"الفصل الثامن والعشرون"
《الجزء الثاني 》
الحياة عادلة لا بالقدر الذي تريده أنت وإنما بكونك كنت الضحية في معجم أحدهم أو الجلاد في حياتك فقط لأنك تنظر للأمور من منظور لا يراه سواك فالحياة تُهديك الأمان وحينما تحين اللحظة المناسبة تفترسك بنهم كما فعلت سابقًا وحان الوقت لسداد ضريبة طال وضعها في قائمة الانتظار.
وجمال في قصته هو حاكم القلعة التي هاج عليها البحر في أحد الأيام فعزم على المبادرة بالحرب حتى لا يهلك مثل السابقون له.
في قصة أحدهم طاغوت لا يرحم..
في حبكة عائلته بلا قلب..
وفي روايته هو تم خداعه من قِبل علي ليحرر شياطين غضبه ومرحبًا بعدها بالدمار.
جمال لم يكفه تدمير عائلته وسجنه بل قرر استئناف خططه من حيث انتهى لتكون بداية جديدة في ثوب نهاية قديمة وهو لن يتوانى ثانيةً واحدة على الاستمتاع بها كما السابق.
يُقال بأن الزمن عدو المتعة، مُهلك للأعصاب ومُدمر للحظات شعرت فيها وكأنك تملك قطعة من الجنة لكن في حالة جمال الوقت في قاموسه كلما تأخر يشبه الخمر بزيادة لذته مع مرور الأيام "يُقصد هنا الخمر المعتق كلما زاد عمره أصبح أفضل".
هل الانتقام ألذ باردًا أم بمرور الوقت يفقد رونقه!
سؤال وجده بين الكثير من قصاصات ورق ممزقة بين ثنايا ثياب خادمته السابقة التي ظنها مثالية في بعض الأمور لكن اتضح بأن اسمها نوفان شوكر بل والأدهى أنها ضمن هيئة تدريس لأحد الجامعات.
خدعته بأسهل الطرق وأكثرها غفلة لعقله دائم الحركة والمتوجس من أي خطر قد يحوم حوله قد سقط بسهولة في فخ أحمق يعرفه عنه أدق تفاصيله وبالنهاية لا يسعه سوى القول أنه محاط بالكثير من الحيايا ولا يعرف طريق للنجاة من لدغاتها وكل ما عليه فعله الاستسلام بين أنيابها ليسري السُم بين شرايينه بترحاب.
جلس على مقعد جوار الباب يتأمل الغرفة بعبث وهو يشعر بأن الهواء ثقيل على روحه وعقله يداعبه بمشاهد متفرقة تارة يقذف القهوة الساخنة على يدها، تارة أخرى يدهس يدها وهي تنظف الفوضى لكن فوضاه تناثرت إلى أشلاء في الأرجاء حينما أخبرته في أحد الليال بألا ينزعج لموت صديقه "والد معاذ" فربما هذا خير له وهو قد ارتاح أخيرًا بعد صراعه لنيل حريته في السجن ولم يعرف أين السبيل لكنه في ذاك اليوم ثار في وجهها كالأسطورة التي ظلت نائمة لسنوات وحينما أتى وقت دمرت كل ما تطاله يدها واصفًا إياها بالحمقاء لا أكثر من ذلك فلا داعي لتكون ضمن هيئة المدافعين بحياته.
رفع كرسيه "مستخدمًا قدمه ليصبح المقعد على زوج واحد من الأرجل والزوج الآخر مرتفع قليلًا عن الأرض" ليستند برأسه على الحائط خلفه وهو يتذكر يوم أخبرته زوجته المصون بخبر حملها.
- جمال.
قالتها على استحياء وهي تجلس بالقرب منه ليضع الجريدة جانبًا وهو يخبرها بنبرة هادئة
- ما الأمر حبيبتي؟
قالها وعاد ثانيةً إلى الجريدة لتنتشلها منه وتقذفها أرضـًا في حركة جعلته يندهش من فعلتها فزوجته كقطعة صلصال شكلها بين يديه حتى ما عادت تستطيع التحرك دون أن يرسم لها حدود وقد فعلت أمر خطير مثل ذاك من وجهة نظره، تأملها بحنو يحاول معرفة ما يدور بخلدها ليجدها تضغط على يده برفق لتخبره بعدها بسعادة
- يبدو بأننا على وشك استقبال زائر بعد سبعة أشهر من الآن.
اختتمت هدى كلماتها بأن ألقت نفسها بين أحضانه تحتمي بها مع سعادتها داخل عرينه هو لا غيره.
اتخذته ملجأ تذهب إليه لكن في تلك اللحظة لو تأملت ملامحه لأدركت بأنها فرَّت إلى المكان الخطأ فهو يريد إخفائها هي ومولودها معًا داخل نفق لا حياة فيه حتى تلفظ أنفاسها الأخيرة دون وداع حتى.
حدسه السابق يقف في الزاوية يبتسم بغرور حينما شعر بأنه يمكنها الخروج من دائرته دون الشعور بخطر يحوم حولها وكأنها طفل يحاول اكتشاف منزل مهجور بعد أيام قليلة من سيره بشكل متزن غير مُدركًا بأن فضوله قد يقوده إلى الهلاك إن علم بأن المنزل مفخخ.
وحياتها معه كانت كذلك مفخخة رغم عدم شعورها بالأمر فهي تنظر للحظة كصورة تذكارية من مشهد قد يمضي دون سلام إن دققت النظر في كم الخطر الذي يحوم حولها لكن بالنهاية هل يمكنها القول بأن مرآة الحب قد تفعل أكثر من ذلك!
احتضنها بلامبالاة وهو يخبرها بعدما ابتلع ريقه بتوتر
- لكن ألم نتفق هدى بأن نتمهل قليلًا في الحصول على أطفال!
ضحكت بخجل ولا يعلم أضحكاتها تلك بريئة حد إصابته بجلطة أم خبيثة تتحداه بأنه لن يستطيع الوقوف أمام بذرة تنمو في أحشائها.
- أردت تخليد ذكرانا بصغير أراكَ فيه كل لحظة بحياتي حتى يكبر بيننا ونشيخ جواره.
ابتسم من سذاجتها..
ضحك من حماقتها..
وتنهد حتى لا يُصاب بالشلل من براءتها..
بل والأكثر إحباطًا له وبنفس الوقت سخرية أنها جعلت زواجهما أكثر صلة وقوة بوجود مولود على وشك القدوم، تنهد بضيق واحتضنها على مضض بينما عينيه تفيض بخبث لو رأته لفضلت الاحتماء بين جدران منزل أهون من الوجود معه بنفس المكان.
- لحظة واحدة قبل أن تُكمل تلك الكاتبة المجنونة..
جملة خرجت من بين صرير أفكاري لإيقافي عما أتفوه به وجمال ذاك يجلس أمامي رافعًا أحد حاجبيه في تحد صارخ بإكمال ما بدأته لذا تركت له زمام الأمور وانتقلت أشاهد من الخلف ما قد يكتبه لكن مهلًا أعدك عزيزي القارئ إن لم يعجبني شئ سوف أحذفه على الفور.. أقصد سأخذ رأي السيد جمال فيه قبل إعادة صياغته.
مرحبًا يا هذا..
أدعى السيد جمال في قاموس تلك الكاتبة المختلة..
نسيت إخبارك بأن السيد لقب حتى لا تفهم بصورة خاطئة.
وفي قاموسي الخاص جمال وفقط.
سأخبرك بما مررت به في أربع مراحل قد تكون قابلة للزيادة لكن لا تقلق وخذ الأمور بروية ثم نفس عميق ولنبدأ رحلتي في التعرف على جمال.
..دعنا نطلق على المرحلة الأولى "ما قبل معرفة هدى والزواج بها"..
تلك أصعب مرحلة بحياتي ما بين جمال الابن الرابع في قائمة تضم أثنى عشر طفلًا وبانتظار التوأم القادم، والدي لم يكن سوى عالة على مَن حوله بداية من والدتي حتى زوجته الثالثة حتى تلك اللحظة فهو يخطط لأن يتزوج الرابعة من حسناء أصغر من أكبر إخوتي لكن دعنا من هذا قليلًا ونكمل الطريق.
والدي كان دائم التذمر ولا يعمل لتحسين معيشته فقط يتاجر.. يراهن ثم يخسر كل ما راهن به حتى انتهى الأمر بنا جميعًا نجلس في منزل صغير يحوي ثلاث غرف؛ واحدة لنا جميعًا كأبنائه والثانية لزوجاته الثلاث وإن كان لدى واحدة منهما اعتراض فلتغادر وتبحث عن منزل آخر يأويها وصغارها والغرفة الثالثة له وحده مع إحداهن "أي مع إحدى زوجاته الثلاث باختياره"
لحظة واحدة أريد إجابة عنها الآن أكان عادلًا مع زوجاته حتى يختار كل يوم واحدة ام عادلًا مع مزاجه ورُِفعت الأقلام!
بعدما زاد الحال سوءًا قرر الوالد تسريح زوجاته الثلاثة لتكن متسولات في شوارع القرى المجاورة بل وصل به الحال إلى إصابة الصغار بعلامات "عاهات" في الوجه وبقية الجسم لاستجداء عطف الناس وسعيد الحظ مَن يمرض فتذهب به والدته إلى أبواب البقية للمساعدة أو الاحتيال أيهما أقرب!
جعل لكل واحدة منهن مبلغ من المال تعطيه إياه مساءًا كل يوم وإن لم تجمع المال تبقى في الخارج حتى تصل إلى ما حدده سابقًا ووظيفته هو البقاء في المنزل وإيجاد طرق مختلفة لبهجة نفسه وإسعادها مع جلب اليأس لحياتهم جميعًا.
رفض رفضًا قاطعًا إتمام التعليم بعد الابتدائية والخروج من المدرسة لتعلم حرفة تفيد جيب الوالد لا غير وإن رفضت فالعقاب مصيرك قبل أن يُحيل البقية عليك لتحويل عذابك إلى جحيم لنيل رضاه والتقرب منه منزلة كما إبليس "المقصود هنا بأن الأكثر سوءًا هو الأكثر تقربًا منه"
أبي استطاع تشكيل زوجاته فما عادت إحداهن تستطيع معارضته أو حتى الخروج عن نص كتبه لها فقد كن جبناء في حق أنفسهم أولًا وفي واجبهم نحو أطفالهم ثانيًا.
ضاق الحال كثيرًا خاصةً بعد وفاة إحدى زوجاته في حادث سير ولم يستطع الطبيب إنقاذ التوأم لتصبح تلك الحادثة كناقوس خطر دق أجراسه فوق رأس الأخرتين لتقررا الهرب تاركين له الجمل بما حمل متعللين بأنه كفا ما نهبه منهن على مرور السنون وحان الوقت للتفكير في أنفسهم وفقط ليصبح الأب في مواجهة مصير مجهول وأبناء كُثر لم يدرك بأن عددهم كذلك إلا لحظة هروب زوجاته.
نسيت إخباركم بأنه في تلك اللحظة قد قطعت شوطًا كبيرًا في المرحلة الإعدادية وكنت على وشك الصف ما قبل الأخير منها دون علم من والدي بالطبع وساعدتني والدتي في إخفاء معلومة كهذه عنه فقد كانت تخبره دومًا أني اعمل مع أحد النجارين والأجر في نهاية الأسبوع ولذلك استطعت التوفيق بين المدرسة والعمل ولم يشك ذاك الذي يدعى أبي في الأمر.
فلنلقي تلك المعلومة السابقة في أقرب سلة مهملات ونُكمل حديثنا..
تم تقسيمنا إلى ثلاث فئات حسب الأم وطُلِب منَّا التسول لفعل ما كانت تفعله زوجاته وتسليم مبلغ مالي بثلاثة أضعاف ما كانت تقدمه له كل واحدة منهن وحينما رفضنا الأمر خنع لذلك ولم نكن نعلم بأنها مراوغة لا غير وحينما يُحكم قبضته علينا لن يتسنى له سوى صعقنا حتى الموت.
قام بتقييد بعض من إخوتي أثناء النوم وبعدها جلدهم دون رحمة حتى خنع الجميع لرغبته بعدما وجدوا مدى قسوته تصرخ على أجساد البقية دون شفقة لكونهم صغارًا.
أتذكر تلك الحسناء التي أخبرتك عنها سابقًا بأن والدي يود الزواج بها!
قد تزوجها بالفعل وأحضرها إلى المنزل بعدما تعهد لها بأن أبنائه عبيد تحت قدميها وفقط لتبدأ مرحلة أخرى من التعذيب النفسي والجسدي للجميع فهي تخبرهم بفعل شئ وتوشي بهم لزوجها المُبجل تحت بند "أطفالك لا يطعيون زوجة والدهم.. ألستُ في مقام والدتهم أيضـًا"
تخبره بها بطريقة مقززة مع تحريك جسدها بإغواء تجعل لعابه يسيل وكأنه لم يتزوج ثلاث مرات قبلها وبعد انتهاء نزوته يخرج لتعنيف أولاده بقسوة حتى وصل الأمر لمحاولته إلى قتل الصغير بعدما ثار ضده ليحاول قمع غضبه في مهده.
لم يكن يعلم بأن الرفض يجلب ثورة والثورة قد يصاحبها إضراب حتى يخنع الزعيم لمطالب شعبه أو شغب لإثبات مدى قوتهم وإصرارهم على الأمر وإن لم يتم تنفيذ الأوامر فالهلاك للجميع أفضل من البقاء هكذا دون تغيير يُرضي جميع الأطراف.
لن أخوض في محاولة الحسناء الجديدة لتشويه أحد إخوتي، أو قذف الثاني من شباك المنزل إلى الخارج في غفلة منه وكأنها تحاول التخلص منا جميعًا حتى لا تضطر إلى رؤية وجوهنا كل يوم.
أتعلم شعور العجز الذي يصاحبك في أول مرة ترى فيها الموت أمام عينيك أو تفقد عزيز على قلبك حينها فقط لن تفكر مرتين في تخطي الأمر بترحاب إن تكرر أمامك ثانيةً، هذا نفس الشعور الذي شعرت به حينما وجدت تلك الغريبة المدعوة زوجة أب تخنق أصغرنا بالوسادة حتى لفظ أنفاسه الأخيرة وتوفى، في تلك اللحظة تحديدًا لم أستطع التصرف بروية بل كل ما فعلته هو أخذ مزهرية رديئة الصنع وبكامل قوتي وغيظي منها أصبتها بها بعنف على رأسها لتسقط فاقدة للوعي أو الحياة أيهما أقرب لكن لحسن الحظ كان الوالد مخمور حد فقدانه لنفسه ولا يدري بما يدور حوله لذا تم تعديل هيئتها لتكون في نفس الوضعية السابقة وهي تخنق الصغير ورأسها تستند بين يديها على الوسادة، حاولنا إيقاظ البقية لكن ولسخرية القدر كان بعض أخوتي فاقدين للحياة وكأنها تحاول تنظيف فوضى والدي بالمكر ليس إلا وبلحظة اتحاد رغم اختلاف أمهاتنا إلا أننا قررنا إضرام النيران في المنزل بأكمله وإن نجا الوالد فربما توفيق في المرات المقبلة لهلاكه.
أخذت النيران تتراقص أمام أعيننا ونحن نحتفل بالخارج لتحريرنا من صك عبودية كان يخنقنا جميعًا، انتشر الخبر سريعًا ليأتي الجميع من كل حدب متعاطفًا مع مساكين تركهم الجميع دون رحمة ليتم تحويل بعضنا إلى بعض الملاجئ المختلفة وانتهت علاقتنا بجهل مصائرنا جميعًا لنفترق دون أمنية واحدة للقاء مجددًا في المستقبل.
انتهى بي المطاف لأصبح طفل مُتبنى لأحد العائلات ميسورة الحال، الزوجة كانت في مقام أم والزوج يعتبرني زوج جديد في حياة زوجته لذا بدأت المعاملة بيننا تتوتر حتى تحولت إلى تطاول باليد كلما حاول التنفيس عن غضبه لأصبح كيس ملاكمة في منزله والسبب غيرته على زوجته العاقر، اجتهدت قليلًا في الدراسة حتى وصلت إلى آخر سنة في المرحلة الثانوية لتمر سريعًا وبعدها انتقلت إلى محافظة أخرى للدراسة في الجامعة وبعد وفاة والدة المتبناه قطع زوجها كافة علاقاته بي وكأني لم أكن بحياته يومًا وهذا صواب أشكره عليه لبقية حياتي.
لنقف هنا عند تلك المرحلة دون إضافة المزيد مع وعد بعدم إكمالها مستقبلًا فتلك الذكريات تجلب الخراب لحياتي ليس إلا وحياتي لا ينقصها شئ فهي بالفعل في حالة يُرثى لها.
..مرحلة التعافي بعد الزواج من هدى وخبرها غير السار مطلقًا بكونها حامل في مولود..
"فقير الاهتمام يطلبه بتبجح"
هكذا هو الحال بالنسبة لي أتزوج عدة أشهر أمارس فيها سطوتي قبل تسلطي مع زوجتي وبعدها أطلقها دون ندم مع إرضائها ببعض النقود.
نقود..!
عدة أوراق تفتح لك الأبواب المغلقة بل وتعطيك ما تتمنى، نقدية لم أراها قبلًا والآن أتصرف بها كيفما أشاء.
مرحلة التعافي لم تكن سوى زوجة قدميها الاثنين للخارج "إيحاء بأنها كبيرة لدرجة تخطي عمرها السبعون بقليل" كانت عميل هام بشركة عقارات تم تعييني فيها كمحام بعد التخرج من الجامعة، ألقيت الشباك وانتظرت قليلًا حتى خرج لي كهلًا في صورة متصابية وتم الزواج لتتوفى بعده بأشهر قليلة ثم ورثت كل ما ملكت بعدما وقعت له على تنازل عن ممتلكاتها دون علم منها ليصبح بين ليلة وضحاها حامل لثلثي أسهم الشركة التي يعمل بها ويتحول من فقير يكافح للعيش إلى آخر يكافح أيضـًا لكن تلك المرة لإيجاد طرق مختلفة لزيادة حجم ثروته.
بعدها تعرفت على يافعة طموحة تم تعيينها مساعدة لي لنتزوج فيما دون معرفة أحد مع شرط بعدم إنجاب أطفال ووافقت حتى لا يكونوا عائق لها بحياتها العملية.
بالمختصر كنت أبدل الزوجات كل عدة أشهر حتى سقطت في فخ إحداهن والتي تشبه في طاعتها إلى حد كبير لزوجات أبي جميعهن..
قوية الحديث..
طليقة اللسان..
عذبة الابتسام..
خجولة الطباع..
منعزلة الأصدقاء..
طاعتها عمياء..
وكان لاسمها النصيب الأكبر "هدى"
كانت الشئ ونقيضه حتى قررت الزواج بها بمدة غير مشروطة طالما أنها ستكون مطيعة في نهاية المطاف.
الصياد أتقن نصب فخاخه الواحد تلو الآخر حولها لتسقط في عشقه ويستطيع إحكام سطوته عليها حتى يمكنه تشكيلها كما يريد دون اعتراض منه.
لا ينكر بأن تعاملها معه كطفل في بداية زواجهما عوضه ولو بمقدار ضئيل عن طفولة لم يكن الحنان بقاموسها، عرفت الطريق وحدها "وبحثت عن طفل تائه بين غياهب بالغ عابث يتخذ النساء آلة للمال أو متعة يتسلى بها قليلًا وبعدها يبحث عن غيرها" ثم أخذت راية السعادة لتنثرها في خنادق متهالكة بروحي والسبب الآخر كذلك للتمهل معها كونها وريثة وعائلتها ذو نفوذ لذا لا ضرر من البقاء جوارها فترة من الزمن إن كانت الفائدة كبيرة.
ما يحكم العلاقات هو المال عزيزي لا العاطفة أو العشق فهما كارثة لنفاذ النقود وفقط.
كافحت بكافة السُبل منعها من الحمل بطرق مختلفة لا تعلمها بالطبع وحينما تحزن أخبرها بأني طفلها الصغير لتبتسم وهي تخبرني بأني سندها الوحيد وينتهي الأمر تمامًا.
بالطبع لا أكره الأطفال لكن يبدو بأني مثل والدي ذو مزاج متقلب يكره المسؤولية ولا يريد بأن يكون هناك عالة بحياته..
دعني أوضح الأمر أخبرتني زوجة سابقة لي "لم أذكرها بالطبع" بأن النساء تحتاج إلى التدليل لا التعنيف خاصة بعدما كانت حياتي معها ذو طابع عنيف وللعجب كانت أول واحدة أشعر معها بأن العنف سبيل سعادة لي.
كنت أدلل هدى رغم سخرية داخلي لكن قررت إعطاء تلك العلاقة أكبر قدر من الوقت دون أطفال، ظهرت بعض المشكلات ومع ذلك كبحت نفسي كي لا أؤذيها بسوء حتى أتت اللحظة التي تحدثت فيها بكونها ستنجب طفلا عما قريب، حاولت بكافة الطرق إجهاضها لكن دون فائدة وتشبث الطفل بالحياة حتى أتم التسعة أشهر وتمت ولادته على خير لتُطلق عليه لقب أوار.
بدأت المشاكل في الظهور بداية من اكتئاب ما بعد الولادة مرورًا بهيستريا الحماية المفرطة للصغير من بطشي وقد كانت محقة في ذلك وانتهاءًا بنوبات وكوابيس طاردتني ليلًا وجميعها متعلقة بحياتي السابقة ليتحول جمال إلى مسخ خبأه طويلًا حتى ما عاد يستطيع أكثر من ذلك لذا فلتعم الفوضى ولتنعم الوحوش بنهش حياة أرادها مثالية لكنه لن يستطيع الصمود طويلًا لتحقيقها.
زادت الفجوة بين جمال والصغير لدرجة أنه لا يتحمل وجوده معه في نفس المكان لخمس دقائق كاملة لكن لن يصب في صالحه أبدًا إن ابتعد عن زوجته لذا حاول التوضيح وتفهمت الأمر بأنها ربما غيرة أب من صغيره الذي استولى على كل الاهتمام والرعاية من والدته وبالطبع وضعت له آلاف الأعذار غير منتبهة بأن الحرباء تغير لونها دومًا لتلائم الظروف فكيف يكون زوجها.
هنا يود الأسد أخذ استراحة طويلة الأمد في تلك المرحلة التي ربما كانت السبب الحقيقي في تغيير جلد جمال من كونه مسالم ظاهريًا إلى خبيث في الكم والكيف.
تلك المرحلة استنزفت من روحه الكثير وبعدها تغير كل شئ للأسوأ وخرجت دُماه عن مسار وضعه منذ زمن.
..المرحلة الثالثة بدايتها دمار وما خلفته كان وفاة الصغير تيم وشذوذ الألحان عن إيقاعها..
الحياة لحن يتخلله بعض الشذوذ لتضيف نكهة مُسكِرة إلى روتين العمل الممل، دائرة مغلقة تدور داخلها بلا هوادة ولا تستطيع إيجاد مخرج منها أو حتى تحقيق ما تَأمل به داخلها.
الأخبار الجيدة تجلب الحظ السعيد والسيئة تأتي وذويها من فصيلة الحظ التعس لتشكيل غمامة إما تنتشلك مما أنت فيه أو تبتلعك في دواماتها ولا مفر من الهرب.
وحظي التعس بدأ منذ دلفت على زوجتي المرحاض بعدما اختفت خلفه لفترة لا بأس بها لأجدها تجلس أرضـًا تبكي بصمت وحينما اقترب منها أخبرته بسعادة غير ملامح الحزن المرسومة على وجهها براحة
- يبدو بأن أوار سوف ينعم بإخوة في القريب العاجل.
هنا لم يتمالك أعصابه بل قذف قطعة الصابون بكل قوته في المرآة لتتهشم أرضـًا تلاه صراخ هدى برعب مما يفعله وكأنه قد أصابه مس من جنون ليصدح صوت أوار من الخارج يبكي بخوف على ما يحدث دون وعي؛ ليقترب من والدته في نفس اللحظة التي أخبره فيها بعصبية مفرطة
- عُد إلى غرفتك أوار.
قالها ونظر لزوجته ثانيةً ليجد الصغير قد اقترب منها واحتضنها ليجذبه من ياقة قميصه بعنف ساحبًا إياه لخارج المرحاض وهو يتحدث إليه بعصبية
- أخبرتك بأن تعود إلى غرفتك.
صاحب كلماته دفعه بعنف ليصطدم الصغير بالأرضية وصوت بكائه أخذ يعلو في الأرجاء
- لِم لا تستمع لكلام الكبار!
قالها وهو يعود أدراجه إلى تلك التي تجلس في المرحاض باهتةً مما ترى وكأنها ترى شخصًا غير زوجها أمامها لترتعش من نظراته وازداد خوفها حينما تحدث إليها بنبرة خبيثة بجانب أذنها وهو يشير إلى ذاك بطنها
- هذا الجنين لا أريده.
تنهد ببطء وهو يضغط على كلماته بتمهل قبل أن يبصقها في وجهها
- يمكنك إجهاضه لكن لن تحتفظي به تلك المرة.
اختتم كلماته وغادر المنزل بأكمله ليقف أمام بابه بحنق قبل أن يدق هاتفه ويخبره أحد الموظفين
- أسهم الشركة قد انهارت سيد جمال.
وهو قد انهار أرضـًا بعدما سمع تلك الكلمات فما لم يسع في كسبه فقده بسهولة ليلعن ذاك الخبر المشؤوم الذي تلقاه قبل قليل، رفع الهاتف إلى أذنه يخبر المتصل بهدوء
- استخدم النقدية المتاحة لديك وحاول أن تعيد اتزان الأمور حتى نتقابل.
وأغلق الخط بعدها ليفكر في حل قد يُخرجه من تلك الأزمة بأقل خسارة ممكنة فهو يكاد يجزم بأن زوجته المشؤوم بالداخل هي سبب كل كارثة تحط على رأسه وأطفالها ورثوا منها هذا.
مرت الأيام ثقيلة عليه بعدما تم الاستحواذ على الشركة من أخرى أقوى منها فهو لم يدخر جهدًا في اكتساب أي من أموالها وفي النهاية بخل ببعض العرق لحمايتها من الإفلاس.
ليتحول إلى آخر غضبه مرسوم على ملامحه كل حين، شخص لا يحتمل العيش معه ودائم الانزعاج لكن زوجته عذرته بل وضعت له بدلًا من العذر مائة واحد منها، بررت تصرفاته بأنها حماقات نتيجة صدمته وما هي إلا أيام وسيعود إلى حالته الأولى، دعمته في كل قرار حتى يوم وفاة صغيره لم تقو على مجابهته أو الوقوف بصف أبنائها وكأن العشق يصنع المعجزات بالفعل كما قالوا سلفًا.
وفاة الصغير حقًا لم يكن مخطط لها أكاد أقسم لك بل الغضب والتخاذل لما فعله علي بي كانا المحرك الأساسي لتوجيهي إلى ذروة الغضب وكان ضحية البطش فقدان صغير لطالما كرهته هو وشقيقته فوجودهما أتى بزوابيع شر دمرت كل ما بنيته يومًا وكأنهما عدواي لا أبنائي.
تلك المرحلة ليست تزعجني فقط بل تحول غضبي إلى بركان على وشك الانفجار في أي لحظة لذا أتمنى من كل قلبي تحويلها إلى رماد.
..آخر مرحلة خلف القضبان حتى تلك اللحظة..
بعدما تم القبض عليَّ بتهمة القتل مع سبق الإصرار والترصد رفضت الحديث، امتنعت عن كل ما يفيدهم لأجل سير العدالة كما أخبرني النائب العام في آخر جلسة بيننا قبل المحاكمة وتم بعدها إصدار الحكم مع عدم إمكانية الإفراج المشروط لأكون الزعيم حتى تم نقل صديقي الراحل معي في نفس الزنزانة لتتحول عداوتنا إلى صداقة مطلقة خاصةً بعد قتله زوجته وتخلي علي عنه كما فعل مع جمال "المقصود بصديق جمال هو والد معاذ"
طالت أيامنا في السجن وكذلك خطط انتقامنا من علي حتى ظهر آخر فلنسميه "المجهول" وأخبرنا بأنه يكره علي كذلك لذا وجب عليهم التعاون لتدميره وتم الأمر بالفعل لكن ما لا يعلمه أي منهما بأن ذاك المجهول يريد تدميرهما قبل وقد أتى من العدم لاسترداد حقه السابق فيما فعلوه به صغيرًا.
ابتسم جمال بخبث بعدما سرد كل ما سبق وهو يقول بلامبالاة
- الانتقام لا يُقدم سوى باردًا حتى تنضج كافة مكوناته الثمينة.
صمت قليلًا وهو ينظر في أعين الجالسين أمامه والمتابعين لكل ما سبق من خلف شاشات هواتفهم "المقصود هنا القراء"
- أولى وصفاتها الثمينة الكراهية على المدى الطويل حيث مفعولها أفضل كثيرًا من تخمر الخمر.
رن صوت هاتفه ليخرجه مطالعًا الاسم والذي لم يكن سوى أحد رجاله يخبره بهدوء بعدما فتح الاتصال
- عنوان الآنسة فآطم معنا وكذلك السيدة هدى.
أغلق المكالمة دون إضافة كلمة ليغمض عينيه بسعادة وهو يدندن بانتشاء.
الحياة فرص إما اغتنامها أو افتراسك عاجلًا قبل آجل غير مأسوف عليك لأنك مَن اختار وأنت المسؤول عن كل ما يدور في مداراتك الخاصة.
#من_بين_الرماد
#أسماء_رمضان
أنت تقرأ
"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"
Roman d'amourمن بين الرماد... "داء العشق يُبتر لا يُضمد" تحكي قصة فتاة تخلى عنها حبيبها ليلة الزفاف فماذا ستفعل حيال ذلك.. هل تبكي الأطلال أم تقف شامخة كحال ذويها!.. نحن أمام بضع كلمات منثورة تعطي إيحاء بوجود الأمل دومًا مادام القلب ينبض بالحياة.