الفصل الخامس

799 23 0
                                    

《الفصل الخامس》

يقولون بأنه "ما سلب بالقوة لا يسترد إلا بقوة ضعفها مئات المرات" لازلت أجهل تلك القوة، هل هي عزيمة ممزوجة بإرادة الفوز، أم أنها ناتجة عن الخذلان لما فقد وبمرور الوقت يتلاشى تأثيره، كالخدر يسري في الجسد ثم يضب أغراضه استعدادًا للرحيل نظرًا لانتهاء مهمته التي وُكِل بها.
الوقت يمضي!..
الحياة لا تتوقف..
الأشخاص جزء منهم مشجع والكثير مثبط لكافة أحلامك كأنه زر حذف جميع عملياتك السابقة..
عطايا الحياة كثيرة، قد تمنحك شخص يكن لك كل الحياة لتكون على استعداد لترك كل شيء فقط لأجله، هي نفسها من تسلبك أعز ماتملك في لحظة غفوت بها عما تملك.
أعلم أنها معادلة صعبة لكنها معادلة الحياة، نفقد لـ نتعلم بأنه لا يوجد ماهو دائم غير "الله سبحانه وتعالى" لذا حافظ على ما معك ولا تنظر لما فقدته لأنك وببساطة ستفقد نكهة التلذذ باللحظة حينما تصل إلى محطتك النهائية.
..........................
في أحد الأبنية المهجورة نسبيـًا والتي تخالف تلك الأبنية الحديثة في هذا الحي الراقي بـ لندن، وقف الخصمان حديثًا الشريكان سابقًا أحدهما أمام الآخر، عين كل منهما تطلق شررًا لو كان حيوان كاسر لـ هلك الاثنان في الحال بعد فتكهما دون رحمة.
أخذ أحدهما نفسـًا عميقـًا ينعش به صدره الملتهب من حرارة غضبه قبل أن يردد بهدوء عكس الغضب الناهش داخله ببطء
- مطمئن لما آلت إليه الأمور الآن؟
وبنظرات باردة خالية من أي تعاطف أجابه الطرف الآخر ببرود وكأنه لا يهتم لاشتعال الواقف قبالته
- أجل.
كلمة مقتضبة ألقاها أمام المشتعل حنقـًا قبل التحرك كطاووس يتباهى بفلسفته البالية دون اعتبار لما يعانيه الواقف قبالته
- فـ التعقيدات ماهي إلا معادلات تحثك على حلها، تسهر الليال بحثـًا عن طرف بدايتها حتى تتمكن من الوصول إلى أفضل قرار وبدون أية خسائر حتى لا تهلك مع مَن هلكوا.
- لست مضطرًا لسماع حماقاتك ونظرتك الفلسفية تلك، كل ما أريده هو تنظيف الفوضى التي تسببت بها، إلقائها في أقرب مكان للنفايات حتى يهدأ داخلي.
قالها أحد الطرفين بغضب نقشت معالمه بمقلتيه، تحدث الآخر ببرود جلي ولم تهتز له شعرة تضامنـًا مع عصبية خصمه وكأن ما كان بينهما يومًا لم يكن سوى رماد أثقلته الأمطار فلم يقو على ترك التربة أسفله
- أخبرتك سابقًا بألا تعط الأمر أكثر مما يستحق.
قالها وأشار بإصبعه كرمز لرقم واحد ثم تبع قوله تزامنًا بالعد على بقية أصابعه
- لا تدع الترهات تستحوذ على تفكيرك وتنسيك عملك، أخبرتك بأن الأمر كله سيأخذ مجراه الطبيعي من وجهة نظري لذا اصرف تفكيرك لشئونك الخاصة لا لشيء آخر ودعني أهتم بمسار اللعبة فـ الخيوط تشابكت، والأفكار نضجت أما الوقت فقد حان لقطافها.
قال كلمته الأخيرة وهو يربت على كتف الآخر بثبات جلي قبل مغادرته المكان دون كلمة إضافية أو حتى الاستماع لتعقيب المستمع تاركـًا إياه يفكر فيما حدث، وما ستؤول إليه الأمور فالمستقبل مشوش بضباب الأمس وهو لن يقف هكذا حتى تبتلعه أمواج الغدر.
........................
في مكتب التحقيقات بلندن.
دلفت بهدوء لغرفة الاستجواب عكس الفرحة داخلها، خلياها ترقص فرحـًا ليس لقرب النهاية وكشف معالم الحقيقة نظرتها بكل شخص تم استجوابه تحققت، فكل متهم بجعبته المزيد، لديه ما لايود البوح به، أجل لكل منا الكثير لا يظهر منه إلا القليل ليس الكثير قولًا فقط، لكن الفعل مصاحبـًا له أما الوقت فهو جهاز كشف الحقيقة، التسرع بمعرفتها يفسدها، كالوجبة ان لم تأخذ وقتها أثناء طهيها فإن نكهاتها ستصبح متداخلة وينفر الجميع من تذوقها.
ألقت نظرة باردة على الجالس قبالتها منكسـًا رأسه بحزن، أكتافه متهدلة كأنها أعلنت الاستسلام قبل خوض المبارزة، جلست بثقة كعادتها قبل قولها بثبات
- تقابلنا مجددًا.
تفحصت الأوراق أمامها قبل قولها بإقرار وكأنها تخبره بأن قواعد اللعبة أصبحت بين يديها
- لكن تلك المرة سأستمع لما أود سماعه، أو بمعنى آخر لما لا تود أنت قوله، ترهاتك محلها حاوية القمامة لا مكان آخر لذا أخبرني.
ثم صممت لتقول بعدها ببسمة مغترة
- لكن تذكر.. تخبرني بما أود سماعه وفقط.
قالت رانسي كلماتها الأخيرة بحزم غلف نبرتها القاسية، بنظرات أكثر ثقة أخبرها السيد أدريان بهدوء
- لن أتحدث إلا بوجود مستشاري القانوني.
تبع كلماته بوضع قدم فوق الأخرى، خدعها بحالته السابقة واستسلامه الزائف، اللعبة ببدايتها وعدة تضحيات في سبيل الفوز أفضل من الاحتفاظ بهم وقت الهزيمة للندم فيما بعد، استشاطت نظراتها غضبـًا من بروده قبل قولها الهادر
- حسنـًا.. لك ذلك.
ثم ضربت بقبضتها على الطاولة أمامها
- القضية من منظور القانون مغلقة، المتهم موجود، أداة الجريمة بأظافر المجني عليه، ابتزاز الضحية وتحريض زوجته لقتله، وبالطبع طمس كل دليل يثبت براءتك من تلك الجريمة إضافة لذلك الجرائم السابقة، سيحتار مستشارك عن أي جريمة يدافع عنك أولًا، العجز نهايته فشل طريقه قبل حيله، الاعتزال أفضل حلوله، فـ القضية سيدي خاسره مع سبق الإصرار.
تعلم بأن طريقتها خاطئة لكنها الأسلم، فهي تود الحقيقة، سيتلاعب بالحديث كعادته لذا أسلم حل هو الابتزاز، فـ ابتزازك بشيء كنت الطرف القوي به ماهو إلا جرح لكبريائك، تحطيم معنوياتك لتصطدم بأنك لم تكن سوى الطرف الضعيف وأن موقف قيادتك لم يكن سوى اختيار توقيت خاطيء لرداء ثوب شجاعة لم يكن لك يومًا.
تعالت أصوات الأنفاس، عادت الكلمات لمخدعها بعد حرب طالت فيها النظرات، صخب المشاعر كان بداية الاضطراب، قاطعت الصمت المطبق على الغرفة بهدوء عكس شراستها السابقة، علها تحرك جانب الإنسانية داخله
- سيدي.
قالتها بهدوء لتنتشله من غيبوبته المؤقتة وكأنه انفصل حتى أتاه صوتها يخبره بهدوء
- الخيار قرارك لكم أعلم بأن طبول تأنيب الضمير ستنغص عليك حياتك، لن تمض قدمًا بحياتك لأنك وببساطة ساعدت في نشر الظلم، وان تجاهلت ذلك فأذيال الماض ستتشبث بمسارك، تكلبلك عن الحركة، الإعاقة قبل السقوط عقب كل نهوض سيكون مصيرك ولن يكون الوقت فقط ما فات لكن أيضـًا شجاعتك الزائفة تلك.
قالت كلماتها وذهبت، هكذا ببساطة، لن تجبره على المزيد، ستفوض الأمر للكلمات علها تتفاعل داخل عقله قبل نفاذها لروحه، أمرت أحدهم يإعادته لغرفة الحجز دون إضافة المزيد.
أما على الجانب الآخر، دلف أبيل لتوه إلى غرفة التحقيقات واستمع لآخر كلماتها، لا يعلم أيبتسم فخرًا لأنه شريكها، أم سخرية لوعظها والذي يتنافى مع شخصيتها القوية لكنه أكد في نهاية الأمر أن حديثها ما هو إلا فخ لصيد الفريسة.
قابلته بنظرة حارقة نظرًا لتأخره، ابتسم بسماجة قبل قوله
- اعتذر سيدتي، لقد فقدت فرصة ثمينة في درس الوعظ خاصتك.
أنبئها حدسها الأنثوي بسخريته منها، ستوقفه عند حده لكن بطريقتها، ابتسمت ببرود قبل قولها
- لن تتقدم خطوة للأمام طالما تنظر أسفل قدميك.
علم الآن بأنها تهزأ من قدارته، جرحت كبريائه الواهي وبنزعة ذكورية تحدث
- قناع البراءة لا يُجدي نفعًا، بوجود شخصية حازمة تحل الأمور وتتدخل بالوقت المناسب.
ابتسمت رانسي بتهكم قبل قولها بسخرية وكأنها تخبر ابنها بما عجز عن فهمه طوال حياته
- عزيزي أبيل الحياة ماهي إلا معركة تحارب للفوز دومًا مهما كلفك الأمر، ستظل مجرد جندي بها طالما نظرتك محدودة، افتح نوافذ عقلك لتعرف متى ينبغي عليك التفكير بروية ومتى تتعجل بقراراتك، حينها فقط ارفع شارة القيادة وحافظ عليها، لا تتعجل بإرتداء زي المحارب قبل تمكنك من رسم خطواتك والأهم معرفة مواضع ضعف عدوك لأنها سلاحك للفوز.
قالت كلماتها الأخيرة بحنان استشعره من كلماتها، أومأ بهدوء قبل قوله
- كنت محقة بكلماتك، فعلت كل ما أمرت به، والنتيجة رهن إشارتك.
ابتسمت بثقة وكأنها قد ربحت بطاقة اليانصيب لتوها، لتقول بهدوء
- مهمتك التالية...................
هزات متتالية من رأسه يوافقها كلماتها، شعور السخط بداخله تزايد، كيف له أن يسخر منها وهو معجب بطريقة تفكيرها، أخرج زفير غاضب وهو يمني نفسه بالاعتذار قريبـًا، قاطعت العاصفة الناشبة داخله بقولها المرح
- عروضك واهية طالما لم تطبق على أرض الواقع.
تبعت كلماتها بغمزة من طرف عينها قبل تركه بمفرده، ابتسم بسعادة، رقص داخله فرحـًا وهو يخطط لأيام سعادته القادمة، أتلك إشارة للمبادرة، إشارة لبداية عهد جديد، دعوة صريحة للقرب، راحة البال التي لطالما أرادها، أخيرًا ستطرق السعادة باب حياته، بالطبع فهم ما ترمي إليه بكلماتها وهو لن يتنازل عن حلم ظنه صعب المنال يومًا ليثبت له بأنه لم يكن سوى فرصة أحسن استغلالها لاثبات حبه بالوقت المناسب.
.....................
بمنزل أوار
دلفت لحديقة القصر بهدوء عكس الاضطراب الساكن في خطواتها، تعبيرات وجهها الغاضبة عكس الصخب الموجود داخلها، أنفاسها المضطربة عكس دقات قلبها الثائرة، تأرجحت بين كفتي الشيء ونقيضه، تذكرت كيف قادت سيارتها إلى اللامكان علها تريح عقلها من كثرة التفكير، أفرغت معظم شحنتها بالقيادة لفترة طويلة، حتى أنهكها التعب وصرخت عظيماتها بوهن، ألقت نظرة خاطفة على والدتها القابعة بركنها المفضل قبل الدلوف دون كلمة واحدة.
تعلم بأن طفلتها بها شيء، استمعت لكلماتها الحزينة اليوم، طلبت من طفلها أن يكون جوارها، يبدو بأن الماض يفتح دفاتره بقوة وهي لن تسمح بتعكير صفو الحاضر وتنغيص سعادة المستقبل.
كثيرًا ما يكون الماض سبب لأوجاعنا، ليس لأننا عاصرناه لكن سره يكمن في مدى جرحنا منه وهل استطعنا تخطيه أم أنه لازال ينهش ذاكرتنا لتعكر صفو الذكريات الرائعة ثم يتركنا خائبي الأمل خائري القوى، ليس عليك سوى التفكير بالإيجابيات حتى تقمع السلبيات من مهدها.
أخرجها من شرودها قبلة أوار المطبوعة على كفها بحنان، ربتت على كتفه بحنان وهي تحمد ربها لوجودهم جوارها، ابتسمت بهدوء قبل قولها الهاديء
- بغرفتها لم تتحدث مذ أتت، اصعد فهي بحاجتك أكثر من أي وقت مضى.
ابتسامة هادئة كانت من نصيبها، تبعها بقوله الشارد
- صاخبة الروح ستعود لرشدها بعد قليل، لا تقلقِ غاليتي.
- أثق بوجودك عزيزي، حالتها بسببه هو.
قالتها السيدة هدى بحزن قبل نظرات أوار الغاضبة من قولها هذا، امتنع عن الرد حتى لا تندلع مشاجرة يخشى قربها، طبع قبلة رقيقة على كف يدها تبعها بأخرى على جبهتها، استئذن بهدوء مع ابتسامة وجدت طريقها لثغره عكس الحزن داخله.
صعد درجات السلم بتأني عكس التردد داخله، ما إن وصل للطابق الثاني وتحديدًا بالقرب من غرفتها، وجد صديقه الصغير جالس أمام بابها، منكس الرأس، يبدو من تهدل كتفيه الحزن الشديد، اقترب منه بسرعة لمعرفة سبب جلوسه هكذا، جلس أمامه مباشرة، باغته باحتضانه بهدوء قبل قوله
- تيم، لم الحزن عزيزي، كل شيء سيكون على مايرام، لا داع لدموعك تلك.
شدد تيم من احتضانه له وكأنه قد وجد حصنه المنيع الذي سيمنع دلوف الأعداء إليه، وبأنفاس متقطعة تابع
- فآطم حزينة، كيف لي أن أشعر بنشوة السعادة وجزء من قلبي يتألم، تبكِ ولا تريدني جوارها، أغلقت الباب بوجهي قبل مواساتها، أردتُ أخذها بين أحضاني كما فعلت أوار، أردتُ أن أكون سندها مرة واحدة لكنها رفضت وعاندت وجودي معها.
تبع كلماته بعبوس ملامحه، ابتسم بحنان فـ يبدو أن الصغير تيم علم واجباته ومسؤولياته قبل أن يوجهه أحدهم، بادر أوار بإزالة دموعه العالقة بأهدابه، طلب منه الذهاب لغرفته قبل الدلوف لغرفة شقيقته مع وعده بأنها ستأتي لتعتذر منه على إهانتها الغير مقصودة وبالفعل نفذ تيم دون جدال.
طرقة..
اثنتان وثلاث..
لم تفتح الباب الموصد، كم بات يكره الأقفال حينما تمنعنا عن مواساة من نحب لنقتسم معهم ولو جزء قليل من عبئهم، حينما يئس من استجابتها ابتسم داخله بمكر فـ تلك الفتاة لا تتعلم بسهولة وهذا لصالحه، بضع لحظات وكان بغرفتها، شهقة مصدومة انفلتت من تضارب أحبالها الصوتية حينما وجدته أمامها، ولا زالت الدهشة تحتل الجزء الأكبر من ملامحها، ابتسم بهدوء قبل قوله المختصر
- النافذة.
ثم ضحك بتهكم قبل قوله
- أبدو كعاشق قرر محاربة الجميع لرؤية حبيبته عن طريق التسلل من النافذة أو كلص أراد سرقة أحدهم ولم يجد سوى تلك الطريقة.
اختتم كلماته برفع يده في استسلام لتنظر له بحنق من حديثه وهي تلعن غبائها في عدم التعلم من أخطائها السابقة فهو يفعل ذلك دائمـــًا، سئمت من طريقته تلك بالرغم من عشقها لها، ارتمت بأحضانه بحزن، استقبلتها يده بسعادة لأنه وببساطة سيظل درعها الواقي من غدر الزمن، لم يقاطع حزنها بل تركها تفرغه علها تهدأ، ربت على ظهرها بحنان، حينما هدأت قليلًا أخرجها من بين أحضانه لكنه لم يحرر أسرها ليقتربا من الفراش قبل جلوسها عليه وهو جلس جوارها ليقول بهدوء بعدها
- لِمَ؟!
كلمة واحدة فهمت بها مقصده، أرادت البوح لكن لم تطاوعها الكلمات، سكنت ثانية بأحضانه دون التفوه بكلمة، لم ييئس فهو يعلم بأنها ترتب أفكارها قبل التحدث لتقول بحزن بعد فترة حاولت فيها جاهدة تنظيم كلماتها
- اليوم بالمرور، الإشارة كانت مغلقة، أحد الأطفال بائعي الورود طلب من أحدهم شراء واحدة، كان بإمكانه الرفض لكنه بدلًا من ذلك خرج من سيارته بكل غضب، ضربه بشراسة مستخدمًا عصا غليظة، لم يجرؤ أحد على مساعدته، بل زادوا من نسبة الأدرينالين لديه عن طريق هتافاتهم الساخرة، مع بعض الكلمات مثل اطمس تلك القمامة، فعلت الصواب، وغيرها.. أفرغ الرجل شحنته بالطفل وهو يشعر بالانتشاء كأنه فاز بأحد سباقات العدو، ثم تركه، ببساطة تركه، حينما وصلت للرجل وانتقدته قذفني بكلمات جارحة، أردت صفعه لكن مبادئي لم تطاوعني، نظرة الخذلان الساكنة بحدقتيه أعادت لي ذكريات ظننت بأني تناسيتها، أخذت الطفل للمشفى، فحصه الطبيب وأخبرني بجروحه الغائرة، احتياجه للمال كان سببًا في تألمه، لم أتصور بحدوث أمر كهذا حتى لو بمخيلتي، نظرة الخذلان تلك ذكرتني بطفل لم.......
قاطعها أوار بوضع يده على فمها حتى لا تكمل، يكفي ما واجهته فهو لن يسمح بنزف جروح الماض بعدما تحولت لندبات لم يستطع الزمن طمسها بعد ثم تحدث بهدوء
- أولًا أود عنوان الصبي، يجب مساعدته حتى يصبح ذو شأن بالمستقبل وينتقم من كل شخص قلل من شأنه
نظرت له بفخر نتيجة كلماته التي تمنت سماعها، ليكمل بحنان
- ثانيًا عزيزتي لا يجوز مجادلة أحدهم وبالأخص إن لمست به جانب اللاأخلاق، فتطاوله على طفل قد يؤدي إلى تطاوله عليك باليد وانا لا أريد ذلك فـ أنت لؤلؤة منزلنا قبل أن تكوني طفلتي، لذا حافظ على نفسك صغيرتي، ولا تتدخلي طالما أنك بموقف ضعف لكن أعدك قريبـًا سيعتذر منك ذاك الأحمق.
تبع كلماته بكفكفة دماعاتها بهدوء، قبل قوله المرح
- يبدو بأن ملابسي قد أخذت نصيبها من أملاح عينيك وتيم، لذا لا داع لتنظيفها، التجفيف وفقط.
ضربته بقبضتها الصغيرة على كتفه نتيجة سخريته من أحزانهة، ليقول بسعادة
- وقتك يبدأ مع تيم الآن.
ابتسمت بسعادة لقراءة ما يدور بخلدها، دائمـــًا ما يقرأ أفكارها، كالكتاب المفتوح أمامه، لتتحدث بحنان
- محظوظة هي.
قالت كلماتها وغادرت، ظلت الكلمة تتردد كناقوس الحرب داخل زوايا عقله وخلاياه، تنهد باشتياق قبل وضع يده موضع خافقه قائلًا
- اشتقتك يامن سكنت القلب وأسرتي دقاته.
بعد دقائق كانت بغرفة تيم، نظر لها بحزن قبل قوله
- ماذا؟ !
اقتربت منه بابتسامة جاهدت لرسمها قبل قولها
- اعتذر عما بدر قبل قليل.
وكطفل مذنب عاقبه والده بالحرمان من الحلوى اللذيذة بعدما أدمنها، تحدث تيم ببساطة
- لم الأسف عزيزتي فآطم؟
قبَّلت رأسه بحنان قبل العبث بخصلاته، نظر إليها بحزن مصطنع قبل قوله
- اعتذر سيدتي فـ تذاكر الصفح قد انتهت.
ابتسامة لئيمة زينت ثغرها قبل تسلل يدها خفية لمداعبته، ابتسم بصخب بعدما سقط على الفراش خلفه، علت ضحكاتهم أرجاء المنزل، طلب منها هدنة لأخذ أنفاسه أملًا بضبط إيقاعها ليقول بحزن
- أردت.....
قاطعته بهدوء
- أعلم، طرقت كلماتك أبواب أذني لأستمع إليها، حزنت كثيرًا لكن لم أود جرحك بكلماتي.
- يبدو بأن الحرب قد توقفت وبادر كل منكما لمعاهدة سلام.
قالها أوار بعدما اتكأ على الحائط خلفه، اقترب بهدوء ونظراته الماكرة تتضح أكثر، لينقض وتيم عليها لمداعبتها، ضحكت كثيرًا وتعالت صوت ضحكاتهم بالقصر مجددًا، لأنه وبسهولة بعد غيمة الحزن يوجد سحابة من الأمل، تجرف الحزن تحت ستار الابتسامة، هناك حياة تفتح لك أبوابها، تنتظر رد فعلك، وتمنحك مبادرة السعادة.
.......................
رنين جرس الباب صاحبه طرقات منتظمة عليه، الدقات ثابتة عكس ما يعتمل صدر الطارق، فـ التوتر سيد موقفه الآن، لازال يتذكر حواره الأخير معها، كيف تجاهلها طوال الفترة السابقة، ألم مزق نياط قلبه لعدم إجابته عليها، يعلم أنها تتعذب لكن وجب عليه اتخاذ القرار حتى لا ينجرح أيـًا منهما بالمستقبل، فالحب ثقة، وقد حصل عليها بعد معاناة كلفته الكثير، كل تفكيره منصبـًا على التخاذل، أيتركها كالندل على قارعة الحياة لتتلاطمها الظروف، وتبتلعها دوامات الحزن، أم يتشبث بها جيدًا لرسم ابتسامتها وإسعاد قلبها، فهي مصدر بهجته لا شيء آخر.
فالسعادة طرقت بابه وحان وقت الرقص على ألحانها.
صوت الخادمة انتشله من دوامة أفكاره، ابتلع ريقه أملًا في تهدئة دقاته، تلك المقابلة سيتوقف عليها الكثير مستقبلًا وحان وقت البزوغ حتى لو لم يشرق الصباح بعد.
- السيد علي موجود؟ !
قالها بهدوء مصاحبـًا قوله بابتسامة هادئة زينت ثغره، اكتفت الخادمة بإيمائه من رأسها ليقول بهدوء
- إذن أخبريه معاذ الشيمي يود مقابلتك.
قالها بحسم، اليوم مصيره، إما خروجه بملكية قلبها للأبد أو.....
- حسنـًا سيدي، تفضل للداخل وسأعطيه خبرًا بوجودك.
إرشاده لغرفة الجلوس، إعطائه واجب الضيافة ثم الانصراف لإخبار سيدها بوجود مَنْ يرغب برؤيته.
وبالفعل ماهي إلا عدة دقائق حتى أتى بهيئته المنمقة، تأمله بهدوء استغربه، بنية جسده الرياضية تعطيك إيحاءًا بشاب في أواخر الثلاثينات وليس رجلًا في مقتبل الخمسينات، بعض الخصلات الفضية هربت من لعنة الصبغة السوداء لتفرض سلطتها أمام الجميع، نظارة طبية أحاطت عينيه بعملية شديدة، تلك الصغيرة كارمن تشبهه إلا حد كبير، قطع تأمله صوت رزين أخرجه من حالة اللاوعي التي وضع نفسه بها
- أخبرتني المساعدة بأنك تود مقابلتي.
إقرار أكثر منه بسؤال كان من نصيب معاذ، سعلة خفيفة مع ابتسامة هادئة كانا منحة للسيد علي، ليتحدث معاذ بهدوء
- وددت مقابلتك سيدي، فـ لدي الكثير لقوله.
- كلي آذان صاغية.
قالها السيد علي بهدوء قبل الإنصات لما يقوله ضيفه، ازدرد معاذ ريقه بتوتر قبل قوله
- مبدئيـًا اعتذر سيدي، وجب علي الدلوف من الباب قبل طرق قلب ابنتك، لكن خذلت أخلاقك بطفلتك.
انتظر رده لكن الصمت قابله مما شجعه على استئناف حديثه بهدوء
- معاذ الشيمي، 27 عامًا، في طريقي للحصول على الدكتوراه بعدما حصلت على الماجستير، محاضر بكلية التجارة، قبول اعتذاري مهمتي الأولى، أما الثانية فهي موافقتك لتكون طفلتك طفلتي قبل كونها زوجتي، ان طلبت كوب من الماء سيكون بين يديها نهر، كل شيء مجاب لتنير حياتي لكن كل ذلك لن يحدث إلا بموافقتك سيدي.
اختتم كلماته بتنهيدة عميقة تحررت من أسر توتره، ابتسم السيد علي بهدوء، شجاعته بالاعتراف نالت إعجابه بالرغم من توتره إلا أن ثقته هزمت كل شيء داخله.
- أقدر شجاعتك على البوح، القليل فقط من يمكنه محاربة أخطائه بعد مواجهتها، أمهلني بعض الوقت للسؤال عنك والتفكير بعرضك، لتأتِ ووالديكَ مرة أخرى للتقدم رسميًا.
لاحظ شحوب وجهه، تلعثمه في آخر كلماته، قال معاذ بهدوء مصطنع
- حسنـًا سيدي، بانتظار قرارك، إما صك سعادتي للأبد أو.......
ترك جملته معلقة، ليفهمها السيد علي، أومأ برأسه مستشعرًا سعادته المرتبطة بمصير طفلته.
على الطرف الآخر، انتظر السيد علي مغادرته، رفع سماعة هاتفه، وتحدث باقتضاب
- معاذ الشيمي.
أغلق الخط دون إضافة المزيد، أو حتى الاستماع لما يقوله الطرف الآخر، ليقول بهدوء
- حان الوقت لظهور شبح الذكريات ي وريث آل الشيمي.
تنغلق دفاتر ذكرياتك رغمًا عنك، تدهسها الأيام، وتمحوها الحياة، تود العودة إليها رغبة ليصدمك الواقع، ويخيرك المستقبل، إما الحياة أو الانتقام، لتكون بمعادلة رياضية مهما حاولت حلها تظل مشفرة، تخضع مجبرًا لاختيار المستقبل، يزغرد الواقع بقرارك، رابتـًا على كتفك بهدوء مشجعـًا بأن الغد أفضل، مبتسمًا لصحة قرارك، بينما داخلك كالمرجل يشتعل رغبة في التحرر من تلك القيود التي كبلتك، لتقر بأنك عاجزًا مع سبق الحياة، عاجزًا مع سبق التلذذ بالمستقبل، عاجزًا حتى إشعار آخر.
فالماضي ماهو إلا لحن كئيب تجاهلناه أو تجاهلنا وجوده، لم نخلق للإنصات إليه أو التلذذ بنغماته ليس أملًا في النسيان، لكنه العذاب من رحم التلذذ من يسلبنا اللحظة، لينغص علينا حياتنا، اليوم، غدًا أو بعد غد، مهما انتظرت سيأتيك بذكرياته على حين غفلة.
الماض، أغلقنا دفاتره لتنفتح على مصرعيها مع هبوب نسائم المستقبل، حلمنا بالعيش معه ليرفض الواقع، ويتحجج المستقبل، فالمستقبل لا يريد سوى العقبات لتزيلها بعد مجهود شاق، لتصفعك الدنيا انتقامًا لتجاهلك مصافحتها بعد تذليل الصعاب وحذف العقبات.
.....................
- تلك الليلة قبل وفاته مباشرة دخل بإعصار عصبيته، لن أنكر وقتها خوفي منه، ملامحه كانت توحي بوحش كاسر يود تدمير كل شيء، هربت شجاعتي المؤقتة مع عصبيته المفرطة، التهديد سلاحه لإدانتي، كالتائه كنت، عاجزًا عن فهم فحوى كلماته، خائف من وئد نجاحي قبل التمتع بفرحته والتلذذ بنكهة الوصول لحلم بقيت طويلًا لتحويله إلى واقع ملموس، جملة واحدة ظل يرددها بهذيان "تبتزني بكلماتك، تظن بأني رضيع لأنتبه بأنه ليس تفكيرك، ستضطر لإغلاق معملك وتنتهي مسيرتك قبل الوصول لعبق النجاح، استمتع فلن يتبق سوى القليل" تبع كلماته بوضع أصابع يده على عينه من مادة-البوتولينوم - كنت أفحصها لمعرفة الخلل فيما حدث، هذا كل شيء حدث، أشكرك على إفاقتي قبل فوات الأوان.
تبع السيد أدريان كلماته بابتسامة حزينة نقشت على ثغره.
- معذرة سيدي، واجبي وجزء من عملي، لكن سيدي تراب الماس من وجهة نظرك؟
قالتها رانسي بحيرة احتلت معالم وجهها، ابتسم بهدوء قبل قوله...
- منذ مايقارب الثلاثة أشهر أتت امرأة تبحث عن جرعة ولو بسيطة منها، الشك خياري لكنها فرت قبل معرفة المزيد عنها أو لِم تبحث عنه. 
- أعدك سيدي بمساعدة مستشارك لتخفيف الحكم وتقديم كل الدعم له، أشكرك لأنك لم تدع الظلم ينتشر.
قالتها رانسي بهدوء، أمرت الحارس بأخذه مرة أخرى، تفكر كثيرًا في كل شيء ولا تعلم أيهما الصواب، حائرة بين طريقين، كل منهما نهايته مفاجأة ستصيبها بالجنون، والمفتاح مفقود بين دوائر الحقيقة، أتترك أبيل بأحدهما وتمضي بالآخر، أم يسيرا سويـًا حتى لو انتهى بهم المطاف حمقى في حُضرة القدر.
دقات على باب مكتبها أخرجها من شرودها، كيف وصلت لغرفة المكتب، ألم تكن قبل قليل مع السيد أدريان بغرفة التحقيق، ابتسم أبيل بهدوء، ثم قال وكأنه يجيب عن تساؤلاتها الصامتة
- بعد مقابلتك مع السيد أدريان وانت مغيبة لأبعد الحدود، حاولت التحدث معك لكنك لم تنصتي، لذا لا تندهشي.
ابتسمت رغمًا عنها قبل قولها بتبرير
- أشكرك عزيزي أبيل، ذلك المايكل عبارة عن لغم موقوت، كنز معلومات دُفِن معه، لكن سيتم وئد اليأس للاستمتاع لا غير.
ابتسم أبيل بثقة ولم يعقب، أخرجت ورقة دونت عليها بعض الملاحظات قبل إعطائها له، ابتسم بصدمة قبل الذهاب رغبة في تهدئة داخله ولو قليلًا قبل العودة لتلك القضية الشائكة فالقلب عِلته.. الحبيبة بالقرب منه لذا بمشاعره تنصهر تحت وطأة حضورها.
........................
#من_بين_الرماد
#أسماء_رمضان

"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن