأنه معافى تمامًا إلا أن داخله جروح لم تلتئم بعد، لم تداويها الأيام ولن يصمد على ما يبدو طويلًا حتى ينهار تمامًا دون سابق إنذار لذا عليه أن يبحث في أموره جميعها بداية من أصغرها حتى يتعافى تمامًا دون أي تعقيدات قد تظهر له في المستقبل القريب.
أما على الجانب الآخر وعلى وجه الخصوص عند أركان الذي أغلق الهاتف بعدما أرسل رسالته إلى غريمه معاذ ليضحك بسعادة حينما أتت تمارا بحنق تخبره
- ألن تخبرني بعد ماذا تريد مني؟
مط شفتيه للأمام قليلًا علامة التفكير فيما يريد ليخبرها بمباغتة وكأنه يطرق على الحديد وهو ساخن
- ألم تحدثي معاذ..!
نظرت له بعدم فهم من ذِكره لحبيبها في هذا الوقت بالتحديد لتخبره بلامبالاة
- ماذا تريد منه أركان..!
صمتت قليلًا وأخبرته بعدها بحنق
- اتركه وشأنه الآن.
قالتها وجلست على المقعد المجاور له ليتأملها قليلًا وبعدها بلحظات أكمل بحنان
- علي يبدو بأنه يبحث عنكِ الآن.
لم تفهم مقصده في بداية الأمر والحيرة قد بدأت تظهر على ملامحها ليخبرها بهدوء حذر
- لقد سلمت بعض المستندات إلى النيابة تفيد بتهربه الضريبي ويبدو بأن الأمور تسير في الاتجاه الذي أريده أنا.
اختتم كلماته لتنظر له بعدم فهم أيضـًا من علاقتها بكل هذا فهو في مشكلة الآن لِم سيبحث عنها هي على وجه التحديد لتخبره بهدوء تحاول معرفة ما يدور بخلده حتى لا تظهر بمظهر الحمقاء مرة أخرى
- وما علاقتي أنا بكل هذا.
ضحك بصخب على جهلها من عدم رؤية الأمور من منظور محدود للغاية، نظرت له بحنق ليصمت لحظات وبعدها أخبرها بهدوء يحاول شرح الأمر أكثر من ذلك
- والدتكِ تركت إرثها كله لكِ قبل وفاتها وأخبرت المحامي الخاص بها بذلك بعد كتابة وصيتها والتي تصدق على نفس الكلام.
صُدِمت مما يقول فيبدو بأن والدتها عانت كثيرًا قبل وفاتها واستنتجت كذلك بأنها بحثت عنها وحينما فقدت الأمل في العثور عليها فعلت ما يضمن لها حقها في هذه الدنيا ليقطع شرودها قول أركان بحنان
- علي كان يرغب كثيرًا في الحصول على تلك الأموال التي تم وضعها فيما بعد وديعة في أحد البنوك حتى تظهر الابنة المفقودة أو تظل هكذا دون أن يمسها أحد.
فهمت مقصده فالوالد لن يبحث عن ابنته إلا إن كانت طوق نجاته وبعدما يأخذ ما يريد سوف يتركها وحدها كما فعل بالسابق حينما وضعها في دار الأيتام دون أن يسأل عن أحوالها قط وكأنها قد صفعته على وجهه وأخبرته بأن يرتكب ووالدتها ذنب وجودها أو كان يمكنهما إجراء عملية إجهاض للتخلص منها، لِم تركاها تعاني وحدها في هذه الدنيا وحدها من غير سند يؤازرها ويشجعها على التحرك للأمام في حياتها القادمة.
الحياة لم تكن عادلة معها قط وحينما ظنت بأنها ربما قد تحصل على حق مفقود منها ظل يلاحقها شبح الماض المتمثل في والدها يحاول الحصول على كل ما تطاله يده دون رحمة ليتناسى تدريجيـًا كونه أب في المقام الأول وليته يفعل واجباته كما الآباء الذين يخافون على أبنائهم من أي شئ قد يصيبهم.
- علي منذ عَلِم بتلك الوصية وهو يبحث عنكِ تمارا لأنكِ في تلك الحالة طوق نجاته وهو لا يعلم بأن ذاك الطوق سوف يكون السبب في هلاكه في القريب العاجل.
اختتم كلماته بضحكة متشفية الغرض منها الانتقام في المقام الأول لكنه لن يضحك بسعادة إلا بعد هلاك ذاك المُسمى بشقيق والده.
أخبرها بأنه سوف يذهب لرؤية ضيف غير متوقع ربما إن أتت معه سوف تتعرف عليه، في بداية الأمر لم تفهم مقصده وحينما أخبرها بنبرة ذات مغزى
- يمكنكِ أن تأتي معي لمشاهدة عرض هزلي بعد دقائق من الآن.
فضولها شجعها على التحرك معه دون خوف فلو كان يريد أذيتها لفعلها منذ زمن ولن ينتظر حتى تأتي إلى منزله ويفعلها، أومأت على مضض وتحركت معه إلى وجهته القادمة دون أن يخبرها بأي شئ مما يخطط له.
بعض الغموض في خطواتك القادمة أحيانــًا قد يكون السبيل لمتعة أكبر مما تتخيل لكنك إن لم تنظر بعناية لما يحدث في الخفاء ربما قد تكون نهايتك كارثية مثل سابقيك من الأشخاص الذين هلكوا دون أن يأخذوا كافة الاحتياطات للنجاة وأول تلك الأشياء أن تتأكد بأنك على بُعد مسافة مناسبة من دوامة الغموض حتى لا تبتلعك في لحظة غفلة منك.
وقفا على مقربة من منزل يبدو بأن أصحابه أثرياء، نظرت له بعدم فهم عما يحدث ليشير إلى لافتة صغيرة على مقربة من المدخل تفيد بأن هذا المنزل مِلك والدها علي، زفرت بخوف من القادم ليستريح أركان في سيارته في نفس الوقت الذي أخبرها بتمهل
- ثلاثة.. اثنان.. واحد.. فليبدأ العبث.
نظرت إلى حيث يشير لتجد الوضع مستقر إلى حد ما لكن سرعان ما تحول المكان إلى خلية نحل صغيرة يطوقها رجال الشرطة من كافة الاتجاهات مع طرق على الباب الخارجي علَّ قاطني المكان يفتحون الباب دون مقاومة.
أما في الداخل فقد كان علي يجلس باسترخاء يتابع ذاك الأحمق الذي اختطفه قسرًا من أمام مقر عمله ليعرف مكان المزعج الذي يراسله طوال الفترة الماضية لكن دون أي نتيجة.
زفر بتعب وهو يتأمل سكون المكان حوله إلا من صوت طرق المهندس على لوحة مفاتيح حاسوبه الشخصي، استمعا إلى صوت طرق على الباب ليتنهد المهندس بهدوء بعدما عَلِم بأن القادم كما خطط رُبَّ عمله أركان قبل أيام، ضغط عدة مرات على أمر تشغيل الكاميرا التي وضعها قبل يومين حينما سنحت له الفرصة ليتأمل سيده كل ما يحدث في الداخل لحظة بلحظة.
استمعا إلى صوت تكسير الباب الداخلي وظهور عدد من القوات ليصيح علي بغضب
- كيف تجرؤ يا هذا على فعل ذلك؟
ورغم غضبه مما حدث إلا أن نظراته كانت تنظر للجميع بازدراء، ابتلع ريقه بصعوبة حينما اخترق الجمع شخص آخر وهو يقول بغضب
- السيد علي أنتَ متهم بالتهرب الضريبي.
اختتم كلماته بإشارة من الحارس ليقترب منه وقبل أن يضع الأصفاد في يده فوجئ بيد علي تهوى على وجهه بغلظة وهو يخبره بغضب
- أجننتَ أم ماذا؟
ابتسم الضابط باستخفاف من غضبه الغير مبرر ليخبره بعدها بهدوء
- يبدو بأنكَ أنتَ مَن جننت علي.
قالها تلك المرة مجردة من كل شئ ليأمر الحارس بتنفيذ أمره مع إشارة لآخر أتى من خلف علي وقيد حركته من الخلف ليضع الأول القيود بيده في نفس الوقت الذي أخبره فيه الضابط
- إن كان لديكَ أي اعتراض يمكنك تسجيله حينما نصل إلى مركز الشرطة للتحقيق معك.
وفي الخارج انتظر أركان بفارغ الصبر حتى خرج علي من الداخل وكانت أول مرة يراه عن قرب هكذا أما تمارا فمبجرد رؤيته أرادت الهبوط من السيارة وسؤاله لِم فعل بها هذا ليمسكها أركان مانعًا إياها من فعل ذلك قبل أن يخبرها بلامبالاة وهو يتأمل المشهد أمامه
- تأملي كل ما يحدث في الوقت الراهن لمعرفة نقاط ضعف عدوك قبل رؤيته ينهار بالبطئ دون أن يكون هناك أحد يدعمه أو حتى يواسيه.
ترك يدها بهدوء وهو يكمل بحنان
- مثل تلك الأمور لا تحدث كثيرًا تمارا وإن حدثت يمكنك تأملها بكافة تفاصيلها لإنعاش داخلك وإثبات بأنه ربما أصبحنا أفضل لولا ما أفسده البقية داخلنا.
انا الشرير في رواية أحدهم..!
بل أنا الشرير نصير المظلوم في روايتي قبل روايات أحدهم.
أخبرها بأنه يوجد مكان آخر يود منها أن تأتي معه إليه وحينما اعترضت لأن طاقتها أصبحت أقل من المتوقع ابتسم باستخفاف تبعه قوله الهازئ من مبرراتها الواهية
- يمكنك ألا تأتي لكن حينها لن تستطيعي رؤية حبيبة حبيبك السابق بعد الآن.
ورغم أن حديثه هازئ إلا أنها شعرت بالخطر من احتمالية واحدة ألا وهي أذية كارمن وداخلها هاجس تُرجم إلى سؤال فحواه الكثير من الحيرة
- أتقصد كارمن؟ كيف تكون معكَ وهي اختفت ليلة زفافها... أتقصد بأنها
وقبل أن تُكمل حديثها أجابها بموافقة على الفور دون تفكير
- بالطبع تمارا ولا داعي للخوف لأنكِ وهي ذو شأنين مختلفين وعلاقتي بكِ غيرها تمامًا.
أخبرها بأن تعقد العُصبة على عينيها حتى لا ترى المكان وحينما أخبرته بأنها لن تظل هنا بعدما تنتقم من والدها تفوه بهراء
- فيما بعد قد يُعجبك البقاء هنا تمارا.
تأكد بأنها لا ترى أي شئ وأخذها بعدها إلى مكان وجود كارمن.. حذرها من التفوه بأي حرف ومراقبة كل ما يحدث من خارج الغرفة حتى لا تشعر هي أو كارمن بالسوء مما حل بهما على يد نفس الرجل وقراراته التعسفية نحوهن.
نحن لن نلتزم بميثاق الأخلاق مادام في القلب حقد دفين تجاه شخص بعينه، حدث أو حتى دون سبب.. لن نشعر بالراحة وداخلنا ملئ بالكثير من الضجيج في إشارة بأن القادم ربما أسوأ لجميع الأطراف ما لم ينتبه الطرف الأقوى عن موضع قدمه، لا يمكنك الفرار حتى لو أردت ذلك لأنه في النهاية سيكون لك نصيب أكبر في الحسرة..
في المرارة..
وفي الخذلان..
- ألن تخبرني أين والدتكَ!
قالتها بهدوء حينما دلف إلى الغرفة وجلس على المقعد أمامها، نظر لها أركان باستخفاف من تحذيرها الواهي له فهي في تلك اللحظة تحديدًا في موضع ضعف ولا يمكنها المساومة على شئ لأنها في النهاية الطرف الأضعف في خانة الكراهية ولن يصيبها من كل ذلك سوى الكره.. يدرك جيدًا بل يكاد يُجزم بأنها لن تتعافى منه على المدى القريب
- لن أفعلها كارمن.
والنظرة تحدي من جانبه واستنكار من ناحيتها كانت نتيجته جعل كلاهما ينظران في ناحيتين مختلفتين، زفرت بحنق من إصراره المستمر قبل رفضه التام في مقابلة أمه والسبب أنها ليست بصحة جيدة وربما إن رأت أي شخص له علاقة بالماض تنهار كما يحدث معها دائمـــًا كلما تذكرت حادثهما الأليم.
أما هو.. أركان فلا يريد المخاطرة لأجل أي شئ على حساب صحة والدته حتى لو كان الأمر سوف ينتهي بعدها مباشرة.. الأهم وفي المقام الأول أن تكون هي بخير والبقية يصابون بالألم لا يهم فأمه وحدها بالكون وما فيه.
دقائق حداد على رفض وأده في مهده يتأمل فيه ملامحها الباهتة ليخبرها بعدها بإقرار فحواه التهديد دون أن يرف له جفن علها تهابه ولو قليلًا
- إن أردتِ النجاة كارمن يمكنكِ التزام الصمت حتى ينتهي كل ذلك وبعدها...
صمت يتحداها بنظراته إن كان لديها رأي آخر وحينما بادلته بصمت تام أستأنف ببطئ
- يمكنني أن افكر إن كان مسموح لكِ رؤية والدتي أم لا.
زفرت بحنق من تهديده لها وهي تظن بأنه واهي كما يفعل دومًا لتخبره بإصرار وهي تنظر في عينيه بثبات
- لن تستطيع أذيتي أركان بحكم صلة الدم بيننا.
ليجيبها هو بنبرة أكثر ثباتًا ونظراته متحدية إياها بأن تنكر الأمر
- بل أستطيع القيام بذلك كارمن كما فعلها والدكِ من قبل وتجاهل تمامًا صلة الدم التي تتحدثين عنها الآن.
هنا فهمت مقصده..
عقب كلماته ظنت بأنه يريد التخلص منها في الحال..
هنا أدركت جيدًا بأنها الحلقة المفقودة من الطرف الأضعف في حياة الجميع ولن ينصرها أحد أو يراها..
في النهاية فهمت تمامًا ما عجز هو على إخبارها به طوال الفترة الماضية وليتها تعلم بأن القناع ربما يحمل بين طياته سُم يمزقنا دون هوادة على حين غفلة منا.
تركها تصارع مخاوفها وحدها دون أن يرف له جفن فهي بعدما علمت بأنه ابن العم المفقود وقد تنازلت عن حذرها السابق في التعامل معه.
غبية..
تدرك هذا جيدًا فالزمن يُغير كل شئ ولن يقف عند الأشخاص ويتركهم كما هم بل ربما يحولهم للأسوأ إن كان الجرح لم يلتئم بعد.
حمقاء..
لأنها ظنت بأن روابط الدم أقوى من أي خلافات متناسية بأن والدها تخلص من تلك الروابط ذات أمس حتى يستحوذ على كل شئ وحده.
ساذجة..
لأنها في كل مرة تأتمن شخص على حياتها ولا تدرك بأنه سيكون سبب هلاكها إن لم تنتبه جيدًا.
لكن في النهاية كل الشكر إلى تلك الظروف لأنها ربما ستجعلها أقوى فيما بعد إن خرجت سالمة في المقام الأول.
.................
سعادة مسلوبة من الزمن ربما إن أخذنا حذرنا بدرجة كافية يمكننا جعلها سعادة دائمة..
وفآطم خائفة بأن تسعد الآن بخبر حملها بعدما أكده الطبيب لها وبعدها يأتي ريان ليحطم كل ذلك بعدما تزداد مسؤولياته، تنهدت بإرهاق وداخلها مشتت كما أفكارها تمامًا لتستمع إلى صوت صفير زوجها يأتي إلى الغرفة ويحمل بين يديه مشروب دافئ كما أرادت منذ قليل.
وضعه على الطاولة قبل أن يجلس جوارها يتأمل شحوبها الملحوظ وصمتها الغير مبرر في تلك اللحظة تحديدًا، اقترب منها يحتضن كتفها بيده يقربها منه وهو يخبرها بحنان
- ما بكِ زوجتي المصون؟
- لا شئ.
قالتها بهدوء وهي تنظر في اتجاه النافذة ليُدير رأسها إليه وهو يخبرها بقلق من حالتها تلك
- أنتِ هكذا فآطم منذ أتى الطبيب وفحصك.
قالها بإقرار لتتنهد بضيق فهي في تلك اللحظة لا تتحمل أي كلمة من أحد لتخبره بغضب
- إذن أنت تعرف السبب جيدًا.
كلماتها الحانقة أنبأته بأنها ربما تعاني من هواجسها مع والدها في الماض لكنها تحدث معها وأخبرها بصدق أنه ليس كما تظن وهي يبدو بأنها تصدق وتؤمن بهواجس تخصها وحدها.
زفر بضيق حينما التزمت الصمت ليقول لها بحنق من تخاذلها في حق نفسها وكذلك طفلها في المقام الأول
- إن كنتِ تريدين إجهاض الجنين.
نظرت له بتيه ما لبث أن تحول لذُعر بعدما أكمل بلامبالاة
- فلا بأس بفعل ذلك فآطم.
تساقطت دموعها في البداية وبعدها بكت بصوت مرتفع وهي تخبره بحزن من أنه بالفعل لا يريد الصغير
- لكن فآطم تريد الاحتفاظ به ريان.
ابتسم من حديثها ليتمدد على الفراش واضعًا رأسه على قدمها في مواجهة بطنها، طبع قُبلة عليه وهو يوجه حديثه للجنين في رَحِمها
- والدكَ لن يتخلى عنك قط بل ستكون سبب بهجته طوال حياته القادمة.
ابتسمت من حديثه لتشعر بقليل من الثقة في نفسها قبل زوجها، لينظر لها ريان بحنان وهو يُكمل حديثه بهدوء
- لن يحدث أي مما تفكرين به فآطم لأني تمنيت الزواج بكِ منذ زمان بعيد وحلمت كثيرًا بعائلة تضمنا سويًا ليس هذا فقط بل فكرت في أسماء أبنائنا وعددهم أيضًا فكرت في رياضاتهم المفضلة.
دقة ثائرة هربت من بين طيات قلبها كانت سببًا في جعل ابتسامتها تتسع تدريجيـًا مع حديثه لتسأله بحنان وهي تعبث في خصلاته
- وماذا أسميت أطفالنا سيد ريان..؟
ضحك من حديثها ليُكمل هو بدلًا عنها وهو يخبرها بحنان
- الكبير يُدعى يونس، الأوسط توأم أحدهما يُدعى تيم والآخر عثمان أما الصغيرة فاسمها ميثاق.
- ماذا؟
قالتها بتعجب من مبالغته في عدد الأبناء لتخبره بهدوء حينما وجدته ينظر إليها بعدم فهم من صخبها اللامعهود معه
- اسم ميثاق جميل وقد أحببته للغاية لكن لن أُنجب أربعة أطفال..
تفوهت بها بإقرار لينظر لها بحنان وهو يقول عوضًا عن ذلك
- إذن لنجعل عددهم سبع.
- ريان.
قالتها بحنق لينظر لها بحنان وهو يشدد من احتضانه لها تبعه قوله الهادئ
- حتى لو رزقنا الله بطفل واحد فأنا مسرور لذلك زوجتي.
اختتم كلماته بهدوء وهو يغمض عينيه براحة بعدما ظن بأنه ربما يحصل على سعادته المفقودة قريبًا جدًا.
...............
على ألحان الماض قف قليلًا وارقص على قبر الذكريات.. ربما لن يمهلك القدر فرصة ثانية للتعبير عن سعادتك.
جلست بهدوء في غرفتها بعدما أخبرت الخادمة بأن تغادر المنزل لأنها تريد الحصول على بعض الراحة ولن تحتاج إلى أي شئ منها..
والدتها المزعومة "ديما" تركت المنزل بعد عودتها من الخارج بأيام تقطن في منزل العائلة مع هدى "والدة فآطم" بعدما اختطفها زوجها قبل أيام وهي تعتني بها واكتمل الأمر بعدما انتقلت رحمة زوجة علي معهما..
نظرت إلى السقف بشرود وهي تتذكر مكالمة أركان معها.. تفكر كثيرًا فيما ستفعله تاليًا وداخلها قد اتخذ القرار بعد الكثير من العناء لكن لا تراجع بعد الآن.
استمعت إلى صوت هاتفها يضئ برقم والدتها المزعومة لتجيب على مضض
- كيف حالكِ حياء؟
- بخير.
قالتها بهدوء لتشعر والدتها بوجود خطب ما لتخبرها بتساؤل
- ما بكِ صغيرتي؟
زفرت بحنق من تكرار نفس الأسئلة كل اتصال ولا جديد يُذكر، صمتت قليلًا تبحث عن حجة جديدة تخبرها بها لتقول بهدوء
- فقط القضية الجديدة شائكة قليلًا وتحتاج إلى الكثير من الانتباه حتى لا تحدث كارثة.
استمعت إلى صوت والدتها يخبرها بحنان بأن تعتني بصحتها أولًا وبعد ذلك كل شئ وله حل، وافقتها الرأي وأغلقت المكالمة لتتنهد بضيق من شعور بدأ يساورها تلك المرة لتقول بهدوء
- يبدو بأن الوقت قد حان والنهاية لن تكون سوى من هنا..
والنهاية كانت متمثلة في كلمة واحدة "كش ملك"
مات الملك وانهارت مملكته أخيرًا ولن يتبق سوى الدمار الذي خلفته الحرب داخل جميع مواطنيه..
الحياة ربما لن تكون عادلة معك لكن في لحظة ما سوف تكون كافة الأمور على ما يرام لذا اطمئن فسعادتك الحقيقية لم تأتي بعد.
#من_بين_الرماد
#أسماء_رمضان
أنت تقرأ
"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"
Lãng mạnمن بين الرماد... "داء العشق يُبتر لا يُضمد" تحكي قصة فتاة تخلى عنها حبيبها ليلة الزفاف فماذا ستفعل حيال ذلك.. هل تبكي الأطلال أم تقف شامخة كحال ذويها!.. نحن أمام بضع كلمات منثورة تعطي إيحاء بوجود الأمل دومًا مادام القلب ينبض بالحياة.