الفصل الخامس والأربعون 2

170 4 12
                                    

الفصل الخامس والأربعون
"الجزء الثاني"

قد يكون النسيان هو الخيار الأمثل لعدم تقبل كل سئ يحدث معك.

لحظة الانتصار لا تكمن في نهاية المطاف وإعلاء راية الظفر بل في كل خطوة صحيحة تجاه هدف تريد إدراكه منذ زمن.
وانتصاره لا بغنائم ولا حروب..
انتصاره يتمثل في عودة أمه ثانية على قيد الحياة بعدما دُفِنت أسفل ذكريات لم تكن هينة قط..
عانت وهو كذلك لكن يبدو بأنها قد اتخذت من الشجاعة درع لها لمحاربة الماض دوت خوف بعد الآن.
اقتربت وهو كذلك وكل منهما بمشاعر مختلفة..
عاصفة..
اقتربا وبداخل كلاهما حياة يريد أن يقصها على الطرف الآخر يتفاخر بإنجازاته أمام البقية.
لكن مهلًا كيف تتفاخر هي وقد فقدت عقلها منذ سنوات تحت وطأة ذكريات لا ترحم..
ذكريات اقتنصت من حياتها الكثير وتركتها جثة لا حياة فيها لتدرك بأنه فاتها الكثير ولا عزاء لقلب أدماه الفراق أو حتى الاشتياق.
اقتربت من ابنها تُشبع غريزة الاشتياق إليه، تحتضنه لتروي جفاف أيام مرت دون تركها كما هي، تتشمم عبقه علها تحتفظ بها في ذاكرتها لأيام أطول..
الحياة مهادنة!
متقلبة الأيام وما عليك سوى مواجهة كل ذلك بعيدًا عن رداء الخوف حتى لا تكون الخاسر الأكبر.
- أخذت بالثأر أمي.
قالها أركان بإقرار وهو يحتضنها باشتياق لتنظر له بهدوء وبعدها سألته بشك
- أخذت بروح علي أم لازال على قيد الحياة!
أخبرته بوجوم ليتأملها بعدم فهم فهو بالفعل لا يستطيع معرفة أي شئ مما يدور داخلها أو طريقة تفكيرها، لا يمكنه ترجمة نظراتها حتى لو أراد ذلك بالإضافة إلى عجزه من التنبؤ برد فعلها في الوقت الراهن ليبتلع ريقه بتوتر دون إجابة، أخذت عيناه تطوف في المكان بغير هدى وفي النهاية ألقى قنبلته بعدما أزال فتيلها
- أنهى حياته بنفسه خلف القضبان. "والمقصود هنا أنه انتحر ف السجن".
نظرت له بشك ولم تُعقب ليأخذها من يدها قبل أن يعود إلى مكانه مرة أخرى، ابتسم لها بحنان وهو يتأمل ملامحها التي اشتاقها وتفوه بهدوء حذر
- يمكننا البدء من جديد معًا أمي.
إقرار غلف نبرته لتبتسم له بسعادة قبل أن تطوف بيدها على ملامح وجهه ليضحك من فعلتها تلك سرعان ما انمحت تمامًا بعدما أخبرته بهدوء
- لكن أنا أريد البدء من جديد هنا أركان.
- ماذا!
قالها بغضب وهو ينتفض من مكانه غير مصدق لما قالت فهو قد ظن بأنها حينما تعود إلى رُشدها سوف تقضي معه الوقت حتى نهاية حياتها لتعويضه عما فاته لكنه مخطئ في تعلقه بأمل واه لا صحة له من الأساس.
- وأركان!
تعجب من ناحيته قابله حنان من جهتها هي لتقول بعد طول انتظار
- أنت صغيري الأوحد أركان وفلذة كبد لن تتعوض ما دمت على قيد الحياة.
جلس أرضًا جوار المقعد الخاص بها يُقبل يدها باشتياق لتداعب هي خصلاته باشتياق تبعه تنهيدة منها حينما استمعت له يتفوه بتبرم
- إذن لِمَ لا تريدين قضاء الوقت معي!
مهما حدث لا يمكنها شرح وجهة نظرها له لأنه لن يتقبلها هكذا كما ظنت تمامًا لتلتزم الصمت لحظات وأجابته بهدوء
- لإني لا أريد أن أكون عبء عليك بعد الآن أركان.
- لكن أمي..
قالها مقاطعًا إياها فهي ليست حمل ثقيل لا يستطيع مراعاته بل هي ذكريات إن ظل يفكر بها فلن يكفيه عمره للتحدث عما يعتمل داخله من حنين لكنها قاطعته بدورها وأجابته
- أريدك أن تُكمل حياتك حبيبي وتُنشأ أسرة تعتني بهم جميعًا حتى لا تكون وحيدًا طوال حياتك لكن أنا أريد أن أنشأ مشروع بالتعاون مع ريان وفآطم لمراعاة النساء الملكومين.. أي المشابهين لي في نفس الظروف وإبعاد أطفالهم عن أي أذى قد يمس روحهم بالسوء.
طبعت عدة قُبلات على رأسه لتخبره بحنان وكأنها قد اتخذت قرارها بالفعل
- لا أريد أن تكون هناك نسخ أخرى من أركان ووالدته ماجدة.
دمعت عينيه تأثرًا بحديثها ومتمنيًا لو كان هناك ف الماض شخص يأخذ بيدهم قبل تلك الكوارث التي حدثت معهم لكانت حياتهم أفضل بالتأكيد اليوم.
- أتمنى أن تغيري رأيك أمي بدلًا من التخلي عني.
قالها بانكسار لتبتسم له وهي تحثه على المضي قدمًا دون عوائق
- ومَن قال بأني سأتخلى عنك أركان!
أمرته بأنه يجلس مكانه جوارها بعدما جذبت مقعد بدلًا من جلسته الغير مريحة تلك وأكملت بحنان
- سأكون جوارك بالطبع في كل خطوة من حياتك لكن لن أبقى معك طوال الوقت بل سيكون وقتي مقسم بينك وبين مشروعي فأنت قطعة مني ولن أتخلى عنها مهما حدث.
ابتسم من كلماتها التي اقنعته بالطبع وأخذا يتجاذبان أطراف الحديث حتى مر الوقت سريعًا دون أن يشعر كلاهما ليأتي ريان وزوجته يطلب منها أن تأخذ والدته للداخل أملًا في نيل قسط من الراحة ليتفهمه أركان بل وأيده على ذلك ليخبره بعدها ريان بهدوء حذر
- يبدو بأن السيدة ماجدة قد عثرت على روحها أخيراً.
سعادة لا توصف احتلت داخله فوالدته استطاعت التعرف عليه بسهولة وتم شفائها على خير كذلك تسعى في مساعدة الغير حتى لا يكون هناك ضحايا العنف الأسري في أي مكان، يشعر بالفخر نحوها لكن رغم كل شئ إلا أنه يرغب في أن تكون معه حيث يذهب.
- يمكنني المساهمة بالمال أيضًا في المشروع!
ابتسم ريان وأيده في حديثه مع إضافة بعض التعديلات
- يمكنك أن تكون مسؤول عن فرع الغارمات.
- حسنًا إذن لكن لا أريد أن يعلم أحد وفي وقت محدد من كل شهر سوف يأتي أحدهم ويعطيك الأموال.
أخبره أركان بتعليل دون أن يتطرأ إلى السبب وريان احترم ذلك كثيرًا معللًا بأن لكل شخص خطط ينبغي احترامها.
استأذن منه وغادر على وعد بلقاء ثان ليُرحب ريان بذلك مع ابتسامته المطمئنة له بأن والدته بخير وليس هناك داع بأن يقلق عليها.
ربما تنتظر حدوث شئ لوقت طويل وحينما يطول انتظارك تتوقع بأنه سوف يأتي مثلما خططت دومًا لكن بتعاقب الليل والنهار تباعًا يوجد قرارات تتغير ولُطف الله بنا هو ما يجعلنا نهون على أنفسنا الكثير بعدما لا يحدث مثلما ظننا يومًا لذا هون على نفسك في حال فشلك الذريع من عدم حدوث ما تتمنى.
الجهل أحيانًا بخفايا الأمور أفضل بكثير في بعض الأحيان لأن العقل في لحظة ما لا يمكنه استيعاب الصدمات بل سيصاب بعطب التبلد مع إشعار بأن كافة وظائف العاطفة متوقفة في الوقت الراهن لذا حاول لاحقًا مع مثيرات أفضل في المرات القادمة.. وأنت لن تكون قادرًا على معارضة أي من ذلك لأن هلاكك يكمن في التقبل لا شئ غيره لكنك في كل دقيقة تُصر بأنك ربما كنت الأفضل دون أي من كل ذاك الهراء..
ربما كنت أفضل وعقلك مغيب عن كل ما يدور حولك لأنك ببساطة إما أن تفر دون النظر خلفك أو تلقى مكانك ويتلبسك رداء لم تكن تريده قط وكل ذلك مبني على ربما.
........................
عناية الله بنا هي ما تجعلنا ننجو من المهالك بأقل الخسائر.. عنايته به ورحمته علينا تفوق قدرتنا على تحمل ما لا يتمناه العقل يومًا لأننا بشر والصدمة لن تكون سوى من نصيبنا.
صدمة لا زال داخلها بعد الحادث وفي كل دقيقة يخبره عقله بوجود خطب ما حدث وهو لا يمكنه تفسيره فتقارير الشرطة أثبتت بوجود أعيرة نارية غير التي كان يمتلكها طارق وأفراد الشرطة كذلك إيما فكيف حدث ذلك.
في اليوم يُعيد تفاصيل الحادث مائة مرة وداخله يخبره بوجود حلقة مفقودة لا يمكنها الوصول إليها إن ظل يفكر بنفس الطريقة لكنه ليس لديه حل آخر فهو غير متقبل لأي شئ بداية من اختطاف أوار وحياء مرورًا بتعقب هاتف إيما انتهاءًا بهجومه هو وعناصر شرطة مسلحين عليها دون منحها فرصة الهرب.
تنهد بتعب وأسند رأسه على ظهر المقعد يفكر في كلام الطبيب الذي أخبره بنبرة هادئة
"فقدت الكثير من الدماء وتوفت دون أن يستطيعوا العثور على الجسم المعدني -شظايا الرصاصة- داخلها"
قرر بأن يتم تشريحها لمعرفة سبب الوفاة والنتيجة كان اختفاء جثمانها قبل التشريح بعشر دقائق فقط لكن كيف ومؤشراتها الحيوية توقفت تمامًا عن العمل.
أخبره رئيسه في العمل بأن وفاتها كانت سببًا في إسقاط التهم عنها لتلمع عينيه بظفر من وصوله إلى حقيقة ربما أنكرها وقت الزحام.
- ألا زلت تفكر في الحادث سيد طارق!
فتح عينيه بتعب واعتدل في جلسته ليتأمل تلك الضيفة قليلًا لكنه أخبرها بهدوء على عكس المتوقع وكأنه يبحث عندها على حل لا يستطيع إيجاده بسهولة مهما بحث عنه
- بعض الأمور لا يستطيع عقلي تفسيرها آنسة هيا مهما حاولت لذا أشعر بوجود الكثير من الأشياء لم يتم الكشف عنه بعد وأنا أحاول فهل ذلك والنتيجة صفر كبير مع مجهود يفوق طاقتي على التحمل.
هدوء عم أرجاء المكان باختتامه بحديثه لتمد له يدها بكوب قهوة لم يعيره الانتباه سابقًا لتقول بهدوء حذر تحاول جعله يترك الأمر تمامًا إن عجز عن التوصل إلى استنتاج يريحه
- يمكنك ترك الأمر في الوقت الراهن وحينما يحين الوقت الملائم سوف تجد كل الاستنتاجات التي لطالما بحثت عنها تطفو على السطح دون مجهود بعدما ملت لعبة الاختفاء لوقت لا بأس به.
ارتشفت من قهوتها القليل وأكملت بإصرار وكأنها تُهديه الحلقة التي يبحث عنها دون عناء
- فقط اتركه يمضي الآن وفي المستقبل حينما يصادف لا تتخلى عنه قبل أن تفهم كل شئ أرق مضجعك في السابق.
اختتمت هيا كلماتها وغادرت تعطيه مساحته الخاصة في التفكير عله يأخذ قرار مناسب دون أن يشعر بكونه محاصر أو مجبر على فعل أمر لا يتحمله فقط يأخذ قراره عن اقتناع تام بأن القادم يحمل بين طياته الكثير من المفاجآت التي سوف تبهره مستقبلًا.
الجواب الذي تبحث عنه دومًا لا يُشترط أن يكون لنفس السؤال الذي تمتلكه بل لسؤال آخر إجابته مفتاح نجاة لعقلك من الجنون ما دمت تفكر في كل أمر يحدث معك من منظور أضيق من فتحة إبرة.
- تبدين حكيمة بعض الشئ آنسة هيا.
قالها صهيب باستخفاف وهو يقطع عليها الطريق بعدما انتهت من حديثها مع طارق لتنظر له بحنق قبل أن تتجاهله تمامًا دون حديث ليتأملها ظهرها بتعجب وقراره الأوحد أن يلحق بها أملًا في تلطيف الأجواء بينهما ليخبرها بهدوء
- لم تعقبي على الأمر هيا!
اختتم كلماته ووقف أمامها مباشرة يمنعها من المرور لترفع حاجبيها بضيق مما يفعل وأخبره بنبرة هازئة
- أهذه مراهقة متأخرة أم جنون مبكر!
تجاوزته بهدوء وهي ترغب في لكمه بسبب استهتاره بكافة الأمور التي تخصها في المقام الأول وبعدها يأتي نادمًا.
لم يجيبها بل وقف أمامها مباشرة وأخبرها بإصرار
- بل استيقاظ بعد فوات الأوان.
- لن يلزمني استيقاظك بعد اليوم صهيب.
قالتها بإصرار وأزاحته من أمامها تلك المرة دون أن تتوقف متخذة مبدأ يتعافى المرء بتخلفه وقت الأزمات وهي قررت أن تكون متخلفة في أي شئ يخص علاقاتها العاطفية حتى لا تُجرح بعد الآن.
- أعدك بأنك تكون آخر فرصة ولن أجعلكِ تندمين بعد الآن لكن أرجوكِ وافقيني تلك المرة فقط.
وهو يريدها حبيبته ثانيةً بعدما ظهرت أمام عينيه مؤكدًا لنفسه أنه أراد التعافي من علاقتها بحياء وحينما انتهى الزفاف بطريقة مأساوية قرر استخدام نيا في التعافي لكنه الآن لا يرغب سوى بتلك الجالسة أمامه أن توافق ولن يجعلها تندم بعد الآن.
يدرك جيدًا بأن الطريق إلى قلبه ممهد بالأشواك التي تُدمي أي شخص يحاول الاقتراب منه لكن بنظرة واحدة من تلك ال هيا يمكنها تحويل كل تلك الأشواك إلى زهور تُثمر بحياء دون مجهود لكنها تعانده بكبرياء..
ترفضه باستماتة..
تدميه بإذلال..
الأحق بأن يبتعد في الوقت الراهن لأنها بالفعل لا ترغب في أي نزال معه حتى لو كان ذلك فيه إرهاق لعواطفها التي حجمتها منذ زمن واليوم عاد لإزهاق كل ما شيدته منذ زمن.
تود إخباره بأن نجوم الكون أقرب إليه من الظفر بقلبها من جديد وهي لن تتنازل عن ذلك مادامت لا تشعر معه بالأمان.
وابنة حواء كل ما تود أن تشعر بالأمان من آدمها الخاص لكن إن شكت ولو لحظة واحدة بأنها مهددة معه فلن تتنازل ثانية في تركه بل يمكنها الدهس على قلبها وكافة عواطفها للفرار من بين براثن خوفه.
حرفيًا وجودها بالقرب منه خطر عليه وهو لا يقدر أهمية ذلك فشخص مثله يتجرع من كل قارورة عدة رشفات أملًا في محو طعم القارورة السابقة والتخلص من عبقها لكن كيف يتخلص وهو لا يُعطي لنفسه وقت للتعافي فقط يريد كل شئ أن يسير وفق أهوائه فقط لننفصل حسنًا.. لنعود حسنًا أيضًا والقلب الذي يتم دهسه في المنتصف لا يهم فقط مادامت النشوة موجودة فلا يهم أي شئ آخر.
تريده وهو يريدها كذلك لكن فلتذيقه من كأس الرفض قليلًا عله يتعظ من كل مما يحدث حوله..
أيمكن لأحدهم إخباره بأن يبقى بعيدًا عنها في تلك اللحظات فهو بالفعل يضغط عليها كثيرًا وهو على وضعها ترفض طلبه دون تعليل من طرفها لأن السبب بعد حدوث الكارثة لا يهم بعد الآن.
بعض اللحظات التي أريد فيها أن تنعم بانتصارك لن تكون سوى هزيمة مستحقة تدعسك بإشارة فقد يصبح الظفر بالغنائم هو الفخ في حد ذاته لأنك تُعطي ظهرك لأشلاء عدوك لن تتوقع أي ضربة قد تصيبك من بينهم فالحماقة في معرفة ما يدور حولك أصعب كثيرًا من التكهن بتفاصيل الأمور لأن الأذية لن تكون إلا لسواك.
أما صهيب فهو يدرك بأن حاجز قلبها يشبه خط بارليف في صعوبته لكن بعض الحنان في التعامل مع رشة من التلطيف يمكنها إذابة صقيع قلبها قبل أن ينهار ذاك الخط اللعين تمامًا دون أثر وهي لن تعطيه تلك الفرصة قط بل يجب عليه الاجتهاد بنفسه لا شئ آخر.
.....................
قد يكون انهزامك في معركة من ضمن سلسلة معارك أفضل كثيرًا من انتصار واه مبني على غش طالته الأيام فأصابته بالعفن حتى لم يعد هناك مفر من علاجه بعد الآن.
وهي قررت أن تُزيل ذاك العفن من حياتها تمامًا وتتقبل كل ما فعله والدها بصدر رحب حتى تهنأ مستقبلًا لأن الأذية لن تطول سواها.
تود البكاء وغيث يخبرها بكل حنان أن كل ذلك مجرد كابوس وحان الوقت للاستيقاظ لكن كل ما تحياه الان واقع يدمر كل جميل داخل قلبها.
والدها..
ذاك الشخص الذي رأت منه جانبي القسوة والحنان كيف يكون بكل ذلك السوء!
كيف يطاوعه قلبه بتدمير عائلة أخرى بدلًا من بسط جناحيه عليها وتوفير الأمان لها..
تدرك حقًا بأنه دمر كل الماض وهي اليوم تعاني من كل ذلك.
الحياة تختبرك في كل موقف لمعرفة مدى تحملك..
لكنها بالفعل مرهقة من كل شئ يحدث حولها ففي الصباح هاتفها معاذ وأخبرها بكل صدق أنه يرغب في مقابلتها لتوافق بعد تفكير طال خاصة وأنه قال من ضمن حديثه بأن حبيبته اختفت وموجودة في مصر لكنه لا يعرف مكانها لذا قررت المساهمة عل شملهم يجتمع من جديد.
- أنتِ أخبرتِ تلك الفتاة بالحضور إلى هنا!
قالتها أمها بغضب وزوبعة لبداية مشاجرة على وشك الحدوث، تأملتها بهدوء وأخبرتها بنبرة لا تقبل الجدل
- تلك الفتاة تُدعى تمارا.
اقتربت منها بلامبالاة وأخبرتها بنبرة حازمة
- وهي أيضًا شقيقتي وخطيبة ابن عمتي.
تخطتها تحاول الخروج من الغرفة عازمة على مقابلة ضيفتها لتقول بإقرار
- أم تريدين أن يكون هناك نسخة أخرى من صراعات دماء لن تنتهي بين أبناء تلك العائلة.
غادرت ولعنات والدتها تطاردها..
لا يهم فهي ستفعل أي شئ في مقابل أن توفر مناخ مناسب لأطفالها فيما بعد.
استقبلت تمارا بحفاوة لتفعل الأخرى المثل وكلتاهما تعتذر عن إثم لم يكن لها ذنب به، ذنبهن الأوحد أنهن من صُلب نفس الرجل.
بعدما هدأت كلتاهن جلستا متجاورتين وأخبرتها كارمن بهدوء
- يمكنكِ الانتقال إلى منزلكِ تمارا فنحن عائلة والعائلة تستمد قوتها من تجمعهم لا شتاتهم.
وافقتها الرأي لكنها أخبرتها عن قلقها الناجم بشأن والدتها
- أظن بأن والدتكِ لن تتقبل الأمر بسهولة كارمن.
- أدرك ذلك لكنه أمر واقع ووجب عليها تقبله.
قالتها بتبرير حيث أن لا شئ يبقى على حاله متعللة بأن والدتها ربما مستقبلًا تتقبل كل الماض دون شوائب.
أتى غيث من الخارج ليُصدم كلاهما من وجود الآخر فهو لم يكن يتوقع بأنها الشقيقة المنتظرة وهي لم تعرف بأنه سيأتي الآن لكنهما تعاملا دون ضغائن في الوقت الراهن حتى يعم السلام وتهدأ الأمور بين الجميع.
الحياة لن تُهديك انتصاراتك وقت غفلاتك المستمرة بل ستذيقك من كأس السواد قليلًا حتى تنتبه لكل ما يخصك.
جلس غيث على مقعد بالقرب منهم وما لبث أن استراح حتى دق جرس الباب لتخبره كارمن بضرورة استقبال الضيف وكأنها على علم مسبق بهويته.
فتح الباب ليجد نفس الشخص الذي تشاجر معه سابقًا في المقهى ليبتسم كلاهما للآخر وقد فهم سبب إصرار خطيبته المصون.
سمح له بالدخول بترحاب ليأخذه حيث الفتاتين؛ لتُصدم تمارا من وجوده لكنها لم تعلق على الأمر فقط تجاهلته..
استأذنت كارمن قليلًا وكذلك غيث لترك مساحة العتاب بينهما وتصفية كل الخلافات دون ضغائن.
- أكنتِ تعرفين بأنها نفس الفتاة التي تعرفت عليها مؤخرًا!
ابتسمت له باستخفاف قبل أن تخبره بنبرة هازئة
- لا شئ يخصك يمكنه أن يمر من أسفل يدي هكذا دون أن أعرف بشأنه.
- زعيم.
قالها وهو يطلق صفير عال معبرًا عن إعجابه بحديثها ليتأملها قليلًا باشتياق وأخبرها بنبرة مشاكسة
- تبدين مثيرة الآن.
- الآن فقط!
قالتها وهي ترفع حاجبيها بيضق ليعدل حديثه السابق بمشاكسة
- بل كل الأوقات.
ضحكت على حديثه وأخبرته بإقرار
- تمارا أخبرتني بكل شئ ورغبتها في معرفة نوعي المفضل من الرجال حتى تتمكن من الدخول إلي من ثغرات قلبي.
قالتها وشملتهما بنظرة حنون متمنية لهما أن يكونا على ما يرام وتُحل كافة مشكلاتهم على خير.
عند معاذ وتمارا..
جلسا متقابلين وبداخل كل منهما الكثير يود البوح به لكنه لا يجرؤ على ذلك، من ناحيته يوجد اشتياق، عتاب، ندم من كل ما حدث في السابق لكن السائد في الوقت الراهن هو اشتياق صاف لأجل أيام تسربت من بين يديه دون أن يعرف بأن الألم سيعصف به هكذا.
أما تمارا فمشاعر الحنق سيطرت عليها..
حنق من أفعاله..
حنق من حماقاته اللامتناهية..
لكن مهلًا كيف علم بوجودها هنا..
التفت تناظر تلك الواقفة في بقعة بعيدة نسبيًا وهي تخبر معاذ بهدوء
- لم أتيت الآن معاذ!
- لأجلكِ تمارا.
صمت قليلًا واقترب منها يحاول أن يهديها بعض من أمان سلبه منها من قبل ليقول بهدوء
- أطلب منك الغفران على وقاحة أتت على رأسي بكل شر منذ اللحظة التي تركتك تغادرين فيها.
هدوء عم المكان إلا من أنفاس ثائرة صدرت من كلاهما لتنظر له الأخرى بهدوء وهي تخبره بلامبالاة
- تأخرت على فهم ذلك سيد معاذ.
ناظرها ببهوت لتتأمله بتعجب وهو يقول بحنان
- يمكننا البدء من جديد عزيزتي في المكان الذي تريدينه.
ابتسمت بخبث وقبل أن تجيب اقترب غيث وأخبرهم بمشاكسة
- بما أنه قد تم الاتفاق على كل شئ..
صمت لحظات يتأمل العيون المحدقة به ليُلقي قنبلته بلامبالاة فهو سيفعل ما يريد حتى لو اضطر إلى نشوب حريق بين بنات العائلة فقط الفتية من سيفرحون بالتأكيد
- ليكن حفلي الزفاف في نفس الوقت.
صمت يراقب الدهشة التي علت وجوه الجميع لتصيح الفتاتين بغضب
- لم يتم الاتفاق على شئ.
في نفس الوقت الذي تحدث فيه معاذ بتهليل
- موافق بالطبع.
وتم تحديد الموعد دون النظر لاعتراض الفتاتين فالخطوة الجادة يلزمها تنفيذ جاد حتى لا تتدمر الأمور ثانية.
.................
الحياة تُهديك أحيانًا فرصة للانتصار..
طلب الغفران..
الحياة تُهديك حياة ثانية لتتأمل كل ما مررت به دون أن تشعر بالضغينة فقط تبتسم وكأن شئ لم يكن.
"بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير"
هكذا صدح بها المأذون ليقترب العريس من عروسه يخبرها بنبرة سعيدة
- مبارك علي وجودكِ في حياتي منذ اليوم وإلى الأبد سيدة أركان الدالي.
طبع قبلة على جبينها وأكمل بسعادة تفوح منه في المكان بحماس
- مبارك علي وجودكِ قرب عيني وبداخل قلبي منذ اليوم وإلى الأبد سيدة أركان الدالي.
حان الوقت لأن يُسدل الستار لكن لن يُسدل هكذا دون الكشف عن الكثير من الحماقات التي ربما غابت عن بالك في لحظة انشغال وحان الوقت أن تزول تلك الغمامة منذ اليوم وإلى الأبد حتى لا تكون هناك حيوات عالقة بين اختلال كاتب ورغبة انتشاء تود الظفر بها فقط الوداع الآن على أمل بلقاء قريب جدًا لتصفية أمور لازالت تحتاج إلى ذلك.
#من_بين_الرماد
#أسماء_رمضان

"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن