الفصل الثامن

467 17 0
                                    

《الفصل الثامن》

السعادة لا تتجزأ.. والحزن لا يزداد.
أجل أثقال الهموم تزداد لكنها بالفعل كذلك لأنك أزلت مساحة كبيرة وتركت فيها الألم بل جعلته يتمدد حتى احتل أوصالك لتشعر بعدها بالاختناق.
مثلها مثل الضحكة، ابتسامة تنير وجهك، تبتسم لسعادتك لكن أحيانــًا تبتسم علك تخفف جراحك لذا فلتدع الضحكة تنتشر داخل أوتارك حتى تنعم بالسعادة واغلق باب الحزن كلما سنحت لك فرصة إغلاقه حتى تشعر بنكهة الحياة من جديد مع كل إشراقة لشمس الصباح.
.........................
في لندن وخصوصًا بمكتب التحقيقات...
جلس أبيل مجاورًا أخصائي المواقع، وبعيون صقر كان يراقب كل مايفعله حتى أدق التفاصيل منها، ابتسم بهدوء لكلمات رانسي التي طرقت باب عقله فجأة، يعلم بأنها تستطيع فعلها وتوقف الزفاف قبل بدايته ليس لأنها ساحرة أو تستخدم إحدى المشعوذات لكن والد فيولا يثق بها كثيرًا وبقرارها، يدرك جیدًا بأنه لولا وجودها وتحفيزها له لـ ظل الآن عند نقطة الصفر أو أقل بقليل، لذا لم يتخاذل، أخذ تصريح لتفريغ أشرطة المراقبة في الأيام المنشودة حتى يسير الأمر بطريقة قانونية، وبالطبع لم ينس أخذ أحد أخصائي المواقع حتى يساعده بإيجاد حل لتلك المعضلة.
بمرور الوقت تسرب الأمل ببطء ليقع أسيرًا تحت مطرقة اليأس، موعد إرسال البريد معروف لكن حتى الآن لم يجدوا شيء يشي بوقت استلامه أو كيف، راقبوا الكثير من الأشرطة وبانتهاء كل واحد منهم تنقص عزيمته للنصف حتى تلاشت، قطع شروده صوت الهاتف معلنًا عن اتصال من رانسي، ضغط زر الإيجاب لتباغته بقولها
- لم تجد شيء، صحيح؟!
إقرار أكثر منه بسؤال، هز رأسه إيجابـًا متناسيًا عدم وجودها أمامه لتخبره بهدوء بعدما طال صمته تفكيرًا في القادم بعدما تبدد أمله في العثور على خيط يشير إلى المتهم.
- حسنـًا أبيل، اترك تلك الأشرطة جنبًا واعثر على بعض التفاصيل من شريط راشيل اوزبكا أثناء وجودها بالمكان فـ عنوان البريد المرسل إليه مزيف لذا احتمالية وجود أحدهم قبل وجودها بفترة قد يكون منطقي لأخذ المظروف بعد مغادرتها، واثقة بأن هذا ماحدث.
- سأخبرك بكافة التفاصيل حينما أعثر عليها.
قال كلماته واغلق الهاتف، أخبر الحاضرين بما أملته عليه رانسي، ليقوم كل منهم بالمهمة الموكلة إليه بنشاط بعد طاقة اليأس التي تسربت إليهم.
على الجانب الآخر بالمشفى، دلفت لحجرة الطبيب المسؤول عن حالة الصغيرة طفلة راشيل؛ استفسارًا عن حالتها وكيف يسير علاجها، ابتسم الطبيب بهدوء بعدما استقبلها، أشار لها بالجلوس ثم
- تشرفت بوجودك عزيزتي رانسي.
- أشكرك، أود معرفة تطورات علاج الطفلة تيانا!
قالتها رانسي باقتضاب ليتحدث بعملية عن الوضع الحالي للصغيرة
- بعد الكثير من الفحوصات أشار كبير الأطباء ببداية العلاج على الفور حتى لا يحدث مضاعفات، والشكر للرب بأن جسدها استجاب، لذا هي محظوظة كثيرًا.
صمتت رانسي قليلًا تبحث عن كلمات مناسبة تخبرها للطبيب لتتحدث بعدها بهدوء
- سيد جورج، عدني بألا تخبر أحدًا بأني من تكفلت بعلاج الصغيرة؟!
- لِمَ!
قالها السيد جورج باستنكار لتقول موضحة وجهة نظرها بهدوء
- سيدي، أخبرت والدتها بأن السلطات تكفلت بالعلاج، حتى يطمئن داخلها بأن ابنتها تتعالج، كما أني لا أطيق أن تنظر إلى نظرات عجز، لا أريد أن يعلم أحد مهما كلفني الأمر، الطفلة ضمن مسئولياتي حاليـًا لكن لا أريدها أن تشعر تجاهي بأني صاحبة فضل عليها أو أنها مَدينة لي بشيء.
نظر لها بفخر فتلك الفتاة دائمـــًا ما تبهره بتصرفاتها، من أشد المعجبين بعمليتها أما إنسانيتها فأسقطته صريعـًا لهواها، استئذنت منه لرؤية الصغيرة قبل المغادرة، أخبرها بالذهاب معها متعللًا الاطمئنان عليها أيضـًا.
وبمرور بعض الوقت كانا أمام سرير الصغيرة، تأملتها رانسي قليلًا، بريئة حد الهلاك بالرغم من مرضها إلا أنها مشرقة كالشمس مهما خذلتها الغيوم تظل تشرق دون مقاومة، عيون زرقاء تجمع المحيط بهما، رموش طويلة تحميهما من أي سفينة تحاول الإبحار فيهما، أنف صغير به بعض النمش الغير موجود ببقية وجهها، شفاه وردية مكتنزة، بشرتها حليبية مع بعض الحمرة الطفيفة، وبدون وعي ابتسمت لها رانسي لتبادلها الصغيرة بابتسامة أخرى ودودة، لتقول رانسي بهدوء
- كيف حالك بطلتي تيانا؟!
- بخير.
قالتها تيانا بحزن، لتبتسم لها رانسي وهي تداعب شعرها بعدما اقتربت منها، قبلتها بهدوء على رأسها قبل قولها
- لِمَ الحزن صغيرتي؟!
- والدتي كالسراب اختفت فجأة، أنتِ ظهرتِ فجأة لذا ذهني مشوش من كثرة الأحداث وظهور الغرباء حولي لم أرك سابقًا وتفرضين وجودكِ بحياتي.
ابتسمت رانسي لشجاعتها، وبدون تردد أخبرتها بهدوء
- والدتك لديها بعض الأعمال تكبل وقتها، أرادت الحضور لكن منعتها رغبةً في التعرف على الصغيرة تيانا، سأخبركِ سرًا.
قالت رانسي كلماتها بهمس مصاحبة قولها الالتفات للتأكد بعدم متابعة أحد الحديث، ابتسمت الصغيرة لفعلتها وتحفزت خلاياها لمعرفة هذا السر لتقترب منها رانسي هامسة بجوار أذنها
- اسمي رانسي، أحبـــك كثيرًا صغيرتي تيانا.
ابتسمت لها تيانا بسعادة كأنها قد ملكت كنز ثمين وتود المحافظة عليه.
فالأطفال مثل القطن الأبيض، شديدي البراءة يثقون بكلماتك طالما نابعة من أعماقك، يبتهجون لحديثك طالما تخصهم به، لا ينتظرون مقابلًا لضحكتك فقط هم وبراءتهم مهلكين لصرامتك.
قضت رانسي معها بعض الوقت، وعدتها بتكرار الزيارة فيبدو أن الصغيرة قد أحبتها منذ اللقاء الأول، غادرت رانسي وهي تشعر بالبهجة لتلك المقابلة اللطيفة، ظلت تدعو الله بإتمام شفاء الصغيرة على خير.
........................
في أحد النوادي الشهيرة
جلست كارمن بتخاذل على أحد الطاولات ومشاهد متفرقة من لقاء الوداع يعرض بهدوء أمام ناظريها علها تختار أسوأ سيناريو لتوديعه به، ابتسمت بحزن لذلك الماضي القريب البعيد، اليوم أدركت بأنها فقدت معاذ للأبد، لم تفقد معاذ فقط بل فقدت كنزها ثمين، قلبها يتألم لفقدانه، عجزها يكبلها مابين طاعة والدها أو الفرار مع شريك حياتها، كالزئبق هو تسلل لفؤادها بسهولة لتسقط صريعة بهواه، أخذت تلك المشاهد تهاجم ذاكرتها بلا رحمة وشعور بالذنب طغى على كل جميل داخلها فالمنطق يحثها على الفرار وطاعة والدها أما القلب يخبرها بأن البقاء هو الأفضل له قبل أي شيء.
- اشتقتك طفلتي كارمن.
كانت تلك كلمات معاذ التي قالها قبل جلوسه على المقعد المقابل لها، ابتسمت بحزن قبل قولها بألم
- عزيزي معاذ أحرركَ من وعدكَ لي، لقد صدقت بحبك ومشاعرك لكن الآن نحن على مفترق طرق و وجب علينا الفراق بذكريات أفضل لنا حتى لا يكره أحدنا الآخر بالمستقبل.
وبحاجبين معقودين من حديثها، ونظرات مستفهمة أخبرها
- لِمَ؟!
لأني توقفتُ عن حبك الآن.
- كاذبة.
قالها معاذ بعصبية قبل استئنافه
- دقاتكِ الثائرة، عيونك الحائرة، دموعك الهاربة كلها تؤكد بأنك كاذبة طفلتي. 
- لست كاذبة، أمقتك معاذ، حبك بقلبي تبخر بعد زيارتك الأخيرة لوالدي، لم تخبرني مسبقـًا، فقط أتيت لتقابله واختفيت بعدها.
قالتها كارمن بألم، لا تود إخباره الحقيقة، لتتحدث بحزن بعد تنهيدة ألم اخترقت سكون حزنها
- أرجوك، ارحل، سافر، تزوج وأنجب أطفالًا لكن لا تحقد عليَّ يومًا، تذكر بأنك أهديتني سعادة مفقودة وقت حزني، ضحكتي وسط دموعي.
بنظرات شمولية تحدث معاذ بألم وقد قاب قوسين من نهاية وشيكة ووداع أخير
- مَن يحب لا يكره مهما كلفه الأمر، سأنسحب من حياتك طالما تريدين ذلك لكن عديني بأن تبتسمي دائمـــًا وسط حزنك، لا تجعلي الحزن خليلك والدموع رفيقتك، عديني بأن تضحكي لأجلك لا لأجل أحدهم.
ظلت صامتة قليلًا، احترم صمتها، يعلم بأن حزنها خلفه كارثة إن تحدثت ستهلك الأخضر واليابس، تحدثت بحزن
- حدثني قليلًا عن معاذ الشيمي.
قالتها بتيه وكأنها بعالم منفصل تريد معرفة الكثير عنه، فهم مقصدها من نظراتها المشتتة وحديثها الراجي، يبدو بأنها قد علمت كل شيء ولم يعد هناك مفر من الهروب من ذكريات الماض، ليقول بهدوء
- معاذ الطفل، معاذ المراهق أم معاذ الجالس أمامك!
- جميعهم. 
قالتها كارمن بانكسار، ليبتسم بسخرية على عقل يستحضر صورًا اراد دومًا نسيانها، تنهد بألم قبل قوله
- معاذ الطفل شاهد أقصى أنواع العذاب النفسي من والده البيولوجي، والدته كانت درع حماية له من نوبات غضب أبيه، أحب ابنة خاله كثيرًا منذ ولادتها وهو يراها طفلته، شعر بمعنى المسئولية تجاهها، لعب كثيرًا معها، لكن بمجرد انتهاء زيارته ولهوه مع تلك العنيدة ودخوله المنزل يبدأ الجحيم..
ثم لحظات يزيل دموعًا هربت تشاطره حزنه قبل قوله بيأس من ماض لن يستطيع تغيير شيء به
- لم يجرؤ يومًا على لمسي لكن والدتي كانت الثمن، كيس ملاكمة يصب جم غضبه به دون شعور بالذنب وحينما ينتهي يأمرها بغضب بضرورة تحضير الطعام فهو جائع بشدة بعد جولته الممتعة معها، متعته إذلالها وهي صامتة علَّه يتغير ذات يوم لكنها لم تعلم بأنه لن يتغير فهو أحب كثيرًا دور الجلاد ولن يتنازل يومًا ليصبح السجين.
ارتشف قطرات من الكوب جواره قبل قوله بإقرار وكأنه يخبر نفسه قبل إخبارها بألم
- شعور الخوف أصعب مراحل التعذيب خاصة ممن ظننتهم سند لك، درع حماية بوجه العاصفة، التخاذل حليفك والدمع رفيقك، كان شعوري كذلك، وفي مساء أحد الأيام تعاركا وكانت والدتي الضحية كالعادة لكن تلك المرة لفظت آخر أنفاسها أمام ابتسامته الماجنة، نظرات الحسرة بعينيها لا زالت تؤرق مضجعي، حسرة على حب ظنته أهم مكاسبها لتدرك بأنه الجحيم في ثوب ضعيف لم يتعامل سوى بالعنف، حسرة على حياة خذلتها بعدما كانت الوردية الطابع الأساسي في بدايتها، حسرة على كل شيء أصبحت بسببه لا شيء، عمي وزوجته تكفلا برعايتي بعدما رفض شقيق والدتي تربيتي، عوضاني عن شعور الاحتياج، ترعرعت تحت حمايتهما، زوجته عاملتني كطفل ولم تحاول النبش بذكريات الماض، كنت الابن البار، الصديق، السند لهما، اعتبرت والدي بالاسم ميتـًا، لأنه السبب الرئيسي لفقد كل عزيز بحياتي، أعلم بأن والدك رفض العرض.
ابتسم بانكسار قبل قوله بأمل حاول التحلي به بعدما تخلى عنه
- حقه ولن اعترض، كوني قوية لأجلك، ابتسمي لأجلك، لا تكوني خانعة لأحدهم أو مطموسة المشاعر، كوني أنتِ لأنك أنتِ لا تكوني صورة مكررة من أحدهم وإن تقابلنا بالمستقبل وعد شرف بأننا سنضحك كثيرًا على تلك الذكريات لذا استعدي للمستقبل طفلتي.
- كنت تعلم بأن والدي سيرفض مسبقـًا؟!
قالتها كارمن بتخاذل، ليضحك بحزن وقلبه يتمزق لفراقها، والأهم من ذلك بأنه غير قادر على مواساتها، ليقول بحزن استشعرته من نبرة صوته
- لم أعلم سابقًا بأنك رفيقة طفولتي، ولم أعلم إلا منذ فترة وجيزة حينما أخبرت عمي بأن يستعد للذهاب، تحمس مسبقًا لكن انطفئت بارقة الأمل وطمست السعادة بعينيه حينما علم والد العروس من يكون، أخبرني الحقيقة ببزخ، أعلم بأن لدي أقارب لكن دفنتهم ذاكرتي لقلة اللقاء، وطمسهم الزمن تدريجيـًا من حياتي، اختلطت مشاعري مابين السعادة باستعادة حب طفولة ظننته تحول لركام بمرور الأيام وحزن بأنه صعب المنال، كوني متأكدة بأن مكانتك ستظل محفوظة بين دقات قلبي، أحبـــك.
لا تعلم متى غادر كل ماتعلمه أنها ظلت شاردة بكل كلمة حدثت بذلك اللقاء.
فاقت من شرودها على احتضان أحدهم لها من الخلف، وكلمات مواسية جعلت دموعها تتحرر لتنساب بألم ويردد لسانها بعجز
- فقدته للأبد فاطيما، بمقدار حبي له انفطر قلبي عليه، مقدار الألم ضعف مقدار حبي له، اشتقته كثيرًا، لكن هكذا أفضل.
- لم أعهدك متخاذلة لهذا الحد؟!
قالتها فاطيما باستنكار، بعدما جلست بجوارها، لتنظر لها كارمن بحزن قبل قولها
- ليس تخاذلًا، والدي لن يتقبله مهما حدث، أردت سلامته، أردت أن تكون له عائلة تحتضنه وقت حزنه قبل سعادته، بالمستقبل سيسامحه أبي أثق بذلك لكن لا أستطيع رؤية نظرات العجز بحدقتي والدي، نظرات التشفى من الآخرين، لا أريد أن تكون نهايته مثل نهاية العم خلدون ويكون مصيري كـ حياء.
- لستِ بحياء؟!
قالتها فاطيما بيأس، لتجيبها كارمن بحزن
- لست حياء لكن نفس مصيرها، الوقوع مشردة في فخ الحب، تذكري بأن العم خلدون رحمه الله لم يوافق قط على صهيب لكن رغبتها بددت اعتراضه، أعلم بأن معاذ ليس كـ صهيب لكن نفس المصير لوالدي، اعترض لن أموت من عدم الحصول على حبيب لذا سأصبر عل سفينتي ترسو يومًا على شاطيء السعادة بسلام.
قالت كارمن آخر كلماتها وهي تهم بالرحيل، احتضنتها فاطيما من كتفيها قبل الخروج سويـًا من النادي، وهي تتذكر مكالمة معاذ المختصرة بضرورة الحضور لتكون جوار رفيقتها فـ معاذ يعلم بأنها صديقة كارمن الوحيدة.
لم تلاحظ فاطيما ضيفها السابق ريان حامد، راقبها من بعيد حتى اختفت، وابتسامة حنون رسمت على محياه، قطع شروده بطيفها وصول أحد أصدقائه ليحفظ صورتها بذاكرته على أمل العودة إليها مجددًا بعدما ينهي بعض الأمور العالقة.
........................
بأحد المدن الأوروبية وخصوصـًا بمدينة صوفيا ببلغاريا، حيث الجريمة هناك دون قضاء أو محاكمات قانونية، فقط مدينة تتبع العصابات بكل شيء، جلست تلك الفتاة ذات التعابير المتهجمة باسترخاء على الأريكة، تتابع بهدوء تفاصيل القابع أمامها، ردات فعله، حديثه المضطرب، لتبتسم بسخرية، تود الفتك بذاك الشخص لكن أوامر رئيسها كالقيود، تكبل حرية قرارها، لتتحدث بهدوء مستفز
- ألن تخبرني بعد كل هذا الصمت ما أريد معرفته؟!
- لكن سيدتي......
قالتها بخوف من ردة فعلها القادمة لتقاطعه بسماجة
- إيما، فقط إيما.
ابتسمت بسخرية قبل قولها بهدوء وهي تنظر في عينيه كأنها تود الغوص داخلهما ومنها إلى ذاكرته
- رقيقة معك وتركت الألقاب لذويها، أخبرني الآ.
قالت آخر كلماتها بغضب، لينتفض الرجل فزعـًا من شراستها، ليتحدث بتلعثم
- سيدتي. ... أ أقصد إيما، أقسم بأني لا لا أعلم شيء.
- نفي النفي إثبات سيدي.
قالت كلماتها وهي تخرج مدية من كعب حذائها قبل وضعها أمام وجهه مباشرة، لتخبره بهدوء
- يومان فقط، وسآتي مجددًا، رتب أفكارك جيدًا وتذكر بأنك وقعت بجحر الكوبرا.
قالت كلماتها وهي تميل بالمدية على وجهه تاركة أثر خلفها، لتتحدث بحزن مصطنع بعدما وضعت قطعة من القماش على الجرح
- تلك المرة أنت، المرة القادمة طفلتك.
قالت كلماتها الأخيرة بنبرة طفلة تشبه إلى حد كبير صوت طفلته ليقطع شروده قولها بغضب
- أخبر أعوانك أن الكوبرا تنتظر ما سُلِب منها.
فزع الرجل عقب كلماتها، أتلك الكوبرا؟! لم يرها سابقًا، واليوم يختبر جزء من غضبها، سمع الكثير لكن اليوم تذوق منه القليل، أخبره البعض بأنها تستطيع تقليد أصوات الأشخاص المختلفة وكأنهم أمامك مباشرة وتلك نقطة قوتها في المنطقة لكنه لم يصدق حتى تحدثت بصوت ابنته  وجب عليه حماية طفلته من بطش تلك المختلة أما إيما فـ قالت كلماتها وغادرت، تشعر بالانتشاء، ردت ولو جزء بسيط من ثأرها الضائع، اليوم ستثبت للجميع بأن الكوبرا ليست سامة بل مميته.
ابتسمت بقسوة حينما رن هاتفها بالطبع سيدها يود معرفة ما آلت إليه الأمور، وضعت الهاتف على أذنها لتستمع لصوته الغاضب
- أخبرتكِ بألا تؤذ الرجل، لِمَ جرحته؟!
وببرود مستفز أخبرته
- أردت الثأر ولو بجزء بسيط من حقي المسلوب.
- حق ماذا؟ 
قالها باستنكار ليتبعها بضحكة ساخرة قبل قوله
- إيما، دور الضحية لا يليق بك، تعلمين بأن الذنب من ناحيتك، الخطأ بسببك، الثأر كلمة وضعتها لتبرري موقفك، ليس ذنبه بأنك ناعسة ليسرق أعوانه بضاعتك، كوني واثقة بعقابك لكن بعد استرداد ما فقدته.
قالها محدثها بغضب بالغ، لتخبره بقسوة
- بمدرستك سيدي علمتني بأن الضحية والمذنب نفس الشخص، لضمان نجاح العمل وجب علينا فعل كل شيء، ضحية كنت أو مذنبة فهذا ردائي، أعلم بأن العواقب وخيمة لفعلتي لكن لم أفعل شيء سوى استرداد جزء من كرامتي المهدورة بين أقراني، لا تنس سيدي بأني الـ كوبرا، تلدغ وتشاهد بنفس اللحظة، تلدغ ضحيتها ثم تشاهد موتها بسرعة لا يتخيلها الضحية، هكذا أنا، أهاجم ثم أشاهد العرض الهاذل بعد فعلتي وصراع الضحايا تشبثًا بالقدر على أمل الحياة.
تبعت كلماتها بضحكة ساخرة ليبتسم محدثها بهدوء قبل قوله
- هذه فتاتي، أعشق تلاعبك بالكلمات حد الإدمان، لا تتأخرِ فـ لدينا المزيد لنناقشه.
قال كلماته ثم أغلق الهاتف، لتبتسم بقسوة قبل صعود السيارة للذهاب حيث وجهتها فهي تعرف جيدًا كيف تضع الأمور دومًا في صالحها مهما كانت مخطئة.
........................
بشركة الأغذية
في وقت الظهيرة، جلس أوار بهدوء على مقعده، ظل يفحص بعض الأوراق الخاصة بالصفقة الجديدة، طرقات على باب المكتب أخرجته من شروده، سمح للطارق بالدلوف، لتبتسم مساعدته نيا بهدوء قبل قولها
- سيدي، السيد ريان حامد بانتظارك لكن دون موعد سابق، ومدير الحسابات يود رؤيتك.
- جدولك مزدحم دائمـــًا نيا.
قال كلماته ثم ابتسم بهدوء، لتبتسم نيا على دعابته، ليخبرها بهدوء
- أرشدي السيد ريان لغرفة الاجتماعات، سأنهي بعض الأمور العالقة ثم آتي، السيد مدير الحسابات أدخليه فورًا واطلبي لكل منهما قهوته.
هزت رأسها إيجابـًا قبل الاستئذان للخروج، وماهي إلا دقائق حتى دلف مدير الحسابات، استقبله أوار بحرارة قبل قوله
- سيدي، فحصت كل العقود، البنود والشروط الجزائية، المحامي سيراجعها ثانية، لكن بعض الأوراق بها خلل، تلك الثغرات ليست هفوة لكن أحدهم يفعل ذلك، لذا مهمتك التالية هي مراقبة كافة التفاصيل المالية، لا أريد شيئًا يلطخ سمعة الشركة بالمستقبل أو يؤثر على مكانتها وانت تعلم منافسي اليوم لذا هذه مهمتك الجديدة.
- لكن سيدي، كافة الأوراق استلمها قبل رؤيتك لها، أراجعها كثيرًا ولا يوجد أي خلل بها، لا أعلم كيف تصل عندك بها خلل.
قالها مدير الحسابات بحيرة تملكت من ملامح وجهه، ليبتسم أوار قبل قوله
- سيدي، الشركة بوضع لا يسمح للشكوك، افعل ماهو مطلوب منك وفقط، سأشرف على ذلك الموضوع شخصيـًا.
- كما تريد سيدي.
كانت تلك كلمات الرجل قبل الذهاب إلى مكتبه، ظل يلعن الحظ العثر الذي وضعه بطريق السيد أوار.
أما أوار فذهب مباشرة لغرفة الاجتماعات، ليقابل صديقه بحفاوة قبل قوله
- الطبيب بمكتبي، فليبدأ الاحتفال.
قالها أوار بسعادة قبل احتضان صديقه بحب، ابتسم ريان على كلماته، ليقول بهدوء
- كنت بالقرب من هنا فـ أردت الاطمئنان عليك.
- فقط؟
قالها أوار بحاجب مرفوع، ليضحك ريان على تعبيرات وجهه المستنكرة، ليخبره بهدوء
- صادفت صديقـًا منذ فترة وأخبرني بأن شركة الأغذية المنافسة لك تود ضم أحد أهم أركان شركتك لها؛ طمعـًا في معرفة المزيد عنك لكن لم يخبرني المزيد لذا أردت تحذيرك.
- معك كل الحق، بالفترة الماضية الأمور المالية بها خلل لذا دق الاضطراب موضع استقراري، أعلم بوجود شيء لكن ماهو لا اعلم؟! أو بمعنى آخر لست متأكد، لذا لا تقلق، فـ أوار لا يترك شيء للظروف.
قالها بهدوء وهو يربت على كتف صديقه، ليتحدث ريان بسعادة
- جائع.
ضحك أوار على طبعه، ليقول بهدوء
- موعد وجبة الغداء، وانت ضيفي لذا هيا بنا، فالوقت يداهمنا ومعدتي لا أحتمل شكواها.
ضحك كلاهما وهما يغادران غرفة الاجتماعات لإسكات أصوات أمعائهم.
- ألم ينته الوقت بعد؟! ألم تشتاق الروح بعد؟! القلب مشتاق، العقل صاخب، الروح هائمة، القرب خياري والبعد إجباري، سكنتي الروح قبل القلب، أسرتي العقل قبل النفس، حياتي مملة دونك، أشتاقك حد الهلاك.
كانت تلك كلمات أوار التي ترددت بين زوايا قلبه بعدما أخبره صديقه عن مفهوم الحب من وجهة نظره.
.......................
"قررت السلطات المصرية حفظ القضية ضد مجهول"
كانت تلك أبرز العناوين على المواقع الإخبارية، انتقادات لعدم معرفة القاتل فـ تلك الضحية الخامسة بنفس الطريقة ويظل القاتل مجهول، السلطات لم تحاول العثور على دليل، اعتادت الجرائم البسيطة التي لا تشغل الأذهان.
كلمات تتردد ولا أحد يعلم ما ستؤول إليه الأمور، لتغلق رانسي الموقع، يكفيها قضيتها الشائكة لن تحاول اللهو بقضايا غيرها.
صوت رسالة نصية أخرجها من شرودها، لتتسع حدقتيها بدهشة وهي تردد كلمات أبيل المقتضبة
- عثرتُ عليه.
- آتية في الحال.
أرسلت كلماتها ردًا على رسالته، لتهب واقفة لتبديل ثيابها والاستعداد للمغادرة حيث شريكها.
............
#من_بين_الرماد
#أسماء_رمضان

"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن