الفصل الحادي والثلاثون

205 5 4
                                    

"الفصل الحادي والثلاثون"

لن تستطيع تحمل المستقبل والعيش فيه بسلام إذا لم تتخلى عن مظلة الماض.

بعض الضرائب لن تدفعها أقساط بل دفعة واحدة تشطر ظهرك إلى نصفين والوجع هنا غير محتمل بالمرة لأن الضربة مميتة ولا مجال للشفاء منها مهما تناولت الكثير من العقاقير.
والضربة تلك المرة لم تكن مميتة فقط بل سُددت بقسوة تجاه قلبه الذي ترنح عدة مرات قبل أن يرفع راية الخذلان في الحب.
معاذ أحب في المرة الأولى وتنازل عن كل ذلك بل وهرب لمكان آخر رافضًا بأن تطارده المحبوبة إلى حيث هو متعللًا بأنه ربما تعود لا عشق أو صلة الدم هي مَن حكمت الأمر مؤكدًا بأنه لو كانت والدته على قيد الحياة لتزوج ممن يحب واستقر حيث شاء حينها فقط لم يكن ليخذله أحدهم لكن يبقى الأمر في خانة لو..
معاذ عشق للمرة الثانية حد أنه لا يستطيع العيش دونها لكنها غرزت خنجر سام صوب قلبه وانتشر سُمه إلى بقية أجزاء جسده ليصرخ بوهن طالبًا المساعدة ولا مجيب ينصفه أو ينصره على ما ابتلاه.
العشق معاناة..
وهو يكاد يجزم بأنه على حق في تلك اللحظة تحديدًا خاصةً وشعور بالضعف يحيط به من كافة الاتجاهات وفي النهاية هو مغلوب على أمره في مسألة لم يكن له يد بها لأنه ويا لا مفارقة القدر عشق بكافة حواسه وانتهى به المطاف وحيدًا في أرض قارسة البرودة حتى على أصحابها نفسهم يعاني ويلات قراراته وحده ويكاد يجزم بأنه لو كانت كارمن جواره لم يكن ليطاله أي من هذا الأذى سواء له أو حتى لها.
الظلمة التي نشعر بها داخلنا لا تحتاج سوى شمعة تضئ لنا تلك العتمة لنهتدي إلى طريق ربما ينجينا من شرك أنفسنا وشر أفكارنا.
ومعاذ لم يتردد ثانية واحدة في طلب المشورة من إحداهن والتي أصبحت شمعة يهتدي بها في معظم قراراته بعدما لجأ إليها أكثر من مرة وأجابته دون تردد.
ضغط زر الاتصال على رقم في فترة ما كان ضالته المنشودة وانتظر الطرف الآخر حتى أجابته هي بنبرة هادئة
- كيف حالك معاذ؟
- لستُ بخير فآطم.
قالها بصدق استشعرته لتضطرب من حديثه الحزين فهي كانت تجلس منتظرة ريان للذهاب في نزهة لكنه تأخر قليلًا لذا أخذتها فرصة للتحدث مع أحد ما وكان ذاك الشخص معاذ الذي اتصل بها في نفس الوقت الذي قررت فيه مهاتفة والدتها لتتجه نحو أرجوحة في الفناء الخلفي للمنزل وبعدها تساءلت باندهاش
- ما الخطب معاذ!
- لم أكن أعلم بأن طريق العشق صعب هكذا آنسة فآطم.
لم تفهم أي مما قاله بعد آخر محادثة بينهما طلب منها المشورة حينها وهي أخبرته بضرورة البدء من جديد حتى يتسنى له عيش حياة هانئة ومن بعدها انقطعت الاتصالات بينهما ليخبرها -بإقرار عاشق مذنب- الآن بأن كل سبيل تطرق إليه صعب على نفسه وأكثر إيذاءًا لروحه المتهالكة لتتنهد بهدوء وهي تقول بحنان
- لا أفهم أي مما تقول لكن يبدو بأنك خُذِلت وبشدة من الأقرب إلى قلبك.
- كنت أريد الزواج بها.
تفاجأت من حديثه وسعدت كثيرًا لسماع مثل ذاك الخبر لكن وجود كلمة واحدة في البداية تعني أنه فعل أمر ما أدى إلى إيقاف الزفاف في اللحظات الأخيرة..!
تساؤلات كثيرة دارت بعقلها والإجابة أتت منه وهو يخبرها بحزن
- لكنها كانت تخدعني طوال الفترة الماضية لأسباب لازلت أجهلها حتى الآن باسم الحب.
- فلتخبرني كل شئ من البداية معاذ.
قالتها برجاء حتى تستطيع إعطائه مشورة صادقة تُريح بها قلبه حتى يرتاح من كل ضغط يسببه لنفسه وبالفعل أخبرها كل شئ بداية من تعارفهما، مكوثهما معًا بنفس المنزل لكن في غرف منفصلة مرورًا ببعض الشك تسرب نحوها لحدوث بعض الأمور الغير مريحة بالنسبة له وخاصةً تلك المكالمة التي دارت بينها وبين مجهول يريد منه أن يعاني ولا يعرف السبب انتهاءً بتلك المواجهة التي دارت بينهما آخر مرة قبل مغادرته للمنزل وإغلاق هاتفه مانعـًا أي محاولة منها للوصول إليه.
- أتظن أنها كانت تحبك معاذ!
قالتها بتساؤل بعد انتهاء حديثه الذي فاجأها بتقلبات عديدة من حلاوة البدايات لمرارة النهايات وعواطف كثيرة من الصعب شرحها لكن يمكن الشعور بها من حديثه المبعثر
- لا أعرف فآطم.
قالها بحيرة لتخبره هي بحنان
- هي تحبك غيث لكنها تنتقم من كل رجل تقابله سواء بوجود مجهول أم لا وفي النهاية قلبها لم يدق لسواك.
- خدعتني فآطم.
تفوه بها بتخاذل لتجيبه هي بسخرية طفيفة
- الحب خدعة معاذ لكن بدرجات متفاوتة.
قالتها ببساطة ليبتسم من حديثها الساخر وفي باطنه حقيقة واحدة أنه وجب عليه العثور على الاستقرار أينما كان حتى لا يضيع عمره أمان عينيه هباءًا.
- لا أعرف كيف يمكنني التعامل معها بعد الآن.
قالها معاذ بعد صمت من طرفه وكأنه أدرك حقيقة هامة أنه لا يستطيع مشاركتها أي من حياته بعد الآن لتخبره ببساطة
- انتقم منها إذن حتى تستطيع أن تغفر لها بعد ذلك.
- كيف يمكنني ذلك وأنا أعشقها حد النخاع.
قالها باندفاع لتبتسم فآطم من حديثه وهي تعرف جيدًا بأنه معدنه الطيب لن يسمح له بفعل مثل تلك الجريمة في حق قلبه قبلها لتكمل هي حديثها بحنان
- عاقبها إذن حتى تصل إلى مرحلة يمكنك الصفح عنها فيها وعيش حياة هانئة معها دون النظر إلى ما اقترفته في حقك سابقًا.
صمت وتلك المرة يحاول أن يوازن كلماتها ليخبرها بإقرار يكاد يجزم به
- لن أستطيع التعامل معها في الوقت الراهن فآطم.
- لا يهم معاذ خذ وقتك كيفما تشاء حتى تواجه وانت على استعداد لذلك وتشعر بأنك لن تندم على شئ فيما بعد مهما كلفك الأمر.
أخبرته بهدوء فهي لا تريده أن يضغط على نفسه في أمور القلب خاصةً حتى لا يشقى فيما بعد أو حتى يندم على ما أضاعه من بين يديه دون النظر إلى عواقب ذلك إلا على المدى البعيد، أخذت نفس عميق وزفرته على مهل وهي تكمل حديثها بهدوء ربما تنتشله من هالة الحزن التي تستعمر داخله بحفاوة
- الأهم هي أن يكون لديك قناعة داخلية بإمكانية الصفح عنها حتى لو أردت التخلي عنها وعدم استكمال حياتك معها لكن حينها فقط تلك الراحة التي تريدها ستكون بين يديك ويمكنك بكل سهولة إكمال بقية حياتك دون الشعور بأي ذنب أو كره من نحوها.
- يمكنني فعل ذلك فآطم!
قالها باستفهام لتومأ على حديثه وهي تبتسم من سذاجتها وهي تجيبه ببساطة
- بالطبع معاذ يمكنك فعل أكثر من ذلك لكن بعزيمتك انت لا بشئ آخر.
اختتمت كلماتها بصرخة تسربت من بين شفتيها حينما شعرت بشئ يُغرس بقسوة في كتفها قبل أن تسقط أرضـًا بعجز معلنة عن فقدانها الوعي بعدما غاب العقل بالإجبار ليصرخ معاذ من الطرف الآخر عله يعرف ما يدور لكن ذاك الغريب الذي تسلل من بين الأشجار أغلق دهس على هاتفها بقسوة قبل أن يحملها على كتفه ليختفي بها من حيث أتى دون أن يشعر به أحد وعلى بُعد مسافة صغيرة من المزرعة تحدث أحدهم على الهاتف يُبلغ الطرف الآخر بإقرار
- فآطم أصبحت بين براثن الأسد سيد جمال.
ابتسم جمال بحقد قبل أن يخبره في المكان المطلوب منه إيصالها إليه مختتمًا حديثه بهدوء
- سأكون هناك بانتظاركم.
أغلق الهاتف وأخذ يطلق صفير متقطع يشوبه بعض الضحكات الهازئة وهو يشعر بأن لمسته الأخيرة قد حانت ولن يمنعه أحد سواء ذاك المغفل أوار أو حتى المتوفى تيم.
لحظته التي تمناها كثيرًا بين قضبان السجن أتت أخيرًا على طبق مرصع بالكثير من الكريستال.
أما معاذ فبعد أن استمع لصرخة فآطم وانتهاء المكالمة شعر بوجود خطب سئ يحوم حولها لذا حاول الاتصال بها مجددًا والإجابة المتوقعة مفادها أن الهاتف مغلق في الوقت الراهن لذا عاد الأمر أكثر من مرة دون نتيجة ليقرر الاتصال بوالدتها السيدة هدى وعلى عكس المتوقع كان هاتفها أيضـًا مغلق لذا لم يجد سوى والدة كارمن التي أجابت اتصاله على الفور وهي تقول بنبرة سريعة
- مَن معي..!
- معاذ.
أجابها بهدوء لتندهش من اتصاله في ذاك الوقت تحديدًا بعد اختفاء ابنتها وهاجس واحد يخبرها بأنه ربما اتصل بها شماتة فيما حدث وقبل أن يوسوس لها شيطانها أكثر أخبرته بهدوء
- الرقم خاطئ.
قالتها وأغلقت المكالمة قبل أن تضع رقمه في قائمة الحظر حتى لا يستطيع الوصول إليها مجددًا ليندهش معاذ منا تفعل فهو لم يفكر بكارمن قبل أن يتصل بها ربما إن طال الحديث بينهما قد تظن بأن كارمن معه في الخارج ليضرب الأرض بقدمه عدة مرات من عدم تقديره للأمر والتفكير فيه جيدًا قبل أن يفعل مثل تلك الحماقة ليرسل لها رسالة من رقم آخر واصفًا ما يحدث بأقل الكلمات حتى لا يُخطئ مجددًا
"اعتذر سيدة رحمة لقد أردت الاطمئنان على الآنسة فآطم ولم أجد سواكِ بعدما لم أستطع الوصول إلى والدتها".
أما ريان فبعد أن عاد من الخارج اطمأن على جده أولًا وسأل إحدى العاملات بالمنزل عن زوجته لتخبره أنها كانت تتحدث في الهاتف منذ قليل ما يقارب الساعة بالحديقة الخلفية، ليذهب إلى هناك مناديًا إياها بصوت مرتفع لكن لا أحد يجيبه أخذ يبحث عنها كالمجنون في المزرعة كلها والنتيجة لا شئ ليتصل بالهاتف والمفاجأة انه مغلق ليعود ثانيةً إلى العاملة التي أقسمت بأنها كانت في الخارج تتحدث مع أحدهم ولم تراها من بعدها لذا ظنت بأنها ربما صعدت لأعلى.
أمرها بالصعود للبحث عنها وهو سوف يراجع تسجيل كاميرا المراقبة الموجودة حول المنزل لتومأ إيجابـًا وتصعد لأعلى أما هو فبعد أن ترك العاملة أخذ يراجع تسجيلات المراقبة جميعها ليجد أن الأمر مستقر نوع ما حتى ظهرت سيارة دفع رباعي سوداء اللون استقرت على بُعد أمتار من الحديقة الخلفية وهبط بعدها رجل تسلل للداخل ثم عاد بعد خمس عشرة دقيقة يحمل إحداهن بين يديه ليُقرب الصورة حتى اتضح أنها زوجته فآطم ليتجه إلى الحديقة الخلفية ثانية يبحث عن أي دليل حتى وجد هاتفها ملقى على الأرض وجواره قطرات دم اضطرب من أن تكون صاحبتها زوجته المفقودة ليتحرك إلى الداخل لكن تلك المرة من أجل أن يقابل جده الذي أخبره بحنان
- فآطم تنتظرك في الحديقة الخلفية لتفي بوعدك لها.
- بل تم اختطافها على مرأى ومسمع من الجميع دون أن يشعر بها مَن في المنزل.
قالها بغضب لينتفض الجد بعصبية مما يقوله وهو لا يصدق أي مما تفوه به ليضحك على حديثه ظنًا منه أنها ربنا خدعة قاما بها سويًا لإخافته
- لا تمزحا معي ريان.
- انا لستُ في مزاج جيد للمزاح معك جدي.
قالها بقلة حيلة وهو يضع الحاسوب أمام جده والتي رأى فيها بالفعل أن الصغير لم يكن يخدعه ليجلس ثانيةً لكن تلك المرة قدمه لا تستطيع حمله من هول الخبر الذي زلزل داخله، ابتلع ريقه بتوتر وهو يسأله بخوف مما يخبئه القادم لهما
- لم أعرف بعد مَن فعلها لكن أقسم بأني لو فعلت لن أجعله يحيا دقيقة أخرى على وجه تلك المعمورة بعد الآن.
قالها وحاول الاتصال بأوار عدة مرات وحينما يئس من احتمالية رده أتاه صوت الآخر قائلًا باعتذار
- اعتذر ريان لم أرى الهاتف سوى الآن.
- لا عليك.
حدثها الآخر بها قبل أن يخبره بحزم
- أريد أن أسألك عن أمر ما.
- فلتفعل إذن.
قالها أوار بترحاب ليخبره ريان بتوتر
- إن أراد السيد جمال أذيتك كيف سيكون الأمر.
- غرفته أسفل منزلنا القديم كانت خياره الأمثل لعقابنا....
صمت أوار قليلًا يفكر في سؤاله الغير مبرر من وجهة نظره في الوقت الراهن ليخبره بتساؤل وقد تمكن منه الشك
- فآطم بخير...!
- في الوقت الراهن لا أعلم.
قالها ريان بصدق لينهره أوار قائلًا بحنق
- كيف لا تعلم ألم تكن معك..!
وقبل أن يجيبه ريان أخبره الآخر بإقرار معلنًا نهاية النقاش
- يبدو أنك لم تكن على قدر كاف من المسؤولية ريان.
يعرف جيدًا في تلك اللحظة أن أوار معه كل الحق لن ينكر لكنه يريد الاطمئنان على زوجته وبعدها مرحبًا بالعتاب إن لزم الأمر، قص عليه كل شئ وأخبره بأنه يشك بوجود أحد يعمل لصالح جمال في المنزل لأن تلك السيارة لم تظهر سوى في اليوم الذي غادر فيه لإتمام بعض الأعمال المتعلقة بجده وبعدما انتهى أخبره أوار بتأكيد
- سوف أتي إلى مصر على أول طائرة.
- اطمئن أوار سوف أنقذها مهما حدث حتى لو اضطررت لوضع روحي كبش فداء لأجلها فقط أريدها أن تكون بخير وليحدث ما يحدث بعدها.
قالها ريان بتأكيد على أنه لن يتركها تصارع وحدها في معادلة غير مكتملة الأركان بل سوف يجاهد لتأخذ حقها وتنتصر لأول مرة بحياتها على كابوس أزلي لن تنتهي منه سوى إن قررت هي ذلك، تنهد أركان بهدوء وهو يقول بتأكيد
- سوف أبقى على اتصال معك لمعرفة آخر التطورات علني أهدأ.
- لا تقلق سوف أخبرك بآخر المستجدات الأهم ألا تخبر والدتك بشئ.
قالها ريان وأغلق المكالمة منتظرًا ترتيب بقية أوراقه قبل أن يذهب لمواجهة ذاك الطاغوت مقررًا إذاقته من نفس الكأس الذي تجرعت منه زوجته من قبل.
أما أوار فبعدما أنهى المكالمة نظر إلى رانسي التي تناظره بعدم فهم ليخبرها بحنان
- لا شئ جميلتي فقط عدة أمور خارج السيطرة.
- ماذا!
قالتها بعدم فهم ليخبرها بإقرار وهو يجلس على أقرب مقعد
- يبدو بأن جمال قد عاد ليُكمل انتقامه المزعوم.
.................
الخذلان يأتي دومًا من الشخص الغير متوقع!
الخذلان يأتي دومًا من الأقربين.
عدة جمل تأكيديه نثرها غيث على ورقة بيضاء بعدما عاد من منزله مساءً؛ مستاء لأن الصديق وقت الضيق لم يكن موجودًا حينما احتاج إليه في أحلك أوقاته بؤسًا وكأنه وجب عليه أن يصارع وحده مع خفي لا يعلم عنه أي شئ.
وضع عدة دوائر على أول كلمة بالجملتين ليدرك بأنه يقف أمام كلمة خبيثة وثقة مهزوزة بشأن العلاقات ربما لن تداويها الأيام على المدى القريب.
نحن لا نواجه العالم بمخاوفنا بل بأمان يتسرب إلينا ممن حولنا.. يطمئنونا بأن كل ما يدور حولك هين ويمكن تجاوزه مادُمت تتحلى بالشجاعة المطلوبة لتخطي الأمور لكنه وللأسف في تلك اللحظة شعر بأنه أضعف مما كان يتصور وأن أمانه المرهون على تفاؤله لم يكن سوى سراب اختفى تدريجيـًا حينما شعر بأنه ليس على ما يرام خاصة حينما تسرب من حوله الجميع دون أن يشعر ولم يتبقى له سوى والده الذي يثق به كثيرًا.
ربتة حانية على كتفه جعلته يلتفت برأسه ليرى والده يطالعه بنظرات متسائلة عن تدهور حالته المزاجية بعدما عاد من الخارج ليخبره بنبرة مهزوزة
- رفض أن يمد لي يد المساعدة.
والأب لا يفهم مَن المقصود بضمير الغائب هو ليتساءل بحنان
- ما الأمر غيث!
تنهد غيث بضيق من كثرة الضغوط التي تصيب قلبه بالعطب وكأنه كان يحتاج إلى مثل تلك النهايات حتى يُغير نظرته بالآخرين وأن يثق بعبارة "الآخرون ليسوا جوارك طوال الوقت ولن يلبوا مطالبك كلما احتجت إليهم" ليحتضن والده بحزن وهو يقول بإقرار
- باسل رفض مساعدتي.
- لا يهم.
قالها والده بانفعال من حالة ابنه السيئة تلك، لم يحاول إلقاء اللوم على صديق بمثابة ابن له بل أخبره بحنان يحاول امتصاص غضبه المتواري نحو صديقه
- ربما لم يكن بيده شئ يقدمه لك صغيري.
- أنتَ معي أم تقف في صفه أبي!
قالها بغضب وهو يبتعد عن والده بحركة دراماتيكية متوقعة ليتنهد والده بقلة حيلة وهو يخبره بحنان
- بل مع الحق صغيري.
وقبل أن يثور غيث أكمل والده بنبرة عقلانية يحاول من خلالها امتصاص طاقته المشحونة ضد الجميع
- لأنك غيث لا تحتاج إلى أحد لمساندتك في خطواتك بل يتطلب منك الأمر عقل يستوعب قبل أن يحلل كافة الأحداث التي وقعت في الفترة الأخيرة لإيجاد الثغرة التي تسلل إليها ذاك الخاطف وأخذ أميرتنا بعيدًا.
- لا أريد.
قالها بضيق وهو يبتعد عن والده ليقف جوار النافذة يتأمل حركة أوراق الأشجار حينما يداعبها الهواء خلسة وكأن تحركها بخيلاء ليس سوى كسوف من موقف لا تريد أن تكون فيه، شرد في الأمام وهو يتحدث ناهيًا الحوار مع والده تمامًا
- يبدو بأن وسواس أفكاري كان على حق حينما أخبرني بأنها لم تحبني يومًا.
اقترب والده منه ليقف خلفه تمامًا قبل أن يصفعه بخفة على رأسه من الخلف وهو يقول بنبرة غلبها العتاب
- أتثق بشيطانك والعياذ بالله أكثر من كارمن!
أدرك في تلك اللحظة بأن أفكاره أوقعته في شرك واقعه وأن لحظات يأسه تم ترجمتها بنجاح لتكتب فصل آخر من نهاية مدينة غلبها الرماد وتهالك مَن فيها قبل أن يخطو خطوة واحدة نحو السعادة.. تجاه الاستقرار.. لم يسعوا كفاية لتحقيق ما كان مخطط له رغم صبرهم الشديد للحصول على أفضل نتائج وتحمل الكثير في سبيل ذلك وفي نهاية المطاف تكون النتيجة صفر مفرغ من كل ما يدور حولهم عدى سلبياتهم.
- لم أعد أثق حتى بنفسي والدي.
قالها بيأس مُنهيًا الحوار ليتركه والده في الغرفة يصارع شياطين أفكاره حتى يصل إلى نتيجة ترضيه هو قبل أي شخص، يصل إليها بقناعاته هو لا بأفكار الآخرين حتى لا يأتي مستقبلًا ويلوح بأن الجميع السبب في كل ما يحدث معه وأنه لا يستطيع تخطي أي شئ يتحرك في فُلكه مادام لم يملك القدرة الكافية لفعل ذلك.
على الجانب الآخر عند باسل..
منذ آخر لقاء مع نيا رفضت التواصل معه نهائيًا بل أغلقت كافة السُبل للوصول إليها متعللة بوجود الكثير من العمل في ظل غياب أوار المتصل، هدمت بسرعة كل مجهود خطاه نحوها والسبب لا تريد مزيدًا من الضغط في الوقت الراهن لذا قرر مواجهتها حتى يعرف كيف أخطأ لتعامله بمثل تلك الوقاحة أو عذرًا لا تعامله على الإطلاق.
لمح سيارتها تأتي من بعيد قبل ركنها جوار الرصيف لتدخل بعدها بخطوات ثابتة نحو المصعد وبمجرد أن دلفت إلى دخله وضع قدمه ليمنعه من الغلق وبعدها استقر جوارها وأُغلق المصعد عليهما سويًا.
أما نيا فبعد حديثه مع صديقه غيث ورفض مساعدته قررت الابتعاد عنه في الوقت الراهن متعللة بالعمل بل وامتنعت عن رؤيته تمامًا حتى تستطيع تبين حقيقة مشاعرها نحوها والسبب بسيط أنها لا تريده أن يكون أداة تستنزف طاقة عشقه حتى تُشفى من إعجاب بآخر ظل ملازم لها لسنوات عديدة وإن كانت النتيجة في صالح صهيب سوف تبتعد عنه نهائيًا حتى لا تشعر بالذنب أكثر من ذلك لكنه قرر الظهور أمامها مجددًا قاطعًا تلك الهدنة التي أخذتها لنفسها وكأنه لا يريد منها سوى البقاء جواره وهنا توصلت إلى استنتاج هام ألا وهو -ربما عشقه لها هوس لا غير- والنتيجة كارثية لأنه لا يجوز مثل ذاك العشق في حياتها حتى لو كانت هي لا تؤمن به.
- ما الخطب نيا؟
قالها بحنق دون أن ينظر إليها لتضع نظارتها الشمسية على عينيها قبل أن تخبره بلامبالاة
- ضغط عمل لا غير باسل.
- ماذا!
تفوه بها بحنق أكبر من ردها البارد معه ليحاول التظاهر بكون الأمر لا يعنيه لكن كيف لا يعنيه وهو يريدها معه في كافة خطواته القادمة والسبب بسيط للغاية انه يعشقها حد الهلاك، متعلق بها حد وصفه ولا يمكن التنازل عنها بسهولة.
- أتريد الصراحة باسل؟
قالتها بتساؤل ليومأ إيجابـًا علامة الموافقة منتظرًا بقية حديثها لتقول هي بتخاذل شعر به من نبرتها الهادئة
- لأنك تخليت عن صديقك الأقرب على حد وصفك حينما احتاج إليك.
رغم سخرية كلماتها إلا أنه تجاوز عن الأمر ليخبرها بتساؤل وقد عقد حاجبيه علامة عدم الفهم
- وما علاقة هذا بكِ!
ابتسمت بسماجة من حديثه لتجيب عليه بسخرية أكبر وكأنه تريد أن تشعره بذنب أكبر من عدم مساندة صديقه عندما مد يده لينتشله من الغرق المتربص به
- صديق بمرتبة أخ..
قالتها بعصبية وهي تلتفت له مقررة التخلي عن ثوب البرود ذاك ولو قليلًا لتواجهه بأنه ربما أناني في بعض قرارته بل والمصيبة الأكبر أنه لا يريد من أحد أن يعاتبه أو حتى يخبره بكم الخطأ الفادح الذي اقترفه في حق نفسه قبل صديقه
- تخليت عنه باسل في أكثر وقت كان يحتاج إليك فيه دون سبب واضح فقط رفضت لمجرد الرفض.
- أهكذا كان رأيك بي نيا..!
قالها بتخاذل لتنظر إليه بقوة وهي تجيبه بثبات
- طالما لم يكن لديك سبب مقنع لرفضه فلن تصبخ النتيجة ف صالحك مهما حاولت إثبات عكس ذلك.
للأسف محقة فيما تقول.. هكذا أخبر نفسه بصمت بعدما أنهت حديثها فهو لم يفسر أي شئ فقط اكتفى بالرفض ليتذكر نظرات الخزي من صديقه له قبل أن يغادر نهائيًا واعدًا إياه بأنه لن يطلب منه شئ بعد الآن.
فُتِح المصعد على مصرعيه لتغادر هي منه تاركةً إياه يصارع وحده مع مجهول ربما لن تعلمه هي، التفتت له تخبره بحنان قبل أن تغادر
- يمكنك التواصل مع غيث وإخباره عما يحدث حتى يلتمس لك عذر لرفضك وأيضًا..
ابتسمت بحنان وهي تخبره بنقطة هامة ربما لم فكر فيها سابقًا
- حتى لا تخسر صديقك إلى الأبد.
غادرت وبقي هو في المصعد يفكر في حديثها فهو يدرك في تلك اللحظة بأن صمته السابق ربما لم يكن سوى وسواس قد يودي بكل أحبائه إلى طريق لا عودة منه بعد الآن.
قرر وقبل أن يغير رأيه نفذ مباشرة وكانت خطوته التالية إلى منزل صديقه الذي استقبله والده بعتاب صامت قبل أن يخبره بأن صديقه في غرفته ملازم إياها بعدما عاد من مقابلته ليستأذن بأن يقابله.
طرق على الباب قبل أن يدخل ليستمع إلى صوته من الداخل يخبره بعصبية
- أخبرتك أبي بأني أريد البقاء بمفردي ولو قليلًا.
- لستُ والدك.
قالها باسل بمشاكسة وهو يجلس على الفراش بعدما أغلق الباب خلفه لينظر له الآخر بصمت قبل أن ينظر إلى الخارج مجددًا، ليستمع إلى صوت حركة في الغرفة لينظر ثانية بعدما وجد باسل يتمدد على الفراش وألقى بحذائه على صديقه غيث الذي أخبره بغضب
- ما الأمر سيد باسل أنسيتَ إخباري بأمر ما وقد تذكرت الآن!
- أجل.
قالها باسل ببرود وهو ينظر إلى صديقه الذي جاهد ليحافظ على ثباته حتى لا يرتكب فيه جناية ليحمحم بخفوت وهو يجبره على الالتفات إليه بعدما تحدث بلامبالاة
- لا تكن جبانًا هكذا غيث.
كلماته وكأنه وضع الملح على الجرح تمامًا ليتجه الأخر إليه وهو يقذفه بالوسادة مصاحبًا ذلك قوله الهادر
- أتسمي صمتي جُبنًا سيد باسل!
تنهد بضيق وهو يجاهد التحكم في غضبه حتى لا يثور في وجه ذاك الأخرق ويخسره إلى الأبد ليُكمل بعتاب
- لقد رفضت رفضًا قاطعًا إتمام أمر ما لأجلي.
- كنت مُضطرًا لذلك.
قالها باسل بقلة حيلة لينظر له الآخر بعدم فهم مما يسمع، عقد حاجبيه وهو يسأله بلامبالاة
- ماذا تقصد..!
- إليك الأمر.
توه بها باسل باستفاضة يخبره ما سقط منه سهوًا وعرفه هو بأقل مجهود ممكن
- بدأ الأمر بطلب صهيب فعل نفس الأمر لمعرفة موقعها وبالفعل تم العثور على موقع هاتف كارمن في الفندق خاصةً في غرفة التخرين.
انتبه غيث لما يقوله صديقه بعدما أكد له بأنها كانت في الفندق ليسأله بفضول
- وبعد ذلك..!
- تم فقد الاتصال لكن أكد خبراء الطب الشرعي أنها كانت في مخزن الفندق واختفت من هناك.
صمت قليلًا ليعبث بهاتفه وهو يلوح بيده أمام وجه الآخر يريه بعض اللقطات التي تم التقاطها من المكان ووجود آثار أقدام لأشخاص كانوا هناك قبلها بقليل.
- ما يحير المحققون الآن كونها تحركت من غرفة الفندق إلى المخزن دون التقاط أي أثر من كاميرا المراقبة.
- من الممكن أنها قد تم نقلها من خلال الغرف السرية التي تم العثور عليها في الفندق.
قالها غيث بعد صمت وكأنه يفكر بأمر ما لينظر ثانية إلى الصورة وهو يقول بذهول
- يبدو بأن الخاطف يسبقنا ببضع خطوات.
اختتم كلماته وهو يضع هاتفه أمام باسل ليعرض عليه نفس العلامة الموجودة في الغرفة السرية والتي تطابق الموجودة في المخزن.
- كان بإمكانك إخباري حينها.
قالها غيث بعتاب ليخبره الآخر بهدوء معللًا سبب صمته حتى الآن
- يظن كلًا من صهيب وطارق بوجود خائن بينهما لذا لحدوث تلاعب في الأدلة سواء الخاصة بقضية نوفان شوكر أو تلك الخاصة بكارمن.
لم يفهم غيث ما يقوله لذا تساءل بهدوء
- وما علاقة تلك القضية بكارمن.
- يظن طارق بأن الفاعل واحد في الاثنتين أو لهما علاقة ببعض.
قالها باسل بهدوء ليمدد على الفراش راجيًا النوم ولو قليلًا ليُكمل بهدوء مستفيضًا فی شرحه
- وكذلك يريد كلاهما القبض على الجاسوس لحل تلك المعضلة.
صمت قليلًا وبعدها تحدث دون تحيز هذه المرة لأي طرف
- وهناك أمر آخر لكن لا يخص كارمن لكن يبدو بأنها ستكون البيضة التي تودي بصاحبها إلى الهلاك.
- كل ما تفوهت به جيد لكنك خذلتني باسل.
قالها غيث بلامبالاة بعدما انتهى كلاهما من تحليل الأمور ليقول هو بهدوء مؤكدًا بوجود سبب منعه من قول ذلك
- لقد وقعت بالإجبار على تعهد بعدم التفوه في تلك القضية حتى لا يتم الزج بي في السجن ولم استطع التحدث معك أمام المقهى لوجود زائر من الشرطة أتى خصيصًا لتحذيري بعدم التفوه بأي شئ والسبب أن صهيب يشك حتى في أصابعه في الوقت الراهن.
- أخرج في الحال باسل.
قالها غيث بعصبية فهو لا يريد رؤيته في الوقت الراهن ليضحك الآخر بسماجة وهو يقول ببرود
- لن اتحرك من هنا حتى نتشاجر سويًا.
تمنى فنال هكذا حدث بها غيث نفسه قبل أن ينقض عليه ويكيل كل منهما اللكمات للآخر، ظلا هكذا لبضع دقائق قبل أن ينام كل منهما على الفراش يضحكا بتعب وباسل يقول لغيث بإقرار
- لن أستطيع خسارتك غيث مهما فعلت فأنت شقيق لم تلده أمي.
- وأنت كذلك صهيب.
قالها بإقرار وشرد كل منهما في سقف الغرفة بتمني يريدان فعل الكثير لكن الزمن لا يرحمهما بالمعنى الحرفي.
الخذلان من منظورك قد يكون حماية من وجهة نظر الآخرين لذا لا تحاول أن تطلق الإساءة قبل التأكد من أنك على حق حتى لا تأتي مستقبلًا وتندم لأنك بغبائك الشديد فقدت ما لم يجوز فقده بعدما جاهدت كثيرًا للحفاظ عليه وبلمح البصر تركته يتسرب من بين يديك كالسراب دون رجعة لذا تمهل قبل أن تخطئ في إصابة هدفك وبعدها لن يجوز عليك سوى الرحمة بعدما ينتهي أمرك تمامًا لأنك سمحت لنفسك أن تسير عكس المتوقع في الخطأ وها هي النتيجة بين يديك الآن لن تُرضي حتى أعدائك.
قد تكون أنت الحياة في إطار أحدهم وان أصاب هذا الإطار خدش ما فالعطب مصير متوقع ونهاية مهلكة لن يحبذها أي طرف من أطراف تلك المعادلة لأنها مبتدأ التاريخ وما بعدها لن يكون سوى خراب غير متوقع يؤذي كلاكما بجروح لا شفاء منها.
...............

"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن