الفصل السابع والأربعون

1K 11 5
                                    

الفصل السابع والأربعون
"الأخير"

الحياة لا تقف أمام خطوة معينة بل تستمر مادمت تملك المزيد من أنفاسٍ مسلوبة الحرية.

الحياة مستمرة لكنك لم تكن تدرك قط بأن الوقوف عند عقبة واحدة يجعل منك أبلة لا يدرك بأنه يتخلى عن لحظات ربما كانت دواء لأذية تعرض لها في الأمس القريب، مغفل ظن الاستسلام هو الدواء الوحيد لعلاج أوجاعه السابقة وإخماد المستقبلية منها لكنه لم يلاحظ قط بأن المسكن حينما تنتهي فترة عمله يتخلى عنك تاركًا إياك تصارع في القاع وحيدًا مع ألمك متعللًا بأن مهمته انتهت عند تلك المحطة ولم يعد بمقدوره التعامل مع الأمر.. غبي صغير ظن السعادة مستحيلة لمَن هم على نفس شاكلته وفهم متأخرًا بأن التفاخر بالضعف ليس سوى جُبن من عدم الأذية مع ترقبها في أي لحظة كمَن يقف على حافة الهاوية وكل دقيقتين يهدد الجمع بأنه سوف يٌلقي نفسه داخلها.. لا منه فعل ما يهدد به ولا حتى تراجع عن الأمر فقط ظل متشبثًا بنقطة صعقته حينما ملت من ثرثرة لا تزيد السطح إلا توترًا.
جلست كعادتها في الآونة الأخيرة تترقب شروق الشمس بأمل في الصباح الباكر وتتأمل غروبها قُبيل المساء..
فالشروق يذكرها بقوتها النفسية والعقلية أثناء وجودها في كنف زوج يحميها حتى تهاوش جسده فجأة لتشبه الغروب في اضطرارها للرحيل عن حياته مع وعد بضرورة العودة ثانيةً لكن في وقت مناسب.
تشعر بالخواء الشديد خاصةً بعد مغادرة ريان وزوجته لحضور حفل زفاف ابنة علي، تحايلا عليها بكافة الطرق للذهاب معهم لكنها رفضت بحزم متعللة حينها بأنه
- لم يحن الوفت بعد لمواجهة العائلة ثانيةً.
اتصلا بها كثيرًا ليطمئنا على حالتها وحالة الجد وفي كل مرة كانت تخبرهم بأن الوضع بخير وفي عبارة الأخرى "الأمن مستتب يا فندم".
تنهدت بتثاقل وهي تشعر بفراغ كبير يحيط بها فرغم عدم ارتباطها بصلة دم بين ريان وعائلته إلا أنها تشعر بأنهم عائلة واحدة مع تضرر ابنها من وجودها عندهم مؤكدًا بأن الأفضل لها أن تبقى معه.
رغم تشبثها برأيها وبقائه على عناده في ذلك الأمر خصيصًا وحجته الظاهرة بأنه لا يصح أن تبقى في منزلهم أكثر من ذلك خاصةً وأن فترة علاجها انتهت وحان وقت الرحيل.. فوائدها غير مناسب بالمرة لكن رغم ذلك لازال يهاتفها كل يومين ثلاث مرات على فترات زمنية متساوية مع توطيد العلاقة بينه وبين زوجته التي ظهرت لهم من العدم لكنه أصر على الزواج منها مؤكدًا بأنها تشبهه كثيرًا في الطباع.
- كيف حالكِ سيدة ماجدة؟
قالها جد ريان وهو يجلس على المقعد المقابل لها لتعتد في جلستها وهي تخبره بهدوء
- بحال أفضل لكن أفتقد الصغار.
أكد على حديثها تبعه صمت طال من ناحيته واندهاش من طرفها في كونه تحدث معها للمرة الأولى بصفة رسمية فالجميع يتجاذب أطراف الحديث على مائدة الطعام غير ذلك لا يتبادلا أي حديث سوى تحية الصباح.
- لقد فكرت كثيرًا في الأمر.
عقدت حاجبيها بضيق من حديثه المبهم فهي بالفعل لا تفهم مقصده ليحمحم بهدوء وهو يكمل شارحًا مقصده بشيء من التفصيل
- حول ماهية وجودكِ هنا دون صفة رسمية.
أومأت بتفهم من حديثه فهي بالفعل أخبرت ريان بضرورة رحيلها لتضرر ابنها من المكوث في المنزل دون صفة، لتؤكد له بأنها سوف تذهب إلى دار الرعاية التي تعمل على تجهيزها مع أعضاء أسرته ليقول لها بهدوء
- لنتزوج سيدة ماجدة!
وقبل أن تعطيه رد مناسب على طلبه الغير مناسب بالمرة "نظرًا لتقدم عمرها وهو كذلك أيضًا عدم رؤيتها بوجود مبرر يسمح بذلك" استمع إلى رنين الهاتف ليعقد حاجبيه بدهشة من اتصال ريان به في ذلك الوقت فهو من المفترض أنه منشغل بالزفاف، فتح الخط وقبل أن يجيبه أخبره ريان بتوتر
- يبدو بأن فآطم على وشك الولادة جدي.
إقرار من طرفه جعل الجد يصدم بشدة مما يقول فهو يعرف بأن الموعد ليس الآن لكن يبدو بأن الأمور خرجت عن سيطرة حفيدة لينتفض من مكانه وهو يخبره بهدوء
- أرسل لي عنوان المشفى وأنا قادم في الحال.
أغلق الهاتف دون كلمة إضافية لتعقد ماجدة حاجبيها بشك من حدوث مكروه لهما لتخبره بنبرة متوجسة
- ماذا حدث؟
لم تمهله الفرصة للإجابة بل أكملت بغضب
- هل فآطم بخير!
فحدسها يخبرها بما لا يود عقلها بتصديقه ليقول بهدوء محاولًا التماسك فهو أكثر توترًا من ريان الذي وصله صوته مرتعد من فكرة حدوث مكروه لها ليخبرها بهدوء
- فآطم في طريقها إلى المشفى ويبدو بأن الوضع غير مطمئن.
صمت لحظات وأكمل
- سوف أهاتفكِ حينما أصل وأُطمئنكِ على الوضع.
قال جملته بتعجل فهو يخاف عليها لتأخر الوقت من ناحية وعدم استعدادها للسفر من ناحية أخرى، تركها ليهم بالرحيل لكنها أوقفته بصوت مرتفع قليلًا يصل إلى مسامعه بكل وضوح وتخبره بعناد
- لن أبقى هنا بمفردي بل سآتي معك.
قالتها وتخطته دون إعطائه فرصة للإجابة فهي لن تستطيع البقاء هكذا دون معرفة ما يحدث مع السماح لتوترها بنهشها وتحويلها إلى أشلاء من شدة القلق.
أما الجد فلم يعقب على الحديث بل تركها وذهب هو الآخر لتبديل ثيابه مع إخبار السائق بضرورة تجهيز السيارة للذهاب إلى حيث حفيده وزوجته.
بعد دقائق تقابلا أمام المنزل لتهرب ماجدة من نظراته الملاحقة لها مع تأكيدها بأنه يبدو وكأنه عجوز متصابي.
أمرها بالجلوس في المقعد الخلفي وهو سيكون جوار السائق في الأمام حتى تأخذ راحتها ولا تشعر بالحرج بوجوده في محيطها.
أما هو فبعد إعلان طلبه لريان قبل أيام استقبل ذلك بترحاب كبير مؤكدًا بأنها خطوة تستحق كذلك السيدة ماجدة تشبه كثيرًا طباع جدته الراحلة مع تأكيده بأنها متقبلة لكل أمر حتى لو كان صغير في حياتهم.. يكفي أنها ترعى زوجته فآطم دون كلل بل وتتعامل معها على أنها ابنتها لا زوجة طبيبها..
قامت بدور الأم على أكمل وجه لدرجة شعور فآطم بأنه لو كانت والدتها هنا لأصبحت أكثر سعادة لكن السيدة ماجدة محت كل تلك المخاوف من قاموس الشابة..
استندت برأسها على الزجاج جوارها وكل ما تفكر فيه في تلك اللحظة هو الاطمئنان على الصغيرة ثم المغادرة لقضاء بعض الوقت مع صغيرها وزوجته ربما حينها تجد راحة غادرتها منذ زمن بعيد.
بعض المفاجآت المرتقبة تكون مرعبة رغم كثرة الاستعداد النفسي لها، والبعض الآخر منها ربما ضل السبيل في الوصول إلينا لأننا لازلنا ننتظر ولا شيء سعيد يحدث معنا بل نحن بحاجة إلى التفتيش عنه في كافة أيامنا حتى نصنع واحدة سعيدة.. فالمفاجأة لا تأتي هكذا بل تكون مصاحبة للكثير من التوقعات الغير محتملة وما عليك سوى تقبلها جميعها حتى تهنأ بحياة أفضل.
.......................
السعادة التي تأتيك غير مكتملة ارفضها بكل بجاحة وأجبر الجميع على صنع واحدة لك دون تذمر..
لكن ماذا إن رفضوا؟
اصنع واحدة تناسب معاييرك الخاصة وبعدها أخبر الجميع بصوت مرتفع يصل صداه إلى القاصي والداني بأنك فعلت كل ما أردت وما عليهم سوى تقبل ذلك.
أتى اليوم المنشود للمرة الثانية والتوتر لازال يسود في الأجواء.. فهو لم يتخطى بعد ما حدث في المرة الأولى ليقرر هذه المرة أن يكون كل تفصيلة صغيرة تخص الزفاف تحت إشرافه وعاونه على ذلك معاذ الذي أكد بأنه يرغب بأن يخرج الحفل بأفضل صورة ممكنة تُرضي كلاهما وتناسب الذوق العام للجميع..
معاذ..
عدو الأمس..
صديق اليوم وشقيق الغد..
سند وجده جواره حينما احتاج ليشعر بالذنب ناحيته فهو قد اتخذ موقف هجوم ضده في السابق لكن من خلال تعامله معه أدرك جيدًا بأنها أفضل من كافة الشخصيات التي رسمها له في السابق.
أنهى تبديل ملابسه وأمسك هاتفه يرسل رسالة نصية إلى زوجته المستقبلية يطمئن على حالها بعدما انتهى مما يفعل لتخبره بهدوء أنها أوشكت على الانتهاء لذا لا داعي لقلقه الغير مبرر بالنسبة لها.
أما معاذ فقد اتخذ الشرفة وسيلة للهروب من نظرات أصدقاء غيث المتفحصة لها، ضغط زر الاتصال وانتظر حتى أجابت فتاته من الطرف الآخر بصوت أشبه للتأفف ليخبرها بهدوء مستفسرًا عما تعانيه
- ما خطب الآنسة تمارا وجعلها منزعجة إلى هذا الحد!
تأففت للمرة التي لا تعلم عددها وهي تخبره بغضب
- ذاك الفستان ثقيل للغاية..
ابتسم جراء كلماتها القليلة لتتسع ابتسامته قبل تحولها إلى عدة ضحكات متسلية حينما أخبرته بغضب
- امحي تلك الابتسامة اللزجة عن وجهك الوسيم وإلا حطمته لك قبل إعلان رفضي على الزواج منك.
تدرك بأنه أخبرها سابقًا بأن الفستان ثقيل ووجب عليها تبديله إلى واحد أكثر راحة لكنها الآن تعاني وهو يضحك، حاول التحكم في ضحكاته وهو يخبرها بمشاكسة
- عنيفة للغاية آنسة تمارا.
حاولت كتم ضحكاتها فهي حتى هذه اللحظة لا تستطيع السير بكل ذاك الثقل على جسدها لتلمع عينيها بابتسامة مشاغبة وقد توصلت إلى حل يُرضيها هي أولًا قبل البقية ليخبرها معاذ بحنق وقد فهم المغزى من صمتها الغير مبرر
- إياكِ تمارا وتبديل الثوب.
تحذير مبرر من جانبه فهي صممت على رأيها وحينما تحدث معها في كون ذاك الفستان تحديدًا لن يناسبها أخبرته بنبرة مصرة بأنها أحبته ويستحق التجربة بالفعل، صمت لحظات واستنشق كمية من الهواء لا بأس بها لتمتلأ رئتيه وبعدها زفره على مهل وهو يخبرها بعقابها إن فعلت ذلك
- حينها سأرفض الزواج بكِ.
جدية غلفت نبرته لتعقد حاجبيها بضيق وهي تسأله بشك وقد أغلقت عينيها في محاولة منه بألا تسبه حتى في سرها على بلاهته الغير معهودة في فهم الأمور، فهي دومًا تُصر على الكثير وفي النهاية تتخلى عن كل ذلك لأنها لم ترتح للأمر، سألته بشك وقد اضطرب داخلها لا إراديًا من احتمالية حدوث مكروه وقت الزفاف لكنها بددت كل ذلك بسؤالها
- أتستطيع فعلها؟
ابتسم بثقة وهو يقول بنبرة مغترة وكأنه فارس اقتص ثأره من قبيلة مجاورة بعدما تعدت على حُرمة بيته
- بالطبع..
تبع حديثه عَده إلى خمس ثم أكمل بهدوء شبه واثق
- لا أستطيع.
ابتسمت على فعلته فتمارا تدرك كونه يتلاعب بالكلمات حتى تصبح الأمور في صالحه وبدلًا من ذلك طمأنته بضرورة الوثوق بها قبل إغلاق الهاتف دون الاستماع إلى رده من الجانب الآخر لينظر إلى الهاتف بصدمة وعاد إلى الداخل وهو يشعر بالكثير من الفراشات تطير حوله بسعادة غير مصدق بأنه على مشارف الظفر بها إلى الأبد مؤكدًا بأنه إن تأمل أي حد حالته تلك لظنه القط توم في لحظات هيامه الرومانسية مع خروج الكثير من القلوب الحمراء من عينيه.
ساعات مرت وحانت اللحظة الحاسمة حيث قرر والد غيث السيد عمار اصطحاب الفتاتين معًا إلى الأسفل خاصةً وأن والد كارمن قد توفى ووجب عليه تزييل كافة المصاعب حتى لا تشعر بالحزن في مثل هذا اليوم كذلك الأمر مع شقيقتها.
أخبره ابنه بكل شئ بداية من عودة كارمن مرورًا بمعرفته بوجود شقيقة لها كذلك ظهور ابن عمتها من جديد على السطح مؤكدًا بأنه لم يعرف عن صلة القرابة بينهما شيء سوى من كارمن فيما بعد مع تأكيده بأن الأمر ربما قد خرج عن سيطرة علي.
انتظر معاذ وغيث أمام المصعد بانتظار ظهور العروسين ولم يستطع أي منهما التواجد داخل القاعة لينظر كل منهما إلى الآخر قبل أن يقولا في نفس الوقت بشك وقد داهم عقلهما الكثير من السيناريوهات الغير متوقعة بالمرة
- يبدو بأن هناك خطب ما.
صاحب دليله النظر في ساعته عدة مرات فمن المفترض أن تكون العروسين هنا لكنه عوضًا عن ذلك لم تظهر أي منهما، لحظات واستمعا إلى صوت صخب يأتي من داخل القاعة ليعقدا حاجبيهما قبل أن يتجها للداخل ليجد والده يتوسط المكان بين الفتاتين مع محاولاته في كتم ضحكاته على بلاهتهما..
فهو قد أخبرهم بأنه سيهبط بالمصعد لكن لم يخبرهم بوجود واحد بالقرب من الباب المخصص لدلوف العروسين غير ذاك الخاص بالضيوف.
اقترب كلاهما لتحجدهما الفتاتين بحنق قبل أن يسلمهما إلى طفليهما وانتظر جوار أقاربه لاستقبال الضيوف.
مرت أول ساعة من الحفل بهدوء حتى أتى المأذون ليقترب منه العريسين والشهود مع بقاء العروسين في مكانهما.
آيات قرآنية تلاها الشيخ على مسامع الحضور تبعها عدة أحاديث نبوية وفي النهاية خُطبة معتادة عن الزواج وحُسن التعامل بالمعروف بين الزوجين موضحًا مدى قداسته.
شرع في البدء بمراسم كتب الكتاب وكانت البداية مع غيث وسأل عن وكيل العروس ليخبره معاذ بأنه ابن عمتها ووكيلها.. أومأ الشيخ بتفهم وطلب منهما التصافح مع وضع منديل أبيض على يديهما..
طلب من غيث الترديد وراءه دون إضافة أي كلمة من عنده وبعدما انتهى قرر توجيه سؤاله المعتاد إلى العروس قبل أن يبدأ مع وكيلها
- أتوافقين على الزواج من السيد غيث عمار آنسة كارمن!
لكن بدلًا من إجابة العروس استمع إلى صوت إحدى الفتيات تخبره بنبرة متألمة
- موافقة شيخنا.
وقبل أن يستوعب ما يحدث صدح صوت صرخات متتالية تبعه سيادة حالة من الهرج في المكان مع ترديد النساء
- يبدو بأن فآطم تلد.
لم ينتظر زوجها وصول سيارة الإسعاف بل حملها إلى الخارج متجهًا بها إلى سيارته حتى ينقلها إلى أقرب مشفى، كان يشعر بالأمر مسبقًا لذا اتخذ بعض الإجراءات قبل الذهاب إلى القاعة وقد هاتف طبيبها وأخبره بشكوكه فأخبره الآخر باسم مشفى سيكون متواجد بها إن حدث شئ فليأتي بها إليه.
بعد دقائق معدودة كان قد غادر الجميع ولم يتبق سوى معاذ وغيث وكذلك المأذون الذي وضع مستلزماته في الحقيبة وهم بالرحيل ليمسك به غيث وكأنه يقبض على متهم ويخاف من هروبه إلى أي مكان آخر، نظر له بعدم فهم ليخبره غيث بلامبالاة غلفه الكثير من الإصرار
- لن يذهب إلى أي مكان..
صمت قليلًا وهو يجذبه من ساعده دون أن يعطي فرصة للآخر ليعترض حتى لكنه أكمل بنبرة أكثر ثقة
- بل سيأتي معنا حتى يُنهي مهمته.
حاول معاذ الاعتراض كذلك والده لكنه لم يمهلهم فرصة للاعتراض أو حتى التحدث فهو يريد إتمام تلك الزيجة "المعقربة" على حد وصفه ولا يسمح لأي شخص مهما كان الوقوف في وجهه فهو مُصر على إتمام الزيجة حتى لة عارضه الجميع في ذلك..
- أيصح هذا سيد عمار!
قالها المأذون بحنق وهو يحاول التخلص من قبضة غيث لكن الآخر لم يهمله الفرصة لذلك، زفر بحنق ليجيبه غيث بدلًا من والده وهو لازال على نفس موقفه
- يصح سيدي الشيخ لكن عليك أن تأتي معنا حتى تُنهي مهمة عقد القران.
اختتم كلماته واتجها إلى الخارج ومعاذ أمامهم يبحث عن السيارة لكي يذهبوا جميعًا إلى المشفى..
أتى باسل وأخبرهم بصوت عال قليل
- فليأتي معي أبي.
وضرب على بوق السيارة ليأتي صديق آخر استقل غيث والمأذون السيارة معه.. ومعاذ مع باسل في السيارة ليضحك عمار عما فعله ابنه مؤكدًا بأنه أصاب بلفحة جنون جراء عشقه لكارمن.
وفي السيارة الأخرى أخبر المأذون غيث بقلة حيلة وصاحب حديثة نبرة غاضبة
- أتظنني مجرم أم ماذا يا فتى!
قالها ووجه نظراته إلى حيث موضع يد الآخر وساعده لازال أسير ذاك الشقي ليخبره غيث بنبرة معتذرة
- أعتذر سيدي لكنها المرة الثانية ولم يفلح الزفاف لكن تلك المرة لن أجعل الأمور تخرج عن السيطرة كما المرة السابقة.
استرسل في حديثه بالتفصيل عما حدث في السابق من اختفاء حبيبته حتى عادت إليه سالمة مرة أخرى وهو لن يضيع فرصته في وشم اسمه على روحها إلى الأبد، تفهم الآخر حديثه لأنه وللصدفة العجيبة نفس مأذون المرة السابقة، فهو يتذكر تأجيل الزفاف حتى إشعار آخر لإخفاء العروس وقتها، ليرد عليه بنبرة هادئة
- لو كان لدى موعد آخر غير الخاص بك..
قالها ببساطة معلنًا بأن غيث كان آخر عقد قران في يومه الطويل ذاك، ابتسم بهدوء وأكمل مرددًا بنبرة مازحة
- لم أكن لأطاوعكَ في جنانك ذاك.
والتزم الصمت بعدها وكذلك غيث الذي أرسل رسالة نصية إلى كارمن يطمئن بها على حالة زوجته لترسل له بتعب
"وصلنا إلى المشفى الآن ونبحث عن ريان.. بمجرد وصولنا إليه سوف أخبرك بشيء من التفصيل".
وبالفعل مرت خمس دقائق واستقبل رسالتها النصية بأنهم في الدور الرابع أمام غرفة العمليات.
وبالنسبة للعروستين فبعد أن أغلقت الخط نظرت إلى شقيقتها تخبرها بأن غيث ومعاذ قادمين في الطريق لتتذكر كلتاهن اللحظات السابقة بعد إنهاء مكالمة تمارا مع معاذ وتأكيدها بأنها سوف تُبدل الثوب إلى آخر قد أعجب معاذ ولم توافق عليه لتحاول شقيقتها تنحيتها عن الأمر لكنها طلبت منها تشويش اختفائها حتى تعود من الخارج.
وبعد ساعة كاملة عادت وخليها مسؤول يحمل الثوب قبل وضعه على الفراش لتتنهد كارمن براحة لوجود الأخرى أمامها سالمة..
رنين الهاتف أخرجها من شرودها لتجده رقم حفظته عن ظهر قلب لأنه يخص أحد أفراد عائلتها ولن تستطيع التنازل عنه، لم تنتظر أكثر بل فتحت الخط على الفور ووضعته على وضعية مكبر الصوت
- مبارك علي التخلص من تهمتين والعيش بسعادة مع زوجتي المصون.
علت صوت ضحكاتهم لتقول تمارا بنبرة هازئة
- يكفي وجودك واستقبال المدعوين سيد أركان.
ورغم مزحتها إلا أنها محقة في ذلك فهو بالفعل قرر الابتعاد مؤكدًا لهن بأنهما عائلته التي لن يتخلى عنها قط وغير ذلك فلا يهم أن يعترف بوجوده أحد.. تكفيه الفتاتين ثم نقطة في نهاية السطر.
- أعلم بأنه وجب علي الحضور واستقبال الضيوف لكن لا أريد أي علاقة من أي نوع مع أشخاص لم يعد يجمعني بهم صلة دم أو حتى قرابة.
قالها بتبرير لتعتذر منه تمارا على غبائها السابق قبل أن تقول كارمن بهدوء
- يكفي بأنكَ معنا أركان غير ذلك لا يهم.
اتفق معها وأخبرها بأنه أرسل لهن الهدايا في منزل الزوجية لذا عليهما الاستمتاع بالأمر وإن احتاجتا لأي شئ فليبلغاه بذلك دون تردد.
اعتذرت منه تمارا ثانيةً وأخبرته بأنها تنتظر لقائه مع زوجته في القريب العاجل.
مر الوقت سريعًا بعدها حتى أتى والد غيث وأخذ الفتاتين إلى أسفل مع ضحكاته الخبيثة في أن الأطفال ينتظرون في مكان وهم سيدلفون إلى القاعة من مكان آخر تمامًا.
بعد الكثير من الصخب عم الهدوء في المكان بوصول المأذون ليشرع في مراسم عقد القران قبل أن يوجه حديثه إلى كارمن عما اذا كانت توافق على غيث زوج لها وقبل أن تجاوب وجدت فآطم تهدر بموافقة قبل صراخها لتعم الفوضى في أرجاء المكان..
غادرت مع زوجها واستقلت العروسين سيارة أخرى رفقة هدى ورحمة..
فاقت من شرودها على صوت تمارا وهي تشير إلى بقعة بعينها بعدما صاحت بصدمة
- غيث اصطحب المأذون إلى هنا.
بكلماتها العفوية جعلت الجميع ينظر إلى حيث أشارت ليصعق الجميع فيبدو أن المأذون حضر على مضض تحت تهديد من ذاك الذي جواره وبمجرد اقترابه سلطت الأخرى نظراتها عليه ليقول بهدوء
- لن أتنازل اليوم عن الزواج بكِ آنسة كارمن.
اختتم كلماتها وجلس هو والمأذون في الناحية الأخرى، لا يستطيع أحد لومه فيبدو بأنه قد عقد العزم على فعل ما يريد ولن يستمع إلى أي أحد مهما كانت هويته.
لحظات مرت ولا شيء جديد ليبدأ القلق ينهش جُنبات ريان الذي وقف بعيدًا عنهم بعدما امتنع الطبيب عن حضور عملية الولادة مطمئنًا إياه بأنها ستكون بخير.
أتت الممرضة وأخبرتهم بسعادة بأن الله قد رزق ريان بفتاة ليشعر بأن فآطم قد أدهته قطعة من السماء ووضعتها بين يديه..
- الصغيرة سوف يتم وضعها في الحضانة بأمر من الطبيب.
قالتها بهدوء وهي تغادر ليناديها ريان واستأذن من الجميع ليذهب معها حيث المكان الذي سيتم نقل صغيرته فيه.
انتظر أمام الباب على أحر من الجمر لتأتي الممرضة وتضعها بالداخل.. انتظر قليلًا حتى انتهت وطلب منها الدلوف للاطمئنان عليها ورغم رفضها في السابق إلا أنها وافقت حينما لاحظت إصراره الشديد على الأمر..
جعلته يُبدل ثيابه إلى زي خالص بالدخول وبالفعل قام بما أمرته به ليقف أمام الصغيرة وعينيه على وشك ذرف الدموع لتساعده الفتاة على حملها..
اقترب بفمه من أذنها وردد الأذان بصوت رخيم مع تلاوة عدة آيات قرآنية وفعل ذلك في الأذن الأخرى وبعدما انتهى مما يفعل أغرق وجهها بالقُبلات غير مصدق بأن صغيرته التي لطالما حلم بها أصبحت واقع ملموس بين يديه الآن.
- ميثاق ريان حامد.
قالها بسعادة وهو يدون اسمها على ورقة تعريفية أهدتها لها الممرضة مع شعور بالبهجة تسرب إلى باقي جسده الآن.
يشعر بأنه أصبح لديه ما يخاف عليه وتعزز انتمائه للعائلة مع تأكيده بأن تلك الصغيرة ستكون مصدر بهجة لهم في الأيام القادمة.
أنهى ما فعله واتجه إلى الغرفة التي تم نقل زوجته إليها بعدما قابل الطبيب وأخبره أنها تحت تأثير المخدر وتحتاج إلى بعض الوقت حتى تستعيد وعيها.
وجد الجميع ينتظر بالخارج ليقرر الدلوف إليها، تأمل ملامحها المرهقة وصوت تنفسها المنتظم قبل أن يقترب منها وداخله يود أسرها بين أضلعه فهي كانت السبب في نشأة عائلة تمناها من قبل.
دس نفسها جوارها على الفراش لتتململ في نومتها قليلًا قبل أن تستكين على يده مع محاولاتها الجديدة لفتح عينيها.
شدد من احتضانها وأخبرها بصوت خفيف جوار أذنها
- ميثاق أنارت حياتنا زوجتي الحبيبة.
اختتم كلماته وطبع قبلة حانية على وجنتها المواجهة له لتبتسم بوهن قبل أن تنام ثانية وهي تشعر بالخدر في كافة أنحاء جسدها.
دقائق تخطت حاجز الساعة مرت وهي لازالت على وضعها من شدة التعب، ساعة تأملها زوجها براحة أنه ورغم كل ما واجهته في السابق إلا أنها قد استعادت عافيتها وقواها ليستمع إلى صوت طرقات على الباب تلاه دخول الطبيب الذي اطمأن على حالتها لتستفيق جزئيًا ولازال عقلها غير مقتنع بالمرة أنها أصبحت أم..
قص عليها ريان كل ما صار قبل ساعات لتبتسم قبل أن يدلف الجميع للاطمئنان على حالتها..
- تم الاطمئنان على حالة الأم وصغيرتها.
قالها غيث بصوت مرتفع قليلًا لينظر له الجميع بعدم فهم سرعان ما تحول إلى صدمة وهو يكمل بهدوء
- لنتزوج إذن.
حاول الجميع إثنائه عن رأيه لكن كان متشبث به لأبعد الحدود مؤكدًا بأنه إن لم يتزوج اليوم فسوف يرتكب جناية ويأخذ العروس ويهرب من هنا.
- ليس ابني.
تخلي عنه والده بحديثه ذاك ليوافقه ريان على جنانه بالفعل الزفاف تأجل أكثر من مرة ووجب عليه مساندته في ذلك.
وأمام رغبة الجميع شرع المأذون في إتمام مراسم الزواج بداية من غيث الغير صبور بالمرة ليبتسم الجميع على فعلته تلك..
وحينما أتى دور معاذ أخبرهم عمار بأنه سيكون وكيل العروس متعللًا بأنها شقيقة ابنته كارمن إذن هي ابنته أيضـًا لتنظر له تمارا بامتنان.
سارت المراسم على خير حتى استمعوا إلى طرقات على الباب تبعه دلوف جد ريان والسيدة ماجدة.. الأمر الذي تحول إلى ترحاب من طرف ريان وزوجته ودهشة من طرف رحمة وهدى التي قالت الأولى بصوت مصدوم
- ماجدة.
انتهت المراسم على خير واستأذن الشابين بأخذ العروسين إلى الفندق لأن لديهم طائرة مساء غد دون الاهتمام لأي توتر قد يحدث بعد مغادرتهما فالحياة من وجهة نظرهما أبسط من أي تعقيدات قد تصيب الوسط دون محاولة لعيش حياة أفضل ولو قليلًا فالأهم من السعادة هو التخطيط لكيفية استغلال تلك السعادة لعيشها دون النظر إلى أي شوائب قد تصيب السطح بالاهتزاز.
..................
بعض التغييرات الطارئة قد تكون السبب في تخليك عن حذرك تجعلك تتصرف بغير تفكير في بعض الأمور الشائكة التي لا تحتمل العجالة بل الدراسة بتمهل حتى لو كنت تخسر نتيجة تعسرك فهذا أفضل بكثير من المخاطرة بكل ما تملك لأجل وقت لم يسنح بعد.
استمع إلى صوت مساعدته تخبره بهدوء
- سيد كارم.
أبعد عينيه عن الأوراق لتكمل بنفس وتيرتها الهادئة
- السيد صهيب بالخارج.
أخبرها بأن تدخله على الفور ليستقبله بحفاوة مندهشًا من زيارته المفاجأة لها لكن عليه الانتظار ليرى سبب تلك الزيارة التي لا يسعفه عقله على تفسيره.
- تم إبلاغنا بأنكَ استخرجت كافة التصاريح لهدم الفندق.
تفوهت بها الشابة التي كانت معه ليعقد هو حاجبيه باندهاش من تحدثهما في مسألة لا شأن لهما بها ليقول هو بهدوء ردًا على حديثها
- يبدو بأن سيادتكِ لا تعلمين كم الخسائر التي عانيت منها لأجل قضايا ذاك الفندق المشؤوم.
وقبل أن تجيبه أو حتى تدافع عن نفسها أكمل وهو على نفس الحالة من الحنق
- انتهت التحقيقات ولم يستطع أي منكم الإدلاء ببيان عما توصلتم إليه مما أضر بسمعة المكان لذا ما يخصه لا يعنيكم بعد اليوم.
حاولت التحدث مجددًا لكن تلك المرة صهيب منعها وأكمل هو عوضًا عنها
- الآنسة هيا لم تقصد ذلك سيد كارم لكن..
- بلى قصدت كل كلمة تفوهت بها.
قالتها هيا مقاطعة إياه لينظر لها بضيق فهي لا تستطيع تسيير الأمور كما أخبرها سابقًا بل تفعل ما يمليه عليها عقلها حتى لو كان في ذلك ضرر كبير عليها.
- سيد صهيب المكان اشتريته لأنه منذ عقود لكن الخسائر التي عانيت متها جعلتني في موقف لا أُحسد عليه أمام أعضاء مجلس الإدارة لذا عذرًا لن أستطيع مساعدتك بعد الآن فيما يخص هذا المكان تحديدًا.
علم صهيب بأن التصاريح أتت وهو يرغب في التخلص من كل ذلك حتى ينتهي الأمر على خير، استأذن وصاحبته هيا ليجلس كارم بمفرده يفكر في كل شئ مر عليه مع صديقه أركان مؤكدًا لنفسه بأن الفندق ورغم احتوائه على المزيد من الأسرار التي تخصه هو وصديقه ولم يتم الإفصاح عنها قط إلا أنه قرر أن تكون طي الكتمان إلى الأبد حتى لا تتأثر حياة أي مما يخاف عليهم بعد الآن خاصةً وأم صديقه وشريكه الوحيد أكد موافقته على الأمر فهم يريدون البدء من جديد دون عقبات أو شكوك قد تحوم حول أي منهم في المستقبل.
وفي الخارج زفرت هيا بغضب من عنجهية ذاك الأحمق في الداخل ليخبرها بأنه محق فالتحقيقات انتهت منذ فترة وعدم إعلانهم عنها يرجع إلى محاولاتهم الكثيرة في إطالة الوقت وكسبه لصالحهم لإكمال المزيد من التحقيقات وجمع الأدلة عن بشاعة هذا المكان لكن ذاك الأرعن أخبرهم بتبجح أنه لم يعد لديهم أي شيء لفعله الآن وما عليهم سوى مشاهدة كل ذلك ينهار دون تدخل.
اتخذا من المطعم على ناصية الشارت مكانًا للتحدث فيه قليلًا فهو منذ آخر مقابلة لهمت لم يتحدثا عن أي شئ يخص علاقتهما قط وبمجرد جلوسهما أخبرها بهدوء
- أيمكننا البدء من جديد هيا!
لم تجيبه على طلبه رغم إلحاحه في معرفة الإجابة لكنها عوضًا عن ذلك سألته بهدوء
- وحياء!
ابتسم بصدق على ذكرى كانت كما الصبار مليئة بالأشواك ولا يستطيع أحد المرور من فوقها دون أذية، استجمع شجاعته وأخبرها بهدوء
- كانت ذكرى جميلة.
ارتشفت القليل من كوب العصير وهي تتأمل ملامحه رغم الإرهاق البادي عليها لتقول بحذر من احتمالية عدم تقبله للأمر بعد
- وما فعلته شقيقتك هتان.
أشارت إلى موضع الجرح ووضعت عليه الكثير من الملح دون أن تعبأ بمقدار الألم الذي قد تسببه له ليتنهد بضيق وهو لا يشعر أيحزن على وفاتها أم يكرهها لأنها كانت السبب في تشويه سمعة فتاة لم يكن لها علاقة بأي مما تصارعه الأخرى سوى أنها أحبت شقيقها بإخلاص ليتذكر الشهور الماضية خاصةً بعدما استطاع باسل فتح حاسوبها الشخصي وهاله ما رآه فشقيقته قد اتخذت الحقارة درب لها لإيذائه بأبشع طريقة ممكنة.. إيذائه في حبه والتشكيك في رجولته..
فهي فعلت الكثير من المقاطع المصورة لحياء في مواقف مُخلة ليس هذا فقط بل نشرتها أيضًا على مواقع خاصة بذلك وتربحت منها ليشعر بالاشمئزاز من مدى حقارتها وتفكيرها المنحط.
استغرقه الأمر الكثير من الوقت لإزالة كل ذلك دون ترك صورة حتى مع إحراقه لحاسوبها بالكامل مؤكدًا بأنه ربما كان يعيش تحت سقف واحد مع شيطان لا إنسان.
استيقظ من شروده على صوت هيا وهي تناديه لتقول بهدوء
- شقيقتك كان لديها هوس بك صهيب.
لم يفهم مقصدها لتخبره أنها كانت عائق أمام علاقتهما وكم عانت من لحظات جنونها تلك ليُصدم مما تقول فتلك الفتاة كانت تبعده عن كل شخص يحبه بصدق ويتمنى له الخير.
حاول تمزيق تلك الصفحة نهائيًا ليقول إليها بحنان
- هي الآن توفت ولم يعد يلزمها منا سوى الدعاء لذا أرجوكِ تذكري بأنها مهما فعلت فهي شقيقتي.
أومأت بتفهم والتزمت الصمت حتى يستجمع شجاعته في قول ما يريد ليكمل بهدوء
- أريدُكِ أن تكوني عائلتي الوحيدة هيا لذا اقبلي بحبي ثانيةً واعفي عن زلاتي السابقة.
صمتت تفكر في عرضه فهي لا تنكر قط بأنها لم تستطع نسيانه حتى هذه اللحظة، بالفعل أحبته وتمزق داخلها حينما علمت سابقًا بأنه على وشك الزفاف لتشعر وكأن نصل حاد قد اخترق قلبها ليمزقه إلى أشلاء لكنه الآن أمامها يطلب منها ما تمنته يومًا دون تردد لتبتسم بسعادة قبل أن تمد يدها إليه ليبتهج هو الآخر وهو يضع بين يديها خاتم خطبتهما الذي احتفظ به منذ زمن ليشعر بأن الحياة في تلك اللحظة قد عفت عنه وأجبرت قلبه بحب يليق به قبل مكافأته بقلب فتاته الأولى التي أحبها بصدق ذات يوم.
الحياة تهديك السعادة مادمت تسعى في الحصول عليها دون كلل، تتمنى وجودها وتظن بأم محاربتك لن تنفع بشيء لكن تذكر بأن الخطوة الأخيرة ربما ستكون سبب لسعادة لا تحصى لذا لا تتخلى عن هدفك بعدما قطعت شوطًا كبيرًا به.
.......................
بعض الأشخاص الغير موثوقين من جهة أحدهم يكونوا كنز لآخرين قدموا لهم يد العون في لحظة ضعف ولم يتباهى بذلك قط.
في رواية ابنتها أم شريرة ضحت بكل ما تملك لأجل التلذذ بأموال أب كان السبب في تدمير عائلة أخيه قبل عمتها لكنها في نظر زوجة عمها أخت عوضها الله بها ووقفت جوارها قبل أن تكون سند لها في كل خطوة من حياتها.
تشعر بأن دلو ماء باردٍ قد سقط على رأسها حينما وجدت ماجدة تدلف من الباب رفقة جد ريان، وهي المنكوبة التي ظنت أنها السبب في وفاتها بعدما أخبرها زوجها الراحل علي بأنه قد تخلص من أثرهما إلى الأبد.
ذنب هوى على حياتها كسوط أصبح ملازم لها طوال حياتها كما الكابوس يلتهم نومها ليلًا وفي الصباح تستيقظ بتعب أصاب كاهلها فأصبحت لا تستطيع تخطي أي مما يحدث معها.
جلستا متجاورتين على مقعد أمام الغرفة في صمت لتنظر لها ماجدة بصمت سرعان ما قطعته بقولها الهادئ
- كارمن تُشبهكِ كثيرًا.
ابتسمت وهي تشعر بأن ذنب الماض عاد من جديد ليجلدها حتى تنهار وتلفظ آخر نفس بحياتها باستسلام
- أعتذر ماجدة.
قالتها بإقرار والأخرى لا تعي سبب وجيه لاعتذار ربما لو أتى سابقًا لكن ذو معنى أفضل من الآن لتخبرها ماجدة بهدوء
- لِم الإعتذار عزيزتي.. يكفي أنكِ كنتِ جوار زوجي في أيامه الأخيرة كذلك مساعدتكِ لي في الفرار من خطة زوجكِ الخبيثة.
اختتمت كلماتها وهي تتذكر كيف ساعدتها رحمة كثيرًا لتخطيها العقبات التي واجهتها مع مساعدتها في الفرار من المنزل دون أثر ليأتي بعدها زوجها محمل بخبر وفاتها بعدما أشعل النار في المنزل الذي اختبأت فيه بعيدًا عن بطش زوجها.
- ظننت أني السبب في وفاتكِ وبقيت طوال السنوات الماضية أكفر عن خطأ لم يكن لي ذنب به والذنب الوحيد أن زوجي الراحل كان السبب الرئيسي لمعانتكِ.
ابتسمت بشرود على حديثها فهي متأكدة تمامًا بأنها لم تخبر علي قط عن مكان ماجدة وطفلها لكن شعورها بالذنب أبى الصفح وتحميلها مسؤولية لا شأن لها بها.
- كل ما أريده منكِ أن تتذكري دومًا أن تمارا لا شأن لها بأخطاء والدها فهي ضحية كما كارمن وأنتِ بالضبط.
تفاجأت مما تقول فهي لم تكن تعلم بأنها تعرف الكثير عن تمارا لكن يبدو بأن الجميع يعرف كل شيء بالفعل لذا عليها التعامل بحذر مع البدء من جديد أن سنحت لها الفرصة لذلك.
ودعتها ماجدة ودلفت ثانيةً للداخل تطمئن على حال فآطم والرضيعة لتجد جد ريان يحملها بين يديه بسعادة لتقترب منها قبل أن تنحني لتأخذها منه وحينما نظر إليه أخبرته ببساطة
- عرضك مقبول سيدي.
وافقت على عرضه فهي ترى بأن شمس سعادتها قد حان وقتها لكي تشرق من جديد فغيوم الأمس لابد وأن يأتي وقت لتنزاح بعيدًا حتى تشرق شمسها من جديد.
ابتسم بحنان وهو ممتن بالصدف التي جمعته بها فهو متأكد بأنها ستكون جدة صالحة لحفيده وزوجته قبل أن تكون خير عون له في أيامه القادمة لتعوض غياب حفيده في أي وقت بعد الآن.
التخلي عن ثوب الخديعة الذي مزق داخلك لأيام متواصلة مهمة صعبة لكنها لم تكن مستحيلة أبدًا لذا حينما تقرر البدء من جديد يجب عليك تمزيق ثوب ظللت تعيش في كنفه مدة طويلة.. ثوب خنقكَ وسلب لحظاتٍ كانت ثمينة لكنك لم تدرك ذلك فهنيئًا لك خطوة صالحة تخطوها تجاه هدف لم تره قبلًا بسبب عواصف حياتك المتقلبة لكنكَ مادمت قد استيقظت فاعلم بأنكَ شجاع لأخذ مثل تلك الخطوة في حياتك.
استقبل الصباح بابتسامة مشرقة وأخبره بأنكَ تود أن تحيا دون تعقيدات قد تضر بروحك إلى الأبد، كن شجاع حتى يحترمك القدر فيما بعد ويكون واثق بأنك مهما سقطت سوف يأتي الوقت المناسب لتنهض من جديد دون عقبات قد تنغص عليك أيامك.
........................
السقوط في فخ الذنب لذة ومحاولة الخروج من أسره معصية فأنت اخترت الانزلاق وعليك البقاء هكذا في القاع دون مقاومة.
بعد وفاة إيما المزعوم وعدم وجود أي دليل خلفها فقد الأمل في معرفة أي شيء يوصله بها كذلك فقدانه للكثير من الخيوط بعد اختفاء جثمانها.
انتهت التحقيقات فيما يخص الفندق ورغم إصرار صهيب على إكمال الأمر إلا أنه قرر الاستراحة قليلًا لتصفية ذهنه عن كل أمر قد يشتته فيما بعد، أراد الرحيل لضبط حياته للبدء من جديد بحماس أكبر.
تنهد بضيق وهو يجلس على الشاطئ كعادته في الأيام القليلة الماضية، يقضي معظم وقته أمام البحر ثم يتمشى لمدة ساعتين على الشاطئ وبعدها يعود إلى الفندق مجددًا يأخذ حمام ساخن وينام قليلًا.. وبعدما يستيقظ يهبط مجددًا ويدور في أرجاء المدينة لاكتشاف معالمها.
وفي صباح اليوم التالي قرر السير عكس خطته السابقة لتناول الطعام في الخارج بعدما رشح له أحد أصدقائه مطعم بعينه..
دلف للداخل وكان المكان فارغًا إلا من طاولتين في أقصى زاوية فيه متعللًا بأنه ربما لاقتراب الوقت من الرابعة مساءً.
قطع استرساله في تأمل المكان قدوم شاب بجسد رياضي يبدو وأنه يهتم به كثيرًا "خمن بأنه ربما في نهاية عِقده الثاني" يسأله عن طلبه، ابتسم بهدوء وأخبره بعملية
-شطيرتي لحم وواحد صودا.
قالها طارق إلى أحد العاملين بالمكان وهو يُملي عليه طلبه قبل أن يعاود النظر إلى هاتفه مرة ثانية يتابع بعض الأخبار الهامة المتعلقة بالعمل، أما النادل فقد دوَّن طلبه بابتسامة لبقة وغادر متجهًا إلى الداخل، زفر بهدوء وهو يقول بتعب بعدما لاحظ كثرة الزبائن
- يبدو العمل شاق اليوم سيد أركان.
- لا عليك أنس لكن تأكد من تلبية كافة طلباتهم.
قالها بتبرير ليومأ له الآخر إيجابًا متفهمًا حديثه، فهو قد انضم إليهم منذ ما يقارب الخمسة أشهر حينما افتتحا مطعم للوجبات السريعة بالقرب من الشاطئ، رغم تعلل زوجته بدراسة أنس إلا أن أركان وافق على توظيفه لكن بدوام محدد حتى لا يخل بموعد دروسه أو استذكاره مؤكدًا بأنه حالما يُنهي من دراسته الجامعية سوف يجد وظيفة تنتظره في ذات الوقت بعد تخرجه ليبتهج الصغير مؤكدًا بأنه ممنون له بالفعل.
انتهى الطلب وضرب أركان الجرس جواره لتأتي زوجته بهيأتها التي لا تمت لحياتها السابقة بصلة، والتي اعتاد عليها نؤخرًا تخبره بابتسامة رومانسية
- هل انتهى القائد من إعداد وجبة الضيف!
- بالطبع.
قالها دون تفكير وصاحب قوله بغمزة مشاكسة لتضحك على فعلته لكن ما لبث أن زجرته بنظرة حادة وهو يخبرها بخبث
- لكن أين مكافأتي نظير عملي الشاق!
وقفت صامتة لثوان وهي تضع سبابتها على رأسها علامة التفكير وبعد لحظات أجابته
- يمكنني مضاعفة عملك إلى الضعف مع خفض راتبك للنصف.
اختتمت كلماتها وغادرت ليصاحبها صوته الحانق
- إذن أنا مستقيل من الخدمة لديكِ.
ضحكت بسعادة فكل يوم يحدث نفس الموضوع وهو لا يمل من تكراره على مسامعها في المساء تارة وفي الصباح مرة أخرى مع إضافة بعض البهارات عليه ليصبح جديد عن اليوم السابق له.
اختفت قليلًا بالخارج ليستمع إلى صوت تهشم الطبق ليعقد حاجبيه باندهاش مما حدث، خرج ليعرف ما يحدث بالفعل..
أما إيما والتي اتجهت إلى الخارج مع ابتسامة لم تتلاشى قط جراء مشاكسة زوجها لها، وقفت تتأمل الضيف باندهاش ودقات قلبها تعوي دون سبب واضح، همت بوضع الطلب على الطاولة وأخبرت الضيف بهدوء
- الطلب جاهز سيدي الضيف.
ابتسامتها تلاشت تدريجيـًا وهي تجد الضيف يلتف لها لتتأمل ملامحه الغير غريبة عليها، صديق الأمس القريب وتشعر بأنه ربما أصبح عدو اليوم دون مجهود يُذكر، اتسعت حدقتيها وتعالت وتيرة أنفاسها وهي تجده شبح الماض كما أخبرها أركان سابقًا ليبتسم لها بصدمة هو الآخر وهو يخبرها بهدوء
- سيدة إيما..
مفاجأة من نصيبه فهو لم يتوقع قط بأن ما سئم في البحث عنه قد ظهر أمامه حينما تخلى ومصيبة بالمعنى الحرفي حلت على رؤوسهم جميعًا دون رؤية ما قد ينتظرهم في المستقبل، لم يعلم أيعاتبها أم يضع القيود في يدها ويزجها إلى السجن لبقية حياتها لكن بدلًا من ذلك أخبرها بنبرة هازئة
- ظننتُكِ جثة هامدة لكن يبدو بأن القدر عاندكِ تلك المرة أيضـًا.
رد فعلها في تلك اللحظة هي قشعريرة سرت في كافة أنحاء جسدها جعلتها غير قادرة على التمسك بأي مما تقبض عليه لينزلق من بين يديها بسلاسة قبل أن تختار أقرب مقعد للجلوس عليه وهي تخبره
- دعني أشرح لك.
قالتها وهي تجلس على المقعد لينظر لها بغضب وهو يخبرها بنبرة هازئة
- أي شرح قد تبررين به فعلتكِ آنسة إيما.
وبالرغم من محاولة هدوئه والتحكم بأعصابه إلا أن صوته أصبح غاضب مع تعالي وتيرة أنفاسه الهادرة ليظهر شاب من الخلف لم يقابله من قبل لكن يشعر بأن ملامحه مألوفة بالنسبة له، يشعر بأنه العقل المدبر لكل ما حدث في السابق مع تلك الفتاة بل وقد عاونها في تزييف وفاتها أيضًا.
اقترب منها ووضع يده على كتف إيما يدعمها فهي أخبرته من قبل عن مخاوفها في وصول أحد إلى ماضيها كذلك شعورها بالذنب ناحية طارق فهو سيجلد نفسه بسوط التعب إلى الأبد.
- يبدو بأنكَ اليد الخفية في تزييف وفاتها.
قالها طارق بإقرار موجهًا حديثه إلى أركان الذي جلس على مقعد جوار زوجته وقبض على يدها يبث فيها روح الطمأنينة للرسم الآخر ابتسامة سمجة على وجهه الوسيم ذاك وهو يخبره بهدوء
- إن لم يكن أنا فمَن يكون يا تُرى..
ثم تفحصه بنظرات مستفزة وأكمل بلامبالاة
- أنتَ مثلًا.
اختتم كلماته بضحكة هازئة لينظر له طارق بحقد من تلاعبه المستمر به قبل أن يضع يده في جيب سرواله ويخرج منه قيود وضعها على الطاولة أمامه ليقول بنبرة هادئة
- سيدة إيما أنتِ موقوفة بتهمة الشروع في قتل السيدة حياء خلدون وكذلك اختطافها هي والسيد أوار السعداوي.
حجظت عينيها مما يقول فهي لم تتوقع قط أنه أتى اليوم للزج بها في السجن وقضاء بقية حياتها فيه.
طلب أركان من إيما الدلوف للداخل قليلًا لأنه يود التحدث مع الضيف على انفراد مقررًا إخباره ببعض الحقائق التي قد تشفع لزوجته عنده أو حتى على أقل تقدير يجعله يغادر دون أن يضع نصب عينيه القبض عليها، رفضت في البداية لكنه طمأنها بأن الأمور ستصبح أفضل لذا عليها الثقة به وبناءً عليه نفذت ما أراده دون جدال.
- لنتحدث رجلين لبعض دون تدخل النساء في شؤوننا.
قالها أركان بهدوء ليوافقه طارق على حديثه ذاك وبدأ هو في سرد قصته الخاصة بإيما بداية من رغبة والد معاذ في السيطرة عليها لتصبح كما القنبلة الموقوتة لتدمير العائلة مرورًا بخداع خلدون لوالدها والاستيلاء على أمواله انتهاءً بيحاول انتقامها لكنها أدركت بأنها كانت تنتقم من روحها لا من أي أحد آخر.
تفهم طارق حديثه وأخبره بهدوء
- حياء تنازلت عن حقها في القضية ولم أفهم وقتها السبب في ذلك لكن الصورة اتضحت بعدما أخبرتني أنت بما حدث معها.
استدعى أركان زوجته لتأتي من جديد وأخبرته بهدوء بعدما شعرت بالكثير من الندم يثقل كاهلها ولم تعد تحتمله بعد الآن.
- أتيت للانتقام طارق وكل ذرة داخلي كانت مشحونة ضد الجميع لكن تلاشى كل ذلك حينما أدركت معنى العائلة التي افتقدتها منذ زمن، أردت الكثير ولم يسعفني القدر في ذلك لذا أنا أعتذر منك كثيرًا عن أي أذية قد سببتها لك.
تفهم موقفها مع إحساس بالذنب نحوها رغم أنه ليس طرف في أي من ذلك فكل ما قصه عليه أركان أرغمه على الإعتذار منها لأنها كانت الضحية وتحملت الكثير وحينما أتى وقت حسابها خافت من إكمال ذلك.
- يمكنكِ البدء من جديد إيما وأعدكِ بأني سأكون شقيق لك في وقت الشدة حينما تحتاجين إلي لذا وجب عليكِ التفكير في المستقبل وفقط أيضًا دعي الماض يمر حتى لا تُرهقي روحكِ عزيزتي.
أومأت له بتفهم دون إضافة كلمة إضافية ليقرر المغادرة دون كلمة إضافية لتبتسم هي على حديثه وقبل أن يختفي التف إليها وأخبرها بحنان
- أيضًا في المرة القادمة سوف تعوضيني عن شطيرتي اللحم ذاك.
ابتسمت بحنان وهي تومأ بسعادة فيبدو بأن أيامها السعيدة قد بدأت وما عليها سوى الاستمتاع بها على أتم وجه.
ابتسم لها أركان بشقاوة ليقترب منها بخبث وهو يخبرها بهدوء
- أنا مستقيل سيدة إيما لذا ابحثي عن طباخ آخر.
اختتم كلماته وغادر لتحاول اللحاق به وهي تخبره بلامبالاة
- إن استقلت من الحياة المهنية فأنت لا تستطيع الاستقالة من حياتك الزوجية.
اختتمت كلماتها وقبضت على يده بقوة ليبتسم لها بامتنان مؤكدًا أن اختياره كان الأفضل للجميع.
الحياة لحظات إن لم تستطع التمسك بها فاعلم بأنك غير مستعد لتقبل اي مما قد يحدث معك بعد ذلك لذا عافر حتى لو كانت المحصلة صفر ففي وقت ما تأتي لحظة الازدهار وما عليك سوى العمل الجاد للوصول إليها.
.......................
لن نحيا مادمنا غير قادرين على فهم بعضنا البعض..
لن نحيا مادمنا لم نعرف على تحسين فرص حياتنا حتى لو كان ذلك في سبيل التخلي عن الكثير.
- كيف حال خطيبتي المصون؟
قالها باسل بحنان وهو يجلس على مقعد مقابل لزوجته المستقبلية، نظرت له بنفور وأكملت ما بين يديها ليخبرها بحنق
- هذه ليست طريقة للتعامل مع زوجك المستقبلي سيدتي.
- وكيف تريدني أن اتعامل!
قالتها وهي تحدجه بنظرة حانقة ففي الأمس طلب منها موعد مع والدته لتحديد الموعد المناسب لعقد القران ولم يأتي كذلك لتغتاظ منه فهو غير مسؤول عن صورتها أو حتى صورته أمام والدتها
- سمعتِ عن مبدأ الحنان في التعامل.
- بل مبدأ الهدم يا هذا.
قالتها بإقرار وطالبته بالانصراف ليستمع إلى صوت هاتفها لتجدها والدتها تتصل بها، ابتسمت بتوتر وفتحت الخط لتقول لها الأخرى بحنق
- لم تزعجين باسل يا فتاة.
ارتاح أكثر في جلسته لتنظر له بشك لتستمع إلى والدتها تكمل بهدوء
- لقد أتى إلي واتفقنا على كل شئ لذا لا تزعجيه بعد الآن فهو قد أصبح ابني أيضـًا.
اختتمت كلماتها وأغلقت الخط ليقف هو ويقترب منها بسعادة وهو يضع أمامها عدة أوراق تبعها نبرته الرخيمة
- أتقبلين بي زوجًا في محراب حياتكِ جميلتي.
ابتسمت وهي تقرأ ما أعده لها وكل كلمة تقرأها تشعر فيها بصدق مشاعره من ناحية ومدى تعلقها به وعشقها له من ناحية أخرى لتقف أمامه وهي تخبره بحنان
- أقبل بكَ حبيبًا لن يفرقه الدهر عني سوى بالموت.
السعادة لو تجرأت هلكنا لذا من فضلك خذها قطعة واحدة ولا تنس قط بأنكَ تستحق كل جميل يحدث معك لذا لا تحسد نفسك على أي مما تحصل عليه لأنك كما أخبرتك سابقًا تستحق.
.......................
الحياة مهما كانت صعبة إلا أنه في وجد بعض الأشخاص يمكن تحملها.. العيش بها وعدم الفرار من أي مسؤولية قد تهلك عقلك المحدود وتستنزف مشاعركَ الجياشة.
اجتمعت والدتها السيدة ديما ووالدة أوار بعد عودتهما من المشفى لتقابلا أوار وهو يخبرهم بهدوء حذر
- حياء في الداخل.
قالها وأشار إلى غرفة المكتب لتتجه كلتاهن إلى هناك بدهشة مما يحدث، فحياء اختفت منذ فترة دون أي أثر خلفها والآن ظهرت من جديد.
- كيف الحال سيدة ديما... وأنتِ أيضًا سيدة هدى؟
صعقت كلتاهن حينما وجدنها على مقعد مدولب لتنظرا إلى أوار بعدم فهم ليخبرهم بما اتفق مع حياء على قوله
- حادث على الطريق وتم نقلها إلى المشفى ليخبرنا الطبيب فيما بعد أنها أصبحت أفضل وعدم قدرتها على المشي يعود إلى حالة نفسية تصارعها الآن لكنها ستكون بخير مستقبلًا..
صمت لتنظر كلتاهن إلى حياء الساكنة مكانها ولم تتفوه بأي شئ فقط أوار هو مَن اتخذ دفة الحديث لتقول لها هدى بهدوء
- ستكونين بخير عزيزتي لذا تمسكي بالحياة قدر تحملكِ.
ابتسمت لها الأخرى بامتنان وأكمل أوار بهدوء مفجرًا قنبلته التالية
- أيضًا سأتزوج حياء.
- في حالتها تلك!
قالتها ديما بسخط لينظر لها الجميع بعدم فهم لكن أوار أخبرها بهدوء يحاول اقناعها
- لكنكِ تعلمين خالتي كم كنت أعاني في بُعدها عني لذا أرجوكِ لا تعترضي الآن.
كانت والدته ستؤيد رأي شقيقتها لكن بدلًا من ذلك تمنت لهما السعادة فهي أرادته أن يتزوج وهو أخبرها صريحة بأنه لن يعقد قرانه على أي فتاة سوى حيائه.
- حسنًا إذن لكن بشرط أن يكون جميعنا في منزل واحد للاعتناء بها.
قالتها هدى بعد تفكير طال لتؤيدها ديما في ذلك وأيضًا أركان لينظر إلى حياء وهو يغمز لها من طرف عينه بشقاوة فيبدو بأن الحياة بدأت تبتسم له من جديد.
بعد بعض الوقت غادر الجميع ولم يتبق سواه معها ليحملها من مكانها ذاك ويضعها على أريكة جوار النافذة، ابتسم لها بسعادة وأخبرها بحنان
- وجب عليكِ الاعتياد على حملي لكِ فأنتِ كنتِ كما الحلم بعيد المنال.
اختتم كلماته وتمدد على الأريكة واضعًا رأسه على فخذها لتداعب هي خصلاته بحنان سرعان ما تحول إلى ضحكات عالية بحديثه الهادئ
- أتعلمين كم مرة جلست على ذاك المقعد وتخيلت وجودي هكذا بين يديكِ.
قبض على يدها بسعادة وأغمض عينيه وهو يكمل بحنان
- مبارك على قلبي الظفر بكِ زوجة وحبيبة لن تتخلى عنها روحي يا رفيقة دربي.
طبعت قبلة حانية على جبهته وهي تخبره بهمس بالقرب من أذنه
- مبارك على قلبي وشم اسمك بين جدرانه عزيزي، ومبارك عليَّ التشبث بيدك إلى الأبد.
الحياة تهديك سعادتك في الوقت المناسب بعد إزالة كافة العقبات المرتبطة بها لذا لا تنزعج فوقت حصاد سعادتك لم يأتي بعد حتى لو أنكرت أنت ذلك.
..................
مرحبًا يا صديقي..
ها أنا ذا عدت إليك من جديد بعد وصول حافلتنا إلى وجهتها الأخيرة لذا أرجو منك أن تتقبل كل شئ لأنه لم يعد في مقدوري فعل المزيد..
فالرحلة شارفت على الوصول إلى وجهتها المنشودة لذا وجب على الركاب التزام أماكنهم والخروج في صفوف منظمة حتى لا يصاب أحد بالضرر.. الرجاء الحذر حتى لا يتأذى أحد منكم وتلعنون كل سيء قد يحدث معكم فيما بعد..
الرحلة وصلت إلى وجهتها الأخيرة وحانت اللحظة لأن يضع الكاتب المختل قلمه ويعطي لكل واحد فرصة العيش دون تحكمات من أسفل المجهر..
الوداع عزيزي القارئ عند تلك المحطة لكن تذكر بوجود محطة أخرى قادمة إليك بعد دقائق لكن إن لم تعجبك تلك النهاية فتذكر أن النهايات أخلاق..
#من_بين_الرماد
#أسماء_رمضان

"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن