الفصل الرابع والعشرون

197 8 0
                                    

الفصل الرابع والعشرون
"الجزء الأول"

بعض المدن لم يبق منها سوى فتات غير صالح لأن يكون رماد.

الألم الذي تشعر به الآن يفوق قدرتك على التحمل لكنك لا تستطيع مشاركته مع غيرك!
يجبرك على الصمت رغم معاناتك في التحدث مع أحدهم علَّ صوته يخفت ولو قليلًا..
ألم يفتك بك في الدقيقة ستون مرة وبعدها يتركك خائب المشاعر، ذليل لبقايا أمان، خائف مما يحدث حولك لأنك تؤمن بأن القادم أخطر على حياتك.
تريد التحدث لكنها تخاف الماض..
تخشى مواجهته..
تكاد تموت رعبًا من بشاعته..
تعلم بأن ريان جوارها في كل أمر محتمل حدوثه في المستقبل لكنها ورغم كل هذا لازالت ترتجف من مجرد التفكير في حدوث خطب له حينها فقط الموت أرحم لها من عذاب لن قد يودي بها إلى السقوط من الحافة أملًا في رحمة بعيدة المنال عنها.
جلس ريان جوارها واضعًا كوب عصير أمامها قبل أن يضع يده على كتفها لتنظر له بعيون ذابلة من قلة النوم، خفق قلبه بألم من أجلها فهي أخبرته صريحةً بأنها لا تود مهدئات بعد اليوم ومنذ ذاك الوقت والنوم لا يزور جفنيها ودوره البقاء جوارها متأهبًا لذرات نوم قد تداعب طيفها بأي وقت.
اقتربت منه دون خجل للحد الذي جعل حواسه تتأهب لوجودها بذاك القرب ولأول مرة يشعر أنها أخذت زمام المبادرة نحوه وقبل أن يسعد بتلك المسافة القصيرة بينهما وجدها تخفض رأسها لتضعها على كتفه حينها انتبه بأن قربها لعنة تفقده صوابه، قُربها يُحييه ألف مرة ويهلكه بنفس ذات العدد لكنه سعيد لأنها تألف وجوده، تخاف اختفائه وحتى تلك اللحظة لا يعرف إن كان خوفها مرضي أم خوف حبيبة تكره هجر حبيبها لها.
هو..
ريانها..
عاشق لا يريد سوى رؤية حبيبته بأمان حتى لو كان على حساب أنفاسه..
طبيب يرغب برؤية زوجته الأفضل بين جموع حواء مهما كلفه الأمر..
شرقي غيور عليها من ماض سلب منها قولتها وتركها خائرة هكذا..
وفي النهاية خائف من احتمالية إصابتها بمكروه.
عند هذا الحد من تفكيره احتواها بين لتتكأ برأسها على صدره ولأول مرة تشعر بأمان افتقدته منذ زمان.
تكاد تجزم بأنها لو تُركت لجموح الماض بين ذراعيه لن تخاف فهو جيشها الباقي حتى وان أخبرها هو عكس ذلك.
داعب خصلاتها لتبتسم بخفوت على فعلته تلك فهو حتى هذه اللحظة يعاملها كطفلته لا زوجته.. يخشى عليها من كل ما يدور حولها بل تكاد تجزم بأنه يخاف حدوث خطب سئ لها.
استمعت له يحادثها بنبرة لائمة جوار أذنها
- أن تسمحي لي باقتحام ذاك الماض!
رغم حديثه المشاكس إلى أنه مُبطن بالكثير من الرجاء لمساعدتها على اجتياز ذاك الحاجز الذي يمنعها من المُضي قِدمًا بحياتها، يريدها بخير تعلم لكنها تخشى صبره بأن يختفي في النهاية وتبقى في مواجهة غضب عاصف قد يُهلكهما سويًا.
حاولت التملص من حصاره لكنه تشبث بها أكثر لتضحك بسخرية على تشبيه جال بخاطرها في تلك اللحظة وقبل أن تذهب لمنطقة محظورة أخبرته بنبرة يشوبها القليل من الاستهزاء
- لا أعلم ريان إن كان تشبثك ذاك سيظل حتى نشيخ سويًا أم أنك ستمل يومًا وتفر هاربًا من مسؤولية لم يكن مقدر لك حملها وحدك.
نظرة ألم شَملها بها دون التفوه بشئ مُدركًا بأنها ورغم كل ما تعانيه تحاول بذل قصارى جهدها من إزاحته بعيدًا عنها حتى لا تعاني الضعف مستقبلًا، لتشعر به يشدد من احتضانه لها وكأنه بحديثه الصامت يخبرها بأنها ملكه وحده ومملكته لن تقوم سوى بوجودها جواره حتى لو أرادت هي عكس ذلك لتشعر بغصة حادة آلمت قلبها مما تفعله به لاعنة نفسها من التحدث بكل ما يجول بخاطرها دون التفكير ولو للحظة من احتمالية تأثيره عليه لتستمع إلى نبرته الهامسة جوار أذنه
- يسعدني دومًا جميلتي فآطم أن تخبريني بما يجول بخاطرك.
اتسعت عيناها بصدمة من معرفته لما تفكر به وكأنه ساحر استمع إلى همسها الحذر وقرر تتبعه حتى وصل إلى صاحبته، ابتسمت له بحنان وهو يخبرها بهدوء
- حينها فقط لن يضطر أي منا للسير خلف وسوسة قد تحرق بتلات عشق كانت على وشك الازدهار.
سعيدة هي فهو في كل مرة يسقط جنديًا من جيش هواجسها صريعًا بعدما يُثبت لها أنه مستعد للموت بين يديها دون التفوه بآهة واحدة، على أتم استعداد للسير فوق جمرات مشتعلة لتخطي كافة الحواجز بينهما وبعدها يوصم قلبها براية عشقه وفقط.
تشبثت به وهي في تلك اللحظة على حافة الهاوية إما الغرق في وحل معاناة لن يتركها حية أو التشبث بيده لينجدها مما هي فيه.
الحياة لحظة اغتنمها..
الألم مفعوله طويل اغتاله بدم بارد..
وهي بين حياة تمد يدها لها وألم يحاول تدنيسها بسواد لن تنجو منه تقاوم للبقاء منتبهة التركيز دون الإبحار فيما لا يُحمد عقباه.
- كل ما أريده منك عدم الضعف أو التعثر في أزمة قد تودي بكِ إلى الهلاك.
نصيحة ألقاها في وجهها كقنبلة على وشك الانفجار في أي لحظة لتفر تلك المرة من حصاره بنجاح، تأملته بخواء وهي تخبره بنبرة مبهمة فاقدة لكل معاني الحياة
- أتدري ما الضعف..!
نظر لها بتساؤل لتُكمل حديثها الشارد بهدوء عكس حالتها المغايرة قبل لحظات
- حين تجد نفسك محاط بالوحل من كل اتجاه.
تحركت صوب النافذة تتابع غروب الشمس بذبول فهي حتى تلك اللحظة لا تستطيع تفسير ما يجول بخاطرها، انطفأت وبكل مرة تجاهد على استرداد ما فقدته تفشل وكأنها في سباق عدو مع الحزن أيهما يصل أولًا تكون النتيجة في صالح البؤس، تنهدت بتثاقل لتستأنف بحنو
- وفي كل مرة يحاول أحدهم انتشالك مما يحيط بك لتجذبه نحوك قبل محاولة إغراقه..
ابتسامة ساخرة ارتسمت على جانب ثغرها لتقول بإقرار يدركه هو قبلها
- ليحاول النجاة وحده تاركًا بقايا أمل تهوى في الأعماق.
تخبره بكل صفاقة أنها في لحظة سيمل من وجوده جوارها قبل تركها على قارعة الطريق تعاني وحدها من ويلات فقدان تمزق أحشائها، تلك الفتاة تجاهد على هروب أبراج تعقله الواحد تلو الأخر بل تريده مجنون ينفر الناس من وجوده.
أعطته ظهرها تتأمل حركة الطيور أثناء الغروب في مشهد افتقدته منذ زمان لتجول بخيالها إلى حُلم داعب خيالها بالأمس القريب حيث عائلة صغيرة مكونة من ذاك الجالس يرمقها بلوم، صغير يشبهه كثيرًا ويحتضنه الجد بحنان وهي تستند برأسها على كتف ريان في حلقة ضمت دفء وأمان كانا نابعين من زوجها.
تشتاق إلى ذاك الحنان لكنها تخشى صبره عليها بأن يزول يومًا، تنهدت بحزن مما هي مُقبلةً عليه وجموح ذكرياتها لا يتركها دون رحمة.
- أوار استطاع سد فراغ عجز أحاط بي منذ زمن.
رغم اندهاشه من تحدثها عن شقيقها إلا أنه يريدها أن تنطلق في كل حدب وصوب حتى تتعافى نهائيًا من كل ما يؤرق مضجعها وقبل التمادي في شروده أكثر أجابته بنبرة متخاذلة قليلًا
- عارض والدتي في كل شئ يخصني واختار الأفضل لي رغم معرفته بأنه شقيقته غير متزنة نفسيًا لكنه أراد أن يكون لي حياة خاصة اتكأ عليها وقت خذلاني قبل إعادة تشكيل حياة افتقدناها منذ زمن ليس بقليل.
- أعلم بأن أوار يعاني بل جميعكم فآطم.
قالها ريان بتأكيد على حديثها فهو أكثر شخص يدرك جيدًا حجم المعاناة التي حاصرت أوار طوال حياته حتى استطاع المُضي قِدمًا بعدما تركها أسيرة في أقصى بقاع ذاكرته دون الخوف من تحررها يومًا فهو قادر على مواجهة أي شئ في سبيل الحفاظ على حياة شقيقته ووالدته قبل حماية نفسه.
- لكن كل ما عليكِ فعله هو عدم خذلانه حتى لا تكوني السبب في معاناته أكثر.
قالها ريان بإقرار لتحرك رأسها علامة الموافقة وقلبها يعلم بأن حديثه صحيح فهي تعرف جيدًا بأن الجميع يعاني لكنها أنانية في التفكير بحجم معاناتها فقط.
تحرك ريان من مكانه ليتجه نحوها قبل الوقوف على بُعد خطوة واحدة خلفها، استمع إلى تنهيدتها الحانقة ليقترب منها أكثر قبل ضمها من الخلف لتُرمي ثقل رأسها على جسدها ونفس المشهد الذي رأته قبلًا يداعب طيفه خيالها لتقول بشرود
- أريد طفلًا منك ريان.
صفعة حادة لطمت خده بمباغتة من طلبها ذاك فالعقل يصرخ بأنها أذِنت له بالاقتراب وقلبه يحثه على التريث حتى لا تنتكس حالتها مجددًا أما عينيه فالتمعت بسعادة من طلبها ذاك فهو في كل مساء يتخيلها بين ذراعيه وفي الصباح يستيقظ على صوت صراخ لصغير حتى ظن أنه جُنَّ ولم يعد باستطاعته الانتظار، طبع قُبلة حانية على خدها قبل همسه جوار أذنها
- وأنا كذلك فآطم.
ضاعف من احتضانها له لتحمر خجلًا مما تفوهت به فهي أعطته الضوء الأخضر للاقتراب دون خوف من القادم، لا تستطيع النظر في عينيه فهي تظن بأن جموح مشاعرها سيودي بها إلى نهاية تريدها معه.
التفتت بغتةً لتدفن رأسها بين ثنايا صدره بحرج ليضحك بسعادة على فعلتها تلك فهي ورغم كل ما تعانيه إلا أنها تتورد خجلًا من مجرد التفكير في تلك الأمور.
أهداها قُبلة ثانية على مقدمة رأسها وهو يخبرها بنبرة عاشقة حد النخاع
- وجودك يُحيني فآطم ونظراتك تحفزني دومًا من فعل الكثير لأجلك وفقط.
شدد من احتضانها وكأنه يود أسرها بين أضلعه لحمايتها من أي مكروه قد يصيبها أو ألم قد يضاعف من معاناتها وقبل أن يتفوه بالمزيد أخبرته بحرج
- لكن...
قاطع حديثها المتردد بقوله الحنون حتى لا تشعر بالسوء تجاه أي مما قد تفكر به
- لا أريد انفعالك لذكرى تكون سبب في بُعد المسافة بيننا أو حتى إصابة علاقتنا بالجفاء.
نظرت له دون فهم لما يُرمي إليه ليُكمل حديثه قائلًا بإقرار
- استطيع تنفيذ ما طلبته مني قبل قليل لكن بعدها ألن تزداد الفجوة بيننا!
تساؤل ألقاه على مسامعها وهي لا تستطيع الإجابة فهي نفسها لا تملك واحدة بل تكاد تجزم بان قرارها مبني على انفعال كما أخبرها ريان منذ لحظات لتستمع إلى كلماته الحنون بسعادة داعبت روح الأنثى داخلها
- أريدك قلبًا قبل قالبًا لكن لن أستطيع فعل شئ حتى تصبح فآطم قادرة على تخطي كل أزمة لازالت تعاني منها حينها فقط..
صمت قليلًا يتابع ملامحها الممزوجة بحمرة شهية يود تذوقها في تلك اللحظة لاعنًا غباءه المحدود في رفض ما طلبته بطريقة ساذجة وهو يود حذف كل ما قاله وفعل ما يرغب به وفقط.
- حينها فقط لن يكون لدينا طفل واحد بل خمسة.
- ماذا!
شهقت بها باستنكار ليضحك على رد فعلها الغريب ذاك ليخبرها بتساؤل
- إذن سبعة أطفال..!
- ريان.
قالتها بتحذير من التمادي في حديثه ذاك ليقول لها بحماس
- يوجد بالمنزل ثمان غُرف منها ست فارغة لذا أريد ستة أطفال ولن أتنازل عن هذا.
حركت رأسها بقلة حيلة من إقناعه وقبل أن تتفوه بالمزيد وجدته يقترب برأسه منها دون تحذير يلتهم المسافة بينهما قبل أسر شفتيها في رحلة قصيرة يبثها فيها بعشق إن ترك له العنان لهلك كل ما حوله دون ندم.
لحظات وابتعد عنها ليجدها تجاهد على البقاء ثابتة رغم ارتجاف شفتيها غير مصدقة لما فعله أما هو فلم يستطع التماسك أكثر من ذلك فرغم قربهما في كل يوم إلا أنها أول مرة يقتحم بها المسافة بينهما.
شهية إلى الحد الذي جعله يفكر أكثر من مرة في تجربة الأمر ولم يمنع نفسها من التقاط شفتيها دون النظر إلى عواقب الأمر لكنه لم يمهل عقله فرصة التفكير هكذا أخبر نفسه وبرر قلبه بما فعل.
نكست رأسها بحرج ولازال متشبثًا بها بين أحضانه ليخبرها بمكر
- شهية أنتِ إلى الحد الذي جعلني أتلهف لتذوق شهدها.
أيتجرأ على التفاخر بفعلته دون مراعاة لحرجها منه، تريد لكمه على ثغره الوسيم ذاك حتى يكف عما يقول لتخبره بحرج
- عابث.
هكذا أخبرته ليضحك بسعادة على حديثها قبل الاستناد بذقنه على رأسها داعيًا بألا تزول تلك النعمة فحبيبته ستكون بخير في كل مرة يراها بها لأنه يعلم بأنها تجاهد للبقاء بخير حتى لا يقلق عليها غير مدركة بأن قلقه مفرط ولن يزول سوى بفقدان حياته.
السعادة لحظات تمسك بها حتى لا يزول أثرها سريعًا، تشبث وكأنه آخر شئ قد تتشبث به في حياتك وبعدها دع عقلك يخبرها بأن ما فعلته كان الأفضل لك دون ندم كل ما عليك فعله هو المُضي تجاه مصدر الضوء الذي ينبعث من نهاية الممر وبعدها فليحدث ما يحدث الأهم هو ألا تندم على شئ قد يجعلك سعيد إلى الأبد.
..............
بعض اللحظات كفيلة لتكشف لك ما يعانيه الآخر دون مجهود يُذكر وبعضها ألم يشج رأسك من كثرة التفكير به لكن ما تثق به أنك في لحظة ما قد تكون يد العون لانتشال صاحبك مما يحيط به.
بعد ما حدث في الفندق من اختفاء العروس وارتفاع صيحات الجميع بين متهم منتظر العقاب وآخر يُلقي اللوم على كاهل صاحبه في تخاذله بحماية الأقربون والنتيجة فشل ذريع.
بفرار غيث من المكان قرر باسل مراقبته حتى لا يفعل بنفسه أي شر في لحظات قد تكون فاصلة في حياته، لا يريد منه سوى أن يكون بخير وبعدها أي شئ من السهل حله.
راقبه بشرود لاعنًا ذاك العشق الذي يُدمي صاحبه ويجعله غير قادر على التعافي مما هو فيه أو حتى التقدم خطوة واحدة نحو الأمام.
أما غيث فبعد استماعه إلى خبر اختفائها دلف وحده إلى الغرفة الباق أثرها فيها بعد ذهابها بعيدًا، تأملها بحزن وبمقدار ألمه أمسك زجاجة العطر وهشم بها المرآة قبل فراره من المكان بأكمله حتى لا يستمع مواساة من أحد.
قاد سيارته بأقصى سرعة ولا يعلم وجهته حتى أضناه الشوق فتوقف عند نقطة خاوية من السكان يصرخ فيها بضعف ولأول مرة يدرك بأن بُعدها عنه يصيب قلبه بالضعف قبل العطب، يريدها ولن يفعل أي شئ بها فهو أحبها من أول نظرة ألقاها بها وقد أسرته من بعدها حتى تلك اللحظة.
داخله يتمزق وجسده يحتاج إلى أحدهم يُربت عليه ويخبرها أن كل شئ بخير ولا داعي لقلقه المفروض أو يوقظه أحدهم ويقول له لقد كان كابوسًا سيئًا والآن حان وقت زفافك.
إن قال أنه يريد البكاء هل سيتهمه الناس بأنه متخاذل هو فعلًا متخاذل في حقها قبل حق نفسه، قلبه ثائر يأبى التصديق وعقله يخبره بأنها وضعت النهاية وليس عليه سوى تقبلها متعللًا بأنه حاصرها وتلك نتيجة طبيعية له فهو السبب حتى تلك اللحظة.
أزاح دموعه بحزن ليظبط من وضعية مقعده ويغوص لأسفل بإنهاك مفكرًا بهدوء فيما مر به عله يصل إلى بر لن يغرق بعده أبدًا.
عند باسل بمجرد رؤيته لصديقه هكذا قرر الذهاب نحوه يواسيه ويخبره بأن كل مُر سيمر لكن وجب عليه التماسك قليلًا، قاطع شروده نغمة هاتفه العالية ليرى المتصل والذي لم يكن سوى صديقه صهيب، حينما فتح الخط استمع إلى صوت صديقه يخبره بنبرة راجية أنه يريده في الحال، يدرك بأن صهيب بكلماته تلك دليل على وجود خطب جلل لكن صديقه الآخر يعاني وهو لن يستطيع تركه لذا أخبره بلامبالاة
- لا أستطيع صهيب.
جواب أقرب إلى رفض قاطع ليستمع إلى زفير الآخر بحنق من غبائه اللامتناهي تابع حينها باسل وجود غيث الساكن داخل السيارة، صوت أنفاس من طرف صهيب تلاه قوله الحذر
- في الحال باسل.
- لا.....
كلمة نافرة كانت ستجر بعدها سيل من كلمات أكثر لكن المتصل لم يدعه يُكمل بقية اعتراضه بل التهمه بشراسته المعهودة
- لم أخيرك باسل بل أُجبرك على القدوم...
وما إن هم بالاعتراض ثانيةً حتى عاجله الآخر بتنهيدة مثقلة بالهموم أقرب منها إلى غيظ من بلاهة باسل واستأنف حديثه بحنق
- سأنتظرك في المنزل.
وبعدها أغلق الهاتف دون الاستماع إلى كلمة اعتراض أخرى من باسل ليزفر الآخر بضيق مقررًا الذهاب إليه بعدما اطمأن إلى ثبات انفعالات صديقه متحدثًا بغضب وهو يضرب المقود بعنف
- اللعنة عليك صهيب.
قرر الذهاب له والعودة ثانية إلى غيث يتحدث معه لكن قبلها أرسل إلى أحد أصدقائه رسالة نصية يخبرها فيها
"إن أتى غيث في أي لحظة أعلمني بالأمر رجاءًا"
قاد سيارته بأقصى سرعة ليصل إلى ذاك الأبلة صهيب بمشاعر مغتاظة منه ومن تلاعبه به طوال الوقت فحتى تلك اللحظة صهيب لا يتصل به إلا أن حدث أمر جلل لكن غير ذلك لا يعرفه وهو في كل مرة يخبره بأنهما صديقين على عكس الآخر الذي يشعر بأن أي مكالمة بينهما مبنية على مصلحة وبعدما تنتهي ينتهي رباط صداقة مزيف.
بعد دقائق تجاوزت حاجز العشرون دقيقة صف السيارة على جانب الطريق واتجه إلى مدخل العمارة يستقل المصعد حيث الطابق المتواجد به صديقه عابثًا بهاتفه وقبل أن ينغلق المصعد وجد أحدهم يضع قدمه مانعـًا إياه قبل استماعه إلى اعتذار من ذاك الرجل، أومأ برأسه إيجابـًا دون التفوه بكلمة.
ضغط على رقم الطابق المنشود وللعجب كان نفس وجهته ليتأمل ما يحدث بينهما بمشاغبة مُؤكدًا بأنهما ربما عاشقين.
وضع هاتفه في جيب سترته وتأمل نظرتها الخبيثة قبل تلطخ وجه الآخر بالمثلجات تبعه اعتذارها عدة مرات دليل على تفهمه الأمر وقبل أن يعي بما يحدث بعد ذلك وجده يفعل في وجهها مثلما فعلت به قبل أن يهز كتفيه علامة اللامبالاة فهي مَن فعلت هذا في السابق لذا عليها تحمل نتيجة مزاحها.
حاول كتم ضحكاته بعدما ارتفع صوت ضحكاتهما في المصعد تبعه وضع طارق يده على كتفها يضمها إليه وأخبرها بعدها بنبرة حنون
- أريدك مشرقة هكذا دومًا نيا.
وداعب اسمها رنين أذنيه بمشاكسة قبل أن يتجها خارج المصعد إلى المنزل بهدوء وكأن ما حدث قبل قليل لم يكن سوى عاصفة حطت رحالها ورحلت.
أما صهيب فقد ظل في المصعد دقائق يراقب كل ذلك بنظرة مندهشة مما يحدث متمنيًا شعوره بنفس ذات السعادة يومًا محذرًا نفسه من الانجراف نحو هوة ذاك العشق متناسيًا بنغمات قلبه المختلفة التي بدأت تشدو بلحن غريب لم يجربه قبلًا مؤكدًا بأن الشخص الذي كان معها قبل قليل قد يكون حبيبها أو حتى زوجها، قرر ترك هذا الأمر قليلًا حتى يعرف ما يريده صديقه.
اتجه إلى باب منزله بتكاسل يضرب الجرس بنفاذ صبر ليفتح له صهيب قبل دخول الآخر دون إلقاء التحية حتى، نظر له صاحب المنزل بغيظ ليقول بعدها بحنق
- ألقي التحية أولًا.
- لا
قالها باسل بتعب ليجلس بعدها على أقرب مقعد بإنهاك لينظر له صهيب بشك مما يحدث معه ليجلس جواره تبع ذلك سؤاله بقلق
- ما بك باسل!
- لا شئ.
قالها باسل بإرهاق وقبل أن يسأله عما يريده عاجله أولًا بسؤاله الحذر
- جارتك.
وترك بقية جملته دون تذييل لينظر له الآخر بهدوء ليخبره بعدم فهم
- أي واحدة!
وبسؤاله تنبه باسل لما تفوه به ليخبره باسمها قبل انتفاض صهيب من مكانه يعنفه بحنق
- على علاقة بأحدهم باسل.
ولسبب لا يعلمه صهيب أخبر صديقه بهذا فشعوره بالغيرة عليها أصعب إيلامًا من تعرف صديقه بها، لا يعلم شعوره نحوها لكن مجرد التفكير في وجود آخر يحوم حولها كان سببًا كفيلًا لانتفاخ أوداجه بحنق، قاطع تفكيره حديث باسل بتساؤل
- ما الأمر صهيب؟
دلف للداخل قليلًا وعاد ثانيةً إلى ضيفه يضع حاسوب شقيقته الراحلة بين يديه لينظر له باسل بعدم فهم ليقول له الآخر
- أريد منك فتحه.
رجاء غلب على نبرته ليضغط باسل على زر التشغيل ليجده برمز حماية ليتساءل باسل بهدوء
- أنسيت رمز الحماية!
- خاص بهتان باسل.
اعتذر الأخر بأسف ليخبره بأنه سيجرب عدة أرقام يستخدمها الناس عادةً، حاول أكثر من مرة والنتيجة فشل ذريع، طلب من صهيب ورقة وقلم وبدأ يدون عليها الأرقام من الرقم صفر إلى الرقم تسعة وكل رمز به أربعة أرقام (زي مثلًا 0000، 0001، 0002) -وهكذا علشان يعرف ايه الرقم الصحيح- يحاول إدخاله حتى أتى اتصال هاتفي لصهيب من قائده يطلب منه الحضور في الحال إلى عنوان أعطاه له ليدونه الآخر على ورقة قبل أن يقول لباسل بهدوء
- قضية اختفاء في فندق.
وأخبره اسم الفندق ليجيبه الآخر أنه يعلم وحينما سأله كيف علم قص عليه ما حدث مع صديقه فالعروس كانت ستصبح زوجة غيث بعد فترة وجيزة.
- سأذهب القائد بانتظاري وانت ابقى مكانك حتى تصل إلى الرقم الصحيح.
- لكن..
قالها باسل باعتراض عما يريده ذاك الغبي ليقاطعه صهيب بعجرفة
- بدون لكن باسل.
وتركه يفعل ما أمره به ليزفر باسل بحنق من تلك الصداقة متمنيًا القضاء عليها دون ندم، أخذ يكرر الأرقام باختلاف ترتيبها وكل رقم يفعله يحذفه من القائمة حتى وصل إلى الرقم المنشود والذي لم يكن سوى (4758) ليزفر بانتصار قبل تدوين الرقم على ورقة ملاحظة وضعها على الحاسوب تبعها إرساله في رسالة نصية إلى صهيب وليفعل ما يحلو له بعد ذلك، ترك الحاسوب على الطاولة وخرج من المنزل بهدوء ذاهبًا إلى حيث صديقه محاولًا طمأنة نفسه بأنه بخير، تأكد من إغلاق باب المنزل وعاد من حيث أتى دون الاهتمام لما يريده صهيب من حاسوب شقيقته هتان.
بعض الألغاز آن أوانها بأن تظهر للضياء فلم يعد هناك شئ يبقيها متخفية في الظلام هكذا حتى لو مر وقت طويل على ذلك.
وصل صهيب إلى وجهته ليستقبله القائد بحفاوة يخبره عما حدث متناسيًا إخباره باسم الفتاة، استقلا المصعد إلى الطابق المنشود ليفاجأ صهيب بحبيبته السابقة وكذلك بعض الأشخاص الذين عرفهم من قبل وبمجرد رؤية السيدة رحمة له أخبرتهم بغضب
- لا أريده أن يبقى هنا.
نظر الجميع إلى حيث أشارت ليندهشوا من وجوده أمامهم بعد اختفائه قبلًا، اتجهت إليها ديما لتهدئتها لينظر لها القائد دون معرفة ما يحدث معها أو حتى علاقتها بصهيب ليخبرها بهدوء
- صهيب الوحيد القادر على إعادتها.
- بل لعنة وأصابتنا جميعًا...
قالتها ديما تجيبه باستنكار وذكريات ذاك اليوم المشؤوم وما تبعه من أحداث تحوم في خيالها لتخبره هي الأخرى برفض وجود ذاك الأحمق في المكان، اقتربت حياء منهم لتهدئة الأوضاع قبل أن تتحدث بهدوء تخبرهم جميعًا
- القائد محق أمي.
وقبل أن تهم بالاعتراض أخبرتها حياء بهدوء
- العمل لا دخل له بالعلاقات خالتي رحمة لذا اتركن صهيب يعمل ليجد كارمن في أسرع وقت.
قالتها وغادرت المكان ليتبعها القائد متحدثًا معها تاركًا الآخر لاستكشاف الغرفة، طلب من الجميع المغادرة وأخبر أحدهم بالاتصال إلى طبيب من الطب الشرعي لرفع البصمات، أمر آخر بالذهاب إلى غرفة المراقبة لتفريغ تسجيلات الطابق وطلب من ثالثهم عدم السماح لا بالدخول إلى الغرفة أو الخروج من المكان حتى ينتهي التحقيق معهم جميعًا مؤكدًا بأن الغرفة تعامل معاملة مسرح الجريمة في الوقت الراهن.
أما القائد فأخذ حياء إلى ركن هادئ وأخبرها بحنان أبوي
- أعلم بأنه يجب أن يمضي أربع وعشرون ساعة بعد حادث الاختفاء والبحث عن الضحية.
لتومأ له حياء بإيجاب قبل قولها بهدوء
- أشكركَ سيدي على قدومك.
- لا عليكِ.
قالها القائد بإقرار قبل طلبه بضرورة التعاون مع صهيب للوصول إلى حقيقة الأمر لتوافقه الرأي قبل رحيله من المكان تاركًا لهما مهمة حل القضية.
ارتفع صوت هاتفها النقال لتنظر إلى المتصل والذي لم يكن سوى طارق، فتحت الخط بسرعة لتستمع إلى صوته قائلًا بسرعة
- لقد كان موضوع بحثها عن دراسة سلوك بعض مجرمي السجون خاصة مَن يتسمون بطابع السادية
لم تفهم ما يقوله لتتساءل بنبرة خاوية من أي انفعالات
- مَن تقصد طارق!
وطارق جاهد للحفاظ على هدوئه بعدما توصل إلى معلومات عنها ليخبرها بنبرة لا تقبل الشك
- المدعوة نوفان شوكر.
تيقظت كافة حواسها بظهور معلومات جديدة عنها لتخبره بهدوء
- لنتقابل إذن.
أعطته العنوان الموجودة به قبل إخباره بثقة
- حسنـًا طارق سأكون بانتظارك.
واسم طارق الذي تردد أكثر من مرة في تلك المكالمة جعل الآخر يكاد يموت غيظًا مما تفعله به تلك الحمقاء، كان على وشك شُكرها لأنها أقنعت الجميع بضرورة وجوده وعمله في تلك القضية مما أسعده للغاية لكنها في نفس الوقت لا تشغل بالها به وهذا أزعجه إلى الحد الذي لا يمكن وصفه.
اقترب منها بهدوء لتنظر له باندهاش من وجوده أمامها تاركًا عمله ليستأنف حديثه بعملية بحتة متجاوزًا كل تلك الأمور التي تحدث حوله
- أتريدين القدوم إلى غرفة المراقبة.!
- لا.
قالتها جافة خالية من أي مشاعر لينظر لها بإحباط داوته هي بقولها الحذر
- طارق على وشك القدوم لظهور بعض الخيوط الجديدة وسنتناقش بها في ردهة الفندق.
أومأ بتفهم وداخله يكاد ينفجر من ذاك القرب بينهما، عاد أدراجه لتستقل هي المصعد تنتظر طارق في الأسفل مؤكدة لنفسها بوجود الكثير له علاقة ببعضه كما أنها قررت أن تعرض عليه العمل على قضية اختفاء كارمن معها هي وصهيب.
لا تتعجل في فهم الأمور فبعضها شاق يصعب عليك تصديقه دفعة واحدة صغيري.
#من_بين_الرماد
#أسماء_رمضان

"هستنى رأيكن في الفصل ونتقابل الأسبوع الجاي بإذن الله" 🥰😍

"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن